تفسير الطبري تفسير الصفحة 438 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 438
439
437
 الآية : 31
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِيَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنّ اللّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وَالّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ مِنَ الكِتابِ يا مـحمد, وهو هذا القرآن الذي أنزله الله علـيه هُوَ الـحَقّ يقول: هو الـحقّ علـيك وعلـى أمتك أن تعمل به, وتتبع ما فـيه دون غيره من الكتب التـي أُوحيت إلـى غيرك مُصَدّقا لِـمَا بَـينَ يَدَيْهِ يقول: هو يصدّق ما مضى بـين يديه, فصار أمامه من الكتب التـي أنزلتها إلـى من قبلك من الرسل, كما:
22163ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَالّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ مِنَ الكِتابِ هُوَ الـحَقّ مُصَدّقا لِـمَا بـينَ يَدَيْهِ للكتب التـي خـلت قبله.
وقوله: إنّ اللّهَ بِعِبـادِهِ لـخَبِـيرٌ بَصِيرٌ يقول تعالـى ذكره: إن الله بعبـاده لذو علـم وخبرة بـما يعملون بصير بـما يصلـحهم من التدبـير.
الآية : 32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }.
اختلف أهل التأويـل فـي معنى الكتاب الذي ذكر الله فـي هذه الاَية أنه أورثه الذين اصطفـاهم من عبـاده, ومن الـمصطفون من عبـاده, والظالـم لنفسه, فقال بعضهم: الكتاب: هو الكتب التـي أنزلها الله من قبل الفُرقان, والـمصطفون من عبـاده: أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم, والظالـم لنفسه: أهل الإجرام منهم. ذكر من قال ذلك:
22164ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ... إلـى قوله: الفَضْلُ الكَبِـيرُ هم أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم, ورّثهم الله كل كتاب أنزله, فظالـمهم يغفر له, ومقتصدهم يحاسب حسابـا يسيرا, وسابقهم يدخـل الـجنة بغير حساب.
22165ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو بن قـيس, عن عبد الله بن عيسى, عن يزيد بن الـحارث, عن شقـيق, عن أبـي وائل, عن عبد الله بن مسعود أنه قال: هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القـيامة: ثلث يدخـلون الـجنة بغير حساب, وثلث يحاسبون حسابـا يسيرا, وثلث يجيئون بذنوب عظام, حتـى يقول: ما هؤلاء؟ وهو أعلـم تبـارك وتعالـى, فتقول الـملائكة: هؤلاء جاؤوا بذنوب عظام إلاّ أنهم لـم يُشركوا بك, فـيقول الربّ: أدخـلوا هؤلاء فـي سعة رحمتـي. وتلا عبد الله هذه الاَية: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا.
22166ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا عون, قال: حدثنا عبد الله بن الـحارث بن نوفل, قال: حدثنا كعب الأحبـار أن الظالـم لنفسه من هذه الأمة, والـمقتصد, والسابق بـالـخيرات: كلهم فـي الـجنة ألـم تر أن الله قال: ثُمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا... إلـى قوله: كُلّ كَفُورٍ.
حدثنـي علـيّ بن سعيد الكندي, قال: حدثنا عبد الله بن الـمبـارك, عن عوف, عن عبد الله بن الـحارث بن نوفل, قال: سمعت كعبـا يقول: فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ بإذْنِ اللّهِ قال: كلهم فـي الـجنة, وتلا هذه الاَية: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُـلُونَها.
حدثنا الـحسن بن عرفة, قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري, عن عوف بن أبـي جبلة, قال: حدثنا عبد الله بن الـحارث بن نوفل, قال: حدثنا كعب أن الظالـم من هذه الأمة, والـمقتصد, والسابق بـالـخيرات, كلهم فـي الـجنة ألـم تر أن الله قال: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا... إلـى قوله: لُغُوبِ والذين كفروا لهم نار جهنـم, قال: قال كعب: فهؤلاء أهل النار.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن عوف, قال: سمعت عبد الله بن الـحارث يقول: قال كعب: إن الظالـم لنفسه, والـمقتصد, والسابق بـالـخيرات من هذه الأمة: كلهم فـي الـجنة, ألـم تر أن الله يقول: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا... حتـى بلغ قوله: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُـلُونَها.
22167ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا حميد, عن إسحاق بن عبد الله بن الـحارث عن أبـيه, أن ابن عبـاس سأل كعبـا عن قوله تعالـى: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا... إلـى قوله: بإذْنِ اللّهِ فقال: تـماست مناكبهم ورب الكعبة, ثم أعطوا الفضل بأعمالهم.
22168ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو بن قـيس, عن أبـي إسحاق السبـيعي, فـي هذه الاَية: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا قال: قال أبو إسحاق: أما ما سمعت منذ ستـين سنة, فكلهم ناج.
22169ـ قال: ثنا عمرو, عن مـحمد بن الـحنفـية, قال: إنها أمة مرحومة الظالـم مغفور له, والـمقتصد فـي الـجنات عند الله, والسابق بـالـخيرات فـي الدرجات عند الله.
وقال آخرون: الكتاب الذي أورث هؤلاء القوم, هو شهادة أن لا إله إلاّ الله والـمصطفون هم أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم والظالـم لنفسه منهم هو الـمنافق, وهو فـي النار والـمقتصد, والسابق بـالـخيرات فـي الـجنة. ذكر من قال ذلك:
22170ـ حدثنا أبو عمار الـحسين بن حريث الـمروزي, قال: حدثنا الفضل بن موسى, عن حسين بن واقد, عن يزيد, عن عكرمة, عن عبد الله فَمِنهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ قال: اثنان فـي الـجنة, وواحد فـي النار.
22171ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله ثُمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا... إلـى آخر الاَية, قال: جعل أهل الإيـمان علـى ثلاثة منازل, كقوله: أصحَابُ الشّمالِ ما أصحَابُ الشّمال وأصحَابُ الـيَـمِينِ ما أصحَابُ الـيَـمِينِ والسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولَئِكَ الـمُقَرّبُونَ فهم علـى هذا الـمثال.
22172ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين, عن يزيد, عن عكرمة فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ... الاَية, قال: الاثنان فـي الـجنة, وواحد فـي النار, وهي بـمنزلة التـي فـي الواقعة: وأصحَابُ الـيَـمِينِ ما أصحَابُ الـيَـمِينِ وأصحَابُ الشّمالِ ما أصحَابُ الشّمالِ والسّابِقونَ السّابِقُونَ.
22173ـ حدثنا سهل بن موسى, قال: حدثنا عبد الـمـجيد, عن ابن جريج, عن مـجاهد, فـي قوله: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ قال: هم أصحاب الـمشأمة وَمِنْهُم مُقْتَصِدٌ قال: هم أصحاب الـميـمنة وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْراتِ قال: هم السابقون من الناس كلهم.
22174ـ حدثنا الـحسن بن عرفة قال: حدثنا مروان بن معاوية, قال: قال عوف, قال الـحسن: أما الظالـم لنفسه فإنه هو الـمنافق, سقط هذا. وأما الـمقتصد والسابق بـالـخيرات, فهما صاحبـا الـجنة.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن عوف, قال: قال الـحسن: الظالـم لنفسه: الـمنافق.
22175ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ثمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا شهادة أن لا إله إلاّ الله فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ هذا الـمنافق فـي قول قتادة والـحسن وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ قال: هذا صاحب الـيـمين وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ قال: هذا الـمقرّب. قال قتادة: كان الناس ثلاث منازل فـي الدنـيا, وثلاث منازل عند الـموت, وثلاث منازل فـي الاَخرة. أما الدنـيا, فكانوا: مؤمن, ومنافق, ومشرك. وأما عند الـموت, فإن الله قال: فأمّا إنْ كانَ مِنَ الـمُقَرّبِـينَ فَرْوحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنّةُ نَعِيـمٍ وأمّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ الـيَـمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ الـيَـمينِ وأمّا إنْ كانَ مِنَ الـمُكَذّبِـينَ الضّالّـينَ فَنُزُلٌ منْ حَمِيـمٍ وَتَصْلِـيَةُ جَحِيـمٍ. وأما فـي الاَخرة فكانوا أزواجا ثلاثة, وأصحَابُ الـمَيْـمَنَةِ ما أصحَابُ الـمَيْـمَنَةِ وأصحَابُ الـمَشأمَةِ ما أصحَابُ الـمَشْأَمَةِ والسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولَئِكَ الـمُقَرّبُونَ.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: ثُمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ قال: هم أصحاب الـمشأمة وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد قال: أصحاب الـميـمنة, وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ قال: فهم السابقون من الناس كلهم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: ثُمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ قال: سقط هذا وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ بإذْنِ اللّهِ قال: سبق هذا بـالـخيرات, وهذا مقتصد علـى أثره.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب تأويـل من قال: عنى بقوله: ثُمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا الكتب التـي أُنزلت من قبل الفرقان.
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه, وأمة مـحمد صلى الله عليه وسلم لا يتلون غير كتابهم, ولا يعملون إلاّ بـما فـيه من الأحكام والشرائع؟ قـيـل: إن معنى ذلك علـى غير الذي ذهبت إلـيه, وإنـما معناه: ثم أورثنا الإيـمان بـالكتاب الذين اصطفـينا, فمنهم مؤمنون بكلّ كتاب أنزله الله من السماء قبل كتابهم وعاملون به, لأن كل كتاب أنزل من السماء قبل الفرقان, فإنه يأمر بـالعمل بـالفرقان عند نزوله, وبـاتبـاع من جاء به, وذلك عمل من أقرّ بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وبـما جاء به, وعمل بـما دعاه إلـيه بـما فـي القرآن, وبـما فـي غيره من الكتب التـي أنزلت قبله.
وإنـما قـيـل: عنى بقوله ثُمّ أوْرَثْنا الكتابَ الكتب التـي ذكرنا لأن الله جلّ ثناؤه قال لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم وَالّذِي أوْحَيْنَا إلَـيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الـحَقّ مُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيْهِ ثم أتبع ذلك قوله ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا فكان معلوما, إذ كان معنى الـميراث إنـما هو انتقال معنى من قوم إلـى آخرين, ولـم تكن أمة علـى عهد نبـينا صلى الله عليه وسلم انتقل إلـيهم كتاب من قوم كانوا قبلهم غير أمته, أن ذلك معناه. وإذ كان ذلك كذلك, فبـيّنٌ أن الـمصطفـين من عبـاده هم مؤمنو أمته وأما الظالـم لنفسه, فإنه لأن يكون من أهل الذنوب والـمعاصي التـي هي دون النفـاق والشرك عندي أشبه بـمعنى الاَية من أن يكون الـمنافق أو الكافر, وذلك أن الله تعالـى ذكره أتبع هذه الاَية قوله: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُـلُونَها فعمّ بدخول الـجنة جميع الأصناف الثلاثة.
فإن قال قائل: فإن قوله يَدْخُـلُونَها إنـما عنى به الـمقتصد والسابق قـيـل له: وما برهانك علـى أن ذلك كذلك من خبر أو عقل؟ فإن قال: قـيام الـحجة أن الظالـم من هذه الأمة سيدخـل النار, ولو لـم يدخـل النار من هذه الأصناف الثلاثة أحد وجب أن لا يكون لأهل الإيـمان وعيد قـيـل: إنه لـيس فـي الاَية خبر أنهم لا يدخـلون النار, وإنـما فـيها إخبـار من الله تعالـى ذكره أنهم يدخـلون جنات عَدْن, وجائز أن يدخـلها الظالـم لنفسه بعد عقوبة الله إياه علـى ذنوبه التـي أصابها فـي الدنـيا, وظلـمه نفسه فـيها بـالنار, أو بـما شاء من عقابه, ثم يُدخـله الـجنة, فـيكون مـمن عمه خبر الله جلّ ثناؤه بقوله جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخَـلُونَها.
وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنـحو الذي قلنا فـي ذلك أخبـارٌ, وإن كان فـي أسانـيدها نظر, مع دلـيـل الكتاب علـى صحته علـى النـحو الذي بـيّنت. ذكر الرواية الواردة بذلك:
22176ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا سفـيان عن الأعمش, قال: ذكر أبو ثابت أنه دخـل الـمسجد, فجلس إلـى جنب أبـي الدرداء, فقال: اللهمّ آنس وحشتـي, وارحم غُرْبتـي, ويسّر لـي جلـيسا صالـحا, فقال أبو الدرداء: لئن كنت صادقا لأنا أسعد به منك سأحدّثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لـم أحدّث به منذ سمعته ذَكَرَ هذه الاَية: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ فأما السابق بـالـخيرات, فـيدخـلها بغير حساب, وأما الـمقتصد فـيحاسب حسابـا يسيرا, وأما الظالـم لنفسه فـيصيبه فـي ذلك الـمكان من الغمّ والـحزن, فذلك قوله: الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ.
22177ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة عن الولـيد بن الـمغيرة, أنه سمع رجلاً من ثقـيف حدّث عن رجل من كنانة, عن أبـي سعيد الـخدريّ, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال فـي هذه الاَية: ثُمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ بإذْنِ الله قال: «هؤلاء كلهم بـمنزلة واحدة, وكلهم فـي الـجنة».
وعنى بقوله: الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا: الذين اخترناهم لطاعتنا واجتبـيناهم. وقوله: فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ يقول: فمن هؤلاء الذين اصطفـينا من عبـادنا, من يظلـم نفسه بركوبه الـمآثم, واجترامه الـمعاصي, واقترافه الفواحش وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وهو غير الـمبـالغ فـي طاعة ربه, وغير الـمـجتهد فـيـما ألزمه من خدمة ربه, حتـى يكون عمله فـي ذلك قصدا وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ وهو الـمبرز الذي قد تقدّم الـمـجتهدين فـي خدمة ربه, وأداء ما لزمه من فرائضه, فسبقهم بصالـح الأعمال, وهي الـخيرات التـي قال الله جلّ ثناؤه بِإذْنِ اللّهِ يقول: بتوفـيق الله إياه لذلك.
وقوله: ذَلكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِـيرُ يقول تعالـى ذكره: سبوق هذا السابق من سبقه بـالـخيرات بإذن الله, وهو الفضل الكبـير الذي فضل به من كان مقصّرا عن منزلته فـي طاعة الله من الـمقتصد والظالـم لنفسه.
الآية : 33-34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُواْ الْحَمْدُ للّهِ الّذِيَ أَذْهَبَ عَنّا الْحَزَنَ إِنّ رَبّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ }.
يقول تعالـى ذكره: بساتـين إقامة يدخـلونها هؤلاء الذين أورثناهم الكتاب, الذين اصطفـينا من عبـادنا يوم القـيامة يُحَلّوْنَ فِـيها مِنْ أساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ يـلبسون فـي جنات عدن أسورة من ذهب وَلُؤْلُؤا وَلِبـاسُهُمْ فِـيها حَرِيرٌ يقول: ولبـاسهم فـي الـجنة حرير.
وقوله: وَقالُوا الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ اختلف أهل التأويـل فـي الـحَزَن الذي حمد الله علـى إذهابه عنهم هؤلاء القوم, فقال بعضهم: ذلك الـحزَن الذي كانوا فـيه قبل دخولهم الـجنة من خوف النار, إذ كانوا خائفـين أن يدخـلوها. ذكر من قال ذلك:
22178ـ حدثنـي قتادة بن سعيد بن قتادة السدوسيّ, قال: حدثنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي, قال: حدثنا أبـي, عن عمرو بن مالك, عن أبـي الـجوزاء, عن ابن عبـاس, فـي قوله: الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ قال: حزن النار.
22179ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن يحيى بن الـمختار, عن الـحسن وَإذَا خاطَبَهُمُ الـجاهِلُونَ قالُوا سَلاما قال: إن الـمؤمنـين قوم ذُلُل, ذلّت والله الأسماع والأبصار والـجوارح, حتـى يحسبهم الـجاهل مَرْضَى, وما بـالقوم مرض, وإنهم لأصحة القلوب, ولكن دخـلهم من الـخوف ما لـم يدخـل غيرهم, ومنعهم من الدنـيا علـمهم بـالاَخرة, فقالوا: الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ, والـحَزَن, والله ما حزنهم حزن الدنـيا, ولا تعاظم فـي أنفسهم ما طلبوا به الـجنة أبكاهم الـخوف من النار, وإنه من لا يتعزّ بعزاء الله يقطّع نفسه علـى الدنـيا حسرات, ومن لـم ير لله علـيه نعمة إلاّ فـي مطعم أو مشرب, فقد قلّ علـمه, وحضر عذابه.
وقال آخرون: عُنـي به الـموت. ذكر من قال ذلك:
22180ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن أبـيه, عن عطية, فـي قوله: الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ قال: الـموت.
وقال آخرون: عُنـي به حزن الـخبز. ذكر من قال ذلك:
22181ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن حفص, يعنـي ابن حميد, عن شمر, قال: لـما أدخـل الله أهل الـجنة الـجنة, قالوا الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ قال: حزن الـخبز.
وقال آخرون: عُنـي بذلك: الـحَزَن من التعب الذي كانوا فـيه فـي الدنـيا. ذكر من قال ذلك:
22182ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَقالُوا الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ قال: كانوا فـي الدنـيا يعملون وينصَبون وهم فـي خوف, أو يحزنون.
وقال آخرون: بل عُنـي بذلك الـحزن الذي ينال الظالـم لنفسه فـي موقـف القـيامة. ذكر من قال ذلك:
22183ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, قال: ذكر أبو ثابت أن أبـا الدرداء, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أمّا الظّالِـمُ لِنَفْسِهِ, فَـيُصِيبُهُ فِـي ذَلكَ الـمَكانِ مِنَ الغَمّ والـحَزَنِ, فَذلكَ قَوْلُهُ: الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ».
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله تعالـى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين أكرمهم بـما أكرمهم به أنهم قالوا حين دخـلوا الـجنة الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ وخوف دخول النار من الـحزن, والـجَزَع من الـموت من الـحزن, والـجزع من الـحاجة إلـى الـمطعم من الـحزن, ولـم يخصص الله إذ أخبر عنهم أنهم حمدوه علـى إذهابه الـحزن عنهم نوعا دون نوع, بل أخبر عنهم أنهم عموا جميع أنوع الـحزن بقولهم ذلك, وكذلك ذلك, لأن من دخـل الـجنة فلا حزن علـيه بعد ذلك, فحمدهم علـى إذهابه عنهم حميع معانـي الـحزن.
وقوله: إنّ رَبّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل هذه الأصناف الذين أخبر أنه اصطفـاهم من عبـاده عند دخولهم الـجنة: إن ربنا لغفور لذنوب عبـاده الذين تابوا من ذنوبهم, فساترها علـيهم بعفوه لهم عنهم, شكور لهم علـى طاعتهم إياه, وصالـح ما قدّموا فـي الدنـيا من الأعمال. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22184ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فـي قوله: إنّ رَبّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ لـحسناتهم.
22185ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن حفص, عن شمر إنّ رَبّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ غفر لهم ما كان من ذنب, وشكر لهم ما كان منهم.
الآية : 35
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِيَ أَحَلّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل الذين أدخـلوا الـجنة إنّ رَبّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الّذِي أحَلّنا دَارَ الـمُقامَةِ: أي ربنا الذي أنزلنا هذه الدار, يعنون الـجنة فدار الـمُقامة: دار الإقامة التـي لا نقلة معها عنها, ولا تـحوّل والـميـم إذا ضمت من الـمُقامة, فهي من الإقامة, فإذا فتـحت فهي من الـمـجلس, والـمكان الذي يُقام فـيه, قال الشاعر:
يَوْمانِ يَوْمُ مَقاماتٍ وأنْدِيَةٍوَيَوْمُ سَيْرٍ إلـى الأعْدَاءِ تأْوِيبِ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22186ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة الّذِي أحَلّنا دَارَ الـمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ أقاموا فلا يتـحوّلون.
وقوله: لا يَـمَسّنا فِـيها نَصَبٌ يقول: لا يصيبنا فـيها تعب ولا وجع وَلا يَـمَسّنا فِـيها لُغُوبٌ يعنـي بـاللغوب: العناء والإعياء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22187ـ حدثنا مـحمد بن عبـيد, قال: حدثنا موسى بن عمير, عن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, فـي قوله: لا يَـمَسّنا فِـيها نَصَبٌ وَلا يَـمَسّنا فِـيها لُغُوبٌ قال: اللغوب: العناء.
22188ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لا يَـمَسّنا فِـيها نَصَبٌ: أي وجع.
الآية : 36-37
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنّمَ لاَ يُقْضَىَ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الّذِي كُـنّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مّا يَتَذَكّرُ فِيهِ مَن تَذَكّرَ وَجَآءَكُمُ النّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظّالِمِينَ مِن نّصِيرٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وَالّذِينَ كَفَرُوا بـالله ورسوله لَهُمْ نارُ جَهَنّـمَ يقول: لهم نار جهنـم مخـلّدين فـيها, لا حظّ لهم فـي الـجنة ولا نعيـمها, كما:
22189ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَهُمْ نَارُ جَهَنّـمَ لاَ يُقْضَى عَلَـيْهِمْ بـالـموت فـيـموتوا, لأنهم لو ماتوا لاستراحوا.
وَلا يُخَفّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها يقول: ولا يخفف عنهم من عذاب نار جهنـم بإماتتهم, فـيخفف ذلك عنهم, كما:
22190ـ حدثنـي مُطرّف بن عبد الله الضّبّـي, قال: حدثنا أبو قُتـيبة, قال: حدثنا أبو هلال الراسبـيّ, عن قتادة عن أبـي السوداء, قال: مساكين أهل النار لا يـموتون, لو ماتوا لاستراحوا.
22191ـ حدثنـي عقبة عن سنان القزاز, قال: حدثنا غَسان بن مضر, قال: حدثنا سعيد بن يزيد وحدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن سعيد بن يزيد وحدثنا سَوّار بن عبد الله, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, حدثنا أبو سَلَـمة, عن أبـي نضرة, عن أبـي سعيد, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا أهْلُ النّارالّذِينَ هُمْ أهْلُها فإنّهُمْ لا يَـمُوتُونَ فِـيها ولا يَحْيَوْنَ, لكنّ ناسا أو كما قال تُصِيبُهُمْ النّارُ بِذُنُوبِهِمْ, أو قال: بِخَطاياهُمْ, فَـيُـمِيتُهُمْ إماتَةً حتـى إذَا صَارُوا فَحْما أَذِنَ فِـي الشّفـاعَةِ, فَجِيءَ بِهِمْ ضَبـائِرَ, فَبُثّوا علـى أهْلِ الـجَنّةِ, فَقالَ: يا أهلَ الـجَنّةِ أفِـيضُوا عَلَـيْهِمْ فَـيَنْبُتَونَ كمَا تَنْبُتُ الـحَبّةُ فِـي حَمِيـلِ السّيْـلِ» فقال رجل من القوم حينئذٍ: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بـالبـادية.
فإن قال قائل: وكيف قـيـل: ولاَ يخَفّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِهَا وقد قـيـل فـي موضع آخر: كُلّـما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيرا؟ قـيـل: معنى ذلك: ولا يخفف عنهم من هذا النوع من العذاب.
وقوله: كَذَلكَ نَـجْزِي كُلّ كَفُورٍ يقول تعالـى ذكره: هكذا يكافـىء كلّ جحود لنعم ربه يوم القـيامة, بأن يدخـلهم نار جهنـم بسيئاتهم التـي قدّموها فـي الدنـيا.
وقوله: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِـيها رَبّنا أخْرِجْنا نَعْمَلْ صَالِـحا غيرَ الّذِي كُنّا نعملُ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الكفـار يستغيثون, ويضجون فـي النار, يقولون: يا ربنا أخرجنا نعمل صالـحا: أي نعمل بطاعتك غَيرَ الّذِي كُنّا نَعْمَلُ قبلُ من معاصيك. وقوله: يَصْطَرخُونَ يفتعلون من الصّراخ, حوّلتْ تاؤها طاء لقرب مخرجها من الصاد لـما ثَقُلت.
وقوله: أوَ لَـمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِـيهِ مَنْ تَذَكّرَ اختلف أهل التأويـل فـي مبلغ ذلك, فقال بعضهم: ذلك أربعون سنة. ذكر من قال ذلك:
22192ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خُثَـيـم, عن مـجاهد, قال: سمعت ابن عبـاس يقول: العمر الذي أعذر الله إلـى ابن آدم أوَ لَـمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِـيهِ مَنْ تَذَكّرَ: أربعون سنة.
22193ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن مـجالد, عن الشعبـي, عن مسروق أنه كان يقول: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة, فلـيأخذ حِذْره من الله.
وقال آخرون: بل ذلك ستون سنة. ذكر من قال ذلك:
22194ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن خُثَـيْـم, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس أو لَـمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِـيهِ مَنْ تَذَكّرَ قال: ستون سنة.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت عبد الله بن عثمان بن خُثَـيْـم, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, قال: العمر الذي أعذر الله فـيه لابن آدم ستون سنة.
22195ـ حدثنا علـيّ بن شعيب, قال: حدثنا مـحمد بن إسماعيـل بن أبـي كديك, عن إبراهيـم بن الفضل, عن أبـي حسين الـمكيّ, عن عطاء بن أبـي رَبـاح, عن ابن عبـاس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا كانَ يَوْمُ القِـيامَةِ نُودِيَ: أيْنَ أبْناءُ السّتّـينَ, وَهُوَ العُمُرُ الّذِي قالَ اللّهُ: أوَ لَـمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِـيهِ مَنْ تَذَكّرَ وَجاءَكُمُ النّذِيرُ».
22196ـ حدثنـي أحمد بن الفرج الـحِمْصِيّ, قال: حدثنا بقـية بن الولـيد, قال: حدثنا مُطَرّف بن مازن الكنانـيّ, قال: ثنـي معمر بن راشد, قال: سمعت مـحمد بن عبد الرحمن الغفـاريّ يقول: سمعت أبـا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ أَعْذَرَ اللّهُ إلـى صَاحِبِ السّتّـينَ سَنَةً والسّبْعِينَ».
22197ـ حدثنا أبو صالـح الفزاري, قال: حدثنا مـحمد بن سوار, قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القاريّ الإسكندريّ, قال: حدثنا أبو حازم, عن سعيد الـمقبريّ, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمّرَهُ اللّهُ سِتّـينَ سَنَةً فَقَدْ أعْذَرَ إلَـيْهِ فِـي العُمْرِ».
22198ـ حدثنا مـحمد بن سوار, قال: حدثنا أسد بن حميد, عن سعيد بن طريف, عن الأصبغ بن نبـاتة, عن علـيّ رضي الله عنه, فـي قوله: أوَ لَـمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِـيهِ مَنْ تَذَكّرَ وَجاءَكُمُ النّذِيرُ قال: العمر الذي عمركم الله به ستون سنة.
وأشبه القولـين بتأويـل الاَية إذ كان الـخبر الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرا فـي إسناده بعض من يَجِب التثبت فـي نقله, قول من قال ذلك أربعون سنة, لأن فـي الأربعين يتناهى عقل الإنسان وفهمه, وما قبل ذلك وما بعده منتقَص عن كماله فـي حال الأربعين.
وقوله: وَجاءَكُمُ النّذيرُ اختلف أهل التأويـل فـي معنى النذير, فقال بعضهم: عنى به مـحمدا صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
22199ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَجاءَكُمُ النّذِيرُ قال: النذير: النبـيّ. وقرأ: هذا نَذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الأُولـى.
وقـيـل: عَنَى به الشيب. فتأويـل الكلام إذن: أو لـم نعمركم يا معشر الـمشركين بـالله من قُرَيش من السنـين, ما يتذكر فـيه من تذكر, من ذوي الألبـاب والعقول, واتعظ منهم من اتعظ, وتاب من تاب, وجاءكم من الله منذر يُنذركم ما أنتـم فـيه الـيوم من عذاب الله, فلـم تتذكّروا مواعظ الله, ولـم تقبلوا من نذير الله الذي جاءكم ما أتاكم به من عند ربكم.
الآية : 37-38
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الّذِي كُـنّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مّا يَتَذَكّرُ فِيهِ مَن تَذَكّرَ وَجَآءَكُمُ النّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظّالِمِينَ مِن نّصِيرٍ * إِنّ اللّهَ عَالِمُ غَيْبِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ }.
يقول تعالـى ذكره: فَذُوقُوا نار عذاب جهنـم الذي قد صَلِـيتـموه أيها الكافرون بـالله فَمَا للظّالِـمِينَ مِنْ نَصِير يقول: فما للكافرين الذين ظلـموا أنفسهم فأكسَبُوها غضب الله بكفرهم بـالله فـي الدنـيا من نصير ينصرهم من الله لـيستنقذهم من عقابه. وقوله: إنّ اللّهَ عالِـمُ غَيْبِ السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول تعالـى ذكره: إن الله عالـم ما تُـخْفون أيها الناس فـي أنفسكم وتُضْمرونه, وما لـم تضمروه ولـم تنوُوه مـما ستنوُونه, وما هو غائب عن أبصاركم فـي السموات والأرض, فـاتقوه أن يَطّلع علـيكم, وأنتـم تضمرون فـي أنفسكم من الشكّ فـي وحدانـية الله, أو فـي نبوّة مـحمد, غير الذي تبدونه بألسنتكم, إِنّه عَلِـيـمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ