﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾
[ النساء: 35]

سورة : النساء - An-Nisa  - الجزء : ( 5 )  -  الصفحة: ( 84 )

If you fear a breach between them twain (the man and his wife), appoint (two) arbitrators, one from his family and the other from her's; if they both wish for peace, Allah will cause their reconciliation. Indeed Allah is Ever All-Knower, Well-Acquainted with all things.


وإن علمتم -يا أولياء الزوجين- شقاقًا بينهما يؤدي إلى الفراق، فأرسلوا إليهما حكمًا عدلا من أهل الزوج، وحكمًا عدلا من أهل الزوجة؛ لينظرا ويحكما بما فيه المصلحة لهما، وبسبب رغبة الحكمين في الإصلاح، واستعمالهما الأسلوب الطيب يوفق الله بين الزوجين. إن الله تعالى عليم، لا يخفى عليه شيء من أمر عباده، خبير بما تنطوي عليه نفوسهم.

وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن - تفسير السعدي

أي: وإن خفتم الشقاق بين الزوجين والمباعدة والمجانبة حتى يكون كل منهما في شق { فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا }- أي: رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق.
وهذا مستفاد من لفظ "الحكم" لأنه لا يصلح حكما إلا من اتصف بتلك الصفات.
فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب، فإن لم يستطع أحدهما ذلك، قنَّعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق، ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلا عنه.
فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما.
ولا يشترط رضا الزوج، كما يدل عليه أن الله سماهما حكمين، والحكم يحكم ولو لم يرض المحكوم عليه، ولهذا قال: { إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا }- أي: بسبب الرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب ويؤلف بين القرينين.
{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا }- أي: عالمًا بجميع الظواهر والبواطن، مطلعا على خفايا الأمور وأسرارها.
فمن علمه وخبره أن شرع لكم هذه الأحكام الجليلة والشرائع الجميلة.

تفسير الآية 35 - سورة النساء

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من : الآية رقم 35 من سورة النساء

 سورة النساء الآية رقم 35

وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن - مكتوبة

الآية 35 من سورة النساء بالرسم العثماني


﴿ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا  ﴾ [ النساء: 35]


﴿ وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا ﴾ [ النساء: 35]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة النساء An-Nisa الآية رقم 35 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 35 من النساء صوت mp3


تدبر الآية: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن

إذا لم ينجَع العلاج الداخليُّ فلا بأسَ بالاستشفاء بالعلاج الخارجيِّ.
صلاح ذات البَين بين الزوجين إنما يكون بتوفيق الخالق، وما على الخلق إلا السعيُ للإصلاح ما وسعهم ذلك، مع سؤال الله التوفيقَ والسَّداد.

ثم بين- سبحانه - ما يجب عمله إذا ما نشب خلاف بين الزوجين فقال-تبارك وتعالى-: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها، إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.
والمراد بالخوف هنا العلم.
والخطاب لولاة الأمور وصلحاء الأمة.
وقيل لأهل الزوجين.
والمراد بالشقاق ما يحصل بين الزوجين من خلاف ومعاداة.
وسمى الخلاف شقاقا لأن المخالف يفعل ما يشق على صاحبه، أو لأن كل واحد من الزوجين صار في شق وجانب غير الذي فيه صاحبه.
وقوله شِقاقَ بَيْنِهِما أصله شقاقا بينهما.
فأضيف الشقاق إلى الظرف إما على إجرائه مجرى المفعول فيه اتساعا.
كقوله-تبارك وتعالى- بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ.
وأصله بل مكر في الليل والنهار.
وإما على إجرائه مجرى الفاعل بجعل البين مشاقا والليل والنهار ماكرين.
كما في قولك:نهارك صائم.
والمعنى: وإن علمتم أيها المؤمنون أن هناك خلافا بين الزوجين قد يتسبب عنه النفور الشديد، وانقطاع حبال الحياة الزوجية بينهما، ففي هذه الحالة عليكم أن تبعثوا حَكَماًأى رجلا صالحا عاقلا أهلا للإصلاح ومنع الظالم من الظلم مِنْ أَهْلِهِ أى من أهل الزوج وأقاربه وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها أى من أقارب الزوجة بحيث يكون على صفة الأول: لأن الأقارب في الغالب أعرف ببواطن الأحوال، وأطلب للإصلاح، وتسكن إليهم النفس أكثر من غيرهم.
وعلى الحكمين في هذه الحالة أن يستكشفا حقيقة الخلاف، وان يعرفا هل الإصلاح بين الزوجين ممكن أو أن الفراق خير لهما؟.
وظاهر الأمر في قوله فَابْعَثُوا أنه للوجوب، لأنه من باب رفع المظالم ورفع المظالم من الأمور الواجبة على الحكام.
وظاهر وصف الحكمين بأن يكون أحدهما من أهل الزوج والثاني من أهل الزوجة، أن ذلك شرط على سبيل الوجوب، إلا أن كثيرا من العلماء حمله على الاستحباب، وقالوا: إذا بعث القاضي بحكمين من الأجانب جاز ذلك، لأن فائدة بعث الحكمين استطلاع حقيقة الحال بين الزوجين، وهذا أمر يستطيعه الأقارب وغير الأقارب إلا أنه يستحب الأقارب فيه لأنهم أعرف بأحوال الزوجين، وأشد طلبا للإصلاح، وأبعد عن الظنة والريبة، وأقرب إلى أن تسكن إليهم النفس.
والضمير في قوله-تبارك وتعالى- إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يجوز أن يعود للحكمين ويجوز أن يكون للزوجين.
وكذلك الضمير في قوله يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما يحتمل أن يكون للحكمين وأن يكون للزوجين.
والأولى جعل الضمير الأول للحكمين والثاني للزوجين فيكون المعنى: إن يريدا أى الحكمان إصلاحا بنية صحيحة وعزيمة صادقة، يوفق الله بين الزوجين بإلقاء الألفة والمودة في نفسيهما، وانتزاع أسباب الخلاف من قلبيهما.
هذا، وقد اختلف العلماء فيما يتولاه الحكمان، أيتوليان الجمع والتفريق بين الزوجين بدون إذنهما أم ليس لهما تنفيذ أمر يتعلق بالزوجين إلا بعد استئذانهما؟.
يرى بعضهم أن للحكمين أن يلزما الزوجين بما يريانه بدون إذنهما، لأن الله-تبارك وتعالى- سماهما حكمين، والحكم هو الذي يحسم الخلاف بما تقتضيه المصلحة سواء أرضى المحكوم عليه أم لم يرض ولأن القاضي هو الذي كلفهما بهذه المهمة فلهما أن يتصرفا بما يريانه خيرا بدون إذن الزوجين ولأن عليا- رضى الله عنه- عند ما بعث الحكمين لحسم الخلاف الذي نشب بين أخيه عقيل وبين زوجته قال لهما: أتدريان ما عليكما؟ إن عليكما إن رأيتم أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما ...
وإلى هذا الرأى اتجه ابن عباس والشعبي ومالك وأحمد بن حنبل وغيرهم.
ويرى الحسن وأبو حنيفة وغيرهما أنه ليس للحكمين أن يفرقا بين الزوجين إلا برضاهما لأنهما وكيلان للزوجين، ولأن الآية الكريمة قد بينت أن عملهما هو الإصلاح فإن عجزا عنه فقد انتهت مهمتهما، ولأن الطلاق من الزوج وحده، ولا يتولاه غيره إلا بالنيابة عنه.
ثم ختم- سبحانه - الآية الكريمة بقوله: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً أى: إنه- سبحانه - عليم بظواهر الأمور وبواطنها.
خبير بأحوال النفوس وطرق علاجها، ولا يخفى عليه شيء من تصرفات الناس وأعمالهم، وسيحاسبهم عليها.
فالجملة الكريمة تذييل المقصود منه الوعيد للحكمين إذا ما سلكوا طريقا يخالف الحق والعدل.
وبهذا نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد بينتا جانبا هاما مما يجب للرجال على النساء، ومما يجب للنساء على الرجال، فقد مدحت أولاهما النساء الصالحات المطيعات الحافظات لحق أزواجهن، ورسمت العلاج الناجع الذي يجب على الرجال أن يستعملوه إذا ما حدث نشوز من زوجاتهم، وحذرت الرجال من البغي على النساء إذا ما تركن النشوز وعدن إلى الطاعة والاستقامة فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً.
ثم طلبت الآية الثانية من ولاة الأمور وصلحاء الأمة أن يتدخلوا بين الزوجين إذا ما نشب خلاف بينهما، وأن يكون هذا التدخل عن طريق حكمين عدلين عاقلين يتوليان الإصلاح بينهما، ويقضيان بما فيه مصلحة الزوجين، وقد وعد- سبحانه - بالتوفيق بين الزوجين متى صلحت النيات، وصفت النفوس، ومالت القلوب نحو التسامح والتعاطف قال-تبارك وتعالى- إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.
وبهذا التشريع الحكيم تسعد الأمم والأسر، وتنال ما تصبو إليه من رقى واستقرار.
وبعد هذا البيان الحكيم الذي ساقته السورة الكريمة فيما يتعلق بأحكام الأسرة ووسائل استقرارها، وعلاج ما يكون بين الزوجين من أسباب النزاع ...
بعد هذا البيان الحكيم عن ذلك أخذت السورة الكريمة في دعوة الناس إلى عبادة الله وحده، وإلى التحلي بمكارم الأخلاق، ونهتهم عن الإشراك بالله-تبارك وتعالى-، وعن الغرور والبخل والرياء، وغير ذلك من الأعمال التي ترضى الشيطان وتغضب الرحمن فقال-تبارك وتعالى-:
قوله تعالى : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرافيه خمس مسائل :الأولى : قوله تعالى وإن خفتم شقاق بينهما قد تقدم معنى الشقاق في " البقرة " .
فكأن كل واحد من الزوجين يأخذ شقا غير شق صاحبه ، أي ناحية غير ناحية صاحبه .
والمراد إن خفتم شقاقا بينهما ؛ فأضيف المصدر إلى الظرف كقولك : يعجبني سير الليلة المقمرة ، وصوم يوم عرفة .
وفي التنزيل : بل مكر الليل والنهار .
وقيل : إن " بين " أجري مجرى الأسماء وأزيل عنه الظرفية ؛ إذ هو بمعنى حالهما وعشرتهما ، أي وإن خفتم تباعد عشرتهما وصحبتهما فابعثوا .
وخفتم على الخلاف المتقدم .
قال سعيد بن جبير : الحكم أن يعظها أولا ، فإن قبلت وإلا هجرها ، فإن هي قبلت وإلا ضربها ، فإن هي قبلت وإلا بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها ، فينظران ممن الضرر ، وعند ذلك يكون الخلع .
وقد قيل : له أن يضرب قبل الوعظ .
والأول أصح لترتيب ذلك في الآية .
الثانية : والجمهور من العلماء على أن المخاطب بقوله : " وإن خفتم " الحكام والأمراء .
وأن قوله : إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما يعني الحكمين ؛ في قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما .
أي إن يرد الحكمان إصلاحا يوفق الله بين الزوجين .
وقيل : المراد الزوجان ؛ أي إن يرد الزوجان إصلاحا وصدقا فيما أخبرا به الحكمين يوفق الله بينهما .
وقيل : الخطاب للأولياء .
يقول : إن خفتم أي علمتم خلافا بين الزوجين فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها والحكمان لا يكونان إلا من أهل الرجل والمرأة ؛ إذ هما أقعد بأحوال الزوجين ، ويكونان من أهل العدالة وحسن النظر والبصر بالفقه .
فإن لم يوجد من أهلهما من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما عدلين عالمين ؛ وذلك إذا أشكل أمرهما ولم يدر ممن الإساءة منهما .
فأما إن عرف الظالم فإنه يؤخذ منه الحق لصاحبه ويجبر على إزالة الضرر .
ويقال : إن الحكم من أهل الزوج يخلو به ويقول له : أخبرني بما في نفسك أتهواها أم لا حتى أعلم مرادك ؟ فإن قال : لا حاجة لي فيها خذ لي منها ما استطعت وفرق بيني وبينها ، فيعرف أن من قبله النشوز .
وإن قال : إني أهواها فأرضها من مالي بما شئت ولا تفرق بيني وبينها ، فيعلم أنه ليس بناشز .
ويخلو الحكم من جهتها بالمرأة ويقول لها : أتهوين زوجك أم لا ؛ فإن قالت : فرق بيني وبينه وأعطه من مالي ما أراد ؛ فيعلم أن النشوز من قبلها .
وإن قالت : لا تفرق بيننا ولكن حثه على أن يزيد في نفقتي ويحسن إلي ، علم أن النشوز ليس من قبلها .
فإذا ظهر لهما الذي كان النشوز من قبله يقبلان عليه بالعظة والزجر والنهي ؛ فذلك قوله تعالى : فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها .
الثالثة : قال العلماء : قسمت هذه الآية النساء تقسيما عقليا ؛ لأنهن إما طائعة وإما ناشز ؛ والنشوز إما أن يرجع إلى الطواعية أو لا .
فإن كان الأول تركا ؛ لما رواه النسائي أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فكان إذا دخل عليها تقول : يا بني هاشم ، والله لا يحبكم قلبي أبدا ! أين الذين أعناقهم كأباريق الفضة ! ترد أنوفهم قبل شفاههم ، أين عتبة بن ربيعة ، أين شيبة بن ربيعة ؛ فيسكت عنها ، حتى دخل عليها يوما وهو برم فقالت له : أين عتبة بن ربيعة ؟ فقال : على يسارك في النار إذا دخلت ؛ فنشرت عليها ثيابها ، فجاءت عثمان فذكرت له ذلك ؛ فأرسل ابن عباس ومعاوية ، فقال ابن عباس : لأفرقن بينهما ؛ وقال معاوية : ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف .
فأتياهما فوجداهما قد سدا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما .
فإن وجداهما قد اختلفا ولم يصطلحا وتفاقم أمرهما سعيا في الألفة جهدهما ، وذكرا بالله وبالصحبة .
فإن أنابا ورجعا تركاهما ، وإن كانا غير ذلك ورأيا الفرقة فرقا بينهما .
وتفريقهما جائز على الزوجين ؛ وسواء وافق حكم قاضي البلد أو خالفه ، وكلهما الزوجان بذلك أو لم يوكلاهما .
والفراق في ذلك طلاق بائن .
وقال قوم : ليس لهما الطلاق ما لم يوكلهما الزوج في ذلك ، وليعرفا الإمام ؛ وهذا بناء على أنهما رسولان شاهدان .
ثم الإمام يفرق إن أراد ويأمر الحكم بالتفريق .
وهذا أحد قولي الشافعي ؛ وبه قال الكوفيون ، وهو قول عطاء وابن زيد والحسن ، وبه قال أبو ثور .
والصحيح الأول ، لأن للحكمين التطليق دون توكيل ؛ وهو قول مالك والأوزاعي وإسحاق وروي عن عثمان وعلي وابن عباس ، وعن الشعبي والنخعي ، وهو قول الشافعي ؛ لأن الله تعالى قال : فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها وهذا نص من الله سبحانه بأنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان .
وللوكيل اسم في الشريعة ومعنى ، وللحكم اسم في الشريعة ومعنى ؛ فإذا بين الله كل واحد منهما فلا ينبغي لشاذ - فكيف لعالم - أن يركب معنى أحدهما على الآخر ! .
وقد روى الدارقطني من حديث محمد بن سيرين عن عبيدة في هذه الآية وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها قال : جاء رجل وامرأة إلى علي مع كل واحد منهما فئام من الناس فأمرهم فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، وقال للحكمين : هل تدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما .
فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي .
وقال الزوج : أما الفرقة فلا .
فقال علي : كذبت ، والله لا تبرح حتى تقر بمثل الذي أقرت به .
وهذا إسناد صحيح ثابت روي عن علي من وجوه ثابتة عن ابن سيرين عن عبيدة ؛ قاله أبو عمر .
فلو كانا وكيلين أو شاهدين لم يقل لهما : أتدريان ما عليكما ؟ إنما كان يقول : أتدريان بما وكلتما ؟ وهذا بين .
احتج أبو حنيفة بقول علي رضي الله عنه للزوج : لا تبرح حتى ترضى بما رضيت به .
فدل على أن مذهبه أنهما لا يفرقان إلا برضا الزوج ، وبأن الأصل المجتمع عليه أن الطلاق بيد الزوج أو بيد من جعل ذلك إليه .
وجعله مالك ومن تابعه من باب طلاق السلطان على المولى والعنين .
الرابعة : فإن اختلف الحكمان لم ينفذ قولهما ولم يلزم من ذلك شيء إلا ما اجتمعا عليه .
وكذلك كل حكمين حكما في أمر ؛ فإن حكم أحدهما بالفرقة ولم يحكم بها الآخر ، أو حكم أحدهما بمال وأبى الآخر فليسا بشيء حتى يتفقا .
وقال مالك في الحكمين يطلقان ثلاثا قال : تلزم واحدة وليس لهما الفراق بأكثر من واحدة بائنة ؛ وهو قول ابن القاسم .
وقال ابن القاسم أيضا : تلزمه الثلاث إن اجتمعا عليها ؛ وقاله المغيرة وأشهب وابن الماجشون وأصبغ .
وقال ابن المواز : إن حكم أحدهما بواحدة والآخر بثلاث فهي واحدة .
وحكى ابن حبيب عن أصبغ أن ذلك ليس بشيء .
الخامسة : ويجزئ إرسال الواحد ؛ لأن الله سبحانه حكم في الزنى بأربعة شهود ، ثم قد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة الزانية أنيسا وحده وقال له : إن اعترفت فارجمها وكذلك قال عبد الملك في المدونة .
قلت : وإذا جاز إرسال الواحد فلو حكم الزوجان واحدا لأجزأ ، وهو بالجواز أولى إذا رضيا بذلك ، وإنما خاطب الله بالإرسال الحكام دون الزوجين .
فإن أرسل الزوجان حكمين وحكما نفذ حكمهما ؛ لأن التحكيم عندنا جائز ، وينفذ فعل الحكم في كل مسألة .
هذا إذا كان كل واحد منهما عدلا ، ولو كان غير عدل قال عبد الملك : حكمه منقوض ؛ لأنهما تخاطرا بما لا ينبغي من الغرر .
قال ابن العربي : والصحيح نفوذه ؛ لأنه إن كان توكيلا ففعل الوكيل نافذ ، وإن كان تحكيما فقد قدماه على أنفسهما وليس الغرر بمؤثر فيه كما لم يؤثر في باب التوكيل ، وباب القضاء مبني على الغرر كله ، وليس يلزم فيه معرفة المحكوم عليه بما يئول إليه الحكم .
قال ابن العربي : مسألة الحكمين نص الله عليها وحكم بها عند ظهور الشقاق بين الزوجين ، واختلاف ما بينهما .
وهي مسألة عظيمة اجتمعت الأمة على أصلها في البعث ، وإن اختلفوا في تفاصيل ما ترتب عليه .
وعجبا لأهل بلدنا حيث غفلوا عن موجب الكتاب والسنة في ذلك وقالوا : يجعلان على يدي أمين ؛ وفي هذا من معاندة النص ما لا يخفى عليكم ، فلا بكتاب الله ائتمروا ولا بالأقيسة اجتزءوا .
وقد ندبت إلى ذلك فما أجابني إلى بعث الحكمين عند الشقاق إلا قاض واحد ، ولا بالقضاء باليمين مع الشاهد إلا آخر ، فلما ملكني الله الأمر أجريت السنة كما ينبغي .
ولا تعجب لأهل بلدنا لما غمرهم من الجهالة ، ولكن اعجب لأبي حنيفة ليس للحكمين عنده خبر ، بل اعجب مرتين للشافعي فإنه قال : الذي يشبه ظاهر الآية أنه فيما عم الزوجين معا حتى يشتبه فيه حالاهما .
قال : وذلك أني وجدت الله عز وجل أذن في نشوز الزوج بأن يصطلحا وأذن في خوفهما ألا يقيما حدود الله بالخلع وذلك يشبه أن يكون برضا المرأة .
وحظر أن يأخذ الزوج مما أعطى شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج ؛ فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينهما بالحكمين دل على أن حكمهما غير حكم الأزواج ، فإذا كان كذلك بعث حكما من أهله وحكما من أهلها ، ولا يبعث الحكمين إلا مأمونين برضا الزوجين وتوكيلهما بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك .
وذلك يدل على أن الحكمين وكيلان للزوجين .
قال ابن العربي : هذا منتهى كلام الشافعي ، وأصحابه يفرحون به وليس فيه ما يلتفت إليه ولا يشبه نصابه في العلم ، وقد تولى الرد عليه القاضي أبو إسحاق ولم ينصفه في الأكثر .
أما قوله : " الذي يشبه ظاهر الآية أنه فيما عم الزوجين " فليس بصحيح بل هو نصه ، وهي من أبين آيات القرآن وأوضحها جلاء ؛ فإن الله تعالى قال : الرجال قوامون على النساء - ومن خاف من امرأته نشوزا وعظها ، فإن أنابت وإلا هجرها في المضجع ، فإن ارعوت وإلا ضربها ، فإن استمرت في غلوائها مشى الحكمان إليهما .
وهذا إن لم يكن نصا فليس في القرآن بيان .
ودعه لا يكون نصا ، يكون ظاهرا ؛ فأما أن يقول الشافعي : يشبه الظاهر فلا ندري ما الذي أشبه الظاهر ؟ .
ثم قال : " وأذن في خوفهما ألا يقيما حدود الله بالخلع وذلك يشبه أن يكون برضا المرأة ، بل يجب أن يكون كذلك وهو نصه " .
ثم قال : " فلما أمر بالحكمين علمنا أن حكمهما غير حكم الأزواج ، ويجب أن يكون غيره بأن ينفذ عليهما من غير اختيارهما فتتحقق الغيرية .
فأما إذا أنفذا عليهما ما وكلاهما به فلم يحكما بخلاف أمرهما فلم تتحقق الغيرية " .
وأما قوله " برضى الزوجين وتوكيلهما " فخطأ صراح ؛ فإن الله سبحانه خاطب غير الزوجين إذا خاف الشقاق بين الزوجين بإرسال الحكمين ، وإذا كان المخاطب غيرهما كيف يكون ذلك بتوكيلهما ، ولا يصح لهما حكم إلا بما اجتمعا عليه .
هذا وجه الإنصاف والتحقيق في الرد عليه .
وفي هذه الآية دليل على إثبات التحكيم ، وليس كما تقول الخوارج إنه ليس التحكيم لأحد سوى الله تعالى .
وهذه كلمة حق ولكن يريدون بها الباطل .


شرح المفردات و معاني الكلمات : خفتم , شقاق , بينهما , فابعثوا , حكما , أهله , حكما , أهلها , يريدا , إصلاحا , يوفق , الله , عليما , خبيرا ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم


تحميل سورة النساء mp3 :

سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء

سورة النساء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النساء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النساء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النساء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النساء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النساء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النساء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النساء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النساء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النساء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Tuesday, December 17, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب