﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
[ المائدة: 54]

سورة : المائدة - Al-Maidah  - الجزء : ( 6 )  -  الصفحة: ( 117 )

O you who believe! Whoever from among you turns back from his religion (Islam), Allah will bring a people whom He will love and they will love Him; humble towards the believers, stern towards the disbelievers, fighting in the Way of Allah, and never afraid of the blame of the blamers. That is the Grace of Allah which He bestows on whom He wills. And Allah is All-Sufficient for His creatures' needs, All-Knower.


أذلة على المؤمنين : عاطفين عليهم رحماء بهم
أعزة على الكافرين : أشداء عليهم غلظاء
لومة لائم : اعتراض معترض في نصرهم الدين
الله واسع : كثير الفضل والجود

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه من يرجع منكم عن دينه، ويستبدل به اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك، فلن يضرُّوا الله شيئًا، وسوف يأتي الله بقوم خير منهم يُحِبُّهم ويحبونه، رحماء بالمؤمنين أشدَّاء على الكافرين، يجاهدون أعداء الله، ولا يخافون في ذات الله أحدًا. ذلك الإنعام مِن فضل الله يؤتيه من أراد، والله واسع الفضل، عليم بمن يستحقه من عباده.

ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم - تفسير السعدي

يخبر تعالى أنه الغني عن العالمين، وأنه من يرتد عن دينه فلن يضر الله شيئا، وإنما يضر نفسه.
وأن لله عبادا مخلصين، ورجالا صادقين، قد تكفل الرحمن الرحيم بهدايتهم، ووعد بالإتيان بهم، وأنهم أكمل الخلق أوصافا، وأقواهم نفوسا، وأحسنهم أخلاقا، أجلُّ صفاتهم أن الله { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ْ} فإن محبة الله للعبد هي أجل نعمة أنعم بها عليه، وأفضل فضيلة، تفضل الله بها عليه، وإذا أحب الله عبدا يسر له الأسباب، وهون عليه كل عسير، ووفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات، وأقبل بقلوب عباده إليه بالمحبة والوداد.
ومن لوازم محبة العبد لربه، أنه لابد أن يتصف بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، في أقواله وأعماله وجميع أحواله، كما قال تعالى: { قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ْ} كما أن من لازم محبة الله للعبد، أن يكثر العبد من التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الله: "وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، ولا يزال [عبدي] يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".
ومن لوازم محبة الله معرفته تعالى، والإكثار من ذكره، فإن المحبة بدون معرفة بالله ناقصة جدا، بل غير موجودة وإن وجدت دعواها، ومن أحب الله أكثر من ذكره، وإذا أحب الله عبدا قبل منه اليسير من العمل، وغفر له الكثير من الزلل.
ومن صفاتهم أنهم { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ْ} فهم للمؤمنين أذلة من محبتهم لهم، ونصحهم لهم، ولينهم ورفقهم ورأفتهم، ورحمتهم بهم وسهولة جانبهم، وقرب الشيء الذي يطلب منهم وعلى الكافرين بالله، المعاندين لآياته، المكذبين لرسله - أعزة، قد اجتمعت هممهم وعزائمهم على معاداتهم، وبذلوا جهدهم في كل سبب يحصل به الانتصار عليهم، قال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ْ} وقال تعالى: { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ْ} فالغلظة والشدة على أعداء الله مما يقرب العبد إلى الله، ويوافق العبد ربه في سخطه عليهم، ولا تمنع الغلظة عليهم والشدة دعوتهم إلى الدين الإسلامي بالتي هي أحسن.
فتجتمع الغلظة عليهم، واللين في دعوتهم، وكلا الأمرين من مصلحتهم ونفعه عائد إليهم.
{ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ْ} بأموالهم وأنفسهم، بأقوالهم وأفعالهم.
{ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ْ} بل يقدمون رضا ربهم والخوف من لومه على لوم المخلوقين، وهذا يدل على قوة هممهم وعزائمهم، فإن ضعيف القلب ضعيف الهمة، تنتقض عزيمته عند لوم اللائمين، وتفتر قوته عند عذل العاذلين.
وفي قلوبهم تعبد لغير الله، بحسب ما فيها من مراعاة الخلق وتقديم رضاهم ولومهم على أمر الله، فلا يسلم القلب من التعبد لغير الله، حتى لا يخاف في الله لومة لائم.
ولما مدحهم تعالى بما من به عليهم منَّ الصفات الجليلة والمناقب العالية، المستلزمة لما لم يذكر من أفعال الخير -أخبر أن هذا من فضله عليهم وإحسانه لئلا يعجبوا بأنفسهم، وليشكروا الذي مَنَّ عليهم بذلك ليزيدهم من فضله، وليعلم غيرُهم أن فضل الله تعالى ليس عليه حجاب، فقال: { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ْ}- أي: واسع الفضل والإحسان، جزيل المنن، قد عمت رحمته كل شيء، ويوسع على أوليائه من فضله، ما لا يكون لغيرهم، ولكنه عليم بمن يستحق الفضل فيعطيه، فالله أعلم حيث يجعل رسالته أصلا وفرعا.

تفسير الآية 54 - سورة المائدة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن : الآية رقم 54 من سورة المائدة

 سورة المائدة الآية رقم 54

ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم - مكتوبة

الآية 54 من سورة المائدة بالرسم العثماني


﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ  ﴾ [ المائدة: 54]


﴿ ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ﴾ [ المائدة: 54]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة المائدة Al-Maidah الآية رقم 54 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 54 من المائدة صوت mp3


تدبر الآية: ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم

تشريف الله لك بأن يجعلَكَ من أهل دينه الحقِّ نعمةٌ تستحقُّ الشكر؛ لأنها فضلٌ عظيم منه إليك، فيا هناءك إن اختاركَ اللهُ لتلك المكرُمة، واصطفاك لتلك النعمة! المؤمن الحقُّ ذلولٌ لأخيه، غيرُ عصيٍّ عليه، فلا هو صعبٌ ولا عسِر، بل هيِّنٌ حنون.
العجب ممَّن قلبَ ما أراده اللهُ من عباده المسلمين؛ فاشتدَّ على المؤمنين، وذلَّ للكافرين! الجهاد في سبيل الله لإقرار منهجه، وإعلانِ سلطانه، وتحكيمِ شريعته، وتحقيقِ الخير لعباده، هي صفةُ العُصبة المؤمنة التي يحبُّها الله تعالى.
الذين يحبُّهم الله لا يقفون عن مُهِمَّتهم، ولا يخافون مَن لامهم، وكيف يقفون أو يخافون وحبُّ الله يملأ قلوبهم، وطريقهم سنَّهُ لهم خالقُهم، ووعدَهم في نهايته الجنة؟! ما أوسعَ هذا العطاءَ الذي يختار الله جلَّ شأنه له مَن يشاءُ عن غنًى وعِلم!

قوله-تبارك وتعالى- مَنْ يَرْتَدَّ من الارتداد.
ومعناه: الرجوع إلى الخلف ومنه قوله-تبارك وتعالى- رُدُّوها عَلَيَّ أى: ارجعوها على.
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ.
والمراد بالارتداد هنا: الرجوع عن دين الإسلام إلى الكفر والضلال، والخروج من الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غيره من الأباطيل والأكاذيب.
قالوا: وفي هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن من الذين دخلوا في الإسلام من سيرتد عنه إلى غيره من الكفر والضلال، وقد كان الأمر كما أشارت الآية الكريمة فقد ارتد عن الإسلام بعض القبائل كقبيلة بنى حنيفة- قوم مسيلمة الكذاب- وقبيلة بنى أسد، وقبيلة بنى مدلج وغيرهم.
وقد تصدى سيدنا أبو بكر الصديق ومن معه من المؤمنين الصادقين للمرتدين فكسروا شوكة الردة، وأعادوا لكلمة الإسلام هيبتها وقوتها.
قال الآلوسى ما ملخصه: هذه الآية من الكائنات التي أخبر عنها القرآن قبل وقوعها- وقد وقع المخبر به على وفقها فيكون معجزا- فقد روى أنه ارتد عن الإسلام إحدى عشرة فرقة.
ثلاث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهم: «بنو مدلج، ورئيسهم الأسود العنسي و «بنو حنيفة» قوم مسيلمة الكذاب و «بنو أسد» قوم طليحة بن خويلد الأسدى.
وسبع في عهد أبى بكر وهم:فزارة.
وغطفان، وبنو سليم، وبنو يربوع، وبعض بنى تميم، وكنده، وبنو بكر ابن وائل.
وارتدت فرقة واحدة في عهد عمر وهي قبيلة «غسان قوم جبلة بن الأيهم» .
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا لا يتخذ أحد منكم أحدا من أعداء الله وليا ونصيرا لأن ولايتهم تفضى إلى مضرتكم وخسرانكم.
بل وإلى ردتكم عن الحق الذي آمنتم به، ومن يرتدد منكم عن دينه الحق إلى غيره من الأديان الباطلة فلن يضر الله شيئا، لأنه- سبحانه - سوف يأتى بقوم آخرين مخلصين له، ومطيعين لأوامره، ومستجيبين لتعاليمه.
بدل أولئك الذين ارتدوا على أدبارهم، وكفروا بعد إيمانهم.
قال-تبارك وتعالى-: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ .
ولفظ فَسَوْفَ جيء به هنا لتأكيد وقوع الأمر في المستقبل، إذا ما ارتد بعض الناس على أدبارهم.
وقد وصف الله-تبارك وتعالى- أولئك القوم الذين يأتى بهم بدل الذين كفروا بعد إيمانهم، وصفهم بعدد من الصفات الحميدة، والسجايا الكريمة.
وصفهم- أولا- بقوله: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ:ومحبة الله-تبارك وتعالى- للمؤمنين هي أسمى نعمة يتعشقونها ويتطلعون إليها، ويرجون حصولها ودوامها.
وهي- كما يقول الآلوسى- محبة تليق بشأنه على المعنى الذي أراده.
ومن علاماتها: أن يوفقهم- سبحانه - لطاعته، وأن ييسر لهم الخير في كل شئونهم.
ومحبة المؤمنين لله-تبارك وتعالى- معناها: التوجه إليه وحده بالعبادة، واتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به، والاستجابة لتعاليمه برغبة وشوق.
وقوله: يُحِبُّهُمْ جملة في محل جر صفة لقوم.
وقوله «ويحبونه» معطوف على يُحِبُّهُمْ.
وقدم- سبحانه - محبته لهم على محبتهم له، لشرفها وسبقها، إذ لولا محبته لهم لما وصلوا إلى طاعته.
وصفهم- ثانيا- بقوله: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ.
وقوله: أَذِلَّةٍ جمع ذليل، من تذلل إذا تواضع وحنا على غيره، وليس المراد بكونهم أذلة أنهم مهانون، بل المراد المبالغة في وصفهم بالرفق ولين الجانب للمؤمنين.
وقوله: أَعِزَّةٍ جمع عزيز وهو المتصف بالعزة بمعنى القوة والامتناع عن أن يغلب أو يقهر ومنه قوله-تبارك وتعالى- وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ أى: غلبني في الخطاب.
والمعنى: إن من صفات هؤلاء القوم الذين يأتى الله بهم بدل الذين كفروا بعد إيمانهم، أنهم أرقاء على المؤمنين، عاطفون عليهم متواضعون لهم، تفيض قلوبهم حنوا وشفقة بهم.
وأنهم في الوقت نفسه أشداء على الكافرين، ينظرون إليهم نظرة العزيز الغالب، لا نظرة الضعيف الخانع.
وهذه- كما يقول ابن كثير- صفات المؤمنين الكمل.
أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه، متعززا على خصمه وعدوه كما قال-تبارك وتعالى-: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ومن صفات الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنه الضحوك القتال» فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه» .
وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا قيل أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين؟ قلت: فيه وجهان:أحدهما: أن يضمن الذل معنى الحنو والعطف كأنه قيل: عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع.
والثاني: أنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين- خافضون لهم أجنحتهم» .
وقال الطيبي: إن قوله-تبارك وتعالى- أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ جيء به للتكميل، لأنه لما وصفهم قبل ذلك بالتذلل، ربما يتوهم أحد أنهم أذلاء محقرون في أنفسهم فدفع ذلك الوهم بأنهم مع ذلتهم على المؤمنين أعزة على الكافرين على حد قول القائل:جلوس في مجالسهم رزان ...
وإن ضيم ألم بهم خفافثم وصفهم- ثالثا- بقوله: يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ وقوله:يُجاهِدُونَ من المجاهدة وهي بذل الجهد ونهاية الطاقة من أجل الوصول إلى المقصد الذي يسعى إليه الساعى.
وقوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ أى في سبيل إعلاء دين الله، وإعزاز كلمته وليس في سبيل الهوى أو الشيطان.
واللومة: هي المرة الواحدة من اللوم.
وهو بمعنى اعتراض المعترضين، ومخالفة المخالفين وعدم رضاهم عن هؤلاء القوم.
والمعنى: أن من صفات هؤلاء القوم- أيضا- أنهم يبذلون أقصى جهدهم في سبيل إعلاء كلمة الله والعمل على مرضاته، وأنهم في جهادهم وجهرهم بكلمة الحق، وحرصهم على ما يرضيه- سبحانه - لا يخافون لوما قط من أى لائم كائنا من كان.
لأن خشيتهم ليست إلا من الله وحده.
وعبر- سبحانه - بلومة- بصيغة الإفراد والتنكير، للمبالغة في نفى الخوف عنهم سواء أصدر اللوم لهم من كبير أم من صغير.
وسواء أكانت اللومة شديدة أم رفيقة..فهم- كما يقول الزمخشري-: صلاب في دينهم، إذا شرعوا في أمر من أمور الدين لإنكار منكر أو أمر بمعروف- مضوا فيه كالمسامير المحماة، لا يرعبهم قول قائل، ولا اعتراض معترض، ولا لومة لائم، والجملة على هذا معطوفة على يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
ويحتمل أن تكون الواو للحال.
أى أنهم يجاهدون وحالهم في المجاهدة خلاف حال المنافقين الذين كانوا إذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود، فلا يعملون شيئا مما يعلمون أنه يلحقهم فيه لوم من جهتهم، وأما المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله لا يخافون لومة لائم» .
وقد ذكر المفسرون أقوالا متعددة في المراد بهؤلاء القوم الذين وصفهم الله-تبارك وتعالى- بتلك الصفات الكريمة، والذين يأتى بهم بدل أولئك الذين يرتدون على أعقابهم.
قال بعضهم: المراد بهم أبو بكر ومن معه من المؤمنين الذين قاتلوا المرتدين.
وقال آخرون: المراد بهم الأنصار الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم وأيدوه.
وقال مجاهد: المراد بهم أهل اليمن ...
وقيل غير ذلك.
والذي نراه أنهم قوم ليسوا مخصوصين بزمن معين أو بلد معين، أو أشخاص معينين، وإنما هم كل من تنطبق عليهم هذه الصفات الجليلة.
فكل من أحب الله وأحبه الله، وتواضع للمؤمنين وأغلظ على الكافرين.
وجاهد في سبيل الله دون أن يخشى أحدا سواه فهو منهم، أما ذواتهم فيعلمها الله وحده، لأنه لم يرد نص صحيح يعتمد عليه في بيان المراد بهؤلاء القوم.
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ يعود على ما تقدم ذكره من أوصاف القوم.
أى: ذلك الذي أعطيناه لهم من صفات كريمة فضل الله وإحسانه، يؤتيه من يشاء إيتاءه من عباده، والله-تبارك وتعالى- واسع الفضل والجود والعطاء، عليم بأحوال خلقه، لا تخفى عليه خافية من شئونهم.
هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة: وجوب المجاهدة في سبيل إعلاء كلمة الله عن طريق قتال أعدائه- سبحانه - أو عن طريق الجهر بكلمة الحق، أو عن طريق إحقاق الحق وإبطال الباطل- دون أن يخاف المجاهد لومة لائم.
ولقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث في هذا المعنى ومن ذلك:ما رواه الإمام أحمد عن أبى ذر: أمرنى خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرنى بحب المساكين والدنو منهم، وأمرنى أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقى، وأمرنى أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرنى أن لا أسأل أحدا شيئا، وأمرنى أن أقول الحق وإن كان مرا، وأمرنى أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأمرنى أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن كنز تحت العرش» .
وعن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده.
فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم» .
وعنه- أيضا- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحقرن أحدكم نفسه قالوا: وكيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: أن يرى أمر الله فيه مقال فلا يقول فيه.
فيقال له يوم القيامة.
ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا؟ فيقول مخافة الناس.
فيقول: إياى أحق أن تخاف» .
وهناك أحاديث أخرى في هذا المعنى سوى التي ذكرها الإمام ابن كثير ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمنكرة.
وأن لا ننازع الأمر أهله.
وأن نقول بالحق حيثما كنا.
لا نخاف في الله لومة لائم» .
قوله : ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليمفيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : من يرتد منكم عن دينه شرط وجوابه فسوف ، وقراءة أهل المدينة والشام " من يرتدد " بدالين .
الباقون " من يرتد " .
وهذا من إعجاز القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم : إذ أخبر عن ارتدادهم ولم يكن ذلك في عهده وكان ذلك غيبا ، فكان على ما أخبر بعد مدة ، وأهل الردة كانوا بعد موته صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب إلا ثلاثة مساجد مسجد المدينة ، ومسجد مكة ، ومسجد جؤاثى ، وكانوا في ردتهم على قسمين : قسم نبذ الشريعة كلها وخرج عنها ، وقسم نبذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب غيرها ; قالوا نصوم ونصلي ولا نزكي ; فقاتل الصديق جميعهم ; وبعث خالد بن الوليد إليهم بالجيوش فقاتلهم وسباهم ; على ما هو مشهور من أخبارهم .
الثانية : قوله تعالى : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه في موضع النعت .
قال الحسن وقتادة وغيرهما : نزلت في أبي بكر الصديق وأصحابه ، وقال السدي : نزلت في الأنصار .
وقيل : هي إشارة إلى قوم لم يكونوا موجودين في ذلك الوقت ، وأن أبا بكر قاتل أهل الردة بقوم لم يكونوا وقت نزول الآية ; وهم أحياء من اليمن من كندة وبجيلة ، ومن أشجع ، وقيل : إنها نزلت في الأشعريين ; ففي الخبر أنها لما نزلت قدم بعد ذلك بيسير سفائن الأشعريين ، وقبائل اليمن من طريق البحر ، فكان لهم بلاء في الإسلام في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت عامة فتوح العراق في زمن عمر رضي الله عنه على يدي قبائل اليمن ; هذا أصح ما قيل في نزولها ، والله أعلم ، وروى الحاكم أبو عبد الله في " المستدرك " بإسناده : أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أبي موسى الأشعري لما نزلت هذه الآية فقال : ( هم قوم هذا ) قال القشيري : فأتباع أبي الحسن من قومه ; لأن كل موضع أضيف فيه قوم إلى نبي أريد به الأتباع .
الثالثة : قوله تعالى : أذلة على المؤمنين ( أذلة ) نعت لقوم ، وكذلك ( أعزة ) أي : يرأفون بالمؤمنين ويرحمونهم ويلينون لهم ; من قولهم : دابة ذلول أي : تنقاد سهلة ، وليس من الذل في شيء ، ويغلظون على الكافرين ويعادونهم .
قال ابن عباس : هم للمؤمنين كالوالد للولد والسيد للعبد ، وهم في الغلظة على الكفار كالسبع على فريسته ; قال الله تعالى : أشداء على الكفار رحماء بينهم ، ويجوز " أذلة " بالنصب على الحال ; أي : يحبهم ويحبونه في هذا الحال ، وقد تقدمت معنى محبة الله تعالى لعباده ومحبتهم له .
الرابعة : يجاهدون في سبيل الله في موضع الصفة أيضا .
ولا يخافون لومة لائم بخلاف المنافقين يخافون الدوائر ; فدل بهذا على تثبيت إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ; لأنهم جاهدوا في الله عز وجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقاتلوا المرتدين بعده ، ومعلوم أن من كانت فيه هذه الصفات فهو ولي لله تعالى ، وقيل : الآية عامة في كل من يجاهد الكفار إلى قيام الساعة ، والله أعلم .
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ابتداء وخبر ( واسع عليم ) أي : واسع الفضل ، عليم بمصالح خلقه .


شرح المفردات و معاني الكلمات : آمنوا , يرتد , دينه , يأتي , الله , بقوم , يحبهم , يحبونه , أذلة , المؤمنين , أعزة , الكافرين , يجاهدون , سبيل , الله , يخافون , لومة , لائم , فضل , الله , يؤتيه , يشاء , الله , واسع , عليم ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم


تحميل سورة المائدة mp3 :

سورة المائدة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة المائدة

سورة المائدة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة المائدة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة المائدة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة المائدة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة المائدة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة المائدة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة المائدة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة المائدة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة المائدة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة المائدة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, November 17, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب