تفسير الطبري تفسير الصفحة 117 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 117
118
116
 الآية : 51
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلّهُمْ مّنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ }..
اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنىّ بهذه الاَية وإن كان مأمورا بذلك جميع الـمؤمنـين, فقال بعضهم: عنى بذلك: عبُـادة بن الصامت وعبد الله بن أُبَىّ ابن سَلُول فـي براءة عبـادة من حلف الـيهود, وفـي تـمسك عبد الله بن أبـيّ ابن سلول بحلف الـيهود بعد ما ظهرت عداوتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم, وأخبره الله أنه إذا تولاهم وتـمسك بحلفهم أنه منهم فـي براءته من الله ورسوله كبراءتهم منهما. ذكر من قال ذلك:
9559ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت أبـي, عن عطية بن سعد, قال: جاء عبـادة ابن الصامت من بنـي الـحرث بن الـخزرج إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, إن لـي موالـي من يهود كثـير عددهم, وإنـي أبرأ إلـى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولـى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبـيّ: إنـي رجل أخاف الدوائر, لا أبرأ من ولاية موالـيّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن أبـيّ: «يا أبـا الـحُبـابِ مَا بَخِـلْتَ بِهِ مِنْ وِلايَةِ يَهُودَ علـى عُبـادَةَ بنِ الصّامِتِ فَهُوَ إلَـيكَ دُونَهُ». قال: قد قبلت. فأنزل الله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ... إلـى قوله: فَتَرى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ.
9560ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: ثنـي عثمان بن عبد الرحمن, عن الزهري, قال: لـما انهزم أهل بدر قال الـمسلـمون لأولـيائهم من يهود: آمنوا قبل أن يصيبكم الله بـيوم مثل يوم بدر فقال مالك ابن صيف: غرّكم أن أصبتـم رهطا من قريش لا علـم لهم بـالقتال, أما لو أسررنا العزيـمة أن نستـجمع علـيكم لـم يكن لكم يد أن تقاتلونا. فقال عبـادة: يا رسول الله إن أولـيائي من الـيهود كانت شديدة أنفسهم كثـيرا سلاحهم شديدة شوكتهم, وإنـي أبرأ إلـى الله وإلـى رسوله من ولايتهم, ولا مولـى لـي إلا الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبـيّ: لكنـي لا أبرأ من ولاء يهود, إنـي رجل لا بدّ لـي منهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبـا حُبـابِ أرأيْتَ الّذِي نَفَسْتَ بِهِ مِنْ وَلاءِ يَهُودَ علـى عُبـادَةَ, فَهُوَ لَكَ دونَهُ». قال: إذن أقبل. فأنزل الله تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلـياءُ بَعْضٍ... إلـى أن بلغ إلـى قوله: وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ.
9561ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا يونس, قال: حدثنا ابن إسحاق, قال: ثنـي والدي إسحاق بن يسار, عن عبـادة ابن الولـيد بن عبـادة بن الصامت, قال: لـما حاربت بنو قَـينُقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم, تشبث بأمرهم عبد الله بن أبـيّ, وقام دونهم. ومشى عبـادة بن الصامت إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان أحد بنـي عوف بن الـخزرج من له حلفهم مثل الذي لهم من عبد الله بن أبـيّ, فخـلعهم إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتبرأ إلـى الله وإلـى رسوله من حلفهم, وقال: يا رسول الله أتبرأ إلـى الله وإلـى رسوله من حلفهم وأتولـى الله ورسوله والـمؤمنـين, وأبرأ من حلف الكفـار وولايتهم ففـيه وفـي عبد الله بن أبـيّ نزلت الاَيات فـي الـمائدة: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضً... الاَية.
وقال آخرون: بل عُنى بذلك قوم من الـمؤمنـين كانوا هموا حين نالهم بأُحد من أعدائهم من الـمشركين ما نالهم أن يأخذوا من الـيهود عِصَما, فنهاهم الله عن ذلك, وأعلـمهم أن من فعل ذلك منهم فهو منهم. ذكر من قال ذلك:
9562ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَولّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ قال: لـما كانت وقعة أُحد, اشتدّ علـى طائفة من الناس وتـخوّفوا أن يُدال علـيهم الكفـار, فقال رجل لصاحبه: أما أنا فألـحقُ بدَهْلَكَ الـيهودي فآخذ منه أمانا وأتهوّد معه, فإنـي أخاف أن تدال علـينا الـيهود. وقال الاَخر: أما أنا فألـحق بفلان النصرانـيّ ببعض أرض الشام فآخذ منه أمانا وأنتصر معه. فأنزل الله تعالـى ذكره ينهاهما: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ إنّ اللّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالَـمِينَ.
وقال آخرون: بل عُنـي بذلك أبو لبـابة بن عبد الـمنذر فـي إعلامه بنـي قريظة إذ رضوا بحكم سعد أنه الذبح. ذكر من قال ذلك:
9563ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ وَالنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبـا لبـابة بن عبد الـمنذر من الأوس, وهو من بنـي عمرو بن عوف, فبعثه إلـى قريظة حين نقضت العهد, فلـما أطاعوا له بـالنزول أشار إلـى حلقه الذبح الذبح.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالـى ذكره نهى الـمؤمنـين جميعا أن يتـخذوا الـيهود والنصارى أنصارا وحلفـاء علـى أهل الإيـمان بـالله ورسوله, وأخبر أنه من اتـخذهم نصيرا وحلـيفـا وولـيا من دون الله ورسوله والـمؤمنـين, فإنّه منهم فـي التـحزّب علـى الله وعلـى رسوله والـمؤمنـين, وأن الله ورسوله منه بريئان. وقد يجوز أن تكون الاَية نزلت فـي شأن عُبـادة بن الصامت وعبد الله بن أبـيّ ابن سلول وحلفـائهما من الـيهود, ويجوز أن تكون نزلت فـي أبـي لُبـابة بسبب فعله فـي بنـي قريظة, ويجوز أن تكون نزلت فـي شأن الرجلـين اللذين ذكر السدّيّ أن أحدهما همّ بـاللـحاق بدهلك الـيهودي والاَخر بنصرانـي بـالشأم, ولـم يصحّ من هذه الأقوال الثلاثة خبر يثبت بـمثله حجة فـيسلـم لصحته القول بأنه كما قـيـل. فإذ كان ذلك كذلك فـالصواب أن يُحْكم لظاهر التنزيـل بـالعموم علـى ما عمّ, ويجوز ما قاله أهل التأويـل فـيه من القول الذي لا علـم عندنا بخلافه غير أنه لا شك أن الاَية نزلت فـي منافق كان يوالـي يهودَ أو نصارى, خوفـا علـى نفسه من دوائر الدهر, لأن الاَية التـي بعد هذه تدل علـى ذلك, وذلك قوله: فَتَرى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِـيهِمْ يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ... الاَية.
وأما قوله: بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ فإنه عنى بذلك أن بعض الـيهود أنصار بعضهم علـى الـمؤمنـين, ويد واحدة علـى جميعهم, وأن النصارى كذلك بعضهم أنصار بعض علـى من خالف دينهم وملتهم, معرّفـا بذلك عبـاده الـمؤمنـين أن من كان لهم أو لبعضهم ولـيا فإنـما هو ولـيهم علـى من خالف ملتهم ودينهم من الـمؤمنـين, كما الـيهود والنصارى لهم حرب, فقال تعالـى ذكره للـمؤمنـين: فكونوا أنتـم أيضا بعضُكم أولـياءُ بعض, وللـيهودي والنصرانـي حربـا كما هم لكم حرب, وبعضهم لبعض أولـياء لأن من والاهم فقد أظهر لأهل الإيـمان الـحرب ومنهم البراءة, وأبـان قطع ولايتهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ ومن يتولّ الـيهود والنصارى دون الـمؤمنـين فإنه منهم, يقول: فإن من تولاهم ونصرهم علـى الـمؤمنـين, فهو من أهل دينهم وملتهم, فإنه لا يتولـى متولّ أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو علـيه راض, وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه, وصار حكمه حكمه, ولذلك حكم من حكم من أهل العلـم لنصارى بنـي تَغْلب فـي ذبـائحهم ونكاح نسائهم وغير ذلك من أمورهم بأحكام نصارى بنـي إسرائيـل, لـموالاتهم إياهم ورضاهم بـملتهم ونصرتهم لهم علـيها, وإن كانت أنسابهم لأنسابهم مخالفة وأصل دينهم لأصل دينهم مفـارقا. وفـي ذلك الدلالة الواضحة علـى صحة ما نقول, من أن كلّ من كان يدين بدين فله حكم أهل ذلك الدين كانت دينونته به قبل مـجيء الإسلام أو بعده, إلا أن يكون مسلـما من أهل ديننا انتقل إلـى ملة غيرها, فإنه لا يقرّ علـى ما دان به فـانتقل إلـيه, ولكن يقتل لردّته عن الإسلام ومفـارقته دين الـحقّ, إلا أن يرجع قبل القتل إلـى الدين الـحقّ, وفساد ما خالفه من قول من زعم أنه لا يحكم بحكم أهل الكتابـين لـمن دان بدينهم, إلا أن يكون إسرائيـلـيا أو منتقلاً إلـى دينهم من غيرهم قبل نزول الفرقان. فأما من دان بدينهم بعد نزول الفرقان مـمن لـم يكن منهم مـمن خالف نسبه نسبهم وجنسه جنسهم, فإنه حكمه لـحكمهم مخالف. ذكر من قال بـما قلنا من التأويـل:
9564ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرواسي, عن ابن أبـي لـيـلـى, عن الـحكم, عن سعيد بن جبـير, قال: سئل ابن عبـاس عن ذبـائح نصارى العرب, فقرأ: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ.
9565ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس فـي هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ وَالنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ وْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ أنها فـي الذبـائح, من دخـل فـي دين قوم فهو منهم.
9566ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا حماد, عن عطاء بن السائب, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: كلوا من ذبـائح بنـي تَغْلب, وتزوّجوا من نسائهم, فإن الله يقول كتابه: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّه مِنْهُمْ ولو لـم يكونوا منهم إلا بـالولاية لكانوا منهم.
9567ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حسين بن علـيّ, عن زائدة, عن هشام, قال: كان الـحسن لا يرى بذبـائح نصارى العرب ولا نكاح نسائهم بأسا, وكان يتلو هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ وَالنّصارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ.
9568ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن هارون بن إبراهيـم, قال: سئل ابن سيرين عن رجل يبـيع داره من نصارى يتـخذونها بـيعة, قال: فتلا هذه الاَية: لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنّ اللّهَ لا يَهْدِى القَوْمَ الظّالِـمِينَ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك, أن الله لا يوفق من وضع الولاية فـي غير موضعها فوالَـى الـيهود والنصارى مع عداوتهم الله ورسوله والـمؤمنـين علـى الـمؤمنـين, وكان لهم ظهيرا ونصيرا, لأن من تولاهم فهو لله ولرسوله وللـمؤمنـين حرب. وقد بـينا معنى الظلـم فـي غير هذا الـموضع وأنه وضع الشيء فـي غير موضعه بـما أغنى إعادته.
الآية : 52
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَتَرَى الّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىَ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىَ مَآ أَسَرّواْ فِيَ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ }..
اختلف أهل التأويـل فـيـمن عُنى بهذه الاَية, فقال بعضهم: عُنِى بها عبد الله بن أبـيّ بن سلول. ذكر من قال ذلك:
9569ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت أبـي, عن عطية بن سعد: فَتَرَى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ عبد الله بن أبـيّ, يُسارِعُونَ فِـيِهمْ فـي ولايتهم, يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ... إلـى آخر الاَية فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ.
9570ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا ابن إسحاق, قال: ثنـي والدي إسحاق بن يسار, عن عبـادة بن الولـيد بن عبـادة بن الصامت: فَتَرَى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرضٌ يعنـي: عبد الله بن أبـيّ, يُسارِعُونَ فِـيهِمْ يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ لقوله: إنـي أخشى دائرة تصيبنـي.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك قوم من الـمنافقـين كانوا يناصحون الـيهود ويغشون الـمؤمنـين ويقولون: نـخشي أن تكون دائرة للـيهود علـى الـمؤمنـين. ذكر من قال ذلك:
9571ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله تعالـى ذكره: فَتَرَى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرضٌ يِسارِعُونَ فِـيهِمْ قال: الـمنافقون فـي مصانعة يهود ومناجاتهم, واسترضاعهم أولادهم إياهم. وقول الله تعالـى ذكره: تَـخْشَى أنْ تُصِيبنَا دَائِرةٌ قال: يقول: نـخشى أن تكون الدائرة للـيهود.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
9572ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَتَرَى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ... إلـى قوله: نادِمِينَ: أناس من الـمنافقـين كانوا يودّون الـيهود ويناصحونهم دون الـمؤمنـين.
9573ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ: فَتَرَى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرضٌ قال: شكّ يُسارِعُونَ فِـيهِمْ نَـخْشَى يقولون أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ والدائرة: ظهور الـمشركين علـيهم.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن ذلك من الله خبر عن ناس من الـمنافقـين كانوا يوالون الـيهود والنصارى, ويَغُشّون الـمؤمنـين, ويقولون: نـخشى أن تدور دوائر, إما للـيهود والنصارى, وإما لأهل الشرك من عَبَدة الأوثان أو غيرهم علـى أهل الإسلام, أو تنزل بهؤلاء الـمنافقـين نازلة, فـيكون بنا إلـيهم حاجة. وقد يجوز أن يكون ذلك كان من قول عبد الله بن أبـيّ, ويجوز أن يكون كان من قول غيره, غير أنه لا شك أنه من قول الـمنافقـين.
فتأويـل الكلام إذن: فترى يا مـحمد الذين فـي قلوبهم مرض وشكّ إيـمان بنبوّتك, وتصديق ما جئتهم به من عند ربك يُسَارِعُونَ فِـيهِمْ يعنـي فـي الـيهود والنصاري. ويعنـي بـمسارعتهم فـيهم: مسارعتهم فـي موالاتهم ومصانعتهم. يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرةٌ يقول هؤلاء الـمنافقون: إنـما نسارع فـي موالاة هؤلاء الـيهود والنصارى خوفـا من دائرة تدور علـينا من عدوّنا. ويعنـي بـالدائرة: الدّولة, كما قال الراجز:
تَرُدّ عَنْكَ القَدَرَ الـمَقْدُورَاوَدَائِراتِ الدّهْرِ أنْ تَدُورَا
يعنـي: أن تدول للدهر دَوْلة فنـحتاج إلـى نصرتهم إيانا, فنـحن نوالـيهم لذلك. فقال الله تعالـى ذكره لهم: فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فلعلّ الله أن يأتـي بـالفتـح. ثم اختلفوا فـي تأويـل الفتـح فـي هذا الـموضع, فقال بعضهم,: عنـي به ههنا القضاء. ذكر من قال ذلك:
9574ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ قال: بـالقضاء.
وقال آخرون: عُنـي به فتـح مكة. ذكر من قال ذلك:
9575ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمدبن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ قال: فتـح مكة.
والفتـح فـي كلام العرب: هو القضاء كما قال قتادة, ومنه قول الله تعالـى: رَبّنا افْتَـحْ بَـيْنَنا وَبـينَ قَوْمِنا بـالـحَقّ. وقد يجوز أن يكون ذلك القضاء الذي وعد الله نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم بقوله: فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ فتـح مكة, لأن ذلك كان من عظيـم قضاء الله وفصل حكمة بـين أهل الإيـمان والكفر, ويقرّر عند أهل الكفر والنفـاق أن الله مُعْلِـي كلـمتِه ومُوهِنُ كيدِ الكافرين.
وأما قوله: أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فإن السديّ كان يقول فـي ذلك ما:
9576ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضّل, قال: حدثنا أسبـاط, السديّ: أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ قال: الأمر: الـجزية.
وقد يحتـمل أن يكون الأمر الذي وعد الله نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم أن يأتـي به, هو الـجزية, ويحتـمل أن يكون غيرها. غير أنه أيّ ذلك كان فهو مـما فـيه إدالة الـمؤمنـين علـى أهل الكفر بـالله وبرسوله, ومـما يسوء الـمنافقـين ولا يسرّهم وذلك أن الله تعالـى قد أخبر عنهم أن ذلك الأمر إذا جاء أصبحوا علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم نادمين.
وأما قوله: فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ فإنه يعنـي: هؤلاء الـمنافقـين الذين يوالون الـيهود والنصارى, يقول تعالـى ذكره: لعل الله أن يأتِـيَ بأمر من عنده يُدِيـل به الـمؤمنـين علـى الكافرين الـيهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر, فـيصبح هؤلاء الـمنافقون علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم من مخالّة الـيهود والنصارس ومودّتهم وبغضة الـمؤمنـين ومـحادتهم نادمين. كما:
9577ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ من موادّتهم الـيهود, ومن غشّهم للإسلام وأهله.
الآية : 53
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُواْ أَهُـَؤُلآءِ الّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ }..
اختلف القرّاء فـي قراءة قوله: وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا فقرأتها قرّاء أهل الـمدينة: «فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ يَقُول الّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الذينَ أقْسَمُوا بـاللّهِ» بغير واو.
وتأويـل الكلام علـى هذه القراءة: فـيصبح الـمنافقون إذا أتـى الله بـالفتـح أو أمر من عنده, علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم نادمين, يقول الـمؤمنـين تعجبـا منهم ومن نفـاقهم وكذبهم واجترائهم علـى الله فـي أيـمانهم الكاذبة بـالله: أهؤلاء الذين أقسموا لنا بـالله إنهم لـمعنا وهم كاذبون فـي أيـمانهم لنا وهذا الـمعنى قصد مـجاهد فـي تأويـله ذلك الذي:
9578ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأتِـيَ بـالفَتْـحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ حينئذٍ, يقول الذين آمنوا: أهؤلاء الذين أفسموا بـالله جهد إيـمانهم, إنهم لـمعكم, حبطت أعمالهم فأصحوا خاسرين.
كذلك ذلك فـي مصاحف أهل الـمدينة بغير واو. وقرأ ذلك بعض البصريـين: وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا بـالواو, ونصب «يقول» عطفـا به علـى «فعسى الله أن يأتـي بـالفتـح». وذكر قارىء ذلك أنه كان يقول: إنـما أريد بذلك: فعسى الله أن يأتـي بـالفتـح, وعسى يقول الذين آمنوا. ومـحال غير ذلك, لأنه لا يجوز أن يقال: وعسى الله أن يقول الذين آمنوا, وكان يقول: ذلك نـحو قولهم: أكلت خبزا ولبنا, وكقول الشاعر:
ورأيْتِ زَوْجَكِ فـي الوَغَىمُتَقَلّدا سَيْفـا وَرُمـحَا
فتأويـل الكلام علـى هذه القراءة: فعسى الله أن يأتـي بـالفتـح الـمؤمنـين, أو أمر من عنده يديـلهم به علـى أهل الكفر من أعدائهم, فـيصبح الـمنافقون علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم نادمين, وعسى أن يقول الذين آمنوا حينئذٍ: هؤلاء الذين أقسموا بـالله كذبـا جهد أيـمانهم إنهم لـمعكم. وهي فـي مصاحف أهل العراق بـالواو: وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا. وقرأ ذلك قرّاء الكوفـيـين: وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا بـالواو ورفع يقول بـالاستقبـال والسلامة من الـجوازم والنواصب.
وتأويـل من قرأ ذلك كذلك: فـيصبحوا علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم يندمون, ويقول الذين آمنوا فـيبتدىء «يقول» فـيرفعها. وقراءتنا التـي نـحن علـيها: وَيَقُولُ بإثبـات الواو فـي: «ويقول», لأنها كذلك هي فـي مصاحفنا مصاحف أهل الشرق بـالواو, وبرفع «يقول» علـى الابتداء.
فتأويـل الكلام إذ كان القراءة عندنا علـى ما وصفنا: فـيصبحوا علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم نادمين, ويقول الـمؤمنون: أهؤلاء الذين حلفوا لنا بـالله جهد أيـمانهم كذبـا إنهم لـمعنا. يقول الله تعالـى ذكره مخبرا عن حالهم عنده بنفـاقهم وخبث أعمالهم: حَبِطَتْ أعمالُهُمْ يقول: ذهبت أعمالهم التـي عملوها فـي الدنـيا بـاطلاً لا ثواب لها ولا أجر, لأنهم عملوها علـى غير يقـين منهم بأنها علـيهم لله فرض واجب ولا علـى صحة إيـمان بـالله ورسوله, وإنـما كانوا يعملونها لـيدفعوا الـمؤمنـين بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم, فأحبط الله أجرها إذ لـم تكن له فأصْبَحُوا خَاسِرينَ يقول: فأصبح هؤلاء الـمنافقون عند مـجيء أمر الله بإدالة الـمؤمنـين علـى أهل الكفر قد وكسوا فـي شرائهم الدنـيا بـالاَخرة, وخابت صفقتهم وهلكوا.
الآية : 54
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }..
يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين بـالله وبرسوله: يا أيّها الّذِين آمَنُوا: أي صدّقوا لله ورسوله, وأقرّوا بـما جاءهم به نبـيهم مـحمد صلى الله عليه وسلم مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ يقول: من يرجع منكم عن دينه الـحقّ الذي هو علـيه الـيوم, فـيبدّله ويغيرة بدخوله فـي الكفر, إما فـي الـيهودية أو النصرانـية أو غير ذلك من صنوف الكفر, فلن يضر الله شيئا, وسيأتـي الله بقوم يحبهم ويحبونه يقول: فسوف يجيء الله بدلاً منهم الـمؤمنـين الذين لـم يبدّلوا ولـم يغيروا ولـم يرتدّوا, بقوم خير من الذين ارتدّوا وبدّلوا دينهم, يحبهم الله ويحبون الله. وكان هذا الوعيد من الله لـمن سبق فـي علـمه أنه سيرتدّ بعد وفـاة نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم, وكذلك وعده من وعد من الـمؤمنـين ما وعده فـي هذا الاَية, لـمن سبق له فـي علـمه أنه لا يبدّل ولا يغير دينه ولا يرتدّ. فلـما قبض الله نبـيه صلى الله عليه وسلم ارتدّ أقوام من أهل الوبر وبعض أهل الـمدر, فأبدل الله الـمؤمنـين بخير منهم كما قال تعالـى ذكره, ووفـى للـمؤمنـين بوعده, وأنفذ فـيـمن ارتدّ منهم وعيده.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
9579ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي عبد الله بن عياش, عن أبـي صخر, عن مـحمد بن كعب: أن عمر بن عبد العزيز أرسل إلـيه يوما وعمر أمير الـمدينة يومئذٍ, فقال: يا أبـا حمزة, آية أسهرتنـي البـارحة قال مـحمد: وما هي أيها الأمير؟ قال: قول الله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ منْكُمْ عنْ دِينِهِ... حتـى بلغ: وَلا يَخافونَ لَوْمَةَ لائمٍ. فقال مـحمد: أيها الأمير, إنـما عنى الله بـالذين آمنوا: الولاة من قريش, من يرتدّ عن الـحقّ.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي أعيان القوم الذين أتـى الله بهم الـمؤمنـين وأبدل الـمؤمنـين مكان من ارتدّ منهم, فقال بعضهم: هو أبو بكر الصدّيق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردّة حتـى أدخـلوهم من البـاب الذي خرجوا منه. ذكر من قال ذلك:
9580ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا حفص بن غياث, عن الفضل بن دَلَهْم, عن الـحسن فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: هذا والله أبو بكر وأصحابه.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن الفضل بن دلهم, عن الـحسن, مثله.
حدثنا هناد, قال: حدثنا عبد بن سلـيـمان, عن جويبر, عن سهل, عن الـحسن فـي قوله: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: أبو بكر وأصحابه.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حسين بن علـيّ, عن أبـي موسى, قال: قرأ الـحسن: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: هي والله لأبـي بكر وأصحابه.
حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: حدثنا أحمد بن بشير, عن هشام, عن الـحسن فـي قوله: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: نزلت فـي أبـي بكر وأصحابه.
9581ـ حدثنـي علـيّ بن سعيد بن مسروق الكندي, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ أذِلّةٍ علـى الـمُؤْمِنـينَ أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائم قال: هو أبو بكر وأصحابه, لـما ارتدّ من ارتدّ من العرب عن الإسلام, جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتـى ردّهم إلـى الإسلام.
9582ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ... إلـى قوله: وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ أنزل الله هذه الاَية, وقد علـم أن سيرتدّ مرتدّون من الناس. فلـما قبض الله نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم, ارتدّ عامّة العرب عن الإسلام إلاّ ثلاثة مساجد: أهل الـمدينة, وأهل مكة, وأهل البحرين من عبد القـيس قالوا: نصلـي ولا نزكي, والله لا تُعصب أموالنا فكُلّـم أبو بكر فـي ذلك, فقـيـل له: إنهم لو قد فقهوا لهذا, أعطوها وزادوها. فقال: لا والله, لا أفرّق بـين شيء جمع الله بـينه, ولو منعوا عِقَالاً مـما فرض الله ورسوله, لقاتلناهم علـيه فبعث الله عصابة مع أبـي بكر, فقاتل علـى ما قاتل علـيه نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم, حتـى سبى وقتل وحرق بـالنـيران أناسا ارتدّوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة, فقاتلهم حتـى أقرّوا بـالـماعون وهي الزكاة صَغرة أقمياء. فأتته وفود العرب, فخيرهم بـين خطة مخزية أو حرب مـجلـية, فـاختاروا الـخطة الـمخزية, وكانت أهون علـيهم, أن يعتدّوا أن قتلاهم فـي النار وأن قتلـى الـمؤمنـين فـي الـجنة, وأن ما أصابوا من الـمسلـمين من مال ردّوه علـيهم, وما أصاب الـمسلـمون لهم من مال فهو لهم حلال.
9583ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال ابن جريج: ارتدوا حين توفـي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقاتلهم أبو بكر.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن هشام, قال: أخبرنا سيف بن عمر, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن أبـي أيوب, عن علـيّ فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ قال: علـم الله الـمؤمنـين, وأوقع معنى السوء علـى الـحشو الذي فـيهم من الـمنافقـين ومن فـي علـمه أن يرتدّوا, قال: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ الـمرتدّة عن دينهم بقوم يحبهم ويحبونه بأبـي بكر وأصحابه.
وقال آخرون: يعنـي بذلك قوما من أهل الـيـمن. وقال بعض من قال ذلك منهم: هم رهط أبـي موسى الأشعري: عبد الله بن قـيس. ذكر من قال ذلك:
9584ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن سماك بن حرب, عن عياض الأشعري, قال: لـما نزلت هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: أومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى أبـي موسى بشيء كان معه, فقال: «هُمْ قَوْمُ هَذَا».
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: حدثنا شعبة, عن سماك بن حرب, قال: سمعت عياضا يحدّث عن أبـي موسى, أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الاَية: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: يعنـي قوم أبـي موسى.
حدثنـي أبو السائب سلـم بن جنادة, قال: حدثنا ابن إدريس, عن شعبة قال أبو السائب, قال أصحابنا هو عن سماك بن حرب, وأنا لا أحفظ سماكا عن عياض الأشعري, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هُمْ قَوْمُ هَذَا» يعنـي أبـا موسى.
حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا ابن إدريس, عن شعبة, عن سماك, عن عياض الأشعري, قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم لأبـي موسى: «هُمْ قَوْمُ هَذَا» فـي قوله: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ.
حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا شعبة, عن سماك بن حرب, قال: سمعت عياضا الأشعريّ يقول: لـما نزلت: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هُمْ قَوْمُكَ يا أبـا مُوسَى», أو قال: «هُمْ قَوْمُ هَذَا» يعنـي أبـا موسى.
9585ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو سفـيان الـحميريّ, عن حصين, عن عياض أو ابن عياض: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: هم أهل الـيـمن.
9586ـ حدثنا مـحمد بن عوف, قال: حدثنا أبو الـمغيرة قال: حدثنا صفوان, قال: حدثنا عبد الرحمن بن جبـير, عن شريح بن عبـيد, قال: لـما أنزل الله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ... إلـى آخر الاَية, قال عمر: أنا وقومي هم يا رسول الله؟ قال: «لا بَلْ هَذا وَقَوْمُهُ» يعنـي أبـا موسى الأشعري.
وقال آخرون منهم: بل هم أهل الـيـمن جميعا. ذكر من قال ذلك:
9587ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: يُحِبّهُمْ ويُحِبّونَهُ قال: أناس من أهل الـيـمن.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
9588ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن إدريس, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: هم قوم سبأ.
9589ـ حدثنا مطر بن مـحمد الضبـيّ, قال: حدثنا أبو داود, قال: أخبرنا شعبة, قال: أخبرنـي من سمع شهر بن حوشب, قال: هم أهل الـيـمن.
9590ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي عبد الله بن عياش, عن أبـي صخر, عن مـحمد بن كعب القرظي: أن عمر بن عبد العزيز أرسل إلـيه يوما وهو أمير الـمدينة يسأله عن ذلك, فقال مـحمد: يأتـي الله بقوم, وهم أهل الـيـمن. قال عمر: يا لـيتنـي منهم قال: آمين
وقال آخرون: هم أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
9591ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ يزعم أنهم الأنصار.
وتأويـل الاَية علـى قول من قال: عنى الله بقوله: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ أبـا بكر وأصحابه فـي قتالهم أهل الردّة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فلن يضر الله شيئا, وسيأتـي الله من ارتدّ منكم عن دينه بقوم يحبهم ويحبونه, ينتقم بهم منهم علـى أيديهم. وبذلك جاء الـخبر والرواية عن بعض من تأوّل ذلك كذلك.
9592ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن هشام, قال: أخبرنا سيف بن عمر, عن أبـي روق, عن أبـي أيوب, عن علـيّ فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ قال: يقول: فسوف يأتـي الله الـمرتدّة فـي دورهم, بقوم يحبهم ويحبونه بأبـي بكر وأصحابه.
وأما علـى قول من قال: عنـي بذلك: أهل الـيـمن فإن تأويـله: يا أيها الذين آمنوا, من يرتدّ منكم عن دينه, فسوف يأتـي الله الـمؤمنـين الذين لـم يرتدّوا بقوم يحبهم ويحبونه, أعوانا لهم وأنصارا. وبذلك جاءت الرواية عن بعض من كان يتأوّل ذلك كذلك.
9593ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحية, عن ابن عبـاس: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ... الاَية وعيد من الله أنه من ارتدّ منكم أنه سيستبدل خيرا منهم.
وأما علـى قول من قال: عنـي بذلك الأنصار, فإن تأويـله فـي ذلك نظير تأويـل من تأوله أنه عنـي به أبو بكر وأصحابه.
وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصواب, ما رُوي به الـخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم أهل الـيـمن قوم أبـي موسى الأشعري. ولولا الـخبر الذي رُوي فـي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالـخبر الذي روي عنه ما كان القول عندي فـي ذلك إلاّ قول من قال: هم أبو بكر وأصحابه وذلك أنه لـم يقاتل قوما كانوا أظهروا الإسلام علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتدّوا علـى أعقابهم كفـارا, غير أبـي بكر ومن كان معه مـمن قاتل أهل الردة معه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكنا تركنا القول فـي ذلك للـخبر الذي رُوي فـيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن كان صلى الله عليه وسلم معدن البـيان عن تأويـل ما أنزل الله من وحيه وآي كتابه.
فإن قال لنا قائل: فإن كان القوم الذين ذكر الله أنه سيأتـي بهم عند ارتداد من ارتدّ عن دينه مـمن كان قد أسلـم علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, هم أهل الـيـمن, فهل كان أهل الـيـمن أيام قتال أبـي بكر أهل الردّة أعوان أبـي بكر علـى قتالهم, حتـى تستـجيز أن توجه تأويـل الاَية إلـى ما وجهت إلـيه؟ أم لـم يكونوا أعوانا له علـيهم, فكيف استـجزت أن توجه تأويـل الاَية إلـى ذلك, وقد علـمت أنه لا خـلف لوعد الله؟ قـيـل له: إن الله تعالـى ذكره لـم يعد الـمؤمنـين أن يبدلهم بـالـمرتدّين منهم يومئذٍ خيرا الـمرتدّين لقتال الـمرتدّين, وإنـما أخبر أنه سيأتـيهم بخير منهم بدلاً منهم, يعد فعل ذلك بهم قريبـا غير بعيد, فجاء بهم علـى عهد عمر, فكان موقعهم من الإسلام وأهله أحسن موقع, وكانوا أعوان أهل الإسلام وأنفع لهم مـمن كان ارتدّ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من طَغَام الأعراب وجفـاة أهل البوادي الذين كانوا علـى أهل الإسلام كَلاّ. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فقرأته قرّاء أهل الـمدينة: «يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ» بإظهار التضعيف بدالـين مـجزومة الدال الاَخرة, وكذلك ذلك فـي مصاحفهم. وأما قرّاء أهل العراق فإنهم قرءوا ذلك: مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ بـالإدْغامِ بدال واحدة وتـحريكها إلـى الفتـح بناء علـى التثنـية, لأن الـمـجزوم الذي يظهر تضعيفه فـي الواحد إذا ثنـي أدغم, ويقال للواحد: اردد يا فلان إلـى فلان حقه, فإذا ثنـي قـيـل: ردّ إلـيه حقه, ولا يقال: ارددا. وكذلك فـي الـجمع ردّوا, ولا يقال: ارددوا. فتبنـي العرب أحيانا الواحد علـى الاثنـين, وتظهر أحيانا فـي الواحد التضعيف لسكون لام الفعل, وكلتا اللغتـين فصيحة مشهورة فـي العرف. والقراءة فـي ذلك عندنا علـى ما هو به فـي مصاحفنا ومصاحف أهل الـمشرق بدال واحدة مشدّدة بترك إظهار التضعيف وبفتـح الدال للعلة التـي وصفتُ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أذِلّةٍ علـى الـمُؤْمِنِـينَ أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: أذِلّةٍ علـى الـمُؤْمِنِـينَ: أرقاء علـيهم رحماء بهم, من قول القائل: ذلّ فلان لفلان: إذا خضع له واستكان. ويعنـي بقوله: أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ: أشدّاء علـيهم غلظاء بهم, من قول القائل: قد عزّنـي فلان: إذا أظهر العزّة من نفسه له, وأبدى له الـجفوة والغلظة.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
9594ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن هاشم, قال: أخبرنا سيف بن عمر, عن أبـي روق, عن أبـي أيوب, عن علـيّ فـي قوله: أذِلّةٍ علـى الـمُؤْمِنِـينَ: أهل رقة علـى أهل دينهم, أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ: أهل غلظة علـى من خالفهم فـي دينهم.
9595ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: أذلّةٍ علـى الـمُؤْمِنِـينَ أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ يعنـي بـالذلة: الرحمة.
9596ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, فـي قوله: أذِلّةٍ علـى الـمُؤْمِنِـينَ قال: رحماء بـينهم, أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ قال: أشدّاء علـيهم.
9597ـ حدثنا الـحرث بن مـحمد, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: قال سفـيان: سمعت الأعمش يقول فـي قوله: أذِلّةٍ علـى الـمُؤْمِنِـينَ أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ: ضعفـاء علـى الـمؤمنـين.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يُجاهِدُونَ فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِـيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: يُجاهِدُونَ فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ هؤلاء الـمؤمنـين الذين وعد الله الـمؤمنـين أن يأتـيهم بهم إن ارتدّ منهم مرتدّ بدلاً منهم, يجاهدون فـي قتال أعداء الله, علـى النـحو الذي أمر الله بقتالهم والوجه الذي أذن لهم به, ويجاهدون عدوّهم, فذلك مـجاهدتهم فـي سبـيـل الله. وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائمٍ يقول: ولا يخافون فـي ذات الله أحدا, ولا يصدّهم عن العمل بـما أمرهم الله به من قتال عدوّهم لومة لائم لهم فـي ذلك. وأما قوله: ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ فإنه يعنـي: هذا النعت الذي نعتهم به تعالـى ذكره من أنهم أذلة علـى الـمؤمنـين, أعزّة علـى الكافرين, يجاهدون فـي سبـيـل الله, ولا يخافون فـي الله لومة لائم, فضل الله الذي تفضل به علـيهم, والله يؤتـي فضله من يشاء من خـلقه, منّةً علـيه وتطوّلاً. وَاللّهُ وَاسِعٌ يقول: والله جواد بفضله علـى من جاد به علـيه, لا يخاف نفـاد خزائنه فـيكفّ من عطائه. عَلـيـمٌ بـموضع جوده وعطائه, فلا يبذله إلاّ لـمن استـحقه ولا يبذل لـمن استـحقه إلاّ علـى قدر الـمصلـحة لعلـمه بـموضع صلاحه له من موضع ضرّه.
الآية : 55
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }..
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا لـيس لكم أيها الـمؤمنون ناصر إلاّ الله ورسوله والـمؤمنون, الذين صفتهم ما ذكر تعالـى ذكره. فأما الـيهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرءوا من ولايتهم ونهاكم أن تتـخذوا منهم أولـياء, فلـيسوا لكم أولـياء ولا نُصَراء, بل بعضهم أولـياء بعض, ولا تتـخذوا منهم ولـيا ولا نصيرا. وقـيـل: إن هذه الاَية نزلت فـي عبـادة بن الصامت فـي تبرئه من ولاية يهود بنـي قَـينُقاع وحلفهم إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين. ذكر من قال ذلك:
9598ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا ابن إسحاق, قال: ثنـي والدي إسحاق بن يسار, عن (عبـادة بن الولـيد) بن عبـادة بن الصامت, قال: لـما حاربت بنو قـينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم, مشى عبـادة بن الصامت إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان أحد بنـي عوف بن الـخزرج, فخـلعهم إلـى رسول الله, وتبرأ إلـى الله وإلـى رسوله من حلفهم, وقال: أتولـى الله ورسوله والـمؤمنـين, وأبرأ من حلف الكفـار وولايتهم ففـيه نزلت: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ لقول عبـادة: أتولـى الله ورسوله والذين آمنوا, وتبرئه من بنـي قـينقاع وولايتهم. إلـى قوله: فإنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الغالِبُونَ.
9599ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت أبـي, عن عطية بن سعد, قال: جاء عبـادة بن الصامت إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر نـحوه.
9600ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنء معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا يعنـي: أنه من أسلـم تولـى الله ورسوله.
وأما قوله: وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمعنـيّ به, فقال بعضهم: عُنِـي به علـيّ بن أبـي طالب. وقال بعضهم: عُنـي به جميع الـمؤمنـين. ذكر من قال ذلك:
9601ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: ثم أخبرهم بـمن يتولاهم, فقال: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ ويُؤْتُونَ الزّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ هؤلاء جميع الـمؤمنـين, ولكن علـيّ بن أبـي طالب مرّ به سائل وهو راكع فـي الـمسجد, فأعطاه خاتـمه.
9602ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا عبدة, عن عبد الـملك, عن أبـي جعفر, قال: سألته عن هذه الاَية: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ ويُؤْتُونَ الزّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ قلنا: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا قلنا: بلغنا أنها نزلت فـي علـيّ بن أبـي طالب, قال علـيّ من الذين آمنوا.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـيّ, عن عبد الـملك, قال: سألت أبـا جعفر, عن قول الله: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ, وذكر نـحو حديث هناد عن عبدة.
9603ـ حدثنا إسماعيـل بن إسرائيـل الرملـي, قال: حدثنا أيوب بن سويد, قال: حدثنا عتبة بن أبـي حكيـم فـي هذه الاَية: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا قال: علـي بن أبـي طالب.
9604ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا غالب بن عبـيد الله, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي قوله: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ... الاَية, قال: نزلت فـي علـيّ بن أبـي طالب, تصدّق وهو راكع.
الآية : 56
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَن يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }..
وهذا إعلام من الله تعالـى ذكره عبـاده جميعا, الذين تبرّءوا من الـيهود وحلفهم رضا بولاية الله ورسوله والـمؤمنـين, والذين تـمسكوا بحلفهم, وخافوا دوائر السوء تدور علـيهم, فسارعوا إلـى موالاتهم, بأن من وثق بـالله وتولـى الله ورسوله والـمؤمنـين ومن كان علـى مثل حاله من أولـياء الله من الـمؤمنـين, لهم الغلبة والدوائر والدولة علـى من عاداهم وحادّهم, لأنهم حزب الله, وحزب الله هم الغالبون دون حزب الشيطان. كما:
9605ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: أخبرهم يعنـي الربّ تعالـى ذكره من الغالب, فقال: لا تـخافوا الدولة ولا الدائرة, فقال: وَمَنْ يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فإنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الغالِبُونَ والـحزب: هم الأنصار.
ويعنـي بقوله: فإنّ حِزْبَ اللّهِ: فإن أنصار الله, ومنه قول الراجز:
(وكَيْفَ أضْوَى وَبِلالٌ حِزْبِـي )
يعنـي بقوله أضْوَى: أُستضعف وأضام, من الشيء الضاوي. ويعنـي بقوله: وبلال حزبـي, يعنـي ناصري.
الآية : 57
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الّذِينَ اتّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مّنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفّارَ أَوْلِيَآءَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ }..
يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به وبرسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا: أي صدّقوا الله ورسوله, لا تَتّـخِذُوا الّذِينَ اتّـخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوا وَلَعِبـا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعنـي الـيهود والنصارى الذين جاءتهم الرسل والأنبـياء, وأنزلت علـيهم الكتب من قبل بعث نبـينا صلى الله عليه وسلم ومن قبل نزول كتابنا أولـياء. يقول: لا تتـخذوهم أيها الـمؤمنون أنصارا وإخوانا وحلفـاء, فإنهم لا يألونكم خبـالاً وإن أظهروا لكم مودّة وصداقة. وكان اتـخاذ هؤلاء الـيهود الذين أخبر الله عنهم الـمؤمنـين أنهم اتـخذوا دينهم هزوا ولعبـا الدين علـى ما وصفهم به ربنا تعالـى ذكره, أن أحدهم كان يظهر للـمؤمنـين الإيـمان وهو علـى كفره مقـيـم, ثم يراجع الكفر بعد يسيء من الـمدّة بإظهار ذلك بلسانه قولاً بعد أن كان يبدي بلسانه الإيـمان قولاً وهو للكفر مستبطن, تلعبـا بـالدين واستهزاء به, كما أخبر تعالـى ذكره عن فعل بعضهم ذلك بقوله: وَإذَا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَإذَا خَـلَوْا إلـى شيَاطِينِهمْ قَالُوا إنّا مَعَكُمْ إنّـمَا نَـحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ ويَـمُدّهُمْ فِـي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك حاء الـخبر عن ابن عبـاس.
9606ـ حدثنا هناد بن السريّ وأبو كريب, قالا: حدثنا يونس بن بكير, قال: ثنـي ابن إسحاق, قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, قال: ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: كان رفـاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الـحارث قد أظهرا الإسلام, ثم نافقا, وكان رجال من الـمسلـمين يوادّونهما, فأنزل الله فـيهما: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الّذِينَ اتّـخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوا وَلَعِبـا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ والكُفّـارَ أوْلِـياءَ... إلـى قوله: وَاللّهُ أعلَـمُ بِـمَا كانُوا يَكْتُـمُونَ.
فقد أبـان هذا الـخبر عن صحة ما قلنا من أن اتـخاذ من اتـخذ دين الله هزوا ولعبـا من أهل الكتاب الذين ذكرهم الله فـي هذه الاَية, إنـما كان بـالنفـاق منهم وإظهارهم للـمؤمنـين الإيـمان واستبطانهم الكفر وقـيـلهم لشياطينهم من الـيهود إذا خـلو بهم: إنا معكم. فنهى الله عن موادّتهم ومـحالفتهم, والتـمسك بحلفهم والاعتداء بهم أولـياء, وأعلـمهم أنهم لا يألونهم خبـالاً, وفـي دينهم طعنا وعلـيه إزراء. وأما الكفـار الذين ذكرهم الله تعالـى ذكره فـي قوله: مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ والكُفّـارَ أوْلِـياءَ فإنهم الـمشركون من عبدة الأوثان نهى الله الـمؤمنـين أن يتـخذوا من أهل الكتاب ومن عبدة الأوثان وسائر أهل الكفر أولـياء دون الـمؤمنـين.
وكان ابن مسعود فـيـما:
9607ـ حدثنـي به أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم بن سلام, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, عن ابن مسعود, يقرأ: «مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِين أشْرَكُوا».
ففـي هذا بـيان صحة التأويـل الذي تأوّلناه فـي ذلك.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته جماعة من أهل الـحجاز والبصرة والكوفة: «والكُفّـارِ أوْلِـياءَ» بخفض «الكفـار», بـمعنى: يا أيها الذين آمنوا لا تتـخذوا الذين اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم, ومن الكفـار أولـياء. وكذلك ذلك فـي قراءة أبـيّ بن كعب فـيـما بلغنا: «من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفـارِ أولـياء». وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة والكوفة: والكُفّـارَ أوْلِـياءَ بـالنصب, بـمعنى: يا أيها الذين آمنوا لا تتـخذوا الذين اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا والكفـارَ, عطفـا بـالكفـار علـى الذين اتـخذوا.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إنهما قراءتان متفقتا الـمعنى صحيحتا الـمخرَج, قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء, فبأيّ ذلك قرأ القارىء فقد أصاب لأن النهي عن اتـخاذ ولـيّ من الكفـار نهي عن اتـخاذ جميعهم أولـياء, والنهي عن اتـخاذ جميعهم أولـياء نهي عن اتـخاذ بعضهم ولـيا. وذلك أنه غير مشكل علـى أحد من أهل الإسلام أن الله تعالـى ذكره إذا حرّم اتـخاذ ولـيّ من الـمشركين علـى الـمؤمنـين, أنه لـم يبح لهم اتـخاذ جميعهم أولـياء, ولا إذا حرم اتـخاذ جميعهم أولـياء أنه لـم يخصص إبـاحة اتـخاذ بعضهم ولـيا, فـيجب من أجل إشكال ذلك علـيهم طلب الدلـيـل علـى أولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب. وإذ كان ذلك كذلك, فسواء قرأ القارىء بـالـخفض أو بـالنصب لـما ذكرنا من العلة.
وأما قوله: وَاتّقُوا اللّهَ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ فإنه يعنـي: وخافوا الله أيها الـمؤمنون فـي هؤلاء الذين اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفـار أن تتـخذوهم أولـياء ونصراء, وارهبوا عقوبته فـي فعل ذلك إن فعلتـموه بعد تقدّمه إلـيكم بـالنهي عنه إن كنتـم تؤمنون بـالله وتصدّقونه علـى وعيده علـى معصيته.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصّلاَةِ اتّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَعْقِلُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: وإذا أذّن مؤذّنكم أيها الـمؤمنون بـالصلاة, سخر من دعوتكم إلـيها هؤلاء الكفـار من الـيهود والنصارى والـمشركين, ولعبوا من ذلك, ذَلِكَ بأنّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ يعنـي تعالـى ذكره بقوله: «ذلك» فعلهم الذي يفعلونه, وهو هزؤهم ولعبهم من الدعاء إلـى الصلاة, إنـما يفعلونه بجهلهم بربهم, وأنهم لا يعقلون ما لهم فـي إجابتهم إن أجابوا إلـى الصلاة وما علـيهم فـي استهزائهم ولعبهم بـالدعوة إلـيها, ولو عقلوا ما لـمن فعل ذلك منهم عند الله من العقاب ما فعلوه. وقد ذكر عن السديّ فـي تأويـله ما:
9608ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَإذَا نادَيْتُـمْ إلـى الصّلاةِ اتّـخَذُوها هُزُوا ولَعِبـا كان رجل من النصارى بـالـمدينة إذا سمع الـمنادي ينادي: أشهد أن مـحمدا رسول الله, قال: حُرّق الكاذب فدخـلت خادمه ذات لـيـلة من اللـيالـي بنار وهو نائم وأهله نـيام, فسقطت شرارة, فأحرقت البـيت, فـاحترق هو وأهله