1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ المائدة: 54] .

  
   

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
[ سورة المائدة: 54]

القول في تفسير قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه


يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه من يرجع منكم عن دينه، ويستبدل به اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك، فلن يضرُّوا الله شيئًا، وسوف يأتي الله بقوم خير منهم يُحِبُّهم ويحبونه، رحماء بالمؤمنين أشدَّاء على الكافرين، يجاهدون أعداء الله، ولا يخافون في ذات الله أحدًا. ذلك الإنعام مِن فضل الله يؤتيه من أراد، والله واسع الفضل، عليم بمن يستحقه من عباده.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


يا أيها الذين آمنوا، من يرجع منكم عن دينه إلى الكفر فسوف يأتي الله بقوم بدلًا منهم يحبهم ويحبونه لاستقامتهم، رحماء بالمؤمنين أشداء على الكافرين، يجاهدون بأموالهم وأنفسهم لتكون كلمة الله هي العليا، ولا يخشون تعنيف من يعنفهم؛ لتقديمهم رضا الله على رضا المخلوقين، ذلك من عطاء الله الذي يعطيه من يشاء من عباده، والله واسع الفضل والإحسان، عليم بمن يستحق فضله فيمنحه إياه، ومن لا يستحقه فيحرمه.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 54


(يا أيها الذين آمنوا من يرتد) بالفك والإدغام يرجع (منكم عن دينه) إلى الكفر إخبار بما علم الله وقوعه وقد ارتد جماعة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم (فسوف يأتي الله) بدلهم (بقوم يحبهم ويحبونه) قال صلى الله عليه وسلم: "" هم قوم هذا وأشار إلى أبي موسى الأشعري "" رواه الحاكم في صحيحه (أذلة) عاطفين (على المؤمنين أعزة) أشداء (على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) فيه كما يخاف المنافقون لوم الكفار (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع) كثير الفضل (عليم) بمن هو أهله، ونزل لما قال ابن سلام يا رسول الله إن قومنا هجرونا.

تفسير السعدي : ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه


يخبر تعالى أنه الغني عن العالمين، وأنه من يرتد عن دينه فلن يضر الله شيئا، وإنما يضر نفسه.
وأن لله عبادا مخلصين، ورجالا صادقين، قد تكفل الرحمن الرحيم بهدايتهم، ووعد بالإتيان بهم، وأنهم أكمل الخلق أوصافا، وأقواهم نفوسا، وأحسنهم أخلاقا، أجلُّ صفاتهم أن الله { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ْ} فإن محبة الله للعبد هي أجل نعمة أنعم بها عليه، وأفضل فضيلة، تفضل الله بها عليه، وإذا أحب الله عبدا يسر له الأسباب، وهون عليه كل عسير، ووفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات، وأقبل بقلوب عباده إليه بالمحبة والوداد.
ومن لوازم محبة العبد لربه، أنه لابد أن يتصف بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، في أقواله وأعماله وجميع أحواله، كما قال تعالى: { قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ْ} كما أن من لازم محبة الله للعبد، أن يكثر العبد من التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الله: "وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، ولا يزال [عبدي] يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".
ومن لوازم محبة الله معرفته تعالى، والإكثار من ذكره، فإن المحبة بدون معرفة بالله ناقصة جدا، بل غير موجودة وإن وجدت دعواها، ومن أحب الله أكثر من ذكره، وإذا أحب الله عبدا قبل منه اليسير من العمل، وغفر له الكثير من الزلل.
ومن صفاتهم أنهم { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ْ} فهم للمؤمنين أذلة من محبتهم لهم، ونصحهم لهم، ولينهم ورفقهم ورأفتهم، ورحمتهم بهم وسهولة جانبهم، وقرب الشيء الذي يطلب منهم وعلى الكافرين بالله، المعاندين لآياته، المكذبين لرسله - أعزة، قد اجتمعت هممهم وعزائمهم على معاداتهم، وبذلوا جهدهم في كل سبب يحصل به الانتصار عليهم، قال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ْ} وقال تعالى: { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ْ} فالغلظة والشدة على أعداء الله مما يقرب العبد إلى الله، ويوافق العبد ربه في سخطه عليهم، ولا تمنع الغلظة عليهم والشدة دعوتهم إلى الدين الإسلامي بالتي هي أحسن.
فتجتمع الغلظة عليهم، واللين في دعوتهم، وكلا الأمرين من مصلحتهم ونفعه عائد إليهم.
{ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ْ} بأموالهم وأنفسهم، بأقوالهم وأفعالهم.
{ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ْ} بل يقدمون رضا ربهم والخوف من لومه على لوم المخلوقين، وهذا يدل على قوة هممهم وعزائمهم، فإن ضعيف القلب ضعيف الهمة، تنتقض عزيمته عند لوم اللائمين، وتفتر قوته عند عذل العاذلين.
وفي قلوبهم تعبد لغير الله، بحسب ما فيها من مراعاة الخلق وتقديم رضاهم ولومهم على أمر الله، فلا يسلم القلب من التعبد لغير الله، حتى لا يخاف في الله لومة لائم.
ولما مدحهم تعالى بما من به عليهم منَّ الصفات الجليلة والمناقب العالية، المستلزمة لما لم يذكر من أفعال الخير -أخبر أن هذا من فضله عليهم وإحسانه لئلا يعجبوا بأنفسهم، وليشكروا الذي مَنَّ عليهم بذلك ليزيدهم من فضله، وليعلم غيرُهم أن فضل الله تعالى ليس عليه حجاب، فقال: { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ْ}- أي: واسع الفضل والإحسان، جزيل المنن، قد عمت رحمته كل شيء، ويوسع على أوليائه من فضله، ما لا يكون لغيرهم، ولكنه عليم بمن يستحق الفضل فيعطيه، فالله أعلم حيث يجعل رسالته أصلا وفرعا.

تفسير البغوي : مضمون الآية 54 من سورة المائدة


قوله عز وجل : ( ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) قرأ أهل المدينة والشام " يرتدد " بدالين على إظهار التضعيف " عن دينه " فيرجع إلى الكفر .
قال الحسن : علم الله تبارك وتعالى أن قوما يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم صلى الله عليه وسلم فأخبر أنه سيأتي بقوم يحبهم الله ويحبونه .
واختلفوا في أولئك القوم من هم؟ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن وقتادة : هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة الزكاة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبض ارتد عامة العرب إلا أهل مكة والمدينة والبحرين من عبد القيس ، ومنع بعضهم الزكاة ، وهم أبو بكر رضي الله عنه بقتالهم فكره ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال عمر رضي الله عنه : كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله عز وجل؟ " فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني [ عناقا ] كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها " .
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : كرهت الصحابة قتال مانعي الزكاة وقالوا : أهل القبلة ، فتقلد أبو بكر سيفه وخرج وحده ، فلم يجدوا بدا من الخروج على أثره .
قال ابن مسعود : كرهنا ذلك في الابتداء ثم حمدناه عليه في الانتهاء .
قال أبو بكر بن عياش : سمعت أبا حصين يقول : ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر رضي الله عنه ، لقد قام مقام نبي من الأنبياء في قتال أهل الردة .
وكان قد ارتد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث فرق :منهم [ بنو مذحج ] ورئيسهم ذو الخمار عبهلة بن كعب العنسي ، ويلقب بالأسود ، وكان كاهنا مشعبذا فتنبأ باليمن واستولى على بلادها ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين ، وأمرهم أن يحثوا الناس على التمسك بدينهم ، وعلى النهوض إلى حرب الأسود ، فقتله فيروز الديلمي على فراشه ، قال ابن عمر رضي الله عنه فأتى الخبر النبي صلى الله عليه وسلم من السماء الليلة التي قتل فيها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قتل الأسود البارحة ، قتله رجل مبارك " ، قيل: ومن هو؟ قال : " فيروز ، [ فاز فيروز ] فبشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بهلاك الأسود ، وقبض صلى الله عليه وسلم من الغد ، وأتى [ خبر ] مقتل العنسي المدينة في آخر شهر ربيع الأول بعدما خرج أسامة وكان ذلك أول فتح جاء أبا بكر رضي الله عنه .
والفرقة الثانية : بنو حنيفة باليمامة ، ورئيسهم مسيلمة الكذاب ، [ واسمه ثمامة بن قيس ] وكان قد تنبأ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سنة عشر ، وزعم أنه أشرك مع محمد صلى الله عليه وسلم في النبوة ، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك ، وبعث [ بذلك ] إليه مع رجلين من أصحابه ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ أتشهدان أن مسيلمة رسول الله؟ قالا : نعم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم
] " لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما " ، ثم أجاب : " من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين " ، ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي ، فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى مسيلمة الكذاب في جيش كثير حتى أهلكه الله على يدي وحشي غلام مطعم بن عدي الذي قتل حمزة بن عبد المطلب ، بعد حرب شديد ، وكان وحشي يقول : قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام .
والفرقة الثالثة : بنو أسد ، ورئيسهم طليحة بن خويلد بن الوليد ، وكان طليحة آخر من ارتد ، وادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأول من قوتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الردة ، فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إليه ، فهزمهم خالد بعد قتال شديد ، وأفلت طليحة فمر على وجهه هاربا نحو الشام ، ثم إنه أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه .
وارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم [ في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ] خلق كثير ، حتى كفى الله المسلمين أمرهم ونصر دينه على يدي أبي بكر رضي الله عنه .
قالت عائشة : " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب واشرأب النفاق ، ونزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها " .
وقال قوم : المراد بقوله : ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) هم الأشعريون ، روي عن عياض بن غنم الأشعري قال : لما نزلت هذه الآية : ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هم قوم هذا ، وأشار إلى أبي موسى الأشعري " وكانوا من اليمن .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن الطيسفوني أنا أبو عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن [ علي الكشميهني ، حدثنا علي بن ] حجر أنا إسماعيل بن جعفر أنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتاكم أهل اليمن ، هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة ، الإيمان يمان والحكمة يمانية "وقال الكلبي : هم أحياء من اليمن ألفان من النخع وخمسة آلاف من كندة وبجيلة ، وثلاثة آلاف من أفياء الناس ، فجاهدوا في سبيل الله يوم القادسية في أيام عمر رضي الله عنه .
قوله عز وجل : ( أذلة على المؤمنين ) يعني : أرقاء رحماء ، لقوله عز وجل : " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " ، ولم يرد به الهوان ، بل أراد به أن جانبهم لين على المؤمنين ، وقيل: هو من الذل من قولهم " دابة ذلول " ، يعني أنهم متواضعون كما قال الله تعالى : " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا " ، ( أعزة على الكافرين ) أي : أشداء غلاظ على الكفار يعادونهم ويغالبونهم ، من قولهم : عزه أي : غلبه ، قال عطاء : أذلة على المؤمنين : كالولد لوالده والعبد لسيده ، أعزة على الكافرين : كالسبع على فريسته ، نظيره قوله تعالى : " أشداء على الكفار رحماء بينهم " .
( يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) يعني : لا يخافون في الله لوم الناس ، وذلك أن المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويخافون لومهم ، وروينا عن عبادة بن الصامت قال : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم " .
( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) أي : محبتهم لله ولين جانبهم للمسلمين ، وشدتهم على الكافرين ، من فضل الله عليهم ، ( والله واسع عليم ) .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


قوله-تبارك وتعالى- مَنْ يَرْتَدَّ من الارتداد.
ومعناه: الرجوع إلى الخلف ومنه قوله-تبارك وتعالى- رُدُّوها عَلَيَّ أى: ارجعوها على.
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ.
والمراد بالارتداد هنا: الرجوع عن دين الإسلام إلى الكفر والضلال، والخروج من الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غيره من الأباطيل والأكاذيب.
قالوا: وفي هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن من الذين دخلوا في الإسلام من سيرتد عنه إلى غيره من الكفر والضلال، وقد كان الأمر كما أشارت الآية الكريمة فقد ارتد عن الإسلام بعض القبائل كقبيلة بنى حنيفة- قوم مسيلمة الكذاب- وقبيلة بنى أسد، وقبيلة بنى مدلج وغيرهم.
وقد تصدى سيدنا أبو بكر الصديق ومن معه من المؤمنين الصادقين للمرتدين فكسروا شوكة الردة، وأعادوا لكلمة الإسلام هيبتها وقوتها.
قال الآلوسى ما ملخصه: هذه الآية من الكائنات التي أخبر عنها القرآن قبل وقوعها- وقد وقع المخبر به على وفقها فيكون معجزا- فقد روى أنه ارتد عن الإسلام إحدى عشرة فرقة.
ثلاث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهم: «بنو مدلج، ورئيسهم الأسود العنسي و «بنو حنيفة» قوم مسيلمة الكذاب و «بنو أسد» قوم طليحة بن خويلد الأسدى.
وسبع في عهد أبى بكر وهم:فزارة.
وغطفان، وبنو سليم، وبنو يربوع، وبعض بنى تميم، وكنده، وبنو بكر ابن وائل.
وارتدت فرقة واحدة في عهد عمر وهي قبيلة «غسان قوم جبلة بن الأيهم» .
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا لا يتخذ أحد منكم أحدا من أعداء الله وليا ونصيرا لأن ولايتهم تفضى إلى مضرتكم وخسرانكم.
بل وإلى ردتكم عن الحق الذي آمنتم به، ومن يرتدد منكم عن دينه الحق إلى غيره من الأديان الباطلة فلن يضر الله شيئا، لأنه- سبحانه - سوف يأتى بقوم آخرين مخلصين له، ومطيعين لأوامره، ومستجيبين لتعاليمه.
بدل أولئك الذين ارتدوا على أدبارهم، وكفروا بعد إيمانهم.
قال-تبارك وتعالى-: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ .
ولفظ فَسَوْفَ جيء به هنا لتأكيد وقوع الأمر في المستقبل، إذا ما ارتد بعض الناس على أدبارهم.
وقد وصف الله-تبارك وتعالى- أولئك القوم الذين يأتى بهم بدل الذين كفروا بعد إيمانهم، وصفهم بعدد من الصفات الحميدة، والسجايا الكريمة.
وصفهم- أولا- بقوله: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ:ومحبة الله-تبارك وتعالى- للمؤمنين هي أسمى نعمة يتعشقونها ويتطلعون إليها، ويرجون حصولها ودوامها.
وهي- كما يقول الآلوسى- محبة تليق بشأنه على المعنى الذي أراده.
ومن علاماتها: أن يوفقهم- سبحانه - لطاعته، وأن ييسر لهم الخير في كل شئونهم.
ومحبة المؤمنين لله-تبارك وتعالى- معناها: التوجه إليه وحده بالعبادة، واتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به، والاستجابة لتعاليمه برغبة وشوق.
وقوله: يُحِبُّهُمْ جملة في محل جر صفة لقوم.
وقوله «ويحبونه» معطوف على يُحِبُّهُمْ.
وقدم- سبحانه - محبته لهم على محبتهم له، لشرفها وسبقها، إذ لولا محبته لهم لما وصلوا إلى طاعته.
وصفهم- ثانيا- بقوله: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ.
وقوله: أَذِلَّةٍ جمع ذليل، من تذلل إذا تواضع وحنا على غيره، وليس المراد بكونهم أذلة أنهم مهانون، بل المراد المبالغة في وصفهم بالرفق ولين الجانب للمؤمنين.
وقوله: أَعِزَّةٍ جمع عزيز وهو المتصف بالعزة بمعنى القوة والامتناع عن أن يغلب أو يقهر ومنه قوله-تبارك وتعالى- وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ أى: غلبني في الخطاب.
والمعنى: إن من صفات هؤلاء القوم الذين يأتى الله بهم بدل الذين كفروا بعد إيمانهم، أنهم أرقاء على المؤمنين، عاطفون عليهم متواضعون لهم، تفيض قلوبهم حنوا وشفقة بهم.
وأنهم في الوقت نفسه أشداء على الكافرين، ينظرون إليهم نظرة العزيز الغالب، لا نظرة الضعيف الخانع.
وهذه- كما يقول ابن كثير- صفات المؤمنين الكمل.
أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه، متعززا على خصمه وعدوه كما قال-تبارك وتعالى-: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ومن صفات الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنه الضحوك القتال» فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه» .
وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا قيل أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين؟ قلت: فيه وجهان:أحدهما: أن يضمن الذل معنى الحنو والعطف كأنه قيل: عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع.
والثاني: أنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين- خافضون لهم أجنحتهم» .
وقال الطيبي: إن قوله-تبارك وتعالى- أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ جيء به للتكميل، لأنه لما وصفهم قبل ذلك بالتذلل، ربما يتوهم أحد أنهم أذلاء محقرون في أنفسهم فدفع ذلك الوهم بأنهم مع ذلتهم على المؤمنين أعزة على الكافرين على حد قول القائل:جلوس في مجالسهم رزان ...
وإن ضيم ألم بهم خفافثم وصفهم- ثالثا- بقوله: يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ وقوله:يُجاهِدُونَ من المجاهدة وهي بذل الجهد ونهاية الطاقة من أجل الوصول إلى المقصد الذي يسعى إليه الساعى.
وقوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ أى في سبيل إعلاء دين الله، وإعزاز كلمته وليس في سبيل الهوى أو الشيطان.
واللومة: هي المرة الواحدة من اللوم.
وهو بمعنى اعتراض المعترضين، ومخالفة المخالفين وعدم رضاهم عن هؤلاء القوم.
والمعنى: أن من صفات هؤلاء القوم- أيضا- أنهم يبذلون أقصى جهدهم في سبيل إعلاء كلمة الله والعمل على مرضاته، وأنهم في جهادهم وجهرهم بكلمة الحق، وحرصهم على ما يرضيه- سبحانه - لا يخافون لوما قط من أى لائم كائنا من كان.
لأن خشيتهم ليست إلا من الله وحده.
وعبر- سبحانه - بلومة- بصيغة الإفراد والتنكير، للمبالغة في نفى الخوف عنهم سواء أصدر اللوم لهم من كبير أم من صغير.
وسواء أكانت اللومة شديدة أم رفيقة..فهم- كما يقول الزمخشري-: صلاب في دينهم، إذا شرعوا في أمر من أمور الدين لإنكار منكر أو أمر بمعروف- مضوا فيه كالمسامير المحماة، لا يرعبهم قول قائل، ولا اعتراض معترض، ولا لومة لائم، والجملة على هذا معطوفة على يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
ويحتمل أن تكون الواو للحال.
أى أنهم يجاهدون وحالهم في المجاهدة خلاف حال المنافقين الذين كانوا إذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود، فلا يعملون شيئا مما يعلمون أنه يلحقهم فيه لوم من جهتهم، وأما المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله لا يخافون لومة لائم» .
وقد ذكر المفسرون أقوالا متعددة في المراد بهؤلاء القوم الذين وصفهم الله-تبارك وتعالى- بتلك الصفات الكريمة، والذين يأتى بهم بدل أولئك الذين يرتدون على أعقابهم.
قال بعضهم: المراد بهم أبو بكر ومن معه من المؤمنين الذين قاتلوا المرتدين.
وقال آخرون: المراد بهم الأنصار الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم وأيدوه.
وقال مجاهد: المراد بهم أهل اليمن ...
وقيل غير ذلك.
والذي نراه أنهم قوم ليسوا مخصوصين بزمن معين أو بلد معين، أو أشخاص معينين، وإنما هم كل من تنطبق عليهم هذه الصفات الجليلة.
فكل من أحب الله وأحبه الله، وتواضع للمؤمنين وأغلظ على الكافرين.
وجاهد في سبيل الله دون أن يخشى أحدا سواه فهو منهم، أما ذواتهم فيعلمها الله وحده، لأنه لم يرد نص صحيح يعتمد عليه في بيان المراد بهؤلاء القوم.
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ يعود على ما تقدم ذكره من أوصاف القوم.
أى: ذلك الذي أعطيناه لهم من صفات كريمة فضل الله وإحسانه، يؤتيه من يشاء إيتاءه من عباده، والله-تبارك وتعالى- واسع الفضل والجود والعطاء، عليم بأحوال خلقه، لا تخفى عليه خافية من شئونهم.
هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة: وجوب المجاهدة في سبيل إعلاء كلمة الله عن طريق قتال أعدائه- سبحانه - أو عن طريق الجهر بكلمة الحق، أو عن طريق إحقاق الحق وإبطال الباطل- دون أن يخاف المجاهد لومة لائم.
ولقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث في هذا المعنى ومن ذلك:ما رواه الإمام أحمد عن أبى ذر: أمرنى خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرنى بحب المساكين والدنو منهم، وأمرنى أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقى، وأمرنى أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرنى أن لا أسأل أحدا شيئا، وأمرنى أن أقول الحق وإن كان مرا، وأمرنى أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأمرنى أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن كنز تحت العرش» .
وعن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده.
فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم
» .
وعنه- أيضا- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحقرن أحدكم نفسه قالوا: وكيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: أن يرى أمر الله فيه مقال فلا يقول فيه.
فيقال له يوم القيامة.
ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا؟ فيقول مخافة الناس.
فيقول: إياى أحق أن تخاف
» .
وهناك أحاديث أخرى في هذا المعنى سوى التي ذكرها الإمام ابن كثير ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمنكرة.
وأن لا ننازع الأمر أهله.
وأن نقول بالحق حيثما كنا.
لا نخاف في الله لومة لائم» .

ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه: تفسير ابن كثير


يقول تعالى مخبرا عن قدرته العظيمة أن من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته ، فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا كما قال تعالى : { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } [ محمد : 38 ] وقال تعالى : { إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين } [ النساء : 133 ] ، وقال تعالى : { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز } [ إبراهيم : 19 ، 20 ] أي: بممتنع ولا صعب . وقال تعالى هاهنا : { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه } أي: يرجع عن الحق إلى الباطل .
قال محمد بن كعب : نزلت في الولاة من قريش . وقال الحسن البصري : نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر .
{ فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } قال الحسن : هو والله أبو بكر وأصحابه [ رضي الله عنهم ] رواه ابن أبي حاتم .
وقال أبو بكر بن أبي شيبة : سمعت أبا بكر بن عياش يقول في قوله { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } هم أهل القادسية . وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد : هم قوم من سبأ .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عبد الله بن الأجلح عن محمد بن عمرو عن سالم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } قال : ناس من أهل اليمن ثم من كندة ثم من السكون .
وحدثنا أبي حدثنا محمد بن المصفى حدثنا معاوية - يعني ابن حفص - عن أبي زياد الحلفاني عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } قال : " هؤلاء قوم من أهل اليمن ثم من كندة ثم من السكون ثم من تجيب " . وهذا حديث غريب جدا .
وقال ابن أبى حاتم : حدثنا عمر بن شبة حدثنا عبد الصمد - يعني ابن عبد الوارث - حدثنا شعبة عن سماك سمعت عياضا يحدث عن الأشعري قال : لما نزلت : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هم قوم هذا " . ورواه ابن جرير من حديث شعبة بنحوه .
وقوله تعالى : { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه ، متعززا على خصمه وعدوه ، كما قال تعالى : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } [ الفتح : 29 ] . وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه : " الضحوك القتال " فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه .
وقوله [ تعالى ] { يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم } أي: لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله ، وقتال أعدائه ، وإقامة الحدود ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا يردهم عن ذلك راد ، ولا يصدهم عنه صاد ، ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل .
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا سلام أبو المنذر عن محمد بن واسع ، عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع ، أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ، ولا أنظر إلى من هو فوقي ، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا ، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا ، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنهن من كنز تحت العرش .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان عن أبي المثنى أن أبا ذر قال : بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وواثقني سبعا ، وأشهد الله علي تسعا ، أني لا أخاف في الله لومة لائم . قال أبو ذر : فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هل لك إلى بيعة ولك الجنة؟ " قلت : نعم ، قال : وبسطت يدي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشترط : على ألا تسأل الناس شيئا؟ قلت : نعم . قال : " ولا سوطك وإن سقط منك يعني تنزل إليه فتأخذه . "
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن الحسن حدثنا جعفر عن المعلى القردوسي عن الحسن عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده ، فإنه لا يقرب من أجل ، ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم " . تفرد به أحمد .
وقال أحمد : حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن زبيد عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله فيه مقال ، فلا يقول فيه ، فيقال له يوم القيامة : ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا ؟ فيقول : مخافة الناس . فيقول : إياي أحق أن تخاف " .
ورواه ابن ماجه من حديث الأعمش عن عمرو بن مرة به . وروى أحمد وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي طوالة عن نهار بن عبد الله العبدي المدني عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليسأل العبد يوم القيامة ، حتى إنه ليسأله يقول له : أي عبدي ، رأيت منكرا فلم تنكره؟ فإذا لقن الله عبدا حجته ، قال : أي رب ، وثقت بك وخفت الناس " .
وثبت في الصحيح : " ما ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه " ، قالوا : وكيف يذل نفسه يا رسول الله؟ قال : " يتحمل من البلاء ما لا يطيق " .
{ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } أي: من اتصف بهذه الصفات ، فإنما هو من فضل الله عليه ، وتوفيقه له { والله واسع عليم } أي: واسع الفضل ، عليم بمن يستحق ذلك ممن يحرمه إياه .

تفسير القرطبي : معنى الآية 54 من سورة المائدة


قوله : ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليمفيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : من يرتد منكم عن دينه شرط وجوابه فسوف ، وقراءة أهل المدينة والشام " من يرتدد " بدالين .
الباقون " من يرتد " .
وهذا من إعجاز القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم : إذ أخبر عن ارتدادهم ولم يكن ذلك في عهده وكان ذلك غيبا ، فكان على ما أخبر بعد مدة ، وأهل الردة كانوا بعد موته صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب إلا ثلاثة مساجد مسجد المدينة ، ومسجد مكة ، ومسجد جؤاثى ، وكانوا في ردتهم على قسمين : قسم نبذ الشريعة كلها وخرج عنها ، وقسم نبذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب غيرها ; قالوا نصوم ونصلي ولا نزكي ; فقاتل الصديق جميعهم ; وبعث خالد بن الوليد إليهم بالجيوش فقاتلهم وسباهم ; على ما هو مشهور من أخبارهم .
الثانية : قوله تعالى : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه في موضع النعت .
قال الحسن وقتادة وغيرهما : نزلت في أبي بكر الصديق وأصحابه ، وقال السدي : نزلت في الأنصار .
وقيل : هي إشارة إلى قوم لم يكونوا موجودين في ذلك الوقت ، وأن أبا بكر قاتل أهل الردة بقوم لم يكونوا وقت نزول الآية ; وهم أحياء من اليمن من كندة وبجيلة ، ومن أشجع ، وقيل : إنها نزلت في الأشعريين ; ففي الخبر أنها لما نزلت قدم بعد ذلك بيسير سفائن الأشعريين ، وقبائل اليمن من طريق البحر ، فكان لهم بلاء في الإسلام في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت عامة فتوح العراق في زمن عمر رضي الله عنه على يدي قبائل اليمن ; هذا أصح ما قيل في نزولها ، والله أعلم ، وروى الحاكم أبو عبد الله في " المستدرك " بإسناده : أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أبي موسى الأشعري لما نزلت هذه الآية فقال : ( هم قوم هذا ) قال القشيري : فأتباع أبي الحسن من قومه ; لأن كل موضع أضيف فيه قوم إلى نبي أريد به الأتباع .
الثالثة : قوله تعالى : أذلة على المؤمنين ( أذلة ) نعت لقوم ، وكذلك ( أعزة ) أي : يرأفون بالمؤمنين ويرحمونهم ويلينون لهم ; من قولهم : دابة ذلول أي : تنقاد سهلة ، وليس من الذل في شيء ، ويغلظون على الكافرين ويعادونهم .
قال ابن عباس : هم للمؤمنين كالوالد للولد والسيد للعبد ، وهم في الغلظة على الكفار كالسبع على فريسته ; قال الله تعالى : أشداء على الكفار رحماء بينهم ، ويجوز " أذلة " بالنصب على الحال ; أي : يحبهم ويحبونه في هذا الحال ، وقد تقدمت معنى محبة الله تعالى لعباده ومحبتهم له .
الرابعة : يجاهدون في سبيل الله في موضع الصفة أيضا .
ولا يخافون لومة لائم بخلاف المنافقين يخافون الدوائر ; فدل بهذا على تثبيت إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ; لأنهم جاهدوا في الله عز وجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقاتلوا المرتدين بعده ، ومعلوم أن من كانت فيه هذه الصفات فهو ولي لله تعالى ، وقيل : الآية عامة في كل من يجاهد الكفار إلى قيام الساعة ، والله أعلم .
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ابتداء وخبر ( واسع عليم ) أي : واسع الفضل ، عليم بمصالح خلقه .

﴿ ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ﴾ [ المائدة: 54]

سورة : المائدة - الأية : ( 54 )  - الجزء : ( 6 )  -  الصفحة: ( 117 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين
  2. تفسير: قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد
  3. تفسير: وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين
  4. تفسير: ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون
  5. تفسير: وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين
  6. تفسير: هل أتاك حديث موسى
  7. تفسير: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر
  8. تفسير: قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون
  9. تفسير: وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا
  10. تفسير: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا

تحميل سورة المائدة mp3 :

سورة المائدة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة المائدة

سورة المائدة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة المائدة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة المائدة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة المائدة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة المائدة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة المائدة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة المائدة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة المائدة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة المائدة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة المائدة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب