1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ النساء: 46] .

  
   

﴿ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾
[ سورة النساء: 46]

القول في تفسير قوله تعالى : من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون


من اليهود فريق دأبوا على تبديل كلام الله وتغييره عمَّا هو عليه افتراء على الله، ويقولون للرسول صلى الله عليه وسلم: سمعنا قولك وعصينا أمرك واسمع منَّا لا سمعت، ويقولون: راعنا سمعك أي: افهم عنا وأفهمنا، يلوون ألسنتهم بذلك، وهم يريدون الدعاء عليه بالرعونة حسب لغتهم، والطعن في دين الإسلام. ولو أنهم قالوا: سمعنا وأطعنا، بدل و"عصينا"، واسمع دون "غير مسمع"، وانظرنا بدل "راعنا" لكان ذلك خيرًا لهم عند الله وأعدل قولا ولكن الله طردهم من رحمته؛ بسبب كفرهم وجحودهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يصدقون بالحق إلا تصديقًا قليلا لا ينفعهم.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


من اليهود قوم سوء يغيرون الكلام الذي أنزله الله، فيُؤوِّلونه على غير ما أنزل الله، ويقولون للرسول صلى الله عليه وسلم حين يأمرهم بأمر: سمعنا قولك، وعصينا أمرك، ويقولون مستهزئين: اسمع ما نقول لا سَمِعْتَ؛ ويوهمون بقولهم: «راعنا» أنهم يريدون: راعنا سمعك، وإنما يريدون الرعونة؛ يلوون بها ألسنتهم، يريدون الدعاء عليه صلى الله عليه وسلم، ويقصدون القدح في الدين، ولو أنهم قالوا: سمعنا قولك، وأطعنا أمرك، بدلًا من قولهم: سمعنا قولك، وعصينا أمرك، وقالوا: اسمع، بدل قولهم: اسمع لا سمعتَ، وقالوا: انتظرنا نفهم عنك ما تقول، بدل قولهم: راعنا؛ لكان ذلك خيرًا لهم مما قالوه أولًا، وأعدل منه؛ لما فيه من حسن الأدب اللائق بجناب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لعنهم الله، فطردهم من رحمته بسبب كفرهم، فلا يؤمنون إيمانًا ينفعهم.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 46


«من الذين هادوا» قوم «يحِّرفون» يغيرون «الكلم» الذي أنزل الله في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم «عن مواضعه» التي وضع عليها «ويقولون» للنبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بشيء «سمعنا» قولك «وعصينا» أمرك «واسمع غير مُسمع» حال بمعنى الدعاء أي لا سمعت «و» يقولون له «راعنا» وقد نهى عن خطابه وهي كلمة سب بلغتهم «ليٌا» تحريفا «بألسنتهم وطعنا» قدحا «في الدين» الإسلام «ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا» بذل وعصينا «واسمع» فقط «وانظرنا» انظر إلينا بدل راعنا «لكان خيرا لهم» مما قالوه «وأقوم» أعدل منه «ولكن لعنهم الله» أبعدهم عن رحمته «بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا» منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه.

تفسير السعدي : من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون


ثم بين كيفية ضلالهم وعنادهم وإيثارهم الباطل على الحق فقال: { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا }- أي: اليهود وهم علماء الضلال منهم.
{ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } إما بتغيير اللفظ أو المعنى، أو هما جميعا.
فمن تحريفهم تنزيل الصفات التي ذكرت في كتبهم التي لا تنطبق ولا تصدق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم على أنه غير مراد بها، ولا مقصود بها بل أريد بها غيره، وكتمانهم ذلك.
فهذا حالهم في العلم أشر حال، قلبوا فيه الحقائق، ونزلوا الحق على الباطل، وجحدوا لذلك الحق، وأما حالهم في العمل والانقياد فإنهم { يَقُولون سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا }- أي: سمعنا قولك وعصينا أمرك، وهذا غاية الكفر والعناد والشرود عن الانقياد، وكذلك يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم بأقبح خطاب وأبعده عن الأدب فيقولون: { اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } قصدهم: اسمع منا غير مسمع ما تحب، بل مسمع ما تكره، { وَرَاعِنَا } قصدهم بذلك الرعونة، بالعيب القبيح، ويظنون أن اللفظ -لما كان محتملا لغير ما أرادوا من الأمور- أنه يروج على الله وعلى رسوله، فتوصلوا بذلك اللفظِ الذي يلوون به ألسنتهم إلى الطعن في الدين والعيب للرسول، ويصرحون بذلك فيما بينهم، فلهذا قال: { لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ } ثم أرشدهم إلى ما هو خير لهم من ذلك فقال: { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ } وذلك لما تضمنه هذا الكلام من حسن الخطاب والأدب اللائق في مخاطبة الرسول، والدخول تحت طاعة الله والانقياد لأمره، وحسن التلطف في طلبهم العلم بسماع سؤالهم، والاعتناء بأمرهم، فهذا هو الذي ينبغي لهم سلوكه.
ولكن لما كانت طبائعهم غير زكية، أعرضوا عن ذلك، وطردهم الله بكفرهم وعنادهم، ولهذا قال: { وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا }

تفسير البغوي : مضمون الآية 46 من سورة النساء


( من الذين هادوا ) قيل: هي متصلة بقوله ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) ( من الذين هادوا ) وقيل: هي مستأنفة ، معناه : من الذين هادوا من يحرفون ، كقوله تعالى : " وما منا إلا له مقام معلوم " ( الصافات - 164 ) أي : من له مقام معلوم ، يريد : فريق ، ( يحرفون الكلم ) يغيرون الكلم ( عن مواضعه ) يعني : صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : كانت اليهود يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسألونه عن الأمر ، فيخبرهم ، فيرى أنهم يأخذون بقوله ، فإذا انصرفوا من عنده حرفوا كلامه ، ( ويقولون سمعنا ) قولك ( وعصينا ) أمرك ، ( واسمع غير مسمع ) أي : اسمع منا ولا نسمع منك ، ( غير مسمع ) أي : غير مقبول منك ، وقيل: كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : اسمع ، ثم يقولون في أنفسهم : لا سمعت ، ( وراعنا ) أي : ويقولون راعنا ، يريدون به النسبة إلى الرعونة ، ( ليا بألسنتهم ) تحريفا ( وطعنا ) قدحا ( في الدين ) أن قوله : " وراعنا " من المراعاة ، وهم يحرفونه ، يريدون به الرعونة ، ( ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا ) أي : انظر إلينا مكان قولهم راعنا ، ( لكان خيرا لهم وأقوم ) أي أعدل وأصوب ، ( ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) إلا نفرا قليلا منهم ، وهو عبد الله بن سلام ومن أسلم معه منهم .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


ثم ذكر- سبحانه - ألوانا من الأقوال والأعمال القبيحة التي كان اليهود يقولونها ويفعلونها للإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين فقال: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ.
وتحريف الشيء إمالته وتغييره.
ومنه قولهم: طاعون يحرف القلوب، أى يميلها ويجعلها على حرف، أى جانب وطرف.
وأصله من الحرف يقال: حرف الشيء عن وجهه، صرفه عنه.
والجملة الكريمة بيان للموصول وهو قوله-تبارك وتعالى- الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ.
ويجوز أن يكون قوله مِنَ الَّذِينَ هادُوا خبر لمبتدأ محذوف.
وقوله يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ صفة له.
أى من الذين هادوا قوم أو فريق من صفاتهم أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه أى يميلونه عن مواضعه، ويجعلون مكانه غيره، ويفسرونه تفسيرا سقيما بعيدا عن الحق والصواب.
قال الفخر الرازي: في كيفية التحريف وجوه:أحدها: أنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر.
مثل تحريفهم اسم «ربعة» عن موضعه في التوراة بوضعهم «آدم طويل» ، وكتحريفهم الرجم بوضعهم الجلد بدله.
الثاني: أن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة، والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ من معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه من الحيل اللفظية، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم.
وهذا هو الأصح.
الثالث: أنهم كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به فإذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه» .
والذي نراه أولى أن تحريف هؤلاء اليهود للكلم عن مواضعه يتناول كل ذلك، لأنهم لم يتركوا وسيلة من وسائل التحريف الباطل إلا فعلوها، أملا منهم في صرف الناس عن الدعوة الإسلامية، ولكن الله-تبارك وتعالى- خيب آمالهم.
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف قيل هاهنا عَنْ مَواضِعِهِ وفي المائدة مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ؟ قلت: «أما عن مواضعه» فعلى ما فسرنا من إزالته عن مواضعه التي أوجبت حكمة وضعه فيها، بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه.
وأما مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ فالمعنى أنه كانت له مواضع قمن بأن يكون فيها.
فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقاره.
والمعنيان متقاربان» .
ثم حكى- سبحانه - لونا ثانيا من ضلالتهم فقال: وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا أى.
ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إذا ما أمرهم بشيء: سمعنا قولك وعصينا أمرك فنحن مع فهمنا لما تقول لا نطيعك لأننا متمسكون باليهودية.
ثم حكى- سبحانه - لونا ثالثا من مكرهم فقال: وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وهذه الجملة معطوفة على ما قبلها وداخلة تحت القول السابق.
أى: ويقولون ذلك في أثناء مخاطبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وهو كلام ذو وجهين وجه محتمل للشر.
بأن يحمل على معنى «اسمع» حال كونك غير مسمع كلاما ترضاه.
ووجه محتمل للخير.
بأن يحمل على معنى اسمع منا غير مسمع كلاما تكرهه.
فأنت تراهم- لعنهم الله- أنهم كانوا يخاطبون النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام المحتمل للشر والخير موهمين غيرهم أنهم يريدون الخير، مع أنهم لا يريدون إلا الشر، بسبب ما طفحت به نفوسهم من حسد للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين.
ثم حكى- سبحانه - لونا رابعا من خبثهم فقال: وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وهو كلام معطوف على ما قبله وداخل تحت القول السابق.
وكلمة راعِنا كلمة ذات وجهين- أيضا- فهي محتملة للخير بحملها على معنى ارقبنا وأمهلنا أو انتظرنا نكلمك.
ومحتملة للشر بحملها على شبه كلمة عبرانية كانوا يتسابون بها.
أو على السب بالرعونة أى الحمق.
قال الراغب: قوله: -تبارك وتعالى- وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ كان ذلك قولا يقولونه للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التهكم يقصدون به رميه بالرعونة، ويوهمون أنهم يقولون: راعنا أى: أحفظنا.
من قولهم: رعن الرجل يرعن رعنا فهو رعن» أى أحمق.
وأصل كلمة لَيًّا لويا لأنه من لويت، فأدغمت الواو في الياء لسبقها بالسكون.
واللى:الانحراف والالتفات والانعطاف.
والمراد أنهم كانوا يلوون ألسنتهم بالكلمة أو بالكلام ليكون اللفظ في السمع مشبها لفظا آخر هم يريدونه لأنه يدل على معنى ذميم.
أى أنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التهكم والاستهزاء راعِنا ويقصدون بهذا القول الإساءة إليه صلى الله عليه وسلم وينطقون بهذه الكلمة وما يشابهها نطقا ملتويا منحرفا ليصرفوها عن جانب احتمالها للخير إلى جانب احتمالها للشر.
ولذا فقد نهى الله-تبارك وتعالى- المؤمنين عن مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الألفاظ.
قال ابن كثير: عند تفسيره لقوله-تبارك وتعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا: نهى الله عباده المؤمنين عن أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم.
وذلك أن اليهود كانوا يعلنون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص- عليهم لعائن الله-: فإذا أرادوا أن يقولوا اسمع لنا: يقولون راعنا، ويورون بالرعونه: وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا إنما يقولون.
السام عليكم.
والسام هو الموت.
ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بوعليكم.
وإنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا.
والغرض أن الله-تبارك وتعالى- نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا» .
وقوله وَطَعْناً فِي الدِّينِ أى يقولون ذلك من أجل القدح في الدين والاستهزاء بتعاليمه، وبنبيه صلى الله عليه وسلم.
ثم بين- سبحانه - ما كان بحب عليهم أن يقولوه لو كانوا يعقلون فقال: تعالى- وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَأى: ولو أنهم قالوا عند سماعهم لما يدعوهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من حق وخير، سَمِعْنا قولك سماع قبول واستجابة، وأطعنا أمرك بدل قولهم سمعنا وعصينا.
ولو أنهم قالوا عند مخاطبتهم له صلى الله عليه وسلم وَاسْمَعْ إجابتنا لدعوة الحق وَانْظُرْنا حتى نفهم عنك ما تريده منا بدل قولهم وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ لو أنهم فعلوا ذلك لكان قولهم هذا خيرا لهم وأعدل من أقوالهم السابقة الباطلة التي حكاها القرآن عنهم.
ولكنهم لسوء طباعهم لم يفعلوا ذلك فحقت عليهم اللعنة في الدنيا والآخرة وقد صرح القرآن بذلك فقال: وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا.
أى: ولكنهم لم يقولوا ما هو خير لهم وأقوم بل قالوا ما هو شر وباطل، فاستحقوا اللعنة من الله بسبب كفرهم وسوء أفعالهم:ولفظ قَلِيلًا في قوله فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا منصوب على الاستثناء من قوله لَعَنَهُمُ أى: ولكن لعنهم الله إلا فريقا منهم آمنوا فلم يلعنوا: أو منصوب على الوصفية لمصدر محذوف أى: ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا أى ضعيفا ركيكا لا يعبأ به، ولا يغنى عنهم من عذاب الله شيئا لأنه إيمان غير صحيح بسبب تفريقهم بين رسل الله في التصديق والطاعة.
قال-تبارك وتعالى- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا.
أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً.

من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون: تفسير ابن كثير


ثم قال تعالى : { من الذين هادوا } " من " هذه لبيان الجنس كقوله : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان }
وقوله : { يحرفون الكلم عن مواضعه } أي: يتأولون على غير تأويله ، ويفسرونه بغير مراد الله ، عز وجل ، قصدا منهم وافتراء { ويقولون سمعنا وعصينا } أي يقولون سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه . هكذا فسره مجاهد وابن زيد ، وهو المراد ، وهذا أبلغ في عنادهم وكفرهم ، أنهم يتولون عن كتاب الله بعد ما عقلوه ، وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة .
وقوله { واسمع غير مسمع } أي: اسمع ما نقول ، لا سمعت . رواه الضحاك عن ابن عباس . وقال مجاهد والحسن : واسمع غير مقبول منك .
قال ابن جرير : والأول أصح . وهو كما قال . وهذا استهزاء منهم واستهتار ، عليهم لعنة الله [ والملائكة والناس أجمعين ] .
{ وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين } أي: يوهمون أنهم يقولون : راعنا سمعك بقولهم : " راعنا " وإنما يريدون الرعونة . وقد تقدم الكلام في هذا عند قوله : { ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا } [ البقرة : 104 ] .
ولهذا قال تعالى عن هؤلاء اليهود الذين يريدون بكلامهم خلاف ما يظهرونه : { ليا بألسنتهم وطعنا في الدين } يعني : بسبهم النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم قال تعالى : { ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا } أي: قلوبهم مطرودة عن الخير مبعدة منه ، فلا يدخلها من الإيمان شيء نافع لهم وقد تقدم الكلام على قوله تعالى : { فقليلا ما يؤمنون } [ البقرة : 88 ] والمقصود : أنهم لا يؤمنون إيمانا نافعا .

تفسير القرطبي : معنى الآية 46 من سورة النساء


قوله تعالى : من الذين هادوا قال الزجاج : إن جعلت من متعلقة بما قبل فلا يوقف على قوله نصيرا ، وإن جعلت منقطعة فيجوز الوقف على نصيرا والتقدير من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم ؛ ثم حذف .
وهذا مذهب سيبويه ، وأنشد النحويون :لو قلت ما في قومها لم تيثم يفضلها في حسب وميسمقالوا : المعنى لو قلت ما في قومها أحد يفضلها ؛ ثم حذف .
وقال الفراء : المحذوف " من " المعنى : من الذين هادوا من يحرفون .
وهذا كقوله تعالى : وما منا إلا له مقام معلوم أي من له .
وقال ذو الرمة :فظلوا ومنهم دمعه سابق له وآخر يذري عبرة العين بالهمليريد ومنهم من دمعه ، فحذف الموصول .
وأنكره المبرد والزجاج ؛ لأن حذف الموصول كحذف بعض الكلمة .
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وإبراهيم النخعي " الكلام " .
قال النحاس : و " الكلم " في هذا أولى ؛ لأنهم إنما يحرفون كلم النبي صلى الله عليه وسلم ، أو ما عندهم في التوراة وليس يحرفون جميع الكلام ، ومعنى يحرفون يتأولونه على غير تأويله .
وذمهم الله تعالى بذلك لأنهم يفعلونه متعمدين .
عن مواضعه يعني صفة النبي صلى الله عليه وسلم .
ويقولون سمعنا وعصينا أي سمعنا قولك وعصينا أمرك .
واسمع غير مسمع قال ابن عباس : كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : اسمع لا سمعت ، هذا مرادهم - لعنهم الله - وهم يظهرون أنهم يريدون اسمع غير مسمع مكروها ولا أذى .
وقال الحسن ومجاهد .
معناه غير مسمع منك ، أي مقبول ولا مجاب إلى ما تقول .
قال النحاس : ولو كان كذلك لكان غير مسموع منك .
وتقدم القول في وراعنا ومعنى ليا بألسنتهم أي يلوون ألسنتهم عن الحق أي يميلونها إلى ما في قلوبهم .
وأصل اللي الفتل ، وهو نصب على المصدر ، وإن شئت كان مفعولا من أجله .
وأصله لويا ثم أدغمت الواو في الياء .
وطعنا معطوف عليه أي يطعنون في الدين ، أي يقولون لأصحابهم لو كان نبيا لدرى أننا نسبه ، فأظهر الله تعالى نبيه على ذلك فكان من علامات نبوته ، ونهاهم عن هذا القول .
ومعنى وأقوم أصوب لهم في الرأي .
فلا يؤمنون إلا قليلا أي إلا إيمانا قليلا لا يستحقون به اسم الإيمان .
وقيل : معناه لا يؤمنون إلا قليلا منهم ؛ وهذا بعيد لأنه عز وجل قد أخبر عنهم أنه لعنهم بكفرهم .

﴿ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ﴾ [ النساء: 46]

سورة : النساء - الأية : ( 46 )  - الجزء : ( 5 )  -  الصفحة: ( 86 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات
  2. تفسير: أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا
  3. تفسير: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون
  4. تفسير: فبأي آلاء ربكما تكذبان
  5. تفسير: فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا
  6. تفسير: فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا
  7. تفسير: ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم
  8. تفسير: نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون
  9. تفسير: وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا
  10. تفسير: إني لكم رسول أمين

تحميل سورة النساء mp3 :

سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء

سورة النساء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النساء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النساء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النساء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النساء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النساء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النساء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النساء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النساء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النساء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب