ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم
قوله تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولا ) أي : فضلا وسعة ، ( أن ينكح المحصنات ) الحرائر ( المؤمنات ) قرأ الكسائي ( المحصنات ) بكسر الصاد حيث كان ، إلا قوله في هذه السورة والمحصنات من النساء ، وقرأ الآخرون بفتح جميعها ، ( فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم ) إمائكم ، ( المؤمنات ) أي : من لم يقدر على مهر الحرة المؤمنة ، فليتزوج الأمة المؤمنة .وفيه دليل على أنه لا يجوز للحر نكاح الأمة إلا بشرطين ، أحدهما : أن لا يجد مهر حرة ، والثاني أن يكون خائفا على نفسه من العنت ، وهو الزنا ، لقوله تعالى في آخر الآية : ( ذلك لمن خشي العنت منكم ) وهو قول جابر رضي الله عنه ، وبه قال طاوس وعمرو بن دينار ، وإليه ذهب مالك والشافعي .وجوز أصحاب الرأي للحر نكاح الأمة إلا أن تكون في نكاحه حرة ، أما العبد فيجوز له نكاح الأمة وإن كان في نكاحه حرة أو أمة ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجوز إذا كانت تحته حرة ، كما يقول في الحر .وفي الآية دليل على أنه لا يجوز للمسلم نكاح الأمة الكتابية لأنه قال ( فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) جوز نكاح الأمة بشرط أن تكون مؤمنة ، وقال في موضع آخر : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب " ( المائدة - 5 ) أي : الحرائر ، جوز نكاح الكتابية ، بشرط أن تكون حرة ، وجوز أصحاب الرأي للمسلم نكاح الأمة الكتابية ، وبالاتفاق يجوز وطؤها بملك اليمين .[ ( والله أعلم بإيمانكم ) أي : لا تتعرضوا للباطن في الإيمان وخذوا بالظاهر فإن الله أعلم بإيمانكم ] .( بعضكم من بعض ) قيل: بعضكم إخوة لبعض ، وقيل: كلكم من نفس واحدة فلا تستنكفوا من نكاح الإماء ، ( فانكحوهن ) يعني : الإماء ( بإذن أهلهن ) أي : مواليهن ، ( وآتوهن أجورهن ) مهورهن ، ( بالمعروف ) من غير مطل وضرار ، ( محصنات ) عفائف بالنكاح ، ( غير مسافحات ) أي : غير زانيات ، ( ولا متخذات أخدان ) أي : أحباب تزنون بهن في السر ، قال الحسن : المسافحة هي أن كل من دعاها تبعته ، وذات أخدان أي : تختص بواحد لا تزني إلا معه ، والعرب كانت تحرم الأولى وتجوز الثانية ، ( فإذا أحصن ) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بفتح الألف والصاد ، أي : حفظن فروجهن ، وقال ابن مسعود : أسلمن ، وقرأ الآخرون : ( أحصن ) بضم الألف وكسر الصاد ، أي : زوجن ( فإن أتين بفاحشة ) يعني : الزنا ، ( فعليهن نصف ما على المحصنات ) أي : ما على الحرائر الأبكار إذا زنين ، ( من العذاب ) يعني : الحد ، فيجلد الرقيق إذا زنى خمسين جلدة ، وهل يغرب؟ فيه قولان ، فإن قلنا يغرب فيغرب نصف سنة على القول الأصح ولا رجم على العبيد .روي عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال : أمرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين في الزنا .ولا فرق في حد المملوك بين من تزوج أو لم يتزوج عند أكثر أهل العلم ، وذهب بعضهم إلى أنه لا حد على من لم يتزوج من المماليك إذا زنى ، لأن الله تعالى قال : ( فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات ) وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وبه قال طاوس .ومعنى الإحصان عند الآخرين الإسلام ، وإن كان المراد منه التزويج فليس المراد منه أن التزويج شرط لوجوب الحد عليه ، بل المراد منه التنبيه على أن المملوك وإن كان محصنا بالتزويج فلا رجم عليه ، إنما حده الجلد بخلاف الحر ، فحد الأمة ثابت بهذه الآية ، وبيان أنه بالجلد في الخبر وهو ما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني الليث ، عن سعيد يعني المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر " .قوله تعالى : ( ذلك ) يعني : نكاح الأمة عند عدم الطول ، ( لمن خشي العنت منكم ) يعني : الزنا ، يريد المشقة لغلبة الشهوة ، ( وإن تصبروا ) عن نكاح الإماء متعففين ، ( خير لكم ) لئلا يخلق الولد رقيقا ( والله غفور رحيم ) .
لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما
قوله تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم ) يعني : قوم طعمة ، وقال مجاهد : الآية عامة في حق جميع الناس ، والنجوى : هي الإسرار في التدبير ، وقيل: النجوى ما ينفرد بتدبيره قوم سرا كان أو جهرا ، فمعنى الآية : لا خير في كثير مما يدبرونه بينهم ، ( إلا من أمر بصدقة ) أي : إلا في نجوى من أمر بصدقة ، فالنجوى تكون فعلا وقيل: هذا استثناء منقطع ، يعني : لكن من أمر بصدقة ، وقيل النجوى هاهنا : الرجال المتناجون ، كما قال الله تعالى " وإذ هم نجوى " ( الإسراء - 47 ) . ( إلا من أمر بصدقة ) أي : حث عليها ، ( أو معروف ) أي : بطاعة الله وما يعرفه الشرع ، وأعمال البر كلها معروف ، لأن العقول تعرفها .( أو إصلاح بين الناس ) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا محمد بن حماد ، أنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم هو ابن أبي الجعد ، عن أم الدرداء رضي الله عنها ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة " ؟ قال : قلنا بلى ، قال : " إصلاح ذات البين . وفساد ذات البين هي الحالقة " .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أنا إسماعيل ابن محمد الصفار ، أنا أحمد بن منصور الرمادي ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أمه أم كلثوم بنت عقبة ، وكانت من المهاجرات الأول ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس بالكذاب من أصلح بين الناس فقال خيرا أو نمى خيرا " .قوله تعالى : ( ومن يفعل ذلك ) أي : هذه الأشياء التي ذكرها ، ( ابتغاء مرضاة الله ) أي : طلب رضاه ، ( فسوف نؤتيه ) في الآخرة ، ( أجرا عظيما ) قرأ أبو عمرو وحمزة ( يؤتيه ) بالياء ، يعني : يؤتيه الله ، وقرأ الآخرون بالنون .
الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون
( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ) الآية . قال نوف البكالي الحميري : لما اختار موسى قومه سبعين رجلا قال الله تعالى لموسى : أجعل لكم الأرض مسجدا وطهورا ، تصلون حيث أدركتكم الصلاة إلا عند مرحاض أو حمام أو قبر ، وأجعل السكينة في قلوبكم ، وأجعلكم تقرأون التوراة عن ظهر قلوبكم ، يقرؤها الرجل والمرأة ، والحر والعبد ، والصغير والكبير ، فقال ذلك موسى لقومه ، فقالوا : لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس ، ولا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا ، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهور قلوبنا ، ولا نريد أن نقرأها إلا نظرا ، فقال الله تعالى : " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة " إلى قوله : " أولئك هم المفلحون " ، فجعلها الله لهذه الأمة . فقال موسى عليه السلام : يا رب اجعلني نبيهم ، فقال : نبيهم منهم ، قال : رب اجعلني منهم فقال : إنك لن تدركهم ، فقال موسى عليه السلام : يا رب إني أتيتك بوفد بني إسرائيل فجعلت وفادتنا لغيرنا ، فأنزل الله تعالى : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) الأعراف - 159 ، فرضي موسى .قوله تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ) وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - . قال ابن عباس رضي الله عنهما هو نبيكم كان أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " وهو منسوب إلى الأم ، أي هو على ما ولدته أمه . وقيل هو منسوب إلى أمته ، أصله أمتي فسقطت التاء في النسبة كما سقطت في المكي والمدني وقيل: هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة .( الذي يجدونه ) أي : يجدون صفته ونعته ونبوته ، ( مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل )أخبرنا عبد الواحد المليحي أن أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن سنان حدثنا فليح حدثنا هلال عن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة : قال : أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله ، ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا " .تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن هلال عن عطاء عن ابن سلام أخبرنا الإمام الحسين بن محمد القاضي أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني أنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام أنا أبو الحسن أحمد بن سيار القرشي حدثنا عبد الله بن عثمان عن أبي حمزة عن الأعمش عن أبي صالح عن عبد الله بن ضمرة عن كعب - رضي الله عنه - قال : إني أجد في التوراة مكتوبا محمد رسول الله لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحمادون يحمدون الله في كل منزلة ويكبرونه على كل نجد ، يأتزرون على أنصافهم ويوضئون أطرافهم ، صفهم في الصلاة وصفهم في القتال سواء ، مناديهم ينادي في جو السماء ، لهم في جوف الليل دوي كدوي النحل ، مولده بمكة ومهاجره بطابة وملكه بالشام .قوله تعالى : ( يأمرهم بالمعروف ) أي : بالإيمان ، ( وينهاهم عن المنكر ) أي : عن الشرك ، وقيل: المعروف : الشريعة والسنة ، والمنكر : ما لا يعرف في شريعة ولا سنة . وقال عطاء : يأمرهم بالمعروف : بخلع الأنداد ، ومكارم الأخلاق ، وصلة الأرحام ، وينهاهم عن المنكر : عن عبادة الأوثان وقطع الأرحام . ( ويحل لهم الطيبات ) يعني : ما كانوا يحرمونه في الجاهلية من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ( ويحرم عليهم الخبائث ) يعني : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، والزنا وغيرها من المحرمات . ( ويضع عنهم إصرهم ) قرأ ابن عامر " آصارهم " بالجمع . والإصر : كل ما يثقل على الإنسان من قول أو فعل .قال ابن عباس والحسن والضحاك والسدي ومجاهد : يعني العهد الثقيل كان أخذ على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة .وقال قتادة : يعني التشديد الذي كان عليهم في الدين ، ( والأغلال ) يعني : الأثقال ( التي كانت عليهم ) وذلك مثل : قتل الأنفس في التوبة ، وقطع الأعضاء الخاطئة ، وقرض النجاسة عن الثوب بالمقراض ، وتعيين القصاص في القتل وتحريم أخذ الدية ، وترك العمل في السبت ، وأن صلاتهم لا تجوز إلا في الكنائس ، وغير ذلك من الشدائد . وشبهت بالأغلال التي تجمع اليد إلى العنق . ( فالذين آمنوا به ) أي : بمحمد - صلى الله عليه وسلم - . ( وعزروه ) وقروه ، ( ونصروه ) على الأعداء ( واتبعوا النور الذي أنزل معه ) يعني : القرآن ( أولئك هم المفلحون )
المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون
قوله تعالى : ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ) أي : هم على دين واحد . وقيل: أمرهم واحد بالاجتماع على النفاق ، ( يأمرون بالمنكر ) بالشرك والمعصية ، ( وينهون عن المعروف ) أي عن الإيمان والطاعة ، ( ويقبضون أيديهم ) أي : يمسكونها عن الصدقة والإنفاق في سبيل الله ولا يبسطونها بخير ، ( نسوا الله فنسيهم ) تركوا طاعة الله ، فتركهم الله من توفيقه وهدايته في الدنيا ، ومن رحمته في الآخرة ، وتركهم في عذابه ، (إن المنافقين هم الفاسقون ) .
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم
قوله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) في الدين واتفاق الكلمة والعون والنصرة . ( يأمرون بالمعروف ) بالإيمان والطاعة والخير ، ( وينهون عن المنكر ) عن الشرك والمعصية وما لا يعرف في الشرع ، ( ويقيمون الصلاة ) المفروضة ، ( ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) .
التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين
ثم وصفهم فقال : ( التائبون ) قال الفراء : استؤنفت بالرفع لتمام الآية وانقطاع الكلام . وقال الزجاج : التائبون رفع للابتداء ، وخبره مضمر . المعنى : التائبون - إلى آخر الآية - لهم الجنة أيضا . أي : من لم يجاهد غير معاند ولا قاصد لترك الجهاد ، لأن بعض المسلمين يجزي عن بعض في الجهاد ، فمن كانت هذه صفته فله الجنة أيضا ، وهذا أحسن ، فكأنه وعد الجنة لجميع المؤمنين ، كما قال : " وكلا وعد الله الحسنى ( النساء - 95 ) ، فمن جعله تابعا للأول كان الوعد بالجنة خاصا للمجاهدين الموصوفين بهذه الصفة .قوله تعالى : ( التائبون ) أي : الذين تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق ، ( العابدون ) المطيعون الذين أخلصوا العبادة لله عز وجل ( الحامدون ) الذين يحمدون الله على كل حال في السراء والضراء .وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله في السراء والضراء " . ( السائحون ) قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما : هم الصائمون .وقال سفيان بن عيينة : إنما سمي الصائم سائحا لتركه اللذات كلها من المطعم والمشرب والنكاح .وقال عطاء : السائحون الغزاة المجاهدون في سبيل الله . روي عن عثمان بن مظعون ، رضي الله عنه ، أنه قال : يا رسول الله ائذن لي في السياحة ، فقال : " إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " .وقال عكرمة : السائحون هم طلبة العلم .( الراكعون الساجدون ) يعني : المصلين ، ( الآمرون بالمعروف ) بالإيمان ، ( والناهون عن المنكر ) عن الشرك . وقيل: المعروف : السنة ، والمنكر : البدعة . ( والحافظون لحدود الله ) القائمون بأوامر الله . وقال الحسن : أهل الوفاء ببيعة الله . ( وبشر المؤمنين )
الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور
( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) قال الزجاج : هذا من صفة ناصريه ، ومعنى " مكناهم في الأرض " : نصرناهم على عدوهم حتى يتمكنوا في البلاد . قال قتادة : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال الحسن : هم هذه الأمة ( ولله عاقبة الأمور ) أي : آخر أمور الخلق ومصيرهم إليه ، يعني : يبطل كل ملك سوى ملكه ، فتصير الأمور إليه بلا منازع ولا مدع .
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون
قوله - عز وجل - : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) جهد اليمين أن يحلف بالله ، ولا حلف فوق الحلف بالله ، ( لئن أمرتهم ليخرجن ) وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أينما كنت نكن معك ، لئن خرجت خرجنا ، وإن أقمت أقمنا ، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا ، فقال تعالى : ( قل ) لهم ( لا تقسموا ) لا تحلفوا ، وقد تم الكلام ، ثم قال : ( طاعة معروفة ) أي : هذه طاعة بالقول وباللسان دون الاعتقاد ، وهي معروفة أي : أمر عرف منكم أنكم تكذبون وتقولون ما لا تفعلون ، هذا معنى قول مجاهد رضي الله عنه . وقيل: معناه طاعة معروفة بنية خالصة أفضل وأمثل من يمين باللسان لا يوافقها الفعل . وقال مقاتل بن سليمان : لتكن منكم طاعة معروفة . ( إن الله خبير بما تعملون )
وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون
( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) أي : بالمعروف ، وهو البر والصلة والعشرة الجميلة ( واتبع سبيل من أناب إلي ) أي : دين من أقبل إلى طاعتي ، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . قال عطاء عن ابن عباس : يريد أبا بكر ، وذلك أنه حين أسلم أتاه عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، فقالوا له : قد صدقت هذا الرجل وآمنت به ؟ قال : نعم ، هو صادق ، فآمنوا به ، ثم حملهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أسلموا ، فهؤلاء لهم سابقة الإسلام . أسلموا بإرشاد أبي بكر . قال الله تعالى : ( واتبع سبيل من أناب إلي ) يعني أبا بكر ، ( ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) وقيل: نزلت هاتان الآيتان في سعد بن أبي وقاص وأمه ، وقد مضت القصة وقيل: الآية عامة في حق كافة الناس .
يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور
( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ) يعني من الأذى ( إن ذلك من عزم الأمور ) يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصبر على الأذى فيهما ، من الأمور الواجبة التي أمر الله بها ، أو من الأمور التي يعزم عليها لوجوبها .