إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير
( إن تدعوهم ) يعني : إن تدعو الأصنام ( لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ) ما أجابوكم ( ويوم القيامة يكفرون بشرككم ) يتبرؤون منكم ومن عبادتكم إياها ، يقولون : ما كنتم إيانا تعبدون . ( ولا ينبئك مثل خبير ) يعني : نفسه أي : لا ينبئك أحد مثلي خبير عالم بالأشياء .
ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير
( ولو بسط الله الرزق لعباده ) قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية ، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع فتمنيناها فأنزل الله عز وجل هذه الآية : " ولو بسط الله الرزق " وسع الله الرزق ( لعباده ) ( لبغوا ) لطغوا وعتوا ، ( في الأرض ) .قال ابن عباس : بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ومركبا بعد مركب وملبسا بعد ملبس . ( ولكن ينزل ) أرزاقهم ( بقدر ما يشاء ) كما يشاء نظرا منه لعباده ، ( إنه بعباده خبير بصير ) .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو عمر بكر بن محمد المزني ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة ، حدثنا الحسين بن الفضل البجلي ، حدثنا أبو حفص عمر بن سعيد الدمشقي ، حدثنا صدقة عن عبد الله ، حدثنا هشام الكناني عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عن الله عز وجل قال : " يقول الله عز وجل من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث الحرد ، وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه ، وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا ومؤيدا ، إن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت ، وأنا أكره مساءته ولا بد له منه ، وإن من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة فأكفه عنه أن لا يدخله عجب فيفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك ، إني أدبر أمر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير " .
سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا
( سيقول لك المخلفون من الأعراب ) قال ابن عباس ، ومجاهد : يعني أعراب غفار ومزينة وجهينة ، وأشجع وأسلم ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب ، أو يصدوه عن البيت ، فأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حربا ، فتثاقل عنه كثير من الأعراب وتخلفوا واعتلوا بالشغل ، فأنزل الله تعالى فيهم : " سيقول لك المخلفون من الأعراب " يعني الذين خلفهم الله - عز وجل - عن صحبتك ، إذا انصرفت إليهم فعاتبهم على التخلف .) شغلتنا أموالنا وأهلونا ) يعني النساء والذراري ، أي لم يكن لنا من يخلفنا فيهم ) فاستغفر لنا ) تخلفنا عنك ، فكذبهم الله - عز وجل - في اعتذارهم ، فقال :) يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ) من أمر الاستغفار ، فإنهم لا يبالون استغفر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أو لا .) قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا ) [ سوءا ] ) أو أراد بكم نفعا ) قرأ حمزة والكسائي : " ضرا " بضم الضاد ، وقرأ الآخرون بفتحها لأنه قابله بالنفع والنفع ضد الضر ، وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يدفع عنهم الضر ، ويعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم ، فأخبرهم أنه : إن أراد بهم شيئا من ذلك لم يقدر أحد على دفعه . ) بل كان الله بما تعملون خبيرا ) .
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) الآية . قال ابن عباس : نزلت في ثابت بن قيس ، وقوله للرجل الذي لم يفسح له : ابن فلانة ، يعيره بأمه ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من الذاكر فلانة ؟ فقال ثابت : أنا يا رسول الله ، فقال : انظر في وجوه القوم فنظر فقال : ما رأيت يا ثابت ؟ قال : رأيت أبيض وأحمر وأسود ، قال : فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى ، فنزلت في ثابت هذه الآية ، وفي الذي لم يتفسح : " يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا " ( المجادلة - 11 ) .وقال مقاتل : لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا حتى علا ظهر الكعبة وأذن ، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم ، وقال الحارث بن هشام : أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا ، وقال سهيل بن عمرو : إن يرد الله شيئا يغيره . وقال أبو سفيان : إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء ، فأتى جبريل فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قالوا ، فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى هذه الآية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والإزراء بالفقراء فقال :( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) يعني آدم وحواء أي إنكم متساوون في النسب . ( وجعلناكم شعوبا ) جمع شعب بفتح الشين ، وهي رءوس القبائل مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج ، سموا شعوبا لتشعبهم واجتماعهم ، كشعب أغصان الشجر ، والشعب من الأضداد يقال : شعب ، أي : جمع ، وشعب أي : فرق . ( وقبائل ) وهي دون الشعوب ، واحدتها قبيلة وهي كبكر من ربيعة وتميم من مضر ، ودون القبائل العمائر ، واحدتها عمارة ، بفتح العين ، وهم كشيبان من بكر ، ودارم من تميم ، ودون العمائر البطون ، واحدتها بطن ، وهم كبني غالب ولؤي من قريش ودون البطون الأفخاذ واحدتها فخذ ، وهم كبني هاشم وأمية من بني لؤي ، ثم الفصائل والعشائر واحدتها فصيلة وعشيرة ، وليس بعد العشيرة حي يوصف به .وقيل: الشعوب من العجم ، والقبائل من العرب ، والأسباط من بني إسرائيل .وقال أبو روق : " الشعوب " الذين لا يعتزون إلى أحد ، بل ينتسبون إلى المدائن والقرى ، " والقبائل " : العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم .( لتعارفوا ) ليعرف بعضكم بعضا في قرب النسب وبعده ، لا ليتفاخروا . ثم أخبر أن أرفعهم منزلة عند الله أتقاهم فقال :( إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) قال قتادة في هذه الآية : إن أكرم الكرم التقوى ، وألأم اللؤم الفجور .أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه ، أخبرنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الحسب المال ، والكرم التقوى " .وقال ابن عباس : كرم الدنيا الغنى ، وكرم الآخرة التقوى .أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم ، أنا عبد الله بن أحمد بن حمويه ، أخبرنا إبراهيم بن خزيم ، حدثنا عبد بن حميد ، أخبرنا الضحاك بن مخلد ، عن موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه ، فلما خرج لم يجد مناخا ، فنزل على أيدي الرجال ، ثم قام فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : " الحمد لله الذي أذهب عنكم عبية الجاهلية وتكبرها [ بآبائها ] ، الناس رجلان بر تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله ثم تلا " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " ، ثم قال : أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد هو ابن سلام حدثنا عبدة عن عبيد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أكرم ؟ قال : أكرمهم عند الله أتقاهم ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله . قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فعن معادن العرب تسألوني ؟ قالوا : نعم ، قال : " فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " .أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .
وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير
( وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض ) يقول : أي شيء لكم في ترك الإنفاق فيما يقرب من الله وأنتم ميتون تاركون أموالكم ثم بين فضل من سبق بالإنفاق في سبيل الله وبالجهاد فقال : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح ) يعني فتح مكة في قول أكثر المفسرين ، وقال الشعبي : هو صلح الحديبية ( وقاتل ) يقول : لا يستوي في الفضل من أنفق ماله وقاتل العدو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل فتح مكة مع من أنفق وقاتل بعده ( أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ) وروى محمد بن فضيل عن الكلبي أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فإنه أول من أسلم وأول من أنفق ماله في سبيل الله .وقال عبد الله بن مسعود : أول من أظهر إسلامه بسيفه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر .أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد ، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب ، أخبرنا محمد بن يونس ، حدثنا العلاء بن عمرو الشيباني ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، حدثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمر قال : كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ، فنزل عليه جبريل فقال : مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ؟ فقال : " أنفق ماله علي قبل الفتح " قال : فإن الله - عز وجل - يقول : اقرأ عليه السلام وقل له : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا أبا بكر إن الله - عز وجل - يقرأ عليك السلام ويقول لك : أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال أبو بكر : أأسخط على ربي ؟ إني عن ربي راض إني عن ربي راض .( وكلا وعد الله الحسنى ) أي كلا الفريقين وعدهم الله الجنة . قال عطاء : درجات الجنة تتفاضل ، فالذين أنفقوا قبل الفتح في أفضلها . وقرأ ابن عامر : " وكل " بالرفع ( والله بما تعملون خبير ) .
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير
( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة ) ثم حكم الظهار : أنه يحرم على الزوج وطؤها بعد الظهار ما لم يكفر ، والكفارة تجب بالعود بعد الظهار . لقوله تعالى : " ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة " .واختلف أهل العلم في " العود " فقال أهل الظاهر : هو إعادة لفظ الظهار ، وهو قول أبي العالية لقوله تعالى : " ثم يعودون لما قالوا " أي إلى ما قالوا [ أي أعادوه مرة أخرى ] . فإن لم يكرر اللفظ فلا كفارة عليه .وذهب قوم إلى أن الكفارة تجب بنفس الظهار ، والمراد من " العود " هو : العود إلى ما كانوا عليه في الجاهلية من نفس الظهار ، وهو قول مجاهد والثوري .وقال قوم : المراد من " العود " الوطء وهو قول الحسن وقتادة وطاوس والزهري وقالوا : لا كفارة عليه ما لم يطأها . وقال قوم : هو العزم على الوطء ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي .وذهب الشافعي إلى أن العود هو أن يمسكها عقيب الظهار زمانا يمكنه أن يفارقها فلم يفعل ، فإن طلقها عقيب الظهار في الحال أو مات أحدهما في الوقت فلا كفارة عليه لأن العود للقول هو المخالفة . وفسر ابن عباس " العود " بالندم ، فقال : يندمون فيرجعون إلى الألفة ، ومعناه هذا .قال الفراء يقال : عاد فلان لما قال ، أي فيما قال ، وفي نقض ما قال يعني : رجع عما قال .وهذا يبين ما قال الشافعي وذلك أن قصده بالظهار التحريم ، فإذا أمسكها على النكاح فقد خالف قوله ورجع عما قاله فتلزمه الكفارة ، حتى قال : لو ظاهر عن امرأته الرجعية ينعقد ظهاره ولا كفارة عليه حتى يراجعها فإن راجعها صار عائدا ولزمته الكفارة .قوله : ( فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) والمراد ب " التماس " : المجامعة ، فلا يحل للمظاهر وطء امرأته التي ظاهر منها ما لم يكفر ، سواء أراد التكفير بالإعتاق أو بالصيام أو بالإطعام ، وعند مالك إن أراد التكفير بالإطعام يجوز له الوطء قبله ، لأن الله تعالى قيد العتق والصوم بما قبل المسيس وقال في الإطعام : " فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " ولم يقل : من قبل أن يتماسا . وعند الآخرين : الإطلاق في الإطعام محمول على المقيد في العتق والصيام .واختلفوا في تحريم ما سوى الوطء من المباشرات قبل التكفير ، كالقبلة والتلذذ : فذهب أكثرهم إلى أنه لا يحرم سوى الوطء ، وهو قول الحسن ، وسفيان الثوري وأظهر قولي الشافعي كما أن الحيض يحرم الوطء دون سائر الاستمتاعات .وذهب بعضهم إلى أنه يحرم ، لأن اسم " التماس " يتناول الكل ، ولو جامع المظاهر قبل التكفير يعصي الله تعالى ، والكفارة في ذمته . ولا يجوز أن يعود ما لم يكفر ، ولا يجب بالجماع كفارة أخرى . وقال بعض أهل العلم : إذا واقعها قبل التكفير عليه كفارتان .وكفارة الظهار مرتبة يجب عليه عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين ، فإن أفطر يوما متعمدا أو نسي النية يجب عليه استئناف الشهرين ، فإن عجز عن الصوم يجب عليه أن يطعم ستين مسكينا . وقد ذكرنا في سورة المائدة مقدار ما يطعم كل مسكين . ( ذلكم توعظون به ) تؤمرون به ( والله بما تعملون خبير ) .
يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير
قوله - عز وجل - ( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا ) الآية قال مقاتل بن حيان : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فجاء ناس منهم يوما وقد سبقوا إلى المجلس فقاموا حيال النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلموا عليه فرد عليهم ، ثم سلموا على القوم فردوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم ، فلم يفسحوا لهم فشق ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لمن حوله : قم يا فلان وأنت يا فلان ، فأقام من المجلس بقدر النفر الذين قاموا بين يديه من أهل بدر ، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - الكراهية في وجوههم فأنزل الله هذه الآية .وقال الكلبي : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ، وقد ذكرنا في سورة الحجرات قصته . وقال قتادة : كانوا يتنافسون في مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنوا بمجلسهم فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض .وقيل: كان ذلك يوم الجمعة ، فأنزل الله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا )( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا ) أي توسعوا في المجلس ، قرأ الحسن وعاصم : " في المجالس " لأن الكل جالس مجلسا معناه : ليتفسح كل رجل في مجلسه . وقرأ الآخرون : " في المجلس " على التوحيد لأن المراد منه مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فافسحوا ) أوسعوا ، يقال : فسح يفسح فسحا : إذا وسع في المجلس ( يفسح الله لكم ) يوسع الله لكم الجنة والمجالس فيها .أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه ، ولكن تفسحوا وتوسعوا " .أخبرنا عبد الوهاب بن الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال : قال سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل : افسحوا "وقال أبو العالية ، والقرظي والحسن : هذا في مجالس الحرب ومقاعد القتال ، كان الرجل يأتي القوم في الصف فيقول توسعوا فيأبون عليه لحرصهم على القتال ورغبتهم في الشهادة ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) قرأ أهل المدينة والشام وعاصم بضم الشين وقرأ الآخرون بكسرهما وهما لغتان أي ارتفعوا قيل: ارتفعوا عن مواضعكم حتى توسعوا لإخوانكم . وقال عكرمة والضحاك : كان رجال يتثاقلون عن الصلاة إذا نودي لها فأنزل الله تعالى هذه الآية معناه : إذا نودي للصلاة فانهضوا لهاوقال مجاهد وأكثر المفسرين : معناه : إذا قيل لكم انهضوا إلى الصلاة وإلى الجهاد وإلى مجالس كل خير وحق فقوموا لها ولا تقصروا .( يرفع الله الذين آمنوا منكم ) بطاعتهم لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وقيامهم من مجالسهم وتوسعتهم لإخوانهم ( والذين أوتوا العلم ) من المؤمنين بفضل علمهم وسابقتهم " درجات " فأخبر الله - عز وجل - أن رسوله - صلى الله عليه وسلم - مصيب فيما أمر وأن أولئك المؤمنين مثابون فيما ائتمروا وأن النفر من أهل بدر مستحقون لما عوملوا من الإكرام .( والله بما تعملون خبير ) قال الحسن : قرأ ابن مسعود هذه الآية وقال : أيها الناس افهموا هذه الآية ولنرغبنكم في العلم ، فإن الله تعالى يقول : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات المؤمن العالم فوق الذي لا يعلم درجات .[ أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان ] حدثنا أبو علي حامد بن محمد بن عبد الله الهروي أخبرنا محمد بن يونس القرشي أخبرنا عبيد الله بن داود ، حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوة ، حدثني داود بن جميل عن كثير بن قيس قال : كنت جالسا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فجاء رجل فقال : يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما كانت لك حاجة غيره ؟ قال : لا قال : ولا جئت لتجارة ؟ قال : لا قال : ولا جئت إلا رغبة فيه ؟ قال : نعم قال : فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضى لطالب العلم ، وإن السماوات والأرض والحوت في الماء لتدعو له ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر " .أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو علي الحسين بن أحمد بن إبراهيم السراج ، أخبرنا الحسن بن يعقوب العدل ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء ، حدثنا جعفر بن عون أخبرنا عبد الرحمن بن زياد عن عبد الرحمن بن رافع ، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بمجلسين في مسجده ، أحد المجلسين يدعون الله ويرغبون إليه ، والآخر يتعلمون الفقه ويعلمونه ، قال : " كلا المجلسين على خير ، وأحدهما أفضل من صاحبه ، أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه وأما هؤلاء فيتعلمون الفقه ويعلمون الجاهل ، فهؤلاء أفضل وإنما بعثت معلما ثم جلس فيهم " .
أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون
( أأشفقتم أن تقدموا ) قال ابن عباس : أبخلتم ؟ والمعنى : أخفتم العيلة والفاقة إن قدمتم ( بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا ) ما أمرتم به ( وتاب الله عليكم ) تجاوز عنكم ولم يعاقبكم بترك الصدقة ، وقيل " الواو " صلة مجازه : فإن لم تفعلوا تاب الله عليكم ونسخ الصدقة [ قال مقاتل بن حيان : كان ذلك عشر ليال ثم نسخ ] وقال الكلبي : ما كانت إلا ساعة من نهار .( فأقيموا الصلاة ) المفروضة ( وآتوا الزكاة ) الواجبة ( وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون )
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون
قوله - عز وجل - ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) يعني ليوم القيامة أي : لينظر أحدكم أي شيء قدم لنفسه عملا صالحا ينجيه أم سيئا يوبقه ( واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )