1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ الحديد: 10] .

  
   

﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
[ سورة الحديد: 10]

القول في تفسير قوله تعالى : وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله


وأيُّ شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله؟ ولله ميراث السموات والأرض يرث كلَّ ما فيهما، ولا يبقى أحد مالكًا لشيء فيهما. لا يستوي في الأجر والمثوبة منكم مَن أنفق من قبل فتح "مكة" وقاتل الكفار، أولئك أعظم درجة عند الله من الذين أنفقوا في سبيل الله من بعد الفتح وقاتلوا الكفار، وكلا من الفريقين وعد الله الجنة، والله بأعمالكم خبير لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيكم عليها.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


وأي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله؟! ولله ميراث السماوات والأرض، لا يستوي منكم - أيها المؤمنون - من أنفق ماله في سبيل الله ابتغاء مرضاته من قبل فتح مكة، وقاتل الكفار لنصرة الإسلام، مع من أنفق بعد الفتح وقاتل الكفار؛ أولئك المنفقون من قبل الفتح والمقاتلون في سبيل الله، أعظم منزلة عند الله وأرفع درجة من الذين أنفقوا أموالهم في سبيله بعد فتحها وقاتلوا الكفار؛ وقد وعد الله كِلا الفريقين الجنة، والله بما تعملون خبير، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وسيجازيكم عليها.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 10


«ومالكم» بعد إيمانكم «ألا» فيه إدغام نون أن في لام لا «تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض» بما فيهما فتصل إليه أموالكم من غير أجر الإنفاق بخلاف ما لو أنفقتم فتؤجرون «لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح» لمكة «وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا» من الفريقين، وفي قراءة بالرفع مبتدأ «وعد الله الحسنى» الجنة «والله بما تعملون خبير» فيجازيكم به.

تفسير السعدي : وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله


أي: وما الذي يمنعكم من النفقة في سبيل الله، وهي طرق الخير كلها، ويوجب لكم أن تبخلوا، { و } الحال أنه ليس لكم شيء، بل { لله مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } فجميع الأموال ستنتقل من أيديكم أو تنقلون عنها، ثم يعود الملك إلى مالكه تبارك وتعالى، فاغتنموا الإنفاق ما دامت الأموال في أيديكم، وانتهزوا الفرصة، ثم ذكر تعالى تفاضل الأعمال بحسب الأحوال والحكمة الإلهية، فقال: { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا } المراد بالفتح هنا هو فتح الحديبية، حين جرى من الصلح بين الرسول وبين قريش مما هو أعظم الفتوحات التي حصل بها نشر الإسلام، واختلاط المسلمين بالكافرين، والدعوة إلى الدين من غير معارض، فدخل الناس من ذلك الوقت في دين الله أفواجا، واعتز الإسلام عزا عظيما، وكان المسلمون قبل هذا الفتح لا يقدرون على الدعوة إلى الدين في غير البقعة التي أسلم أهلها، كالمدينة وتوابعها، وكان من أسلم من أهل مكة وغيرها من ديار المشركين يؤذى ويخاف، فلذلك كان من أسلم قبل الفتح وأنفق وقاتل، أعظم درجة وأجرا وثوابا ممن لم يسلم ويقاتل وينفق إلا بعد ذلك، كما هو مقتضى الحكمة، ولذلك كان السابقون وفضلاء الصحابة، غالبهم أسلم قبل الفتح، ولما كان التفضيل بين الأمور قد يتوهم منه نقص وقدح في المفضول، احترز تعالى من هذا بقوله: { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى }- أي: الذين أسلموا وقاتلوا وأنفقوا من قبل الفتح وبعده، كلهم وعده الله الجنة، وهذا يدل على فضل الصحابة [كلهم]، رضي الله عنهم، حيث شهد الله لهم بالإيمان، ووعدهم الجنة، { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فيجازي كلا منكم على ما يعلمه من عمله.

تفسير البغوي : مضمون الآية 10 من سورة الحديد


( وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض ) يقول : أي شيء لكم في ترك الإنفاق فيما يقرب من الله وأنتم ميتون تاركون أموالكم ثم بين فضل من سبق بالإنفاق في سبيل الله وبالجهاد فقال : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح ) يعني فتح مكة في قول أكثر المفسرين ، وقال الشعبي : هو صلح الحديبية ( وقاتل ) يقول : لا يستوي في الفضل من أنفق ماله وقاتل العدو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل فتح مكة مع من أنفق وقاتل بعده ( أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ) وروى محمد بن فضيل عن الكلبي أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فإنه أول من أسلم وأول من أنفق ماله في سبيل الله .
وقال عبد الله بن مسعود : أول من أظهر إسلامه بسيفه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد ، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب ، أخبرنا محمد بن يونس ، حدثنا العلاء بن عمرو الشيباني ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، حدثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمر قال : كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ، فنزل عليه جبريل فقال : مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ؟ فقال : " أنفق ماله علي قبل الفتح " قال : فإن الله - عز وجل - يقول : اقرأ عليه السلام وقل له : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا أبا بكر إن الله - عز وجل - يقرأ عليك السلام ويقول لك : أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال أبو بكر : أأسخط على ربي ؟ إني عن ربي راض إني عن ربي راض .
( وكلا وعد الله الحسنى ) أي كلا الفريقين وعدهم الله الجنة .
قال عطاء : درجات الجنة تتفاضل ، فالذين أنفقوا قبل الفتح في أفضلها .
وقرأ ابن عامر : " وكل " بالرفع ( والله بما تعملون خبير ) .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


والاستفهام في قوله تعالى: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا.. للتعجيب من حال من يمسك عن الإنفاق في سبيل الله، مع أن كل المقتضيات تدعوه إلى هذا الإنفاق.
والكلام في قوله -تبارك وتعالى-: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ على حذف مضاف، والجملة حال من فاعل أَلَّا تُنْفِقُوا، أو من مفعوله المعلوم مما تقدم.
وإضافة ميراث إلى السموات والأرض، من إضافة المصدر إلى المفعول أى: وأى سبب يحملكم على البخل وعدم الإنفاق في سبيل إعلاء كلمة الله، والحال أن لله-تبارك وتعالى- ميراث أهل السموات وأهل الأرض.
إنه لا عذر لكم في الشح والإمساك بعد أن بينت لكم ما بينت من وجوب الإنفاق في سبيل الله.
قال الآلوسى: قوله: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى: يرث كل شيء فيهما، ولا يبقى لأحد مال، على أن ميراثهما مجاز أو كناية عن ميراث ما فيهما، لأن أخذ الظرف يلزمه أخذ المظروف.
وجوز أن يراد: يرثهما وما فيهما، واختير الأول، لأنه يكفى لتوبيخهم، إذ لا علاقة لأخذ السموات والأرض هنا.. والجملة مؤكدة للتوبيخ، فإن ترك الإنفاق بغير سبب قبيح منكر، ومع تحقيق ما يوجب الإنفاق أشد في القبح، وأدخل في الإنكار .
ثم قال-تبارك وتعالى-: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا.
والمراد بمن أنفق من قبل الفتح وقاتل: السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، الذين أنفقوا الكثير من أموالهم، قيل فتح مكة ...
وقيل: المراد بالفتح: صلح الحديبية.
وإنما كان الذين أنفقوا وقاتلوا قبل هذا الوقت، أعظم درجة ممن فعل ذلك بعد هذا الوقت، لأن الأيام التي سبقت الفتح تعرض المسلمون خلالها لكثير من المصائب والخوف والجوع ونقص الثمرات.. فكان الإنفاق والجهاد فيها أشق على النفس، والثواب على قدر المشقة.
أى: لا يستوي منكم- أيها المؤمنون- في الفضيلة والدرجة من أنفق الكثير من ماله، من قبل أن تفتح مكة، وجاهد في سبيل الله-تبارك وتعالى- جهادا كبيرا، أولئك الذين فعلوا ذلك، أعظم درجة ومنزلة من الذين أنفقوا وقاتلوا بعد أن فتحت مكة.
فالجملة الكريمة بيان لتفاوت الدرجات، على حسب تفاوت الأحوال والأعمال، وعطف- سبحانه - القتال في قوله وَقاتَلُوا على الإنفاق في قوله: أَنْفَقُوا للإشعار بشدة ارتباطهما، وأنه لا غنى لأحدهما عن الآخر قال القرطبي: أكثر المفسرين على أن المراد بالفتح: فتح مكة.
وقال الشعبي والزهري:فتح الحديبية ...
وفي الكلام حذف.
أى: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن أنفق من بعد الفتح وقائل، فحذف لدلالة الكلام عليه.
وإنما كانت النفقة قبل الفتح أعظم، لأن حاجة الناس كانت أكثر لضعف الإسلام، وفعل ذلك كان على المنفقين حينئذ أشق، والأجر على قدر النصب .
وقوله-تبارك وتعالى-: مَنْ أَنْفَقَ.. عام يشمل جميع من بذل ماله قبل الفتح في سبيل الله.
وقيل: المراد به أبو بكر الصديق- رضى الله عنه- لأنه أول من أسلم، وأول من أنفق.
وقوله- عز وجل -: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى مدح للفريقين، ودفع للتوهم من أن يظن ظان أن الفريق الثاني وهو الذي أنفق من بعد الفتح وقاتل، محروم من الأجر.
أى: وكلا الفريقين وعده الله-تبارك وتعالى- المثوبة الحسنى وهي الجنة، إلا أن الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، أعظم درجة من الذين أنفقوا وقاتلوا بعد ذلك.
فهذه الآية أصل في تفاضل أهل الفضل فيما بينهم، وأن الفضل ثابت لهم جميعا إلا أنهم تفاوتوا على حسب أعمالهم وجهادهم وسبقهم.
ثم ختم- سبحانه - الآية الكريمة بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أى: أنه-تبارك وتعالى- لا تخفى عليه خافية من أعمالكم الظاهرة أو الباطنة فأخلصوا أقوالكم وأفعالكم لله-تبارك وتعالى- لتنالوا أجره وثوابه.
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث التي تدل على فضل الصحابة- رضوان الله عليهم- ومنها ما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا أصحابى، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»

وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله: تفسير ابن كثير


فقال : { وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض } أي: أنفقوا ولا تخشوا فقرا وإقلالا فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السماوات والأرض ، وبيده مقاليدهما ، وعنده خزائنهما ، وهو مالك العرش بما حوى ، وهو القائل : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } [ سبإ : 39 ] ، وقال { ما عندكم ينفد وما عند الله باق } [ النحل : 96 ] فمن توكل على الله أنفق ، ولم يخش من ذي العرش إقلالا وعلم أن الله سيخلفه عليه .
وقوله : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل } أي: لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله ، وذلك أن قبل فتح مكة كان الحال شديدا ، فلم يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون ، وأما بعد الفتح فإنه ظهر الإسلام ظهورا عظيما ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ; ولهذا قال : { أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى }
والجمهور على أن المراد بالفتح ها هنا فتح مكة . وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح ها هنا : صلح الحديبية ، وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد :
حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا زهير ، حدثنا حميد الطويل ، عن أنس قال : كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام ، فقال خالد لعبد الرحمن : تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها ؟ فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده ، لو أنفقتم مثل أحد - أو مثل الجبال - ذهبا ، ما بلغتم أعمالهم "
ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة ، وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني جذيمة الذين بعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد بعد الفتح ، فجعلوا يقولون : " صبأنا ، صبأنا " ، فلم يحسنوا أن يقولوا : " أسلمنا " ، فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم ، فخالفه عبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن عمر ، وغيرهما . فاختصم خالد ، وعبد الرحمن بسبب ذلك
والذي في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده ، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه "
وروى ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من حديث ابن وهب : أخبرنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري أنه قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية ، حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم " ، فقلنا : من هم يا رسول الله أقريش ؟ قال : لا ، ولكن أهل اليمن ، هم أرق أفئدة ، وألين قلوبا " . فقلنا : أهم خير منا يا رسول الله ؟ قال : " لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ، ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه ، ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس ، { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير }
] وهذا الحديث غريب بهذا السياق ، والذي في الصحيحين من رواية جماعة ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد - ذكر الخوارج - : " تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " الحديث . ولكن روى ابن جرير هذا الحديث من وجه آخر ، فقال :
حدثني بن البرقي ، حدثنا بن أبي مريم ، أخبرنا محمد بن جعفر ، أخبرني زيد بن أسلم ، عن أبي سعيد التمار ، عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم " . قلنا : من هم يا رسول الله ؟ قريش ؟ قال : " لا ، ولكن أهل اليمن ، لأنهم أرق أفئدة ، وألين قلوبا " . وأشار بيده إلى اليمن ، فقال : " هم أهل اليمن ، ألا إن الإيمان يمان ، والحكمة يمانية " . فقلنا : يا رسول الله ، هم خير منا ؟ قال : " والذي نفسي بيده ، لو كان لأحدهم جبل من ذهب ينفقه ما أدى مد أحدكم ولا نصيفه " . ثم جمع أصابعه ومد خنصره ، وقال : " ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس ، { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير } ] "
فهذا السياق ليس فيه ذكر الحديبية فإن كان ذلك محفوظا كما تقدم ، فيحتمل أنه أنزل قبل الفتح إخبارا عما بعده ، كما في قوله تعالى في سورة " المزمل " - وهي مكية ، من أوائل ما نزل - : { وآخرون يقاتلون في سبيل الله } الآية [ المزمل : 20 ] فهي بشارة بما يستقبل ، وهكذا هذه والله أعلم .
وقوله : { وكلا وعد الله الحسنى } يعني المنفقين قبل الفتح وبعده ، كلهم لهم ثواب على ما عملوا ، وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء كما قال : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما } [ النساء : 95 ] . وهكذا الحديث الذي في الصحيح : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير " وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب الآخر بمدح الأول دون الآخر ، فيتوهم متوهم ذمه ; فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه ، مع تفضيل الأول عليه ; ولهذا قال : { والله بما تعملون خبير } أي: فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، ومن فعل ذلك بعد ذلك ، وما ذلك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام ، وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق . وفي الحديث : " سبق درهم مائة ألف " ولا شك عند أهل الإيمان أن الصديق أبا بكر رضي الله عنه ، له الحظ الأوفر من هذه الآية ، فإنه سيد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء ، فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله ، عز وجل ، ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها .
وقد قال أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي عند تفسير هذه الآية أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد ، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب ، أخبرنا محمد بن يونس ، حدثنا العلاء بن عمرو الشيباني ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، حدثنا سفيان بن سعيد ، عن آدم بن علي ، عن ابن عمر قال : كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو بكر الصديق ، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ، فنزل جبريل فقال : مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ؟ فقال : " أنفق ماله علي قبل الفتح " قال : فإن الله يقول : اقرأ عليه السلام ، وقل له : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال رسول الله : " يا أبا بكر ، إن الله يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ " فقال : أبو بكر ، رضي الله عنه : أسخط على ربي عز وجل ؟ ! إني عن ربي راض
هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه .

تفسير القرطبي : معنى الآية 10 من سورة الحديد


قوله تعالى : وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبيرفيه خمس مسائل :الأولى : قوله تعالى : وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله أي : أي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله ، وفيما يقربكم من ربكم وأنتم تموتون وتخلفون أموالكم وهي صائرة إلى الله تعالى : فمعنى الكلام : التوبيخ على عدم الإنفاق .
ولله ميراث السماوات والأرض أي : أنهما راجعتان إليه بانقراض من فيهما كرجوع الميراث إلى المستحق له .
الثانية : قوله تعالى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أكثر المفسرين على أن المراد بالفتح فتح مكة .
وقال الشعبي والزهري : فتح الحديبية .
قال قتادة : كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر ، ونفقتان إحداهما أفضل من الأخرى ، كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل من القتال والنفقة بعد ذلك .
وفي الكلام حذف ، أي : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل ، فحذف لدلالة الكلام عليه .
وإنما كانت النفقة قبل الفتح أعظم ، لأن حاجة الناس كانت أكثر لضعف الإسلام ، وفعل ذلك كان على المنفقين حينئذ أشق والأجر على قدر النصب .
والله أعلم .
الثالثة : روى أشهب عن مالك قال : ينبغي أن يقدم أهل الفضل والعزم ، وقد قال الله تعالى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل وقال الكلبي : نزلت في أبي بكر رضي الله عنه ، ففيها دليل واضح على تفضيل أبي بكر رضي الله عنه وتقديمه ؛ لأنه أول من أسلم .
وعن ابن مسعود : أول من أظهر الإسلام بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، ولأنه أول من أنفق على نبي الله صلى الله عليه وسلم .
وعن ابن عمر قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر وعليه عباءة قد خللها في صدره بخلال فنزل جبريل فقال : يا نبي الله ! ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال ؟ فقال : قد أنفق علي ماله قبل الفتح قال : فإن الله يقول لك : اقرأ على أبي بكر السلام وقل له : أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ، إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول : أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال أبو بكر : أأسخط على ربي ؟ إني عن ربي لراض ! إني عن ربي لراض ! إني عن ربي لراض ! قال : فإن الله يقول لك : قد رضيت عنك كما أنت عني راض ، فبكى أبو بكر فقال جبريل عليه السلام : والذي بعثك يا محمد بالحق ، لقد تخللت حملة العرش بالعبي منذ تخلل صاحبك هذا بالعباءة ، ولهذا قدمته الصحابة على أنفسهم ، وأقروا له بالتقدم والسبق .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : سبق النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلى أبو بكر وثلث عمر ، فلا أوتى برجل فضلني على أبي بكر إلا جلدته حد المفتري ثمانين جلدة ، وطرح الشهادة .
فنال المتقدمون من المشقة أكثر مما نال من بعدهم ، وكانت بصائرهم أيضا أنفذ .
الرابعة : التقدم والتأخر قد يكون في أحكام الدنيا ، فأما في أحكام الدين فقد قالت عائشة رضي الله عنها : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم .
وأعظم المنازل مرتبة الصلاة .
وقد قال صلى الله عليه وسلم في مرضه : مروا أبا بكر فليصل بالناس الحديث .
وقال : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وقال : وليؤمكما أكبركما من حديث مالك بن الحويرث وقد تقدم .
وفهم منه البخاري وغيره من العلماء أنه أراد كبر المنزلة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : الولاء للكبر ولم يعن كبر السن .
وقد قال مالك وغيره : إن للسن حقا .
وراعاه الشافعي وأبو حنيفة وهو أحق بالمراعاة ، لأنه إذا اجتمع العلم والسن في خيرين قدم العلم ، وأما أحكام الدنيا فهي مرتبة على أحكام الدين ، فمن قدم في الدين قدم في الدنيا .
وفي الآثار : ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه .
ومن الحديث الثابت في الأفراد : ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له عند سنه من يكرمه .
وأنشدوا :يا عائبا للشيوخ من أشر داخله في الصبا ومن بذخ اذكر إذا شئت أن تعيرهمجدك واذكر أباك يا ابن أخ واعلم بأن الشباب منسلخعنك وما وزره بمنسلخ من لا يعز الشيوخ لا بلغتيوما به سنه إلى الشيخالخامسة : قوله تعالى : وكلا وعد الله الحسنى أي : المتقدمون المتناهون السابقون ، والمتأخرون اللاحقون ، وعدهم الله جميعا الجنة مع تفاوت الدرجات .
وقرأ ابن عامر " وكل " بالرفع ، وكذلك هو بالرفع في مصاحف أهل الشام .
الباقون " وكلا " بالنصب على ما في مصاحفهم ، فمن نصب فعلى إيقاع الفعل عليه أي : وعد الله كلا الحسنى .
ومن رفع فلأن المفعول إذا تقدم ضعف عمل الفعل ، والهاء محذوفة من " وعده " .

﴿ وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير ﴾ [ الحديد: 10]

سورة : الحديد - الأية : ( 10 )  - الجزء : ( 27 )  -  الصفحة: ( 538 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: فيهما عينان تجريان
  2. تفسير: فسوف يدعو ثبورا
  3. تفسير: قال كلا إن معي ربي سيهدين
  4. تفسير: إن هذا لهو الفوز العظيم
  5. تفسير: فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم
  6. تفسير: كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون
  7. تفسير: واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد
  8. تفسير: قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون
  9. تفسير: واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين
  10. تفسير: إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا

تحميل سورة الحديد mp3 :

سورة الحديد mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الحديد

سورة الحديد بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الحديد بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الحديد بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الحديد بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الحديد بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الحديد بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الحديد بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الحديد بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الحديد بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الحديد بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب