أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب
( أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ) فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها ، وأنا القادر عليهم ( إن نشأ نخسف بهم الأرض ) قرأ الكسائي : " نخسف بهم " بإدغام الفاء في الباء ( أو نسقط عليهم كسفا من السماء ) قرأ حمزة والكسائي : " إن يشأ يخسف أو يسقط " ، بالياء فيهن لذكر الله من قبل ، وقرأ الآخرون بالنون فيهن ) ( إن في ذلك ) أي : فيما ترون من السماء والأرض ) ( لآية ) تدل على قدرتنا على البعث ( لكل عبد منيب ) تائب راجع إلى الله بقلبه .
قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين
( قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ) أي : يعطي خلفه ، قال سعيد بن جبير : ما كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه .وقال الكلبي : ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم في الخير من نفقة فهو يخلفه على المنفق ، إما أن يعجله في الدنيا وإما أن يدخره له في الآخرة .( وهو خير الرازقين ) خير من يعطي ويرزق .وروينا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تعالى قال : أنفق أنفق عليك " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسماعيل ، حدثنا أبي ، عن سليمان هو ابن بلال ، عن معاوية بن أبي مزرد ، عن أبي الحباب ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا ابن أبي أويس ، أخبرنا عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، أخبرنا حميد ابن زنجويه ، أخبرنا أبو الربيع ، أخبرنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي ، أخبرنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل معروف صدقة وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة ، وما وقى الرجل به عرضه كتب له بها صدقة " ، قلت : ما يعني وقى الرجل عرضه ؟ قال : " ما أعطى الشاعر وذا اللسان المتقى ، وما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامنا إلا ما كان من نفقة في بنيان أو في معصية الله - عز وجل - " .قوله : " قلت ما يعني " يقول عبد الحميد لمحمد بن المنكدر .قال مجاهد : إذا كان في يد أحدكم شيء فليقتصد ، ولا يتأول هذه الآية : وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ، فإن الرزق مقسوم لعل رزقه قليل ، وهو ينفق نفقة الموسع عليه . ومعنى الآية : وما كان من إخلاف فهو منه .
وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون
( وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ) قال ابن عباس : " ما بين أيديكم " يعني الآخرة ، فاعملوا لها ، " وما خلفكم " يعني الدنيا ، فاحذروها ، ولا تغتروا بها .وقيل: " ما بين أيديكم " وقائع الله فيمن كان قبلكم من الأمم ، " وما خلفكم " عذاب الآخرة ، وهو قول قتادة ومقاتل .( لعلكم ترحمون ) والجواب محذوف تقديره : إذا قيل لهم هذا أعرضوا عنه دليله ما بعده .
لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد
( لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية ) أي : منازل في الجنة رفيعة ، وفوقها منازل أرفع منها ، ( تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد ) أي : وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعدا لا يخلفه .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني مالك عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم " ، قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ، قال : " بلى - والذي نفسي بيده - رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " .
إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون
( إذ جاءتهم ) يعني : عادا وثمود ، ( الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ) أراد بقوله : ( من بين أيديهم ) الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم من قبلهم ، ( ومن خلفهم ) يعني : ومن بعد الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم الذين أرسلوا إليهم ، هود وصالح ، فالكناية في قوله " من بين أيديهم " راجعة إلى [ عاد وثمود ] وفي قوله : ( ومن خلفهم ) راجعة إلى الرسل . ( أن لا ) بأن لا ( تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ) بدل هؤلاء الرسل ، ( ملائكة ) أي : لو شاء ربنا دعوة الخلق لأنزل ملائكة ، ( فإنا بما أرسلتم به كافرون ) .أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، حدثنا عبد الله بن حامد الأصفهاني ، حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العبيدي ، أخبرنا أحمد بن مجدة بن العريان ، حدثنا الحماني ، حدثنا ابن فضيل ، عن الأجلح ، عن الذيال بن حرملة ، عن جابر بن عبد الله قال : قال الملأ من قريش وأبو جهل : قد التبس علينا أمر محمد ، فلو التمستم رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر ، فأتاه فكلمه ، ثم أتانا ببيان من أمره ، فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر ، وعلمت من ذلك علما ، وما يخفى علي أن كان كذلك أو لا . فأتاه فلما خرج إليه قال : يا محمد أنت خير أم هاشم ؟ أنت خير أم عبد المطلب ؟ أنت خير أم عبد الله ؟ فبم تشتم آلهتنا ؟ وتضلل آباءنا ؟ فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك ألويتنا فكنت رأسا ما بقيت ، وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي بنات قريش ، وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغني أنت وعقبك من بعدك ؟ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساكت لا يتكلم ، فلما فرغ ، قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بسم الله الرحمن الرحيم : " حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته " إلى قوله : " فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " الآية . فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم ورجع إلى أهله ، ولم يخرج إلى قريش فاحتبس عنهم . فقال أبو جهل : يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى دين محمد ، وقد أعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته ، فانطلقوا بنا إليه ، فانطلقوا إليه ، فقال أبو جهل : والله يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبوت إلى دين محمد وأعجبك طعامه ، قال : فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد ، فغضب عتبة وأقسم أن لا يكلم محمدا أبدا . وقال : والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء ، والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ، وقرأ السورة إلى قوله : " فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " الآية . فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف . وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب ، فخفت أن ينزل بكم العذاب .وقال محمد بن كعب القرظي : حدثت أن عتبة بن ربيعة كان سيدا حليما قال يوما وهو جالس في نادي قريش ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وحده في المسجد : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد وأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل منا بعضها فنعطيه ويكف عنا ، وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيدون ويكثرون ، فقالوا : بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه ، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت جماعتهم ، وسفهت أحلامهم ، وعبت آلهتهم ، وكفرت من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قل يا أبا الوليد . فقال : يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد شرفا سودناك علينا ، وإن كان هذا الذي بك رئيا تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب ، ولعل هذا شعر جاش به صدرك . فإنكم لعمري بني عبد المطلب يقدرون على ذلك ما لا يقدر عليه غيركم ، حتى إذا فرغ ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أوقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ، قال : فاستمع مني . قال : أفعل ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : بسم الله الرحمن الرحيم : " حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا " ، ثم مضى فيها يقرأ ، فلما سمعها عتبة أنصت له ، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يستمع منه ، حتى انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السجدة فسجد . ثم قال : قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك ، فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ، فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ فقال : ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت بمثله قط ، ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة . يا معشر قريش أطيعوني ، خلوا ما بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم ، فأنتم أسعد الناس به . فقالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه . قال : هذا رأيي لكم ، فاصنعوا ما بدا لكم .
وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين
( وقيضنا لهم ) أي : بعثنا ووكلنا . وقال مقاتل : هيأنا . وقال الزجاج : سببنا لهم . ( قرناء ) نظراء من الشياطين حتى أضلوهم ، ( فزينوا لهم ما بين أيديهم ) من أمر الدنيا حتى آثروه على الآخرة ، ( وما خلفهم ) من أمر الآخرة فدعوهم إلى التكذيب به وإنكار البعث ، ( وحق عليهم القول في أمم ) [ مع أمم . ( قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ) .
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
وهو قوله : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) قال قتادة والسدي : الباطل : هو الشيطان ، لا يستطيع أن يغيره أو يزيد فيه أو ينقص منه .قال الزجاج : معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه . وعلى هذا معنى : " الباطل " الزيادة والنقصان .وقال مقاتل : لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ، ولا يجيء من بعده كتاب فيبطله . . ( تنزيل من حكيم حميد ) ثم عزى نبيه - صلى الله عليه وسلم - على تكذيبهم
( ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة ) أي ولو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلا منكم ملائكة ( في الأرض يخلفون ) يكونون خلفا منكم يعمرون الأرض ويعبدونني ويطيعونني . وقيل: يخلف بعضهم بعضا .
واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم
قوله - عز وجل - : ( واذكر أخا عاد ) يعني هودا عليه السلام ( إذ أنذر قومه بالأحقاف ) قال ابن عباس : " الأحقاف " : واد بين عمان ومهرة .وقال مقاتل : كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له : " مهرة " وإليها تنسب الإبل المهرية ، وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم ، وكانوا من قبيلة إرم .قال قتادة : ذكر لنا أن عادا كانوا أحياء باليمن ، وكانوا أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها : " الشحر " . و " الأحقاف " جمع حقف ، وهي المستطيل المعوج من الرمال . قال ابن زيد : هي ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلا ، قال الكسائي : هي ما استدار من الرمل .( وقد خلت النذر ) مضت الرسل ( من بين يديه ) أي من قبل هود ( ومن خلفه ) إلى قومهم ( ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) .