( وكذلك نفصل الآيات ) أي : وهكذا ، وقيل: معناه وكما فصلنا لك في هذه السورة دلائلنا وإعلامنا على المشركين كذلك نفصل الآيات ، أي : نميز ونبين لك حجتنا في كل حق ينكره أهل الباطل ، ( ولتستبين سبيل المجرمين ) أي : طريق المجرمين ، وقرأ أهل المدينة " ولتستبين " بالتاء ، " سبيل " نصب على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أي : ولتعرف يا محمد سبيل المجرمين ، يقال : استبنت الشيء وتبينته إذا عرفته ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر " وليستبين " بالياء " سبيل " بالرفع ، وقرأ الآخرون ( ولتستبين ) بالتاء " سبيل " رفع ، أي : ليظهر ويتضح السبيل ، يذكر ويؤنث ، فدليل التذكير قوله تعالى : " وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا " ( الأعراف ، 146 ) ، ودليل التأنيت قوله تعالى : " لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا " ( آل عمران ، 99 ) .
قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون
قوله عز وجل : ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ) قال الحسن وقتادة : نزلت الآية في أهل الإيمان ، وقال قوم نزلت في المشركين .قوله ( عذابا من فوقكم ) يعني : الصيحة والحجارة والريح والطوفان ، كما فعل بعاد وثمود وقوم شعيب وقوم لوط وقوم نوح ، ( أو من تحت أرجلكم ) يعني : الرجفة والخسف كما فعل بقوم شعيب وقارون .وعن ابن عباس ومجاهد : ( عذابا من فوقكم ) : السلاطين الظلمة ، ومن تحت أرجلكم : العبيد السوء ، وقال الضحاك : ( من فوقكم ) من قبل كباركم ( أو من تحت أرجلكم ) أي من أسفل منكم ، ( أو يلبسكم شيعا ) أي : يخلطكم فرقا ويبث فيكم الأهواء المختلفة ، ( ويذيق بعضكم بأس بعض ) يعني : السيوف المختلفة ، يقتل بعضكم بعضا .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو النعمان أنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر قال : لما نزلت هذه الآية ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعوذ بوجهك " ، قال : ( أو من تحت أرجلكم ) قال : " أعوذ بوجهك " ، قال : ( أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا أهون أو هذا أيسر " .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا أبو جعفر محمد بن علي دحيم الشيباني أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة أنا يعلى بن عبيد الطنافسي أنا عثمان بن حكيم عن عامر بن سعد بن وقاص عن أبيه ، قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بني معاوية فدخل فصلى ركعتين وصلينا معه فناجى ربه طويلا ثم قال : سألت ربي ثلاثا : سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم ، فمنعنيها "أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن دلويه الدقاق ثنا محمد بن إسماعيل البخاري ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري أن عبد الله بن عمر جاءهم ثم قال : " إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد فسأل الله ثلاثا فأعطاه اثنتين ومنعه واحدة ، سأله أن لا يسلط على أمته عدوا من غيرهم يظهر عليهم فأعطاه ذلك ، وسأله أن لا يهلكهم بالسنين فأعطاه ذلك وسأله أن لا يجعل بأس بعضهم على بعض ، فمنعه ذلك " .قوله عز وجل : ( انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ) .
وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين
قوله عز وجل : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ) يعني : في القرآن بالاستهزاء ( فأعرض عنهم ) فاتركهم [ ولا تجالسهم ] ( حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك ) قرأ ابن عامر بفتح النون وتشديد السين وقرأ الآخرون بسكون النون وتخفيف السين ، ( الشيطان ) نهينا ، ( فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) يعني : إذا جلست معهم ناسيا فقم من عندهم بعدما تذكرت .
ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون
قوله عز وجل : ( ومن أظلم ممن افترى ) أي : اختلق ( على الله كذبا ) فزعم أن الله تعالى بعثه نبيا ، ( أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ) قال قتادة : نزلت في مسيلمة الكذاب الحنفي ، وكان يسجع ويتكهن ، فادعى النبوة وزعم أن الله أوحى إليه ، وكان قد أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما : أتشهدان أن مسيلمة نبي؟ قالا : نعم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما " .أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا نائم إذ أتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سواران من ذهب ، فكبرا علي وأهماني فأوحي إلي أن انفخهما ، فنفختهما فذهبا ، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما : صاحب صنعاء وصاحب اليمامة " أراد بصاحب صنعاء الأسود العنسي وبصاحب اليمامة مسيلمة الكذاب . .قوله تعالى : ( ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ) قيل: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان قد أسلم وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم وكان إذ أملى عليه : سميعا بصيرا ، كتب عليما حكيما ، وإذا قال : عليما حكيما ، كتب : غفورا رحيما ، فلما نزلت : " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين " ( المؤمنون ، 12 ) أملاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان ، فقال : تبارك الله أحسن الخالقين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اكتبها فهكذا نزلت ، فشك عبد الله ، وقال : لئن كان محمد صادقا فقد أوحي إلي كما أوحي إليه ، فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين ، ثم رجع عبد الله إلى الإسلام قبل فتح مكة إذ نزل النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران .وقال ابن عباس : قوله ( ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ) يريد المستهزئين ، وهو جواب لقولهم : ( لو نشاء لقلنا مثل هذا )قوله عز وجل : ( ولو ترى ) يا محمد ، ( إذ الظالمون في غمرات الموت ) سكراته وهي جمع غمرة ، وغمرة كل شيء : معظمه ، وأصلها : الشيء الذي [ يعم ] الأشياء فيغطيها ، ثم وضعت في موضع الشدائد والمكاره ، ( والملائكة باسطو أيديهم ) بالعذاب والضرب ، يضربون وجوههم وأدبارهم ، وقيل بقبض الأرواح ، ( أخرجوا ) أي : يقولون أخرجوا ، ( أنفسكم ) أي : أرواحكم كرها ، لأن نفس المؤمن تنشط للقاء ربها ، والجواب محذوف ، يعني : لو تراهم في هذه الحال لرأيت عجبا ، ( اليوم تجزون عذاب الهون ) أي : الهوان ، ( بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ) تتعظمون عن الإيمان بالقرآن ولا تصدقونه .
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون
قوله عز وجل : ( وهو الذي جعل لكم النجوم ) أي خلقها لكم ، ( لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر )والله تعالى خلق النجوم لفوائد :أحدها هذا : وهو أن [ راكب البحر ] والسائر في القفار يهتدي بها في الليالي إلى مقاصده .والثاني : أنها زينة للسماء كما قال : " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح " ( الملك ، 5 ) .ومنها : رمي الشياطين ، كما قال : " وجعلناها رجوما للشياطين " ، ( الملك ، 5 ) .( قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون )
وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون
( وهو الذي أنشأكم ) خلقكم وابتدأكم ، ( من نفس واحدة ) يعني : آدم عليه السلام ، ( فمستقر ومستودع ) قرأ ابن كثير وأهل البصرة " فمستقر " بكسر القاف ، يعني : فمنكم مستقر ومنكم مستودع ، وقرأ الآخرون بفتح القاف ، أي : فلكم مستقر ومستودع .واختلفوا في المستقر والمستودع ، قال عبد الله بن مسعود : فمستقر في الرحم إلى أن يولد ، ومستودع في القبر إلى أن يبعث .وقال سعيد بن جبير وعطاء : فمستقر في أرحام الأمهات ومستودع في أصلاب الآباء ، وهو رواية عكرمة عن ابن عباس قال سعيد بن جبير : قال لي ابن عباس هل تزوجت قلت : لا قال : إنه ما كان من مستودع في ظهرك فيستخرجه الله عز وجل .وروي عن أبي أنه قال : مستقر في أصلاب الآباء ، ومستودع في أرحام الأمهات .وقيل: مستقر في الرحم ومستودع فوق الأرض ، قال الله تعالى : " ونقر في الأرحام ما نشاء " ( الحج ، 5 ) .وقال مجاهد : مستقر على ظهر الأرض في الدنيا ومستودع عند الله في الآخرة ، ويدل عليه قوله تعالى : " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " ( البقرة ، 36 ) .وقال الحسن : المستقر في القبور والمستودع في الدنيا ، وكان يقول : يا ابن آدم أنت وديعة في أهلك ويوشك أن تلحق بصاحبك .وقيل: المستودع القبر والمستقر الجنة والنار ، لقوله عز وجل في صفة الجنة والنار : " حسنت مستقرا " ( الفرقان ، 76 ) " ساءت مستقرا " ( الفرقان ، 66 ) ، ( قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ) .
وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون
( وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ) أي : بالماء ، ( نبات كل شيء فأخرجنا منه ) أي من الماء ، وقيل: من النبات ، ( خضرا ) يعني : أخضر ، مثل العور والأعور ، يعني : ما كان رطبا أخضر مما ينبت من القمح والشعير ونحوهما ، ( نخرج منه حبا متراكبا ) أي متراكما بعضه على بعض ، مثل سنابل البر والشعير والأرز وسائر الحبوب ، ( ومن النخل من طلعها ) والطلع أول ما يخرج من ثمر النخل ، ( قنوان ) جمع قنو وهو العذق ، مثل صنو وصنوان ، ولا نظير لهما في الكلام ، ( دانية ) أي : قريبة المتناول ينالها القائم والقاعد ، وقال مجاهد : متدلية ، وقال الضحاك : قصار ملتزقة بالأرض ، وفيه اختصار معناه : ومن النخل ما قنوانها دانية ومنها ما هي بعيدة ، فاكتفى بذكر القريبة عن البعيدة لسبقه إلى الأفهام ، كقوله تعالى : " سرابيل تقيكم الحر " ( النمل ، 81 ) يعني : الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما ( وجنات من أعناب ) أي : وأخرجنا منه جنات ، وقرأ الأعمش عن عاصم " وجنات " بالرفع نسقا على قوله " قنوان " وعامة القراء على خلافه ، ( والزيتون والرمان ) يعني : وشجر الزيتون [ وشجر ] الرمان ، ( مشتبها وغير متشابه ) قال قتادة : معناه مشتبها ورقها مختلفا ثمرها ، لأن ورق الزيتون يشبه ورق الرمان ، وقيل: مشتبه في المنظر مختلف في الطعم ، ( انظروا إلى ثمره ) قرأ حمزة والكسائي بضم الثاء والميم ، هذا وما بعده وفي " يس " على جمع الثمار ، وقرأ الآخرون [ بفتحهما ] على جمع الثمرة ، مثل : بقرة وبقر ، ( إذا أثمر وينعه ) ونضجه وإدراكه ، ( إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ) .
وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون
( وكذلك نصرف الآيات ) نفصلها ونبينها في كل وجه ، ( وليقولوا ) قيل: معناه لئلا يقولوا ، ( درست ) وقيل: هذه اللام لام العاقبة أي عاقبة أمرهم أن يقولوا : درست ، أي : قرأت على غيرك ، وقيل: قرأت كتب أهل الكتاب ، كقوله تعالى : ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) ، ( القصص ، 8 ) ، ومعلوم أنهم لم يلتقطوه لذلك ، ولكن أراد أن عاقبة أمرهم أن كان عدوا لهم .قال ابن عباس : وليقولوا يعني : أهل مكة حين تقرأ عليهم القرآن درست ، أي : تعلمت من يسار وجبر ، كانا عبدين من سبي الروم ، ثم قرأت علينا تزعم أنه من عند الله ، من قولهم : درست الكتاب أدرس درسا ودراسة .وقال الفراء : يقولون تعلمت من اليهود ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : " دارست " بالألف ، [ أي : قارأت أهل الكتاب من المدارسة بين اثنين ، تقول : ] قرأت عليهم وقرأوا عليك . وقرأ ابن عامر ويعقوب : " درست " بفتح السين وسكون التاء ، أي : هذه الأخبار التي تتلوها علينا قديمة ، قد درست وانمحت ، من قولهم : درس الأثر يدرس دروسا . ( ولنبينه لقوم يعلمون ) قال ابن عباس : يريد أولياءه الذين هداهم إلى سبيل الرشاد ، وقيل: يعني أن تصريف الآيات ليشقى به قوم ويسعد به قوم آخرون ، فمن قال درست فهو شقي ومن تبين له الحق فهو سعيد .
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون
قوله عز وجل : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) الآية . قال محمد بن كعب القرظي والكلبي : قالت قريش يا محمد إنك تخبرنا أن موسى كان معه عصى يضرب بها الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينا ، وتخبرنا أن عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى فأتنا من الآيات حتى نصدقك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي شيء تحبون؟ قالوا : تجعل لنا الصفا ذهبا أو ابعث لنا بعض أمواتنا حتى نسأله عنك أحق ما تقول أم باطل ، أو أرنا الملائكة يشهدون لك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدقونني؟ قالوا : نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين ، وسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله أن يجعل الصفا ذهبا فجاءه جبريل عليه السلام ، فقال له : اختر ما شئت إن شئت أصبح ذهبا ولكن إن لم يصدقوا عذبتهم ، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل يتوب تائبهم ، فأنزل الله عز وجل : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) أي : حلفوا بالله جهد أيمانهم ، أي : بجهد أيمانهم ، يعني أوكد ما قدروا عليه من الأيمان وأشدها .قال الكلبي ومقاتل : إذا حلف الرجل بالله ، فهو جهد يمينه .( لئن جاءتهم آية ) كما جاءت من قبلهم من الأمم ، ( ليؤمنن بها قل ) يا محمد ، ( إنما الآيات عند الله ) والله قادر على إنزالها ، ( وما يشعركم ) وما يدريكم .واختلفوا في المخاطبين بقوله ( وما يشعركم ) فقال بعضهم : الخطاب للمشركين الذين أقسموا .وقال بعضهم : الخطاب للمؤمنين .وقوله تعالى : ( أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) قرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو بكر عن عاصم " إنها " بكسر الألف على الابتداء ، وقالوا : تم الكلام عند قوله ( وما يشعركم ) فمن جعل الخطاب للمشركين قال : معناه : وما يشعركم أيها [ المشركون ] أنها لو جاءت آمنتم؟ ومن جعل الخطاب للمؤمنين قال معناه : وما يشعركم أيها المؤمنون أنها لو جاءت آمنوا؟ لأن المسلمين كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله حتى يريهم ما اقترحوا حتى يؤمنوا فخاطبهم بقوله : ( وما يشعركم ) ثم ابتدأ فقال جل ذكره : ( أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) وهذا في قوم مخصوصين [ حكم الله عليهم بأنهم لا يؤمنون ] ، وقرأ الآخرون : " أنها " بفتح الألف وجعلوا الخطاب للمؤمنين ، واختلفوا في قوله : ( لا يؤمنون ) فقال الكسائي : ( لا ) صلة ، ومعنى الآية : وما يشعركم أيها المؤمنون أن الآيات إذا جاءت المشركين يؤمنون؟ كقوله تعالى " وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون " ( الأنبياء ، 95 ) ، أي : يرجعون وقيل: إنها بمعنى لعل ، وكذلك هو في قراءة أبي ، تقول العرب : اذهب إلى السوق أنك تشتري شيئا ، أي : لعلك ، وقال عدي بن زيد :أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغدأي : لعل منيتي ، وقيل: فيه حذف وتقديره : وما يشعركم أنها إذا جاءت [ يؤمنون أو لا يؤمنون؟ وقرأ ابن عامر وحمزة " لا تؤمنون " بالتاء على الخطاب للكفار واعتبروا بقراءة أبي : إذا جاءتكم ] لا تؤمنون ، وقرأ الآخرون بالياء على الخبر ، دليلها قراءة الأعمش : أنها إذا جاءتهم لا يؤمنون .
قوله عز وجل : ( فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) أي : كلوا مما ذبح على اسم الله ، ( إن كنتم بآياته مؤمنين ) وذلك أنهم كانوا يحرمون أصنافا من النعم ويحلون الأموات ، فقيل لهم : أحلوا ما أحل الله وحرموا ما حرم الله .