قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد
قوله تعالى ( قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله ) قرأه العامة بكسر الراء ، وروى أبو بكر عن عاصم بضم الراء ، وهما لغتان كالعدوان والعدوان .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا يحيى بن سليمان ، حدثني ابن وهب ، حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك ، فيقول : هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون : يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا " .
فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم
( فانقلبوا ) فانصرفوا ، ( بنعمة من الله ) بعافية لم يلقوا عدوا ( وفضل ) تجارة وربح وهو ما أصابوا في السوق ( لم يمسسهم سوء ) يصبهم أذى ولا مكروه ، ( واتبعوا رضوان الله ) في طاعة الله وطاعة رسوله وذلك أنهم قالوا : هل يكون هذا غزوا فأعطاهم الله ثواب الغزو ورضي عنهم ، ( والله ذو فضل عظيم ) .
يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ) نزلت في الحطم واسمه شريح بن ضبيعة البكري ، أتى المدينة وخلف خيله [ خارج ] المدينة ، ودخل وحده على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : إلى ما تدعو الناس؟ فقال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، [ وأن محمدا رسول الله ] وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، فقال : [ حسن ] إلا أن لي أمراء لا أقطع أمرا دونهم ، ولعلي أسلم وآتي بهم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : يدخل عليكم رجل من ربيعة يتكلم [ بلسان ] شيطان ، ثم خرج شريح من عنده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد دخل بوجه كافر وخرج بقفا غادر وما الرجل بمسلم ، فمر بسرح المدينة فاستاقه وانطلق ، فاتبعوه فلم يدركوه ، فلما كان العام القابل خرج حاجا في حجاج بكر بن وائل من اليمامة ومعه تجارة عظيمة ، وقد قلد الهدي ، فقال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم : هذا الحطم قد خرج حاجا فخل بيننا وبينه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنه قد قلد الهدي ، فقالوا : يا رسول الله هذا شيء كنا نفعله في الجاهلية ، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ) .قال ابن عباس ومجاهد : هي مناسك الحج ، وكان المشركون يحجون ويهدون ، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك .وقال أبو عبيدة : شعائر الله هي الهدايا المشعرة ، والإشعار من الشعار ، وهي العلامة ، وإشعارها : إعلامها بما يعرف أنها هدي ، والإشعار هاهنا : أن يطعن في صفحة سنام البعير بحديدة حتى يسيل الدم ، فيكون ذلك علامة أنها هدي ، وهي سنة في الهدايا إذا كانت من الإبل ، لما أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو نعيم أنا أفلح عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ، ثم قلدها وأشعرها وأهداها ، فما حرم عليه شيء كان أحل له .وقاس الشافعي البقر على الإبل في الإشعار ، وأما الغنم فلا تشعر بالجرح ، فإنها لا تحتمل الجرح لضعفها ، وعند أبي حنيفة : لا يشعر الهدي .وقال عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما : لا تحلوا شعائر الله : هي أن تصيد وأنت محرم ، بدليل قوله تعالى : " وإذا حللتم فاصطادوا " ، وقال السدي : أراد حرم الله ، وقيل: المراد منه النهي عن القتل في الحرم ، وقال عطاء : شعائر الله حرمات الله واجتناب سخطه واتباع طاعته .قوله : ( ولا الشهر الحرام ) أي : بالقتال فيه ، وقال ابن زيد : هو النسيء ، وذلك أنهم كانوا يحلونه في الجاهلية عاما ويحرمونه عاما ، ( ولا الهدي ) وهو كل ما يهدى إلى بيت الله من بعير أو بقرة أو شاة ، ( ولا القلائد ) أي : الهدايا المقلدة ، يريد ذوات القلائد ، وقال عطاء : أراد أصحاب القلائد ، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا أرادوا الخروج من الحرم قلدوا أنفسهم وإبلهم بشيء من لحاء شجر الحرم كيلا يتعرض لهم ، فنهى الشرع عن استحلال شيء منها . وقال مطرف بن الشخير : هي القلائد نفسها وذلك أن المشركين كانوا يأخذون من لحاء شجر مكة ويتقلدونها فنهوا عن نزع شجرها .قوله تعالى : ( ولا آمين البيت الحرام ) أي : قاصدين البيت الحرام ، يعني : الكعبة فلا تتعرضوا لهم ، ( يبتغون ) يطلبون ( فضلا من ربهم ) يعني الرزق بالتجارة ، ( ورضوانا ) أي : على زعمهم؛ لأن الكافرين لا نصيب لهم في الرضوان ، وقال قتادة : هو أن يصلح معاشهم في الدنيا ولا يعجل لهم العقوبة فيها ، وقيل: ابتغاء الفضل للمؤمنين والمشركين عامة ، وابتغاء الرضوان للمؤمنين خاصة؛ لأن المسلمين والمشركين كانوا يحجون ، وهذه الآية إلى هاهنا منسوخة بقوله : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " ( سورة التوبة ، 5 ) وبقوله : " فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " ( سورة التوبة ، 28 ) ، فلا يجوز أن يحج مشرك ولا أن يأمن كافر بالهدي والقلائد .قوله عز وجل : ( وإذا حللتم ) من إحرامكم ، ( فاصطادوا ) أمر إباحة ، أباح للحلال أخذ الصيد ، كقوله تعالى : " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض " ( الجمعة ، 10 ) .( ولا يجرمنكم ) قال ابن عباس وقتادة : لا يحملنكم ، يقال : جرمني فلان على أن صنعت كذا ، أي حملني ، وقال الفراء : لا يكسبنكم ، يقال : جرم أي : كسب ، وفلان جريمة أهله ، أي : كاسبهم ، وقيل: لا يدعونكم ، ( شنآن قوم ) أي : بغضهم وعداوتهم ، وهو مصدر شنئت ، قرأ ابن عامر وأبو بكر ( شنآن قوم ) بسكون النون الأولى ، وقرأ الآخرون بفتحها ، وهما لغتان ، والفتح أجود ، لأن المصادر أكثرها فعلان ، بفتح العين مثل الضربان والسيلان والنسلان ونحوها ، ( أن صدوكم عن المسجد الحرام ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الألف على الاستئناف ، وقرأ الآخرون بفتح الألف ، أي : لأن صدوكم ، ومعنى الآية : ولا يحملنكم عداوة قوم على الاعتداء لأنهم صدوكم . وقال محمد بن جرير : لأن هذه السورة نزلت بعد قصة الحديبية ، وكان الصد قد تقدم ، ( أن تعتدوا ) عليهم بالقتل وأخذ الأموال ، ( وتعاونوا ) أي : ليعين بعضكم بعضا ، ( على البر والتقوى ) قيل: البر متابعة الأمر ، والتقوى مجانبة النهي ، وقيل: البر : الإسلام ، والتقوى : السنة ، ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) قيل: الإثم : الكفر ، والعدوان : الظلم ، وقيل: الإثم : المعصية ، والعدوان : البدعة .أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أبي طاهر الدقاق ببغداد أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي أنا الحسن بن علي بن عفان أنا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير بن مالك الحضرمي عن أبيه عن النواس بن سمعان الأنصاري قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم ، قال : " البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس " . ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) .
يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم
( يهدي به الله من اتبع رضوانه ) رضاه ، ( سبل السلام ) قيل: السلام هو الله عز وجل ، وسبيله دينه الذي شرع لعباده ، وبعث به رسله ، وقيل: السلام هو السلامة ، كاللذاذ واللذاذة بمعنى واحد ، والمراد به طرق السلامة ، ( ويخرجهم من الظلمات إلى النور ) أي : من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، ( بإذنه ) بتوفيقه وهدايته ، ( ويهديهم إلى صراط مستقيم ) وهو الإسلام .
وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم
( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة ) منازل طيبة ، ( في جنات عدن ) أي : بساتين خلد وإقامة ، يقال : عدن بالمكان إذا أقام به .قال ابن مسعود : هي بطنان الجنة ، أي : وسطها .قال عبد الله بن عمرو بن العاص : إن في الجنة قصرا يقال له : " عدن " حوله البروج والمروج ، له خمسة آلاف باب لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد .وقال الحسن : قصر من ذهب لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل .وقال عطاء بن السائب : " عدن " نهر في الجنة جنانه على حافتيه .وقال مقاتل والكلبي : " عدن " أعلى درجة في الجنة ، وفيها عين التسنيم ، والجنان حولها ، محدقة بها ، وهي مغطاة من حين خلقها الله تعالى حتى ينزلها أهلها : الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ، ومن شاء الله ، وفيها قصور الدر ، واليواقيت والذهب ، فتهب ريح طيبة من تحت العرش فتدخل عليهم كثبان المسك الأذفر الأبيض .( ورضوان من الله أكبر ) أي : رضا الله عنهم أكبر من ذلك ، ( ذلك هو الفوز العظيم ) روينا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله عز وجل لأهل الجنة يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون : ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحدا من خلقك ، فيقول : أفلا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون : ربنا وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا " .
أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين
( أفمن أسس بنيانه ) قرأ نافع وابن عامر " أسس " بضم الهمزة وكسر السين ، " بنيانه " برفع النون فيهما جميعا على غير تسمية الفاعل . وقرأ الآخرون " أسس " فتح الهمزة والسين ، " بنيانه " : بنصب النون ، على تسمية الفاعل . ( على تقوى من الله ورضوان خير ) أي : على طلب التقوى ورضا الله تعالى خير ( أم من أسس بنيانه على شفا ) على شفير ، ( جرف ) قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر " جرف " ساكنة الراء ، وقرأ الباقون بضم الراء وهما لغتان ، وهي البئر التي لم تطو . قال أبو عبيدة : هو الهوة وما يجرفه السيل من الأودية فينجرف بالماء فيبقى واهيا ، ( هار ) أي : هائر وهو الساقط يقال : هار يهور فهو هائر ، ثم يقلب فيقال : هار مثل شاك وشائك وعاق وعائق . وقيل: هو من يهار : إذا انهدم ، ومعناه : الساقط الذي يتداعى بعضه في إثر بعض ، كما ينهار الرمل والشيء الرخو . ( فانهار به ) أي : سقط بالباني ( في نار جهنم ) يريد بناء هذا المسجد الضرار كالبناء على شفير جهنم فيهور بأهلها فيها . قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد صيرهم النفاق إلى النار .( والله لا يهدي القوم الظالمين ) قال قتادة : والله ما تناهى أن وقع في النار ، وذكر لنا أنه حفرت بقعة فيه ، فرئي الدخان يخرج منها . وقال جابر بن عبد الله : رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار .
ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم
( ذلك ) الضرب ( بأنهم اتبعوا ما أسخط الله ) قال ابن عباس : بما كتموا من التوراة وكفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ( وكرهوا رضوانه ) كرهوا ما فيه رضوان الله ، وهو الطاعة والإيمان . ( فأحبط أعمالهم ) .
محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما
( محمد رسول الله ) تم الكلام هاهنا ، قاله ابن عباس ، شهد له بالرسالة ، ثم قال مبتدئا : ( والذين معه ) فالواو فيه للاستئناف ، أي : والذين معه من المؤمنين ( أشداء على الكفار ) غلاظ عليهم كالأسد على فريسته لا تأخذهم فيهم رأفة ( رحماء بينهم ) متعاطفون متوادون بعضهم لبعض ، كالولد مع الوالد ، كما قال : " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " : ( المائدة - 54 ) : ( تراهم ركعا سجدا ) أخبر عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها ( يبتغون فضلا من الله ) أن يدخلهم الجنة ( ورضوانا ) أن يرضى عنهم ( سيماهم ) أي علامتهم ( في وجوههم من أثر السجود ) اختلفوا في هذه السيما : فقال قوم : هو نور وبياض في وجوههم يوم القيامة يعرفون به أنهم سجدوا في الدنيا ، وهو رواية عطية العوفي عن ابن عباس ، قال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس : استنارت وجوههم من كثرة ما صلوا . وقال شهر بن حوشب : تكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر .وقال آخرون : هو السمت الحسن والخشوع والتواضع . وهو رواية الوالبي عن ابن عباس قال : ليس بالذي ترون لكنه سيماء الإسلام وسجيته وسمته وخشوعه . وهو قول مجاهد ، والمعنى : أن السجود أورثهم الخشوع والسمت الحسن الذي يعرفون به .وقال الضحاك : هو صفرة الوجه من السهر .وقال الحسن : إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى .قال عكرمة وسعيد بن جبير : هو أثر التراب على الجباه .قال أبو العالية : إنهم يسجدون على التراب لا على الأثواب .وقال عطاء الخراساني : دخل في هذه الآية كل من حافظ على الصلوات الخمس .( ذلك ) الذي ذكرت ( مثلهم ) صفتهم ( في التوراة ) هاهنا تم الكلام ، ثم ذكر نعتهم في الإنجيل ، فقال : ( ومثلهم ) صفتهم ( في الإنجيل كزرع أخرج شطأه ) قرأ ابن كثير ، وابن عامر : " شطأه " بفتح الطاء ، وقرأ الآخرون بسكونها ، وهما لغتان كالنهر والنهر ، وأراد أفراخه ، يقال : أشطأ الزرع فهو مشطئ ، إذا أفرخ ، قال مقاتل : هو نبت واحد ، فإذا خرج ما بعده فهو شطؤه .وقال السدي : هو أن يخرج معه الطاقة الأخرى .قوله : ( فآزره ) قرأ ابن عامر : " فأزره " بالقصر والباقون بالمد ، أي : قواه وأعانه وشد أزره ( فاستغلظ ) غلظ ذلك الزرع ( فاستوى ) أي تم وتلاحق نباته وقام ( على سوقه ) أصوله ( يعجب الزراع ) أعجب ذلك زراعه .هذا مثل ضربه الله - عز وجل - لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - في الإنجيل [ أنهم يكونون قليلا ثم يزدادون ويكثرون .قال قتادة : مثل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإنجيل ] مكتوب أنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .وقيل: " الزرع " محمد - صلى الله عليه وسلم - ، و " الشطء " : أصحابه والمؤمنون .وروي عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال : " محمد رسول الله والذين معه " : أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ، " أشداء على الكفار " عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، " رحماء بينهم " عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، " تراهم ركعا سجدا " علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، " يبتغون فضلا من الله " بقية العشرة المبشرين بالجنة .وقيل: " كمثل زرع " محمد ، " أخرج شطأه " أبو بكر " فآزره " عمر " فاستغلظ " عثمان ، للإسلام " فاستوى على سوقه " علي بن أبي طالب استقام الإسلام بسيفه ، " يعجب الزراع " قال : هم المؤمنون .( ليغيظ بهم الكفار ) قول عمر لأهل مكة بعدما أسلم : لا تعبدوا الله سرا بعد اليوم .حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد الشجاعي السرخسي إملاء ، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن أحمد القفال ، حدثنا أبو أحمد عبد الله بن محمد الفضل السمرقندي ، حدثنا شيخي أبو عبد الله محمد بن الفضل البلخي ، حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبد الرحمن بن حميد ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة " .حدثنا أبو المظفر محمد بن أحمد التميمي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن قاسم حدثنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، حدثنا أحمد بن هاشم الأنطاكي ، حدثنا قطبة بن العلاء ، حدثنا سفيان الثوري ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أرحم أمتي أبو بكر ، وأشدهم في أمر الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأفرضهم زيد ، وأقرؤهم أبي ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، ولكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " .ورواه معمر عن قتادة مرسلا وفيه : " وأقضاهم علي " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا معلى بن أسد ، حدثنا عبد العزيز المختار قال خالد الحذاء ، حدثنا عن أبي عثمان قال حدثني عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل قال : فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة ، فقلت : من الرجال ؟ فقال : أبوها ، قلت : ثم من ؟ قال : عمر بن الخطاب فعد رجالا فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم .أخبرنا أبو منصور عبد الملك وأبو الفتح نصر ، ابنا علي بن أحمد بن منصور ومحمد بن الحسين بن شاذويه الطوسي بها قالا حدثنا أبو الحسن محمد بن يعقوب ، أخبرنا الحسن بن محمد بن أحمد بن كيسان النحوي ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك الأسدي ، حدثنا إبراهيم بن إسماعيل هو ابن يحيى بن سلمة بن كهيل ، حدثنا أبي عن أبيه عن سلمة عن أبي الزعراء عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي : أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمار ، وتمسكوا بعهد عبد الله بن مسعود " .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن أحدا ارتج وعليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعثمان ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اثبت أحد ما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد " .أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، حدثنا أبو سعيد الأشج ، أخبرنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، عن زر بن حبيش ، عن علي قال : عهد إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق .حدثنا أبو المظفر التميمي ، أخبرنا عبد الرحمن بن عثمان ، أخبرنا خيثمة بن سليمان ، حدثنا محمد بن عيسى بن حيان المدائني ، حدثنا محمد بن الفضل بن عطية ، عن عبد الله بن مسلم عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من مات من أصحابي بأرض كان نورهم وقائدهم يوم القيامة " .قوله - عز وجل - : ( ليغيظ بهم الكفار ) أي إنما كثرهم وقواهم ليكونوا غيظا للكافرين .قال مالك بن أنس : من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أصابته هذه الآية .أخبرنا أبو الطيب طاهر بن محمد بن العلاء البغوي ، حدثنا أبو معمر الفضل بن إسماعيل بن إبراهيم الإسماعيلي ، أخبرنا جدي أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، أخبرني الهيثم بن خلف الدوري ، حدثنا المفضل بن غسان بن المفضل العلائي ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدثنا عبيدة بن أبي رابطة عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن مغفل المزني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الله الله في أصحابي ، الله الله في أصحابي ، الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه " .حدثنا أبو المظفر بن محمد بن أحمد بن حامد التميمي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم ، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي القصار بالكوفة ، أخبرنا وكيع بن الجراح ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسين الزعفراني ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن عروة ، حدثنا محمد بن الحسين بن محمد بن إشكاب ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا فضيل بن مرزوق عن أبي خباب عن أبي سليم الهمداني ، عن أبيه ، عن علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن سرك أن تكون من أهل الجنة فإن قوما يتنحلون حبك يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، نبزهم الرافضة ، فإن أدركتهم فجاهدهم فإنهم مشركون " ، في إسناد هذا الحديث نظر .قول الله - عز وجل - : ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم ) قال ابن جرير : يعني من الشطء الذي أخرجه الزرع ، وهم الداخلون في الإسلام بعد الزرع إلى يوم القيامة ، ورد الهاء والميم على معنى الشطء لا على لفظه ، ولذلك لم يقل : " منه " ( مغفرة وأجرا عظيما ) يعني الجنة .