تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن تفسير الصفحة 300 من المصحف



تفسير القرطبي - صفحة القرآن رقم 300

300- تفسير الصفحة رقم300 من المصحف
الآية: 54 {ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدل}
قوله تعالى: "ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل" يحتمل وجهين: أحدهما: ما ذكره لهم من العبر والقرون الخالية. الثاني: ما أوضحه لهم من دلائل الربوبية وقد تقدم في "سبحان"؛ فهو على الوجه الأول زجر، وعلى الثاني بيان. "وكان الإنسان أكثر شيء جدلا" أي جدالا ومجادلة والمراد به النضر بن الحرث وجداله في القرآن وقيل: الآية في أبي بن خلف. وقال الزجاج: أي الكافرون أكثر شيء جدلا؛ والدليل على الكافر قوله "ويجادل الذين كفروا بالباطل"
وروي أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالرجل يوم القيامة من الكفار فيقول الله له ما صنعت فيما أرسلت إليك فيقول رب آمنت بك وصدقت برسلك وعملت بكتابك فيقول الله له هذه صحيفتك ليس فيها من ذلك فيقول يا رب إني لا أقبل ما في هذه الصحيفة فيقال له هذه الملائكة الحفظة يشهدون عليك فيقول يا رب ولا أقبلهم يا رب أقبلهم ولا هم من عندي ولا من جهتي فيقول الله تعالى هذا اللوح المحفوظ أم الكتاب قد شهد بذلك فقال يا رب ألم تجرني من الظلم قال بلى فقال يا رب لا أقبل إلا شاهدا علي من نفسي فيقول الله تعالى الآن نبعث عليك شاهدا من نفسك فيتفكر من الذي يشهد عليه من نفسه فيختم على فيه ثم تنطق جوارحه بالشرك ثم يخلى بينه وبين الكلام فيدخل النار وإن بعضه ليعلن بعضا يقول لأعضائه لعنكم الله فعنكن كنت أناضل فتقول أعضاؤه لعنك الله أفتعلم أن الله تعالى يُكتم حديثا فذلك قوله تعالى: "كان الإنسان أكثر شيء جدلا) أخرجه مسلم بمعناه من حديث أنس أيضا. وفي صحيح مسلم عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة فقال: (ألا تصلون؟ فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا؛ فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: "وكان الإنسان أكثر شيء جدلا")
الآية: 55 {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبل}
قوله تعالى: "وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى" أي القرآن والإسلام ومحمد عليه الصلاة والسلام "ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين" أي سنتنا في إهلاكهم إي ما منعهم عن الإيمان إلا حكمي عليهم بذلك؛ ولو حكمت عليهم بالإيمان آمنوا. وسنة الأولين عادة الأولين في عذاب الاستئصال. وقيل: المعنى وما منع الناس أن يؤمنوا إلا طلب أن تأتيهم سنة الأولين فحذف. وسنة الأولين معاينة العذاب، فطلب المشركون ذلك، وقالوا "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك..." [الأنفال:32] الآية. "أو يأتيهم العذاب قبلا" نصب على الحال، ومعناه عيانا قاله ابن عباس. وقال الكلبي: هو السيف يوم بدر. وقال مقاتل: فجأة وقرأ أبو جعفر وعاصم والأعمش وحمزة ويحيى والكسائي "قبلا" بضمتين أرادوا به أصناف العذاب كله، جمع قبيل نحو سبيل وسبل. النحاس: ومذهب الفراء أن "قبلا" جمع قبيل أي متفرقا يتلو بعضه بعضا. ويحوز عنده أن يكون المعنى عيانا. وقال الأعرج: وكانت قراءته "قبلا" معناه جميعا وقال أبو عمرو: وكانت قراءته "قبلا" ومعناه عيانا.
الآية: 56 {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزو}
قوله تعالى: "وما نرسل المرسلين إلا مبشرين" أي بالجنة لمن آمن "ومنذرين" أي مخوفين بالعذاب من الكفر. وقد تقدم "ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق" قيل: نزلت في المقتسمين كانوا يجادلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: ساحر ومجنون وشاعر وكاهن كما تقدم. ومعنى "يدحضوا" يزيلوا ويبطلوا وأصل الدحض الزلق يقال: دحضت رجله أي زلقت، تدحض دحضا ودحضت الشمس عن كبد السماء زالت ودحضت حجته دحوضا بطلت، وأدحضها الله والإدحاض الإزلاق. وفي وصف الصراط: (ويضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة فيقولون اللهم سلم قيل: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: دحض مزلقة أي تزلق فيه القدم) قال طرفة:
أبا منذر رمت الوفاء فهبته وحدت كما حاد البعير عن الدحض
"واتخذوا آياتي" يعني القرآن "وما أنذروا" و"ما" بمعنى المصدر أي والإنذار وقيل: بمعنى الذي؛ أي اتخذوا القرآن والذي أنذروا به من الوعيد هزوا أي لعبا وباطلا؛ "هزوا" أي اتخذوا القرآن والذي أنذروا به من الوعيد هزوا أي لعبا وباطلا؛ وقد تقدم في "البقرة" بيانه. وقيل: هو قول أبي جهل في الزبد والتمر هذا هو الزقوم وقيل: هو قولهم في القرآن هو سحر وأضغاث أحلام وأساطير الأولين، وقالوا للرسول: "هل هذا إلا بشر مثلكم" [الأنبياء: 3] "وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القرنين عظيم" [الزخرف: 31] و"ماذا أراد الله بهذا مثلا" [المدثر: 31].
الآية: 57 {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبد}
قوله تعالى: "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها" أي لا أحد أظلم لنفسه ممن، وعظ بآيات ربه، فتهاون بها وأعرض عن قبولها. "ونسي ما قدمت يداه" أي ترك كفره ومعاصيه فلم يتب منها، فالنسيان هنا بمعنى الترك قيل: المعنى نسي ما قدم لنقسه وحصل من العذاب؛ والمعنى متقارب. "إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا" بسبب كفرهم؛ أي نحن منعنا الإيمان من أن يدخل قلوبهم وأسماعهم. "وإن تدعهم إلى الهدى" أي إلى الإيمان. "فلن يهتدوا إذا أبدا" نزل في قوم معينين، وهو يرد على القدرية قولهم؛ وقد تقدم معنى هذه الآية في "سبحان" [الإسراء:1] وغيرها.
الآية: 58 {وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئل}
قوله تعالى: "وربك الغفور ذو الرحمة" أي للذنوب. وهذا يختص به أهل الإيمان دون الكفرة بدليل قوله: "إن الله لا يغفر أن يشرك" النساء: 48]. "ذو الرحمة" فيه أربع تأويلات: أحدها ذو العفو. الثاني ذو الثواب؛ وهو على هذين الوجهين مختص بأهل الإيمان دون الكفر. الثالث ذو النعمة. الرابع ذو الهدى؛ وهو على هذين الوجهين يعم أهل الأيمان والكفر، لأنه ينعم في الدنيا على الكافر، كإنعامه على المؤمن. وقد أوضح هداه للكافر كما أوضحه للمؤمن وإن اهتدى به المؤمن دون الكافر. "لو يؤاخذهم بما كسبوا" أي من الكفر والمعاصي. "لعجل لهم العذاب" ولكنه يمهل. "بل لهم موعد" أي أجل مقدر يؤخرون إليه، نظيره "لكل نبأ مستقر" [الأنعام: 67]، "لكل أجل كتاب" [الرعد: 38] أي إذا حل لم يتأخر عنهم إما في الدنيا وإما في الآخرة. "لن يجدوا من دونه موئلا" (أي ملجأ) قاله ابن عباس وابن زيد، وحكاه الجوهري في الصحاح. وقد وأل يئل وألا ووؤولا على فعول أي لجأ؛ وواءل منه على فاعل أي طلب النجاة. وقال مجاهد: محرزا. قتادة: وليا. وأبو عبيدة: منجى. وقيل: محيصا؛ والمعنى واحد والعرب تقول: لا وألت نفسه أي لا نجت؛ منه قول الشاعر:
لا وألت نفسك خليتها للعامريين ولم تكلم
وقال الأعشى:
وقد أخالس رب البيت غفلته وقد يحاذر مني ثم ما يئل
أي ما ينجو.
الآية: 59 {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعد}
قوله تعالى: "وتلك القرى أهلكناهم" "تلك" في موضع رفع بالابتداء. "القرى" نعت أو بدل. و"أهلكناهم" في موضع الخبر محمول على المعنى؛ لأن المعنى أهل القرى. ويجوز أن تكون "تلك" في موضع نصب على قول من قال: زيدا ضربته؛ أي وتلك القرى التي قصصنا عليك نبأهم، نحو قرى عاد وثمود ومدين وقوم لوط أهلكناهم لما ظلموا وكفروا. "وجعلنا لمهلكهم موعدا" أي وقتا معلوما لم تعده و"مهلك" من أهلكوا. وقرأ عاصم "مهلكهم" بفتح الميم واللام وهو مصدر هلك. وأجاز الكسائي والفراء "لمهلكهم" بكسر اللام وفتح الميم. النحاس: قال الكسائي وهو أحب إلي لأنه من هلك. الزجاج: اسم للزمان والتقدير: لوقت مهلكهم، كما يقال: أتت الناقة على مضربها.
الآية: 60 {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقب}
قوله تعالى: "وإذ قال موسى لفتاه" الجمهور من العلماء وأهل التاريخ أنه موسى بن عمران المذكور في القرآن ليس فيه موسى غيره. وقالت فرقة منها نوف البكالي: إنه ليس ابن عمران وإنما هو موسى بن منشا بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران. وقد رد هذا القول ابن عباس في صحيح البخاري وغيره. وفتاه: هو يوشع بن نون. وقد مضى ذكره في "المائدة" وآخر "يوسف". ومن قال هو ابن منشا فليس الفتى يوشع بن نون. "لا أبرح" أي لا أزال أسير؛ قال الشاعر:
وأبرح ما أدام الله قومي بحمد الله منتطقا مجيدا
وقيل: "لا أبرح" لا أفارقك. "حتى أبلغ مجمع البحرين" أي ملتقاهما. قال قتادة: وهو بحر فارس والروم؛ وقال مجاهد. قال ابن عطية: وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان، فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام هو مجمع البحرين على هذا القول. وقيل: هما بحر الأردن وبحر القلزم. وقيل: مجمع البحرين عند طنجة؛ قال محمد بن كعب. وروي عن أبي بن كعب أنه بأفريقية. وقال السدي: الكر والرس بأرمينية. وقال بعض أهل العلم: هو بحر الأندلس من البحر المحيط؛ حكاه النقاش؛ وهذا مما يذكر كثيرا. وقالت فرقة: إنما هما موسى والخضر؛ وهذا قول ضعيف؛ وحكي عن ابن عباس، ولا يصح؛ فإن الأمر بين من الأحاديث أنه إنما وسم له بحر ماء.
وسبب هذه القصة ما خرجه الصحيحان عن أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن موسى عليه السلام قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا رب فكيف لي به قال تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم...) وذكر الحديث، واللفظ للبخاري. وقال ابن عباس:(لما ظهر موسى وقومه على أرض مصر أنزل قومه مصر، فلما استقرت بهم الدار أمره الله أن ذكّرهم بأيام الله، فخطب قومه فذكرهم ما آتاهم الله من الخير والنعمة إذ نجاهم من آل فرعون، وأهلك عدوهم، واستخلفهم في الأرض، ثم قال: وكلم الله نبيكم تكليما، واصطفاه لنفسه، وألقى علي محبة منه، وآتاكم من كل ما سألتموه، فجعلكم أفضل أهل الأرض، ورزقكم العز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، والتوراة بعد أن كنتم جهالا؛ فقال له رجل من بني إسرائيل: عرفنا الذي تقول، فهل على وجه الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله؟ قال: لا؛ فعتب عليه حين لم يرد العلم إليه، فبعث الله جبريل: أن يا موسى وما يدريك أين أضع علمي؟ بلى إن لي عبدا بمجمع البحرين أعلم منك...) وذكر الحديث. قال علماؤنا: قوله في الحديث (هو أعلم منك) أي بأحكام وقائع مفصلة، وحكم نوازل معينة، لا مطلقا بدليل قول الخضر لموسى:(إنك على علم علمكه الله لا أعلمه أنا، وأنا على علم علمنيه لا تعلميه أنت) وعلى هذا فيصدق على كل واحد منهما أنه أعلم من الآخر بالنسبة إلى ما يعلمه كل واحد منهما ولا يعلمه الآخر، فلما سمع موسى هذا تشوقت نفسه الفاضلة، وهمته العالية، لتحصيل علم ما لم يعلم، وللقاء من قيل فيه: إنه أعلم منك؛ فعزم فسأل سؤال الذليل بكيف السبيل، فأمر بالارتحال على كل حال وقيل له احمل معك حوتا مالحا في مكتل - وهو الزنبيل فحيث يحيا وتفقده فثم السبيل، فانطلق مع فتاه لما واتاه، مجتهدا طلبا قائلا: "لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين". "أو أمضي حقبا" بضم الحاء والقاف وهو الدهر، والجمع أحقاب. وقد تسكن قافه فيقال حقب. وهو ثمانون سنة. ويقال: أكثر من ذلك. والجمع حقاب والحقبة بكسر الحاء واحدة الحقب وهي السنون.
في هذا من الفقه رحلة العالم في طلب الازدياد من العلم، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب، واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء وإن بعدت أقطارهم، وذلك كان في دأب السلف الصالح، وبسبب ذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الراجح، وحصلوا على السعي الناجح، فرسخت لهم في العلوم أقدام، وصح لهم من الذكر والأجر والفضل أفضل الأقسام قال. البخاري: ورحل جابر بن عبدالله مسيرة شهر إلى عبدالله بن أنيس في حديث.
قوله تعالى: "وإذ قال موسى لفتاة" للعلماء فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه كان معه يخدمه، والفتى في كلام العرب الشاب، ولما كان الخدمة أكثر ما يكونون فتيانا قيل للخادم فتى على جهة حسن الأدب، وندبت الشريعة إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي وليقل فتاي وفتاتي) فهذا ندب إلى التواضع؛ وقد تقدم هذا في "يوسف". والفتى في الآية هو الخادم وهو يوشع بن نون بن إفراثيم بن يوسف عليه السلام. ويقال: هو ابن أخت موسى عليه السلام. وقيل: إنما سمي فتى موسى لأنه لزمه ليتعلم منه وإن كان حرا؛ وهذا معنى الأول. وقيل: إنما سماه فتى لأنه قام مقام الفتى وهو العبد، قال الله تعالى: "وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم..." [يوسف: 62] وقال: "تراود فتاها عن نفسه..." قال ابن العربي: فظاهر القرآن يقتضي أنه عبد، وفي الحديث:(أنه كان يوشع بن نون) وفي التفسير: أنه ابن أخته، وهذا كله مما لا يقطع به، والتوقف فيه أسلم. "أو أمضي حقبا" قال عبدالله بن عمر:(والحقب ثمانون سنة) مجاهد: سبعون خريفا. قتادة: زمان، النحاس: الذي يعرفه أهل اللغة أن الحقب والحقبة زمان من الدهر مبهم غير محدود؛ كما أن رهطا وقوما مبهم غير محدود: وجمعه أحقاب.
الآية: 61 {فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سرب}
الضمير في قوله: "بينهما" للبحرين؛ قال مجاهد. والسرب المسلك؛ قال مجاهد. وقال قتادة: جمد الماء فصار كالسراب. وجمهور المفسرين أن الحوت بقي موضع سلوكه فارغا، وأن موسى مشى عليه متبعا للحوت، حتى أفضى به الطريق إلى جزيرة في البحر، وفيها وجد الخضر. وظاهر الروايات والكتاب أنه إنما وجد الخضر في ضفة البحر وقوله: "نسيا حوتهما" وإنما كان النسيان من الفتى وحده فقيل: المعنى؛ نسي أن يعلم موسى بما رأى من حال فنسب النسيان إليهما للصحبة، كقوله تعالى: "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" [الرحمن: 22] وإنما يخرج من الملح، وقوله: "يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم..." وإنما الرسل من الإنس لا من الجن وفي البخاري؛(فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلفت كثيرا؛ فذلك قوله عز وجل: "وإذ قال موسى لفتاه..." يوشع بن نون - ليست عن سعيد - قال فبينا هو في ظل صخرة في مكان ثريان إذ تضرب الحوت وموسى نائم فقال فتاه: لا أوقظه؛ حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره، وتضرب الحوت حتى دخل البحر، فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كأن أثره في حجر؛ قال لي عمرو: هكذا كأن أثره في حجر وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما) وفي رواية(وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: "آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا" ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به، فقال له فتاه: "أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره") وقيل: إن النسيان كان منهما لقوله تعالى: "نسيا" فنسب النسيان إليهما؛ وذلك أن بدو حمل الحوت كان من موسى لأنه الذي أمر به، فلما مضيا كان فتاه الحامل له حتى أويا إلى الصخرة نزلا.