تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن تفسير الصفحة 400 من المصحف



تفسير القرطبي - صفحة القرآن رقم 400

400- تفسير الصفحة رقم400 من المصحف
استنصر لوط عليه السلام ربه فبعث عليهم ملائكة لعذابهم فجاؤوا إبراهيم أولا مبشرين بنصرة لوط على قومه حسبما تقدم بيانه في "هود" وغيرها. وقرأ الأعمش ويعقوب وحمزة والكسائي: "لننجينه وأهله" بالتخفيف وشدد الباقون وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي: "إنا منجوك وأهلك" بالتخفيف وشدد الباقون وهما لغتان: أنجى ونجى بمعنى وقد تقدم وقوله ابن عامر: "إنا منزلون" بالتشديد وهي قراءة ابن عباس الباقون بالتخفيف وقول: "ولقد نركنا منها آية بينة لقوم يعقلون" قال قتادة: هي الحجارة التي أبقيت وقال أبو العالية وقيل: إنه يرجم بها قوم من هذه الأمة وقال ابن عباس: هي آثار منازلهم الخربة وقال مجاهد: هو الماء الأسود على وجه الأرض وكل ذلك باق فلا تعارض.
الآية: 36 - 37 {وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين، فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}
قوله تعالى: "وإلى مدين أخاهم شعيبا" أي وأرسلنا إلى مدين وقد تقدم. "وارجوا اليوم الآخر" وقال يونس النحوي: أي اخشوا الآخرة التي فيها الجزاء على الأعمال. "ولا تعثوا في الأرض مفسدين" أي لا تكفروا فإنه أصل كل فساد والعثو والعثي أشد الفساد عثي يعثى وعثا يعثو بمعنى واحد وقد تقدم. وقيل: "وارجوا اليوم الآخر" أي صدقوا به فإن القوم كانوا ينكرونه.
الآية: 38 {وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين}
قوله تعالى: "وعادا وثمود" قال الكسائي: قال بعضهم هو راجع إلى أول السورة؛ أي ولقد فتنا الذين من قبلهم وفتنا عادا وثمود قال: وأحب إلي أن يكون معطوفا على "فأخذتهم الرجفة" وأخذت عادا وثمودا وزعم الزجاج: أن التقدير وأهلكنا عادا وثمود وقيل: المعنى واذكر عادا إذ أرسلنا إليهم هودا فكذبوه فأهلكناهم وثمودا أيضا أرسلنا إليهم صالحا فكذبوه فأهلكناهم بالصيحة كما أهلكنا عادا بالريح العقيم. "وقد تبين لكم" أي تبين لكم يا معشر الكفار "من مساكنهم" بالحجر والأحقاف آيات في إهلاكهم فحذف فاعل التبين. "وزين لهم الشيطان أعمالهم" أي أعمالهم الخسيسة فحسبوها رفيعة. "فصدهم عن السبيل" أي عن طريق الحق. "وكانوا مستبصرين" فيه قولان: أحدهما وكانوا مستبصرين في الضلالة قاله مجاهد والثاني: كانوا مستبصرين قد عرفوا الحق من الباطل بظهور البراهين وهذا القول أشبه؛ لأنه إنما يقال فلان مستبصر إذا عرف الشيء على الحقيقة قال الفراء: كانوا عقلاء ذوي بصائر فلم تنفعهم بصائرهم وقيل: أتوا ما أتوا وقد تبين لهم أن عاقبتهم العذاب.