تفسير الطبري تفسير الصفحة 400 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 400
401
399
الآية : 30 -31
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ * وَلَمّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىَ قَالُوَاْ إِنّا مُهْلِكُوَ أَهْلِ هَـَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَلـما جاءَتْ رُسُلُنا إبْراهِيـمَ بـالبُشْرَى من الله بإسحاق, ومن وراء إسحاق يعقوب, قالُوا إنّا مُهْلِكُوا أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ يقول: قالت رسل الله لإبراهيـم: إنا مهلكو أهل هذه القرية, قرية سَدُوم, وهي قرية قوم لوط إنّ أهْلَها كانُوا ظالِـمِينَ يقول: إن أهلها كانوا ظالـمي أنفسهم بـمعصيتهم الله, وتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
21131ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله ولَـمّا جاءَتْ رُسُلُنا إبْرَاهِيـمَ بـالبُشْرَى... إلـى قوله نَـحْنُ أعْلَـمُ بِـمَنْ فِـيها قال: فجادل إبراهيـم الـملائكة فـي قوم لوط أن يتركوا, قال: فقال أرأيتـم إن كان فـيها عشرة أبـيات من الـمسلـمين أتتركونهم؟ فقالت الـملائكة: لـيس فـيها عشرة أبـيات, ولا خمسة, ولا أربعة, ولا ثلاثة, ولا اثنان قال: فحَزِن علـى لوط وأهل بـيته, فقال إنّ فِـيها لُوطا, قالُوا نَـحْنُ أعْلَـمُ بِـمَنْ فِـيها, لَنُنَـجّيَنّه وأهْلَهُ, إلاّ امْرأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ فذلك قوله: يُجادِلُنا فِـي قَوْمِ لُوطٍ, إنّ إبْرَاهِيـم لَـحَلِـيـمٌ أوّاهٌ مُنِـيبٌ. فقالت الـملائكة: يا إبْرَاهِيـمُ أعْرِضْ عَنْ هَذَا, إنّهُ قَدْ جاءَ أمْرُ رَبّكَ, وإنّهُمْ آتِـيهِمْ عَذابٌ غيرُ مَرْدودٍ فبعث الله إلـيهم جبرائيـل صلى الله عليه وسلم, فـانتسف الـمدينة وما فـيها بأحد جناحية, فجعل عالـيها سافلها, وتتبعهم بـالـحجارة بكل أرض.

الآية : 32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ إِنّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجّيَنّهُ وَأَهْلَهُ إِلاّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال إبراهيـم للرسل من الـملائكة, إذ قالوا له: إنّا مُهْلِكُوا أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ إنّ أهْلَها كانُوا ظالِـمِينَ فلـم يستثنوا منهم أحدا, إذ وصفوهم بـالظلـم: إن فـيها لوطا, ولـيس من الظالـمين, بل هو من رسل الله, وأهل الإيـمان به, والطاعة له, فقالت الرسل له: نَـحْنُ أعْلَـمُ بِـمَنْ فِـيها من الظالـمين الكافرين بـالله منك, وإن لوطا لـيس منهم, بل هو كما قلت من أولـياء الله, لننـجّينه وأهله من الهلاك الذي هو نازل بأهل قريته إلاّ امْرأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ الذين أبقتهم الدهور والأيام, وتطاولت أعمارهم وحياتهم, وأنهم هالكة من بـين أهل لوط مع قومها.
الآية : 33
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنّا مُنَجّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولَـمّا أنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطا من الـملائكة سِيءَ بِهِمْ يقول: ساءته الـملائكة بـمـجيئهم إلـيه, وذلك أنهم تَضَيفوه, فساءوه بذلك, فقوله سِيءَ بِهِمْ: فُعِلَ بهم, مِنْ ساءه بذلك.
وذُكر عن قتادة أنه كان يقول: ساء ظنه بقومه, وضاق بضيفه ذَرْعا.
21132ـ حدثنا بذلك الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا مَعمَر عنه وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعا يقول: وضاق ذرعه بضيافتهم لِـما علـم من خُبث فعل قومه. كما:
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله ولَـمّا أنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعا قال: بـالضيافة مخافة علـيهم مـما يعلـم من شرّ قومه.
وقوله: وقَالُوا لا تَـخَفْ وَلا تَـحْزَنْ يقول تعالـى ذكره: قالت الرسل للوط: لا تـخف علـينا أن يصل إلـينا قومك, ولا تـحزَن مـما أخبرناك من أنّا مهلكوهم, وذلك أن الرسل قالت له: يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَـيْكَ فَأسْرِ بأهْلِكَ بقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ إنّا مَنَـجّوكَ من العذاب الذي هو نازل بقومك وأهْلَكَ يقول: ومنـجو أهلِك معك إلاّ امْرأتَكَ فإنها هالكة فـيـمن يهلك من قومها, كانت من البـاقـين الذين طالت أعمارهم.
الآية : 34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّا مُنزِلُونَ عَلَىَ أَهْلِ هَـَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مّنَ السّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل الرسل للوط إنّا مُنْزِلُونَ يا لُوط عَلـى أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ سَدُوم رِجْزا مِنَ السّماءِ يعنـي عذابـا. كما:
21133ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة إنّا مُنْزِلُونَ عَلـى أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ رِجْزا: أي عذابـا.
وقد بـيّنا معنى الرجز وما فـيه من أقوال أهل التأويـل فـيـما مضى, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وقوله: بِـمَا كانُوا يَفْسُقُونَ يقول: بـما كانوا يأتون من معصية الله, ويركبون من الفـاحشة.
الآية : 35
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَد تّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيّنَةً لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولقد أبقـينا من فَعْلتنا التـي فَعَلْنا بهم آية, يقول: عبرة بـينة وعظة واعظة, لقوم يعقلون عن الله حُجَجه, ويتفكرون فـي مواعظه, وتلك الاَية البـينة هي عندي عُفُوّ آثارهم, ودروس معالـمهم.
وذُكر عن قتادة فـي ذلك ما:
21134ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَـيّنَةً لقَوْمٍ يَعْقِلُونَ قال: هي الـحجارة التـي أُمطرت علـيهم.
21135ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله مِنْها آيَةً بَـيّنَةً قال: عِبرة.
الآية : 36
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِلَىَ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَارْجُواْ الْيَوْمَ آلاَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وأرسلت إلـى مَدْين أخاهم شعيبـا, فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده, وذِلّوا له بـالطاعة, واخضعوا له بـالعبـادة وَارْجُوا الـيَوْمَ الاَخِرَ يقول: وارجوا بعبـادتكم إياي جزاءَ الـيوم الاَخر, وذلك يوم القـيامة وَلا تَعْثَوْا فِـي الأرْضِ مُفْسِدِينَ يقول: ولا تكثرِوا فـي الأرض معصية الله, ولا تقـيـموا علـيها, ولكن توبوا إلـى الله منها وأنـيبوا.
وقد كان بعض أهل العلـم بكلام العرب يتأوّل قوله: وَارْجُوا الـيَوْمَ الاَخِرَ بـمعنى: واخشَوُا الـيوم الاَخر. وكان غيره من أهل العلـم بـالعربـية يُنكر ذلك ويقول: لـم نـجد الرجاء بـمعنى الـخوف فـي كلام العرب إلاّ إذا قارنه الـجَحْد.
الآية : 37
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَكَذّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فكذّب أهل مَدين شعيبـا فـيـما أتاهم به عن الله من الرسالة, فأخذتهم رَجْفة العذاب فأصبحوا فـي دارهم جاثمين جُثوما, بعضهم علـى بعض مَوْتَـى. كما:
21136ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة فَأصْبَحُوا فِـي دَارِهِمْ جاثِمِين: أي ميتـين.
الآية : 38
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تّبَيّنَ لَكُم مّن مّسَاكِنِهِمْ وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدّهُمْ عَنِ السّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: واذكروا أيها القوم عادا وثمود, وقد تبـين لكم من مساكنهم خرابُها وخلاؤُها منهم بوقائعنا بهم, وحلول سَطْوتنا بجميعهم وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أعْمالَهمْ يقول: وحسّن لهم الشيطان كفرهم بـالله, وتكذيبَهم رسله فَصَدّهُمْ عَنِ السّبِـيـلِ يقول: فردّهم بتزيـينه لهم ما زيّن لهم من الكفر, عن سبـيـل الله, التـي هي الإيـمان به ورسله, وما جاءوهم به من عند ربهم وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ يقول: وكانوا مستبصرين فـي ضلالتهم, مُعْجَبـين بها, يحسِبون أنهم علـى هدى وصواب, وهم علـى الضلال. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21137ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله فَصَدّهُمْ عَنِ السّبِـيـلِ, وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ يقول: كانوا مستبصرين فـي دينهم.
21138ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ فـي الضلالة.
21139ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ فـي ضلالتهم مُعْجَبـين بها.
21140ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله وكانُوا مُسْتَبْصرِينَ يقول: فـي دينهم.