سورة الأعراف | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 163 من المصحف
** وَلَوْ أَنّ أَهْلَ الْقُرَىَ آمَنُواْ وَاتّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ وَلَـَكِن كَذّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىَ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىَ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ
يخبر تعالى عن قلة إيمان أهل القرى الذين أرسل فيهم الرسل, كقوله تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} أي ما آمنت قرية بتمامها إلا قوم يونس, فإنهم آمنوا وذلك بعدما عاينوا العذاب, كما قال تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين} وقال تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نذير} الاَية, وقوله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقو} أي آمنت قلوبهم بما جاء به الرسل وصدقت به واتبعوه, واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات {لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} أي قطر السماء ونبات الأرض, قال تعالى: {ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} أي ولكن كذبوا رسلهم فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم, ثم قال تعالى مخوفاً ومحذراً من مخالفة أوامره والتجرؤ على زواجره: {أفأمن أهل القرى} أي الكافرة {أن يأتيهم بأسن} أي عذابنا ونكالنا {بيات} أي ليلاً {وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون} أي في حال شغلهم وغفلتهم {أفأمنوا مكر الله} أي بأسه ونقمته وقدرته عليهم وأخذه إياهم في حال سهوهم وغفلتهم {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن.
** أَوَلَمْ يَهْدِ لِلّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهله} أو لم يتبين لهم أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم, وكذا قال مجاهد وغيره, وقال أبو جعفر بن جرير في تفسيرها: يقول تعالى أو لم يتبين للذين يستخلفون في الأرض من بعد إهلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها فساروا سيرتهم وعملوا أعمالهم وعتوا على ربهم {أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم} يقول: أن لو نشاء فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم {ونطبع على قلوبهم} يقول ونختم على قلوبهم {فهم لا يسمعون} موعظة ولا تذكيراً (قلت) وهكذا قال تعالى: {أفلم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لاَيات لأولي النهى} وقال تعالى: {أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لاَيات أفلا يسمعون} وقال {أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال * وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} الاَية, وقال تعالى: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركز} أي هل ترى لهم شخصاً أو تسمع لهم صوتاً ؟.
وقال تعالى: {أو لم يروا كم أهلنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين} وقال تعالى بعد ذكره إهلاك عاد{فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين * ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون * ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الاَيات لعلهم يرجعون}.
وقال تعالى: {وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير} وقال تعالى: {ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير} وقال تعالى: {فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد * أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها, فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} وقال تعالى {ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون} إلى غير ذلك من الاَيات الدالة على حلول نقمه بأعدائه وحصول نعمه لأوليائه ولهذا عقب بقوله وهو أصدق القائلين ورب العالمين.
** تِلْكَ الْقُرَىَ نَقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ * وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِم مّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ
( شا لما قص تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم خبر قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وما كان من إهلاكه الكافرين وإنجائه المؤمنين, وأنه تعالى أعذر إليهم بأن بين لهم الحق بالحجج على ألسنة الرسل صلوات الله عليهم أجمعين, قال تعالى: {تلك القرى نقص عليك} أي يا محمد {من أنبائه} أي من أخبارها {ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات} أي الحجج على صدقهم فيما أخبروهم به, كما قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسول} وقال تعالى: {ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد * وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} وقوله تعالى: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} الباء سببية, أي فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم حكاه ابن عطية رحمه الله وهو متجه حسن كقوله {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون * ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} الاَية, ولهذا قال هنا {كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين وما وجدنا لأكثرهم} أي لأكثر الأمم الماضية {من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} أي ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة والامتثال. والعهد الذي أخذه هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه وأخذ عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو فأقروا بذلك وشهدوا على أنفسهم به, وخالفوه وتركوه وراء ظهورهم وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولاحجة لامن عقل ولا شرع, وفي الفطرة السليمة خلاف ذلك, وجاءت الرسل الكرام من أولهم إلى آخرهم بالنهي عن ذلك كما جاء في صحيح مسلم, يقول الله تعالى: {إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم} وفي الصحيحين «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» الحديث.
وقال تعالى في كتابه العزيز {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وقوله تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا من أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} إلى غير ذلك من الاَيات, وقد قيل في تفسير قوله تعالى: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} ما روى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} قال كان في علمه تعالى يوم أقروا له بالميثاق, أي فما كانوا ليؤمنوا لعلم الله منهم ذلك, وكذا قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن أنس, واختاره ابن جرير, وقال السدي {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهاً, وقال مجاهد في قوله {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} هذا كقوله {ولو ردوا لعادو} الاَية.
ثُمّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مّوسَىَ بِآيَاتِنَآ إِلَىَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ
يقول تعالى: {ثم بعثنا من بعدهم} أي الرسل المتقدم ذكرهم كنوح وهود وصالح ولوط وشعيب صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر أنبياء الله أجمعين {موسى بآياتن} أي بحججنا ودلائلنا البينة إلى فرعون, وهو ملك مصر في زمن موسى {وملئه} أي قومه {فظلموا به} أي جحدوا وكفروا بها ظلماً منهم وعناداً, وكقوله تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} أي الذين صدوا عن سبيل الله وكذبوا رسله, أي انظر كيف فعلنا بهم أغرقناهم عن آخرهم بمرأى من موسى وقومه, وهذا أبلغ في النكال بفرعون وقومه وأشفى لقلوب أولياء الله موسى وقومه من المؤمنين به.
تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 163
163 : تفسير الصفحة رقم 163 من القرآن الكريم** وَلَوْ أَنّ أَهْلَ الْقُرَىَ آمَنُواْ وَاتّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ وَلَـَكِن كَذّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىَ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىَ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ
يخبر تعالى عن قلة إيمان أهل القرى الذين أرسل فيهم الرسل, كقوله تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} أي ما آمنت قرية بتمامها إلا قوم يونس, فإنهم آمنوا وذلك بعدما عاينوا العذاب, كما قال تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين} وقال تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نذير} الاَية, وقوله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقو} أي آمنت قلوبهم بما جاء به الرسل وصدقت به واتبعوه, واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات {لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} أي قطر السماء ونبات الأرض, قال تعالى: {ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} أي ولكن كذبوا رسلهم فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم, ثم قال تعالى مخوفاً ومحذراً من مخالفة أوامره والتجرؤ على زواجره: {أفأمن أهل القرى} أي الكافرة {أن يأتيهم بأسن} أي عذابنا ونكالنا {بيات} أي ليلاً {وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون} أي في حال شغلهم وغفلتهم {أفأمنوا مكر الله} أي بأسه ونقمته وقدرته عليهم وأخذه إياهم في حال سهوهم وغفلتهم {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن.
** أَوَلَمْ يَهْدِ لِلّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهله} أو لم يتبين لهم أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم, وكذا قال مجاهد وغيره, وقال أبو جعفر بن جرير في تفسيرها: يقول تعالى أو لم يتبين للذين يستخلفون في الأرض من بعد إهلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها فساروا سيرتهم وعملوا أعمالهم وعتوا على ربهم {أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم} يقول: أن لو نشاء فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم {ونطبع على قلوبهم} يقول ونختم على قلوبهم {فهم لا يسمعون} موعظة ولا تذكيراً (قلت) وهكذا قال تعالى: {أفلم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لاَيات لأولي النهى} وقال تعالى: {أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لاَيات أفلا يسمعون} وقال {أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال * وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} الاَية, وقال تعالى: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركز} أي هل ترى لهم شخصاً أو تسمع لهم صوتاً ؟.
وقال تعالى: {أو لم يروا كم أهلنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين} وقال تعالى بعد ذكره إهلاك عاد{فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين * ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون * ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الاَيات لعلهم يرجعون}.
وقال تعالى: {وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير} وقال تعالى: {ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير} وقال تعالى: {فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد * أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها, فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} وقال تعالى {ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون} إلى غير ذلك من الاَيات الدالة على حلول نقمه بأعدائه وحصول نعمه لأوليائه ولهذا عقب بقوله وهو أصدق القائلين ورب العالمين.
** تِلْكَ الْقُرَىَ نَقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ * وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِم مّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ
( شا لما قص تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم خبر قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وما كان من إهلاكه الكافرين وإنجائه المؤمنين, وأنه تعالى أعذر إليهم بأن بين لهم الحق بالحجج على ألسنة الرسل صلوات الله عليهم أجمعين, قال تعالى: {تلك القرى نقص عليك} أي يا محمد {من أنبائه} أي من أخبارها {ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات} أي الحجج على صدقهم فيما أخبروهم به, كما قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسول} وقال تعالى: {ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد * وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} وقوله تعالى: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} الباء سببية, أي فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم حكاه ابن عطية رحمه الله وهو متجه حسن كقوله {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون * ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} الاَية, ولهذا قال هنا {كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين وما وجدنا لأكثرهم} أي لأكثر الأمم الماضية {من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} أي ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة والامتثال. والعهد الذي أخذه هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه وأخذ عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو فأقروا بذلك وشهدوا على أنفسهم به, وخالفوه وتركوه وراء ظهورهم وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولاحجة لامن عقل ولا شرع, وفي الفطرة السليمة خلاف ذلك, وجاءت الرسل الكرام من أولهم إلى آخرهم بالنهي عن ذلك كما جاء في صحيح مسلم, يقول الله تعالى: {إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم} وفي الصحيحين «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» الحديث.
وقال تعالى في كتابه العزيز {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وقوله تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا من أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} إلى غير ذلك من الاَيات, وقد قيل في تفسير قوله تعالى: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} ما روى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} قال كان في علمه تعالى يوم أقروا له بالميثاق, أي فما كانوا ليؤمنوا لعلم الله منهم ذلك, وكذا قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن أنس, واختاره ابن جرير, وقال السدي {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهاً, وقال مجاهد في قوله {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} هذا كقوله {ولو ردوا لعادو} الاَية.
ثُمّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مّوسَىَ بِآيَاتِنَآ إِلَىَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ
يقول تعالى: {ثم بعثنا من بعدهم} أي الرسل المتقدم ذكرهم كنوح وهود وصالح ولوط وشعيب صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر أنبياء الله أجمعين {موسى بآياتن} أي بحججنا ودلائلنا البينة إلى فرعون, وهو ملك مصر في زمن موسى {وملئه} أي قومه {فظلموا به} أي جحدوا وكفروا بها ظلماً منهم وعناداً, وكقوله تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} أي الذين صدوا عن سبيل الله وكذبوا رسله, أي انظر كيف فعلنا بهم أغرقناهم عن آخرهم بمرأى من موسى وقومه, وهذا أبلغ في النكال بفرعون وقومه وأشفى لقلوب أولياء الله موسى وقومه من المؤمنين به.
الصفحة رقم 163 من المصحف تحميل و استماع mp3