سورة الأعراف | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 170 من المصحف
** فَلَماّ نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُوَءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
يقول تعالى مجيباً لنفسه في قوله {إِن هي إِلا فتنتك} الاَية, قال {عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء} أي أفعل ما أشاء وأحكم ما أريد, ولي الحكمة والعدل في كل ذلك سبحانه لا إله إِلا هو, وقوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} الاَية عظيمة الشمول والعموم, كقوله تعالى إِخباراً عن حملة العرش ومن حوله, أنهم يقولون {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلم}. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا أبي, حدثنا الجريري عن أبي عبد الله الجشمي, حدثنا جندب هو ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه, قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم علقها ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى راحلته فأطلق عقالها ثم ركبها ثم نادى اللهم ارحمني ومحمداً ولا تشرك في رحمتنا أحداً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتقولون هذا أضل أم بعيره ألم تسمعوا ما قال ؟» قالوا بلى قال: «لقد حظرت رحمة واسعة إن الله عز وجل خلق مائة رحمة فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنها وإنسها وبهائمها وأخر عنده تسعاً وتسعين رحمة أتقولون هو أضل أم بعيره ؟} رواه أحمد وأبو داود, عن علي بن نصر عن عبد الصمد بن عبد الوارث به, وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا يحيى بن سعيد عن سليمان عن أبي عثمان عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إِن لله عز وجل مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق وبها تعطف الوحوش على أولادها وأخر تسعة وتسعين إِلى يوم القيامة, تفرد بإِخراجه مسلم, فرواه من حديث سليمان هو ابن طرخان وداود بن أبي هند, كلاهما عن أبي عثمان واسمه عبد الرحمن بن مِلّ عن سلمان هو الفارسي عن النبي صلى الله عليه وسلم به, وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا حماد عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِن لله مائة رحمة عنده تسعة وتسعون وجعل عندكم واحدة تتراحمون بها بين الجن والإنس وبين الخلق فإذا كان يوم القيامة ضمها إِليه» تفرد به أحمد من هذا الوجه. وقال أحمد: حدثنا عفان, حدثنا عبد الواحد, حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لله مائة رحمة فقسم منها جزءاً واحداً بين الخلق به يتراحم الناس والوحش والطير» ورواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن الأعمش به, وقال الحافظ ابو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة, حدثنا أحمد بن يونس, حدثنا سعد أبو غيلان الشيباني عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن صلة بن زفر عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه الأحمق في معيشته, والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه, والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إِبليس رجاء أن تصيبه» هذا حديث غريب جداً وسعد هذالا أعرفه, وقوله {فسأكتبها للذين يتقون} الاَية, يعني فسأوجب حصول رحمتي منّةً مني وإِحساناً إليهم كما قال تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} وقوله {للذين يتقون} أي سأجعلها للمتصفين بهذه الصفات, وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم {الذين يتقون} أي الشرك والعظائم من الذنوب. قوله {ويؤتون الزكاة} قيل زكاة النفوس, وقيل الأموال ويحتمل أن تكون عامة لهما فإن الاَية مكية {والذين هم بآياتنا يؤمنون} أي يصدقون.
** الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
{الذين يتبعون الرسول النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل} وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء بشروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم. كما روى الإمام أحمد حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي صخر العقيلي حدثني رجل من الأعراب قال جلبت حلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغت من بيعي قلت لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه قال فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشراً التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي» فقال برأسه هكذا أي لا فقال ابنه إي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فقال «أقيموا اليهودي عن أخيكم» ثم تولى كفنه والصلاة عليه هذا حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح عن أنس. وقال الحاكم صاحب المستدرك أخبرنا محمد بن عبد الله بن إسحاق البغوي حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس حدثنا عبد الله بن إدريس عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي قال بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام فخرجنا حتى قدمنا الغوطة يعني غوطة دمشق فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني فدخلنا عليه فإذا هو على سرير له فأرسل إلينا برسوله نكلمه فقلنا والله لا نكلم رسولاً وإنما بعثنا إلى الملك, فإن أذن لنا كلمناه وإلا لم نكلم الرسول فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك قال: فأذن لنا فقال: تكلموا فكلمه هشام بن العاص ودعاه إلى الإسلام فإذا عليه ثياب سود فقال له هشام وما هذه التي عليك ؟ فقال لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام قلنا ومجلسك هذا والله لنأخذنه منك ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله, أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال: لستم بهم بل هم قوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل فكيف صومكم ؟ فأخبرناه, فملىء وجهه سواداً فقال: قوموا وبعث معنا رسولاً إلى الملك فخرجنا حتى إذا كنا قريباً من المدينة قال لنا الذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال, قلنا والله لا ندخل إلا عليها فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون ذلك فأمرهم أن ندخل على رواحلنا, فدخلنا عليها متقلدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا, فقلنا لا إله إلا الله والله أكبر فالله يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح, قال: فأرسل إلينا ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم, وأرسل إلينا أن ادخلوا فدخلنا عليه وهو على فراش له وعنده بطارقة من الروم وكل شيء في مجلسه أحمر وما حوله حمرة وعليه ثياب من الحمرة, فدنونا منه فضحك فقال: ما عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم ؟ وإذا عنده رجل فصيح بالعربية كثير الكلام فقلنا إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك وتحيتك التي تحيا بها, لا يحل لنا أن نحييك بها قال كيف تحيتكم فيما بينكم ؟ قلنا السلام عليكم قال فكيف تحيون ملككم قلنا بها قال: فكيف يرد عليكم ؟ قلنا بها, قال فما أعظم كلامكم ؟ قلنا لا إله إلا الله والله أكبر فلما تكلمنا بها والله)يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها قال فهذه الكلمة التي قلتموها حيث انتفضت الغرفة أكلما قلتموها في بيوتكم انتفضت عليكم غرفكم ؟ قلنا لا, ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك, قال: لوددت أنكم كلما قلتم انتفض كل شيء عليكم وإني قد خرجت من نصف ملكي قلنا لم ؟ قال لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا تكون من أمر النبوة وأنها تكون من حيل الناس, ثم سألنا عما أراد فأخبرناه, ثم قال كيف صلاتكم وصومكم ؟ فأخبرناه, فقال: قوموا فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير فأقمنا ثلاثاً فأرسل إلينا ليلاً فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه, ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب ففتح بيتاً وقفلاً فاستخرج «حريرة سوداء فنشرها فإذا فيها صورة حمراء, وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم أر مثل طول عنقه, وإذا ليست له لحية وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق الله فقال: أتعرفون هذا, قلنا لا قال: هذا آدم عليه السلام وإذا هو أكثر الناس شعراً, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها صورة بيضاء وإذا له شعر كشعر القطط أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا نوح عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج حريرة سوداء وإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين طويل الخد أبيض اللحية كأنه يبتسم فقال هل تعرفون هذا ؟ قلنا: لا قال:هذا إبراهيم عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فإذا فيه صورة بيضاء وإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتعرفون هذا ؟ قلنا نعم هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وبكينا قال: والله يعلم أنه قام قائماً ثم جلس وقال والله إنه لهو قلنا نعم إنه لهو كأنك تنظر إليه فأمسك ساعة ينظر إليها ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة أدماء سحماء وإذا رجل جعد قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الأسنان متقلص الشفة كأنه غضبان فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا موسى عليه السلام وإلى جنبه صورة تشبهه إلا أنه مدهان الرأس عريض الجبين في عينيه نبل فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا قال: هذا هارون بن عمران عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان فقال هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا لوط عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة أقنى خفيف العارضين حسن الوجه فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا إسحاق عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا أنه على شفته خال فقال هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا يعقوب عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الأنف حسن القامة يعلو وجهه نور يعرف في وجهه الخشوع يضرب إلى الحمرة قال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا إسماعيل جد نبيكم صلى الله عليه وسلم, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة كصورة آدم كأن وجهه الشمس فقال هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا يوسف عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل أحمر حمش الساقين أخفش العينين ضخم البطن ربعة متقلد سيفاً فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا داود عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل ضخم الأليتين طويل الرجلين راكب فرساً فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا سليمان بن داود عليهما السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء وإذا شاب شديد سواد اللحية كثير الشعر حسن العينين حسن الوجه فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا عيسى ابن مريم عليه السلام, قلنا من أين لك هذه الصور ؟ لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء عليهم السلام لأنا رأينا صورة نبينا عليه السلام مثله, فقال: إن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده فأنزل عليه صورهم, فكانت في خزانة آدم عليه السلام عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس فدفعها إلى دانيال, ثم قال: أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي وإني كنت عبداً لأشركم ملكة حتى أموت, ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرحنا فلما أتينا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فحدثناه بما أرانا وبما قال لنا وما أجازنا, قال فبكى أبو بكر, وقال: مسكين لو أراد الله به خيراً لفعل ثم قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم, وهكذا أورده الحافظ الكبير البيهقي رحمه الله في كتاب دلائل النبوّة عن الحاكم إجازة فذكره وإسناده لا بأس به. وقال ابن جرير: حدثنا المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذير} وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي اسمك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به قلوباً غلفاً وآذاناً صماً وأعيناً عمياً, قال عطاء: ثم لقيت كعباً فسألته عن ذلك فما اختلف حرفاً إلا أن كعباً قال بلغته: قال قلوباً غلوفياً وآذاناً صمومياً وأعيناً عمومياً, وقد رواه البخاري في صحيحه عن محمد بن سنان عن فليح عن هلال بن علي فذكر بإسناده نحوه, وزاد بعد قوله ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح, وذكر حديث عبد الله بن عمرو, ثم قال: ويقع في كلام كثير من السلف إطلاق التوراة على كتب أهل الكتاب, وقد ورد في بعض الأحاديث ما يشبه هذا والله أعلم.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا موسى بن هارون, حدثنا محمد بن إدريس بن وراق بن الحميدي, حدثنا محمد بن عمر بن إبراهيم من ولد جبير بن مطعم قال: حدثتني أم عثمان بنت سعيد وهي جدتي عن أبيها سعيد بن محمد بن جبير عن أبيه محمد بن جبير عن أبيه جبير بن مطعم قال: خرجت تاجراً إلى الشام فلما كنت بأدنى الشام لقيني رجل من أهل الكتاب فقال: هل عندكم رجل نبياً ؟ قلت نعم, قال: هل تعرف صورته إذا رأيتها ؟ قلت نعم, فأدخلني بيتاً فيه صور فلم أر صورة النبي صلى الله عليه وسلم, فبينا أنا كذلك إذ دخل رجل منهم علينا فقال: فيم أنتم ؟ فأخبرناه فذهب بنا إلى منزله فساعة ما دخلت نظرت إلى صورة النبي صلى الله عليه وسلم وإذا رجل آخذ بعقب النبي صلى الله عليه وسلم قلت: من هذا الرجل القابض على عقبه ؟ قال إنه لم يكن نبي إلا كان بعده نبي إلا هذا النبي فإنه لا نبي بعده وهذا الخليفة بعده وإذا صفة أبي بكر رضي الله عنه وقال أبو داود: حدثنا عمر بن حفص أبو عمرو الضرير حدثنا حماد بن سلمة أن سعيد بن أياس الجريري أخبرهم عن عبد الله بن شقيق العقيلي عن الأقرع مؤذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بعثني عمر إلى الأسقف فدعوته فقال له عمر: هل تجدني في الكتاب ؟ قال نعم, قال: كيف تجدني ؟ قال: أجدك قرناً فرفع عمر الدرة وقال: قرن مه ؟ قال: قرن حديد أمير شديد, قال: فكيف تجد الذي بعدي ؟ قال: أجد خليفة صالحاً غير أنه يؤثر قرابته, قال عمر يرحم الله عثمان ثلاثاً قال: كيف تجد الذي بعده ؟ قال: أجده صدأ حديد, قال فوضع عمر يده على رأسه وقال: يا دفراه يا دفراه قال: يا أمير المؤمنين إنه خليفة صالح ولكنه يستخلف حين يستخلف والسيف مسلول والدم مهراق وقوله تعالى: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر} هذه صفة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة وهكذا كانت حاله عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر كما قال عبد الله بن مسعود إذا سمعت الله يقول {يا أيها الذين آمنو} فأرعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه, ومن أهم ذلك وأعظمه ما بعثه الله به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له والنهي عن عبادة من سواه كما أرسل به جميع الرسل قبله كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر هو العقدي عبد الملك بن عمرو, حدثنا سليمان هو ابن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد عن أبي حميد وأبي أسيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به, وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه» رواه الإمام أحمد رضي الله عنه بإسناد جيد ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب, وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه قال: إذا سمعتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهدى والذي هو أهنى والذي هو أتقى ثم رواه عن يحيى عن ابن سعيد عن مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه قال إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهداه وأهناه وأتقاه, وقوله {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} أي يحل لهم ما كانوا حرموه على أنفسهم من البحائر والسوائب والوصائل والحام ونحو ذلك مما كانوا ضيقوا به على أنفسهم ويحرم عليهم الخبائث, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله تعالى. قال بعض العلماء فكل ما أحل الله تعالى من المآكل فهو طيب نافع في البدن والدين وكل ما حرمه فهو خبيث ضار في البدن والدين وقد تمسك بهذه الاَية الكريمة من يرى التحسين والتقبيح العقليين وأجيب عن ذلك بما لا يتسع هذا الموضع له وكذا احتج بها من ذهب من العلماء, إلا أن المرجع في حل المآكل التي لم ينص على تحليلها ولا تحريمها إلى ما استطابته العرب في حال رفاهيتها وكذا في جانب التحريم إلى ما استخبثته وفيه كلام طويل أيضاً. وقوله {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} أي أنه جاء بالتيسير والسماحة كما ورد الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «بعثت بالحنيفية السمحة» وقال صلى الله عليه وسلم لأميريه معاذ وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن «بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا» وقال صاحبه أبو برزة الأسلمي: إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت تيسيره, وقد كانت الأمم التي قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم, فوسع الله على هذه الأمة أمورها وسهلها لهم ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل» وقال «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ولهذا قال: أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال: بعد كل سؤال من هذه قد فعلت قد فعلت, وقوله {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه} أي عظموه ووقروه, وقوله {واتبعوا النور الذي أنزل معه} أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغاً إلى الناس {أولئك هم المفلحون} أي في الدنيا والاَخرة.
** قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ
يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم {قل} يا محمد {يا أيها الناس} وهذا خطاب للأحمر والأسود والعربي والعجمي {إني رسول الله إليكم جميع} أي جميعكم وهذا من شرفه وعظمته صلى الله عليه وسلم أنه خاتم النبيين وأنه مبعوث إلى الناس كافة كما قال الله تعالى: {قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} وقال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} وقال تعالى: {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ؟ فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ} والاَيات في هذا كثيرة كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر, وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه صلوات الله وسلامه عليه رسول الله إلى الناس كلهم. قال البخاري رحمه الله في تفسير هذه الاَية: حدثنا عبد الله حدثنا سليمان بن عبد الرحمن وموسى بن هارون قالا: حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء بن زير حدثني يُسْر بن عبيد الله حدثني أبو إدريس الخولاني قال سمعت أبا الدرداء, رضي الله عنه يقول: كانت بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه عمر مغضباً فأتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو الدرداء ونحن عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أما صاحبكم هذا فقد غامر» أي غاضب وحاقد. قال وندم عمر على ما كان منه, فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر قال أبو الدرداء فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل أنتم تاركو لي صاحبي ؟ إني قلت يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت» انفرد به البخاري.
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي ولا أقوله فخراً بعثت إلى الناس كافة الأحمر والأسود ونصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي يوم القيامة فهي لمن لا يشرك بالله شيئاً» إسناد جيد ولم يخرجوه وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر بن مضر عن ابن الهاد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك قام من الليل يصلي فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى انصرف إليهم فقال لهم «لقد أعطيت الليلة خمساً ما أعطيهن أحد قبلي أما أنا فأرسلت إلى الناس كلهم عامة وكان من قبلي إنما يرسل إلى قومه, ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر لملى مني رعباً وأحلت لي الغنائم أكلها, وكان من قبلي يعظمون أكلها كانوا يحرقونها وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت وكان من قبلي يعظمون ذلك إنما كانوا يصلون في بيعهم وكنائسهم, والخامسة هي ما هي قيل لي سل فإن كل نبي قد سأل فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله» إسناد جيد قوي أيضاً ولم يخرجوه وقال أيضاً حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني فلم يؤمن بي لم يدخل الجنة» وهذا الحديث في صحيح مسلم من وجه آخر عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار». وقال الإمام أحمد حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو يونس وهو سليم بن جبير عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» تفرد به أحمد وقال الإمام أحمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطيت خمساً بعثت إلى الأحمر والأسود وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي ونصرت بالرعب مسيرة شهر وأعطيت الشفاعة وليس من نبي إلا وقد سأل الشفاعة وإني قد اختبأت شفاعتي ثم جعلتها لمن مات من أمتي لم يشرك بالله شيئاً» وهذا أيضاً إسناد صحيح ولم أرهم خرجوه والله أعلم وله مثله من حديث ابن عمر بسند جيد أيضاً وهذا الحديث ثابت في الصحيحين أيضاً من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة» وقوله {الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت} صفة الله تعالى في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه الذي بيده الملك والإحياء والإماتة وله الحكم» وقوله {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي} أخبرهم أنه رسول الله إليهم ثم أمرهم باتباعه والإيمان به {النبي الأمي} أي الذي وعدتم به وبشرتم به في الكتب المتقدمة فإنه منعوت بذلك في كتبهم ولهذا قال النبي الأمي وقوله {الذي يؤمن بالله وكلماته} أي يصدق قوله عمله وهو يؤمن بما أنزل إليه من ربه {واتبعوه} أي اسلكوا طريقه واقتفوا أثره {لعلكم تهتدون} أي إلى الصراط المستفيم.
** وَمِن قَوْمِ مُوسَىَ أُمّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
يقول تعالى مخبراً عن بني إسرائيل أن منهم طائفة يتبعون الحق ويعدلون به كما قال تعالى: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} وقال تعالى: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب} وقال تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبرو} الاَية, وقال تعالى: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوع} وقد ذكر ابن جرير في تفسيرها خبراً عجيباً فقال حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا حجاج عن ابن جريج قوله {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} قال: بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشر سبطاً تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله عز وجل أن يفرق بينهم وبينهم ففتح الله لهم نفقاً في الأرض, فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين فهم هنالك حنفاء مسلمين يستقبلون قبلتنا, قال ابن جريج قال ابن عباس فذلك قوله {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الاَخرة جئنا بكم لفيف} ووعد الاَخرة عيسى ابن مريم قال ابن جريج قال ابن عباس ساروا في السرب سنة ونصفاً وقال ابن عيينة عن صدقة أبي الهذيل عن السدي {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} قال قوم بينكم وبينهم نهر من شهد.
تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 170
170 : تفسير الصفحة رقم 170 من القرآن الكريم** فَلَماّ نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُوَءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
يقول تعالى مجيباً لنفسه في قوله {إِن هي إِلا فتنتك} الاَية, قال {عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء} أي أفعل ما أشاء وأحكم ما أريد, ولي الحكمة والعدل في كل ذلك سبحانه لا إله إِلا هو, وقوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} الاَية عظيمة الشمول والعموم, كقوله تعالى إِخباراً عن حملة العرش ومن حوله, أنهم يقولون {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلم}. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا أبي, حدثنا الجريري عن أبي عبد الله الجشمي, حدثنا جندب هو ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه, قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم علقها ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى راحلته فأطلق عقالها ثم ركبها ثم نادى اللهم ارحمني ومحمداً ولا تشرك في رحمتنا أحداً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتقولون هذا أضل أم بعيره ألم تسمعوا ما قال ؟» قالوا بلى قال: «لقد حظرت رحمة واسعة إن الله عز وجل خلق مائة رحمة فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنها وإنسها وبهائمها وأخر عنده تسعاً وتسعين رحمة أتقولون هو أضل أم بعيره ؟} رواه أحمد وأبو داود, عن علي بن نصر عن عبد الصمد بن عبد الوارث به, وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا يحيى بن سعيد عن سليمان عن أبي عثمان عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إِن لله عز وجل مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق وبها تعطف الوحوش على أولادها وأخر تسعة وتسعين إِلى يوم القيامة, تفرد بإِخراجه مسلم, فرواه من حديث سليمان هو ابن طرخان وداود بن أبي هند, كلاهما عن أبي عثمان واسمه عبد الرحمن بن مِلّ عن سلمان هو الفارسي عن النبي صلى الله عليه وسلم به, وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا حماد عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِن لله مائة رحمة عنده تسعة وتسعون وجعل عندكم واحدة تتراحمون بها بين الجن والإنس وبين الخلق فإذا كان يوم القيامة ضمها إِليه» تفرد به أحمد من هذا الوجه. وقال أحمد: حدثنا عفان, حدثنا عبد الواحد, حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لله مائة رحمة فقسم منها جزءاً واحداً بين الخلق به يتراحم الناس والوحش والطير» ورواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن الأعمش به, وقال الحافظ ابو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة, حدثنا أحمد بن يونس, حدثنا سعد أبو غيلان الشيباني عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن صلة بن زفر عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه الأحمق في معيشته, والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه, والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إِبليس رجاء أن تصيبه» هذا حديث غريب جداً وسعد هذالا أعرفه, وقوله {فسأكتبها للذين يتقون} الاَية, يعني فسأوجب حصول رحمتي منّةً مني وإِحساناً إليهم كما قال تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} وقوله {للذين يتقون} أي سأجعلها للمتصفين بهذه الصفات, وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم {الذين يتقون} أي الشرك والعظائم من الذنوب. قوله {ويؤتون الزكاة} قيل زكاة النفوس, وقيل الأموال ويحتمل أن تكون عامة لهما فإن الاَية مكية {والذين هم بآياتنا يؤمنون} أي يصدقون.
** الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
{الذين يتبعون الرسول النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل} وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء بشروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم. كما روى الإمام أحمد حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي صخر العقيلي حدثني رجل من الأعراب قال جلبت حلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغت من بيعي قلت لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه قال فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشراً التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي» فقال برأسه هكذا أي لا فقال ابنه إي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فقال «أقيموا اليهودي عن أخيكم» ثم تولى كفنه والصلاة عليه هذا حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح عن أنس. وقال الحاكم صاحب المستدرك أخبرنا محمد بن عبد الله بن إسحاق البغوي حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس حدثنا عبد الله بن إدريس عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي قال بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام فخرجنا حتى قدمنا الغوطة يعني غوطة دمشق فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني فدخلنا عليه فإذا هو على سرير له فأرسل إلينا برسوله نكلمه فقلنا والله لا نكلم رسولاً وإنما بعثنا إلى الملك, فإن أذن لنا كلمناه وإلا لم نكلم الرسول فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك قال: فأذن لنا فقال: تكلموا فكلمه هشام بن العاص ودعاه إلى الإسلام فإذا عليه ثياب سود فقال له هشام وما هذه التي عليك ؟ فقال لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام قلنا ومجلسك هذا والله لنأخذنه منك ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله, أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال: لستم بهم بل هم قوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل فكيف صومكم ؟ فأخبرناه, فملىء وجهه سواداً فقال: قوموا وبعث معنا رسولاً إلى الملك فخرجنا حتى إذا كنا قريباً من المدينة قال لنا الذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال, قلنا والله لا ندخل إلا عليها فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون ذلك فأمرهم أن ندخل على رواحلنا, فدخلنا عليها متقلدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا, فقلنا لا إله إلا الله والله أكبر فالله يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح, قال: فأرسل إلينا ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم, وأرسل إلينا أن ادخلوا فدخلنا عليه وهو على فراش له وعنده بطارقة من الروم وكل شيء في مجلسه أحمر وما حوله حمرة وعليه ثياب من الحمرة, فدنونا منه فضحك فقال: ما عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم ؟ وإذا عنده رجل فصيح بالعربية كثير الكلام فقلنا إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك وتحيتك التي تحيا بها, لا يحل لنا أن نحييك بها قال كيف تحيتكم فيما بينكم ؟ قلنا السلام عليكم قال فكيف تحيون ملككم قلنا بها قال: فكيف يرد عليكم ؟ قلنا بها, قال فما أعظم كلامكم ؟ قلنا لا إله إلا الله والله أكبر فلما تكلمنا بها والله)يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها قال فهذه الكلمة التي قلتموها حيث انتفضت الغرفة أكلما قلتموها في بيوتكم انتفضت عليكم غرفكم ؟ قلنا لا, ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك, قال: لوددت أنكم كلما قلتم انتفض كل شيء عليكم وإني قد خرجت من نصف ملكي قلنا لم ؟ قال لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا تكون من أمر النبوة وأنها تكون من حيل الناس, ثم سألنا عما أراد فأخبرناه, ثم قال كيف صلاتكم وصومكم ؟ فأخبرناه, فقال: قوموا فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير فأقمنا ثلاثاً فأرسل إلينا ليلاً فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه, ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب ففتح بيتاً وقفلاً فاستخرج «حريرة سوداء فنشرها فإذا فيها صورة حمراء, وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم أر مثل طول عنقه, وإذا ليست له لحية وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق الله فقال: أتعرفون هذا, قلنا لا قال: هذا آدم عليه السلام وإذا هو أكثر الناس شعراً, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها صورة بيضاء وإذا له شعر كشعر القطط أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا نوح عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج حريرة سوداء وإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين طويل الخد أبيض اللحية كأنه يبتسم فقال هل تعرفون هذا ؟ قلنا: لا قال:هذا إبراهيم عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فإذا فيه صورة بيضاء وإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتعرفون هذا ؟ قلنا نعم هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وبكينا قال: والله يعلم أنه قام قائماً ثم جلس وقال والله إنه لهو قلنا نعم إنه لهو كأنك تنظر إليه فأمسك ساعة ينظر إليها ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة أدماء سحماء وإذا رجل جعد قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الأسنان متقلص الشفة كأنه غضبان فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا موسى عليه السلام وإلى جنبه صورة تشبهه إلا أنه مدهان الرأس عريض الجبين في عينيه نبل فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا قال: هذا هارون بن عمران عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان فقال هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا لوط عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة أقنى خفيف العارضين حسن الوجه فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا إسحاق عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا أنه على شفته خال فقال هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا يعقوب عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الأنف حسن القامة يعلو وجهه نور يعرف في وجهه الخشوع يضرب إلى الحمرة قال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا إسماعيل جد نبيكم صلى الله عليه وسلم, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة كصورة آدم كأن وجهه الشمس فقال هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا يوسف عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل أحمر حمش الساقين أخفش العينين ضخم البطن ربعة متقلد سيفاً فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا داود عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل ضخم الأليتين طويل الرجلين راكب فرساً فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا سليمان بن داود عليهما السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء وإذا شاب شديد سواد اللحية كثير الشعر حسن العينين حسن الوجه فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا عيسى ابن مريم عليه السلام, قلنا من أين لك هذه الصور ؟ لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء عليهم السلام لأنا رأينا صورة نبينا عليه السلام مثله, فقال: إن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده فأنزل عليه صورهم, فكانت في خزانة آدم عليه السلام عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس فدفعها إلى دانيال, ثم قال: أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي وإني كنت عبداً لأشركم ملكة حتى أموت, ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرحنا فلما أتينا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فحدثناه بما أرانا وبما قال لنا وما أجازنا, قال فبكى أبو بكر, وقال: مسكين لو أراد الله به خيراً لفعل ثم قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم, وهكذا أورده الحافظ الكبير البيهقي رحمه الله في كتاب دلائل النبوّة عن الحاكم إجازة فذكره وإسناده لا بأس به. وقال ابن جرير: حدثنا المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذير} وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي اسمك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به قلوباً غلفاً وآذاناً صماً وأعيناً عمياً, قال عطاء: ثم لقيت كعباً فسألته عن ذلك فما اختلف حرفاً إلا أن كعباً قال بلغته: قال قلوباً غلوفياً وآذاناً صمومياً وأعيناً عمومياً, وقد رواه البخاري في صحيحه عن محمد بن سنان عن فليح عن هلال بن علي فذكر بإسناده نحوه, وزاد بعد قوله ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح, وذكر حديث عبد الله بن عمرو, ثم قال: ويقع في كلام كثير من السلف إطلاق التوراة على كتب أهل الكتاب, وقد ورد في بعض الأحاديث ما يشبه هذا والله أعلم.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا موسى بن هارون, حدثنا محمد بن إدريس بن وراق بن الحميدي, حدثنا محمد بن عمر بن إبراهيم من ولد جبير بن مطعم قال: حدثتني أم عثمان بنت سعيد وهي جدتي عن أبيها سعيد بن محمد بن جبير عن أبيه محمد بن جبير عن أبيه جبير بن مطعم قال: خرجت تاجراً إلى الشام فلما كنت بأدنى الشام لقيني رجل من أهل الكتاب فقال: هل عندكم رجل نبياً ؟ قلت نعم, قال: هل تعرف صورته إذا رأيتها ؟ قلت نعم, فأدخلني بيتاً فيه صور فلم أر صورة النبي صلى الله عليه وسلم, فبينا أنا كذلك إذ دخل رجل منهم علينا فقال: فيم أنتم ؟ فأخبرناه فذهب بنا إلى منزله فساعة ما دخلت نظرت إلى صورة النبي صلى الله عليه وسلم وإذا رجل آخذ بعقب النبي صلى الله عليه وسلم قلت: من هذا الرجل القابض على عقبه ؟ قال إنه لم يكن نبي إلا كان بعده نبي إلا هذا النبي فإنه لا نبي بعده وهذا الخليفة بعده وإذا صفة أبي بكر رضي الله عنه وقال أبو داود: حدثنا عمر بن حفص أبو عمرو الضرير حدثنا حماد بن سلمة أن سعيد بن أياس الجريري أخبرهم عن عبد الله بن شقيق العقيلي عن الأقرع مؤذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بعثني عمر إلى الأسقف فدعوته فقال له عمر: هل تجدني في الكتاب ؟ قال نعم, قال: كيف تجدني ؟ قال: أجدك قرناً فرفع عمر الدرة وقال: قرن مه ؟ قال: قرن حديد أمير شديد, قال: فكيف تجد الذي بعدي ؟ قال: أجد خليفة صالحاً غير أنه يؤثر قرابته, قال عمر يرحم الله عثمان ثلاثاً قال: كيف تجد الذي بعده ؟ قال: أجده صدأ حديد, قال فوضع عمر يده على رأسه وقال: يا دفراه يا دفراه قال: يا أمير المؤمنين إنه خليفة صالح ولكنه يستخلف حين يستخلف والسيف مسلول والدم مهراق وقوله تعالى: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر} هذه صفة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة وهكذا كانت حاله عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر كما قال عبد الله بن مسعود إذا سمعت الله يقول {يا أيها الذين آمنو} فأرعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه, ومن أهم ذلك وأعظمه ما بعثه الله به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له والنهي عن عبادة من سواه كما أرسل به جميع الرسل قبله كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر هو العقدي عبد الملك بن عمرو, حدثنا سليمان هو ابن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد عن أبي حميد وأبي أسيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به, وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه» رواه الإمام أحمد رضي الله عنه بإسناد جيد ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب, وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه قال: إذا سمعتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهدى والذي هو أهنى والذي هو أتقى ثم رواه عن يحيى عن ابن سعيد عن مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه قال إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهداه وأهناه وأتقاه, وقوله {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} أي يحل لهم ما كانوا حرموه على أنفسهم من البحائر والسوائب والوصائل والحام ونحو ذلك مما كانوا ضيقوا به على أنفسهم ويحرم عليهم الخبائث, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله تعالى. قال بعض العلماء فكل ما أحل الله تعالى من المآكل فهو طيب نافع في البدن والدين وكل ما حرمه فهو خبيث ضار في البدن والدين وقد تمسك بهذه الاَية الكريمة من يرى التحسين والتقبيح العقليين وأجيب عن ذلك بما لا يتسع هذا الموضع له وكذا احتج بها من ذهب من العلماء, إلا أن المرجع في حل المآكل التي لم ينص على تحليلها ولا تحريمها إلى ما استطابته العرب في حال رفاهيتها وكذا في جانب التحريم إلى ما استخبثته وفيه كلام طويل أيضاً. وقوله {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} أي أنه جاء بالتيسير والسماحة كما ورد الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «بعثت بالحنيفية السمحة» وقال صلى الله عليه وسلم لأميريه معاذ وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن «بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا» وقال صاحبه أبو برزة الأسلمي: إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت تيسيره, وقد كانت الأمم التي قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم, فوسع الله على هذه الأمة أمورها وسهلها لهم ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل» وقال «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ولهذا قال: أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال: بعد كل سؤال من هذه قد فعلت قد فعلت, وقوله {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه} أي عظموه ووقروه, وقوله {واتبعوا النور الذي أنزل معه} أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغاً إلى الناس {أولئك هم المفلحون} أي في الدنيا والاَخرة.
** قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ
يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم {قل} يا محمد {يا أيها الناس} وهذا خطاب للأحمر والأسود والعربي والعجمي {إني رسول الله إليكم جميع} أي جميعكم وهذا من شرفه وعظمته صلى الله عليه وسلم أنه خاتم النبيين وأنه مبعوث إلى الناس كافة كما قال الله تعالى: {قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} وقال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} وقال تعالى: {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ؟ فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ} والاَيات في هذا كثيرة كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر, وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه صلوات الله وسلامه عليه رسول الله إلى الناس كلهم. قال البخاري رحمه الله في تفسير هذه الاَية: حدثنا عبد الله حدثنا سليمان بن عبد الرحمن وموسى بن هارون قالا: حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء بن زير حدثني يُسْر بن عبيد الله حدثني أبو إدريس الخولاني قال سمعت أبا الدرداء, رضي الله عنه يقول: كانت بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه عمر مغضباً فأتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو الدرداء ونحن عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أما صاحبكم هذا فقد غامر» أي غاضب وحاقد. قال وندم عمر على ما كان منه, فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر قال أبو الدرداء فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل أنتم تاركو لي صاحبي ؟ إني قلت يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت» انفرد به البخاري.
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي ولا أقوله فخراً بعثت إلى الناس كافة الأحمر والأسود ونصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي يوم القيامة فهي لمن لا يشرك بالله شيئاً» إسناد جيد ولم يخرجوه وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر بن مضر عن ابن الهاد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك قام من الليل يصلي فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى انصرف إليهم فقال لهم «لقد أعطيت الليلة خمساً ما أعطيهن أحد قبلي أما أنا فأرسلت إلى الناس كلهم عامة وكان من قبلي إنما يرسل إلى قومه, ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر لملى مني رعباً وأحلت لي الغنائم أكلها, وكان من قبلي يعظمون أكلها كانوا يحرقونها وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت وكان من قبلي يعظمون ذلك إنما كانوا يصلون في بيعهم وكنائسهم, والخامسة هي ما هي قيل لي سل فإن كل نبي قد سأل فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله» إسناد جيد قوي أيضاً ولم يخرجوه وقال أيضاً حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني فلم يؤمن بي لم يدخل الجنة» وهذا الحديث في صحيح مسلم من وجه آخر عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار». وقال الإمام أحمد حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو يونس وهو سليم بن جبير عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» تفرد به أحمد وقال الإمام أحمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطيت خمساً بعثت إلى الأحمر والأسود وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي ونصرت بالرعب مسيرة شهر وأعطيت الشفاعة وليس من نبي إلا وقد سأل الشفاعة وإني قد اختبأت شفاعتي ثم جعلتها لمن مات من أمتي لم يشرك بالله شيئاً» وهذا أيضاً إسناد صحيح ولم أرهم خرجوه والله أعلم وله مثله من حديث ابن عمر بسند جيد أيضاً وهذا الحديث ثابت في الصحيحين أيضاً من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة» وقوله {الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت} صفة الله تعالى في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه الذي بيده الملك والإحياء والإماتة وله الحكم» وقوله {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي} أخبرهم أنه رسول الله إليهم ثم أمرهم باتباعه والإيمان به {النبي الأمي} أي الذي وعدتم به وبشرتم به في الكتب المتقدمة فإنه منعوت بذلك في كتبهم ولهذا قال النبي الأمي وقوله {الذي يؤمن بالله وكلماته} أي يصدق قوله عمله وهو يؤمن بما أنزل إليه من ربه {واتبعوه} أي اسلكوا طريقه واقتفوا أثره {لعلكم تهتدون} أي إلى الصراط المستفيم.
** وَمِن قَوْمِ مُوسَىَ أُمّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
يقول تعالى مخبراً عن بني إسرائيل أن منهم طائفة يتبعون الحق ويعدلون به كما قال تعالى: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} وقال تعالى: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب} وقال تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبرو} الاَية, وقال تعالى: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوع} وقد ذكر ابن جرير في تفسيرها خبراً عجيباً فقال حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا حجاج عن ابن جريج قوله {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} قال: بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشر سبطاً تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله عز وجل أن يفرق بينهم وبينهم ففتح الله لهم نفقاً في الأرض, فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين فهم هنالك حنفاء مسلمين يستقبلون قبلتنا, قال ابن جريج قال ابن عباس فذلك قوله {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الاَخرة جئنا بكم لفيف} ووعد الاَخرة عيسى ابن مريم قال ابن جريج قال ابن عباس ساروا في السرب سنة ونصفاً وقال ابن عيينة عن صدقة أبي الهذيل عن السدي {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} قال قوم بينكم وبينهم نهر من شهد.
الصفحة رقم 170 من المصحف تحميل و استماع mp3