سورة الأعراف | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 170 من المصحف
156- "واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة" بتوفيقنا للأعمال الصالحة، أو تفضل علينا بإفاضة النعم في هذه الدنيا من العافية وسعة الرزق "وفي الآخرة" أي واكتب لنا في الآخرة الجنة بما تجازينا به أو بما تتفضل به علينا من النعيم في الآخرة، وجملة "إنا هدنا إليك" تعليل لما قبلها من سؤال المغفرة والرحمة والحسنة في الدنيا وفي الآخرة أي إنا تبنا إليك ورجعنا عن الغواية التي وقعت من بني إسرائيل. والهود: التوبة. وقد تقدم في البقرة، وجملة "قال عذابي أصيب به من أشاء" مستأنفة كنظائرها فيما تقدم، قيل المراد بالعذاب هنا: الرجفة: وقيل: أمره سبحانه لهم بأن يقتلوا أنفسهم: أي ليس هذا إليك يا موسى، بل ما شئت كان، وما لم أشأ لم يكن. والظاهر أن العذاب هنا يندرج تحته كل عذاب ويدخل فيه عذاب هؤلاء دخولاً أولياً، وقيل: المراد من أشاء من المستحقين للعذاب أو من أشاء أن أضله وأسلبه التوفيق "ورحمتي وسعت كل شيء" من الأشياء من المكلفين وغيرهم، ثم أخبر سبحانه أنه سيكتب هذه الرحمة الواسعة "للذين يتقون" الذنوب "ويؤتون الزكاة" المفروضة عليهم "والذين هم بآياتنا يؤمنون" أي يصدقون بها ويذعنون لها.
ثم بين سبحانه هؤلاء الذين كتب لهم هذه الرحمة ببيان أوضح مما قبله وأصرح فقال: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي" وهو محمد عليه الصلاة والسلام، فخرجت اليهود والنصارى وسائر الملل. والأمي: إما نسبة إلى الأمة الأمية التي لا تكتب ولا تحسب: وهم العرب، أو نسبة إلى الأم. والمعنى أنه باق على حالته التي ولد عليها لا يكتب ولا يقرأ المكتوب، وقيل: نسبة إلى أم القرى، وهي مكة "الذي يجدونه" يعني اليهود والنصارى: أي يجدون نعته "مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل" وهما مرجعهم في الدين، وهذا الكلام منه سبحانه مع موسى قبل نزول الإنجيل فهو من باب الإخبار بما سيكون، ثم وصف هذا النبي الذي يجدونه كذلك بأنه يأمر بالمعروف: أي بكل ما تعرفه القلوب ولا تنكره من الأشياء التي هي من مكارم الأخلاق "وينهاهم عن المنكر" أي ما تنكره القلوب ولا تعرفه، وهو ما كان من مساوئ الأخلاق، قيل إن قوله: "يأمرهم بالمعروف" إلى قوله: "أولئك هم المفلحون" كلام يتضمن تفصيل أحكام الرحمة التي وعد بها ذكر معناه الزجاج، وقيل هو في محل نصب على الحال من النبي، وقيل هو مفسر لقوله: "مكتوباً". قوله: "يحل لهم الطيبات" أي المستلذات وقيل: يحل لهم ما حرم عليهم من الأشياء التي حرمت عليهم بسبب ذنوبهم "ويحرم عليهم الخبائث" أي المستخبئات كالحشرات والخنازير "ويضع عنهم إصرهم" الإصر الثقل: أي يضع عنهم التكاليف الشاقة الثقيلة. وقد تقدم بيانه في البقرة "والأغلال التي كانت عليهم" أي ويضع عنهم الأغلال التي كانت عليهم، الأغلال مستعارة للتكاليف الشاقة التي كانوا قد كلفوها "فالذين آمنوا به" أي بمحمد صلى الله عليه وسلم "واتبعوه" فيما جاء به من الشرائع "وعزروه" أي عظموه ووقروه، قاله الأخفش، وقيل: معناه منعوه من عدوه، وأصل العزر: المنع، وقرأ الجحدري "وعزروه" بالتخفيف "ونصروه" أي قاموا بنصره على من يعاديه "واتبعوا النور الذي أنزل معه" أي اتبعوا القرآن الذي أنزل عليه مع نبوته، وقيل المعنى: واتبعوا القرآن المنزل إليه مع اتباعه بالعمل بسنته مما يأمر به وينهى عنه، أو اتبعوا القرآن مصاحبين له في اتباعه، والإشارة بـ "أولئك" إلى المتصفين بهذه الأوصاف "هم المفلحون" الفائزون بالخير والفلاح لا غيرهم من الأمم. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "واختار موسى قومه" الآية. قال كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلاً، فاختار سبعين رجلاً فبرز بهم ليدعوا ربهم، فكان فيما دعوا الله أن قالوا: اللهم أعطنا ما لم تعط أحداً من قبلنا ولا تعطه أحداً بعدنا، فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة "قال" موسى " رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك " يقول: إن هي إلا عذابك تصيب به من تشاء وتصرفه عمن تشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد "لميقاتنا" قال: لتمام الموعد وفي قوله: "فلما أخذتهم الرجفة" قال: ماتوا ثم أحياهم. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن أبي العالية في قوله: "إن هي إلا فتنتك" قال: بليتك. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس "إن هي إلا فتنتك" قال: مشيئتك. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: إن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه، إنما أخذتهم الرجفة، لأنهم لم يرضوا العمل ولم ينهوا عنه. وأخرج سعيد بن منصور عنه في قوله: "واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة" فلم يعطها موسى "قال عذابي أصيب به من أشاء" إلى قوله: "المفلحون". وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: "واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة" قال: فكتب الرحمة يومئذ لهذه الأمة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: "إنا هدنا إليك" قال: تبنا إليك. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وجزة السعدي، وكان من أعلم الناس بالعربية قال: لا والله ما أعلمها في كلام العرب هدنا، قيل: فكيف قال هدنا بكسر الهاء، يقول: ملنا. وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن وقتادة في قوله: "ورحمتي وسعت كل شيء" قال: وسعت رحمته في الدنيا البر والفاجر. وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة. وأخرج مسلم وغيره عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة". وأخرج نحوه أحمد وأبو داود والطبراني والحاكم والضياء المقدسي من حديث جندب بن عبد الله العجلي. وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: لما نزلت "ورحمتي وسعت كل شيء" قال إبليس: وأنا من الشيء، فنسخها الله، فنزلت "فسأكتبها للذين يتقون" إلى آخر الآية. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال: لما نزلت "ورحمتي وسعت كل شيء" قال إبليس: أنا من الشيء، قال الله تعالى: "فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة" قالت اليهود: فنحن نتقي ونؤتي الزكاة، قال الله: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي" فعزلها الله عن إبليس وعن اليهود، وجعلها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة نحوه. وأخرج البزار في مسنده وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه مسألة فأعطاها محمداً صلى الله عليه وسلم. قوله: "واختار موسى قومه" إلى قوله: "فسأكتبها للذين يتقون" فأعطى محمداً كل شيء سأل موسى ربه في هذه الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في قوله: "فسأكتبها للذين يتقون" قال: كتبها الله لهذه الأمة. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: يتقون الشرك. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن النخعي في قوله: "النبي الأمي" قال: كان لا يقرأ ولا يكتب. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: هو نبيكم صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يكتب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "الذي يجدونه مكتوباً عندهم" قال: يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوباً عندهم. وأخرج ابن سعد والبخاري وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت له: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا تجزي بالسيئة السيئة، ولكن تعفو وتصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً. وأخرج ابن سعد والدارمي في مسنده والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبد الله بن سلام مثله. وقد روي نحو هذا مع اختلاف في بعض الألفاظ وزيادة في بعض ونقص في بعض عن جماعة. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: "ويحل لهم الطيبات" قال: الحلال "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" قال: التثقيل الذي كان في دينهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: "ويحرم عليهم الخبائث" قال: كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله، وفي قوله: "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" قال: هو ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "ويضع عنهم إصرهم" قال: ما غلظ على بني إسرائيل من قرض البول من جلودهم إذا أصابهم ونحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وعزروه" يعني: عظموه ووقروه.
لما تقدم ذكر أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم المكتوبة في التوراة والإنجيل: أمره سبحانه أن يقول هذا القول المقتضي لعموم رسالته إلى الناس جميعاً لا كما كان غيره من الرسل عليهم السلام، فإنهم كانوا يبعثون إلى قومهم خاصة، وجميعاً منصوب على الحال: أي حال كونكم جميعاً، و "الذي له ملك السموات والأرض" إما في محل جر على الصفة للاسم الشريف أو منصوب على المدح، أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وجملة "لا إله إلا هو" بدل من الصلة مقرر لمضمونها مبين لها، لأن من ملك السموات والأرض وما فيهما هو الإله على الحقيقة، وهكذا من كان يحيي ويميت هو المستحق لتفرده بالربوبية ونفي الشركاء عنه، والأمر بالإيمان بالله وبرسوله متفرع على ما قبله، وقد تقدم تفسير النبي الأمي، وهما وصفان لرسوله، وكذلك "الذي يؤمن بالله وكلماته" وصف له، والمراد بالكلمات ما أنزله الله عليه وعلى الأنبياء من قبله أو القرآن فقط، وجملة "واتبعوه" مقررة لجملة "فآمنوا بالله"، و "لعلكم تهتدون" علة للأمر بالإيمان والاتباع. وقد أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الأحمر والأسود فقال: "يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" والأحاديث الصحيحة الكثيرة في هذا المعنى مشهورة فلا نطيل بذكرها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "يؤمن بالله وكلماته" قال: آياته. وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد "وكلماته" قال: عيسى.
قوله: 159- "ومن قوم موسى" لما قص الله علينا ما وقع من السامري وأصحابه وما حصل من بني إسرائيل من التزلزل في الدين: قص علينا سبحانه أن من قوم موسى أمة مخالفة لأولئك الذين تقدم ذكرهم، ووصفهم بأنهم "يهدون بالحق" أي يدعون الناس إلى الهداية حال كونهم متلبسين بالحق "وبه" أي بالحق "يعدلون" بين الناس في الحكم، وقيل: هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم منهم.
فتح القدير - صفحة القرآن رقم 170
169156- "واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة" بتوفيقنا للأعمال الصالحة، أو تفضل علينا بإفاضة النعم في هذه الدنيا من العافية وسعة الرزق "وفي الآخرة" أي واكتب لنا في الآخرة الجنة بما تجازينا به أو بما تتفضل به علينا من النعيم في الآخرة، وجملة "إنا هدنا إليك" تعليل لما قبلها من سؤال المغفرة والرحمة والحسنة في الدنيا وفي الآخرة أي إنا تبنا إليك ورجعنا عن الغواية التي وقعت من بني إسرائيل. والهود: التوبة. وقد تقدم في البقرة، وجملة "قال عذابي أصيب به من أشاء" مستأنفة كنظائرها فيما تقدم، قيل المراد بالعذاب هنا: الرجفة: وقيل: أمره سبحانه لهم بأن يقتلوا أنفسهم: أي ليس هذا إليك يا موسى، بل ما شئت كان، وما لم أشأ لم يكن. والظاهر أن العذاب هنا يندرج تحته كل عذاب ويدخل فيه عذاب هؤلاء دخولاً أولياً، وقيل: المراد من أشاء من المستحقين للعذاب أو من أشاء أن أضله وأسلبه التوفيق "ورحمتي وسعت كل شيء" من الأشياء من المكلفين وغيرهم، ثم أخبر سبحانه أنه سيكتب هذه الرحمة الواسعة "للذين يتقون" الذنوب "ويؤتون الزكاة" المفروضة عليهم "والذين هم بآياتنا يؤمنون" أي يصدقون بها ويذعنون لها.
ثم بين سبحانه هؤلاء الذين كتب لهم هذه الرحمة ببيان أوضح مما قبله وأصرح فقال: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي" وهو محمد عليه الصلاة والسلام، فخرجت اليهود والنصارى وسائر الملل. والأمي: إما نسبة إلى الأمة الأمية التي لا تكتب ولا تحسب: وهم العرب، أو نسبة إلى الأم. والمعنى أنه باق على حالته التي ولد عليها لا يكتب ولا يقرأ المكتوب، وقيل: نسبة إلى أم القرى، وهي مكة "الذي يجدونه" يعني اليهود والنصارى: أي يجدون نعته "مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل" وهما مرجعهم في الدين، وهذا الكلام منه سبحانه مع موسى قبل نزول الإنجيل فهو من باب الإخبار بما سيكون، ثم وصف هذا النبي الذي يجدونه كذلك بأنه يأمر بالمعروف: أي بكل ما تعرفه القلوب ولا تنكره من الأشياء التي هي من مكارم الأخلاق "وينهاهم عن المنكر" أي ما تنكره القلوب ولا تعرفه، وهو ما كان من مساوئ الأخلاق، قيل إن قوله: "يأمرهم بالمعروف" إلى قوله: "أولئك هم المفلحون" كلام يتضمن تفصيل أحكام الرحمة التي وعد بها ذكر معناه الزجاج، وقيل هو في محل نصب على الحال من النبي، وقيل هو مفسر لقوله: "مكتوباً". قوله: "يحل لهم الطيبات" أي المستلذات وقيل: يحل لهم ما حرم عليهم من الأشياء التي حرمت عليهم بسبب ذنوبهم "ويحرم عليهم الخبائث" أي المستخبئات كالحشرات والخنازير "ويضع عنهم إصرهم" الإصر الثقل: أي يضع عنهم التكاليف الشاقة الثقيلة. وقد تقدم بيانه في البقرة "والأغلال التي كانت عليهم" أي ويضع عنهم الأغلال التي كانت عليهم، الأغلال مستعارة للتكاليف الشاقة التي كانوا قد كلفوها "فالذين آمنوا به" أي بمحمد صلى الله عليه وسلم "واتبعوه" فيما جاء به من الشرائع "وعزروه" أي عظموه ووقروه، قاله الأخفش، وقيل: معناه منعوه من عدوه، وأصل العزر: المنع، وقرأ الجحدري "وعزروه" بالتخفيف "ونصروه" أي قاموا بنصره على من يعاديه "واتبعوا النور الذي أنزل معه" أي اتبعوا القرآن الذي أنزل عليه مع نبوته، وقيل المعنى: واتبعوا القرآن المنزل إليه مع اتباعه بالعمل بسنته مما يأمر به وينهى عنه، أو اتبعوا القرآن مصاحبين له في اتباعه، والإشارة بـ "أولئك" إلى المتصفين بهذه الأوصاف "هم المفلحون" الفائزون بالخير والفلاح لا غيرهم من الأمم. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "واختار موسى قومه" الآية. قال كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلاً، فاختار سبعين رجلاً فبرز بهم ليدعوا ربهم، فكان فيما دعوا الله أن قالوا: اللهم أعطنا ما لم تعط أحداً من قبلنا ولا تعطه أحداً بعدنا، فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة "قال" موسى " رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك " يقول: إن هي إلا عذابك تصيب به من تشاء وتصرفه عمن تشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد "لميقاتنا" قال: لتمام الموعد وفي قوله: "فلما أخذتهم الرجفة" قال: ماتوا ثم أحياهم. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن أبي العالية في قوله: "إن هي إلا فتنتك" قال: بليتك. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس "إن هي إلا فتنتك" قال: مشيئتك. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: إن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه، إنما أخذتهم الرجفة، لأنهم لم يرضوا العمل ولم ينهوا عنه. وأخرج سعيد بن منصور عنه في قوله: "واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة" فلم يعطها موسى "قال عذابي أصيب به من أشاء" إلى قوله: "المفلحون". وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: "واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة" قال: فكتب الرحمة يومئذ لهذه الأمة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: "إنا هدنا إليك" قال: تبنا إليك. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وجزة السعدي، وكان من أعلم الناس بالعربية قال: لا والله ما أعلمها في كلام العرب هدنا، قيل: فكيف قال هدنا بكسر الهاء، يقول: ملنا. وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن وقتادة في قوله: "ورحمتي وسعت كل شيء" قال: وسعت رحمته في الدنيا البر والفاجر. وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة. وأخرج مسلم وغيره عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة". وأخرج نحوه أحمد وأبو داود والطبراني والحاكم والضياء المقدسي من حديث جندب بن عبد الله العجلي. وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: لما نزلت "ورحمتي وسعت كل شيء" قال إبليس: وأنا من الشيء، فنسخها الله، فنزلت "فسأكتبها للذين يتقون" إلى آخر الآية. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال: لما نزلت "ورحمتي وسعت كل شيء" قال إبليس: أنا من الشيء، قال الله تعالى: "فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة" قالت اليهود: فنحن نتقي ونؤتي الزكاة، قال الله: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي" فعزلها الله عن إبليس وعن اليهود، وجعلها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة نحوه. وأخرج البزار في مسنده وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه مسألة فأعطاها محمداً صلى الله عليه وسلم. قوله: "واختار موسى قومه" إلى قوله: "فسأكتبها للذين يتقون" فأعطى محمداً كل شيء سأل موسى ربه في هذه الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في قوله: "فسأكتبها للذين يتقون" قال: كتبها الله لهذه الأمة. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: يتقون الشرك. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن النخعي في قوله: "النبي الأمي" قال: كان لا يقرأ ولا يكتب. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: هو نبيكم صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يكتب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "الذي يجدونه مكتوباً عندهم" قال: يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوباً عندهم. وأخرج ابن سعد والبخاري وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت له: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا تجزي بالسيئة السيئة، ولكن تعفو وتصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً. وأخرج ابن سعد والدارمي في مسنده والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبد الله بن سلام مثله. وقد روي نحو هذا مع اختلاف في بعض الألفاظ وزيادة في بعض ونقص في بعض عن جماعة. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: "ويحل لهم الطيبات" قال: الحلال "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" قال: التثقيل الذي كان في دينهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: "ويحرم عليهم الخبائث" قال: كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله، وفي قوله: "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" قال: هو ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "ويضع عنهم إصرهم" قال: ما غلظ على بني إسرائيل من قرض البول من جلودهم إذا أصابهم ونحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وعزروه" يعني: عظموه ووقروه.
لما تقدم ذكر أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم المكتوبة في التوراة والإنجيل: أمره سبحانه أن يقول هذا القول المقتضي لعموم رسالته إلى الناس جميعاً لا كما كان غيره من الرسل عليهم السلام، فإنهم كانوا يبعثون إلى قومهم خاصة، وجميعاً منصوب على الحال: أي حال كونكم جميعاً، و "الذي له ملك السموات والأرض" إما في محل جر على الصفة للاسم الشريف أو منصوب على المدح، أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وجملة "لا إله إلا هو" بدل من الصلة مقرر لمضمونها مبين لها، لأن من ملك السموات والأرض وما فيهما هو الإله على الحقيقة، وهكذا من كان يحيي ويميت هو المستحق لتفرده بالربوبية ونفي الشركاء عنه، والأمر بالإيمان بالله وبرسوله متفرع على ما قبله، وقد تقدم تفسير النبي الأمي، وهما وصفان لرسوله، وكذلك "الذي يؤمن بالله وكلماته" وصف له، والمراد بالكلمات ما أنزله الله عليه وعلى الأنبياء من قبله أو القرآن فقط، وجملة "واتبعوه" مقررة لجملة "فآمنوا بالله"، و "لعلكم تهتدون" علة للأمر بالإيمان والاتباع. وقد أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الأحمر والأسود فقال: "يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" والأحاديث الصحيحة الكثيرة في هذا المعنى مشهورة فلا نطيل بذكرها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "يؤمن بالله وكلماته" قال: آياته. وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد "وكلماته" قال: عيسى.
قوله: 159- "ومن قوم موسى" لما قص الله علينا ما وقع من السامري وأصحابه وما حصل من بني إسرائيل من التزلزل في الدين: قص علينا سبحانه أن من قوم موسى أمة مخالفة لأولئك الذين تقدم ذكرهم، ووصفهم بأنهم "يهدون بالحق" أي يدعون الناس إلى الهداية حال كونهم متلبسين بالحق "وبه" أي بالحق "يعدلون" بين الناس في الحكم، وقيل: هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم منهم.
الصفحة رقم 170 من المصحف تحميل و استماع mp3