تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 265 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 265

265 : تفسير الصفحة رقم 265 من القرآن الكريم

** وَنَبّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنّا نُبَشّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشّرْتُمُونِي عَلَىَ أَن مّسّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشّرُونَ * قَالُواْ بَشّرْنَاكَ بِالْحَقّ فَلاَ تَكُن مّنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رّحْمَةِ رَبّهِ إِلاّ الضّآلّونَ
يقول تعالى: وأخبرهم يا محمد عن قصة {ضيف إبراهيم} والضيف يطلق على الواحد والجمع كالزور والسفر, وكيف {دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال إنا منكم وجلون} أي خائفون, وقد ذكر سبب خوفه منهم لما رأى أيديهم لا تصل إلى ما قربه إليهم من الضيافة, وهو العجل السمين الحنيذ {قالوا لا توجل} أي لا تخف {وبشروه بغلام عليم} أي إسحاق عليه السلام كما تقدم في سورة هود ثم {قال} متعجباً من كبره وكبر زوجته ومتحققاً للوعد {أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون} فأجابوه مؤكدين لما بشروه به تحقيقاً وبشارة بعد بشارة {قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين} وقرأ بعضهم القنطين فأجابهم بأنه ليس يقنط, ولكن يرجو من الله الولد, وإن كان قد كبر وأسنت امرأته فإنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك.

** قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُواْ إِنّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىَ قَوْمٍ مّجْرِمِينَ * إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ امْرَأَتَهُ قَدّرْنَآ إِنّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ
يقول تعالى إخباراً عن إبراهيم عليه السلام لما ذهب عنه الروع وجاءته البشرى, أنه شرع يسألهم عما جاءوا له, فقالوا: {إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين} يعنون قوم لوط, وأخبروه أنهم سينجون آل لوط من بينهم إلا امرأته فإنها من الهالكين, ولهذا قالوا: {إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين} أي الباقين المهلكين.

** فَلَمّا جَآءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنّكُمْ قَوْمٌ مّنكَرُونَ * قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ * وَآتَيْنَاكَ بِالْحَقّ وَإِنّا لَصَادِقُونَ
يخبر تعالى عن لوط لما جاءته الملائكة في صورة شباب حسان الوجوه, فدخلوا عليه داره قال: {إنكم قوم منكرون * قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون} يعنون بعذابهم وهلاكهم ودمارهم الذي كانوايشكون في وقوعه بهم وحلوله بساحتهم {وأتيناك بالحق} كقوله تعالى: {ما ننزل الملائكة إلا بالحق}. وقوله: {وإنا لصادقون} تأكيد لخبرهم إياه بما أخبروه به من نجاته وإهلاك قومه.

** فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مّنَ اللّيْلِ وَاتّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ أَنّ دَابِرَ هَؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ مّصْبِحِينَ
يذكر تعالى عن الملائكة أنهم أمروه أن يسري بأهله بعد مضي جانب من الليل, وأن يكون لوط عليه السلام يمشي وراءهم ليكون أحفظ لهم, وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في الغزو إنما يكون ساقة يزجي الضعيف ويحمل المنقطع. وقوله: {ولا يلتفت منكم أحد} أي إذا سمعتم الصيحة بالقوم فلا تلتفتوا إليهم وذروهم فيما حل بهم من العذاب والنكال {وامضوا حيث تؤمرون} كأنه كان معهم من يهديهم السبيل { وقضينا إليه ذلك الأمر} أي تقدمنا إليه في هذا {أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} أي وقت الصباح كقوله في الاَية الأخرى: {إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب}.

** وَجَآءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنّ هَؤُلاَءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ * وَاتّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ * قَالُواْ أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ
يخبر تعالى عن مجيء قوم لوط لما علموا بأضيافه وصباحة وجوههم, وأنهم جاءوا مستبشرين بهم فرحين {قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون * واتقوا الله ولا تخزون} وهذا إنما قاله لهم قبل أن يعلم أنهم رسل الله, كما قال في سورة هود, وأما ههنا فتقدم ذكر أنهم رسل الله وعطف بذكر مجيء قومه ومحاجته لهم, ولكن الواو لا تقتضي الترتيب ولا سيما إذا دل دليل على خلافه, فقالوا له مجيبين: {أو لم ننهك عن العالمين} أي أو ما نهيناك أن تضيف أحداً ؟ فأرشدهم إلى نسائهم وما خلق لهم ربهم منهن من الفروج المباحة. وقد تقدم إيضاح القول في ذلك بما أغنى عن إعادته. هذا كله وهم غافلون عما يراد بهم وما قد أحاط بهم من البلاء وماذا يصبحهم من العذاب المنتظر. ولهذا قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} أقسم تعالى بحياة نبيه صلوات الله وسلامه عليه, وفي هذا تشريف عظيم ومقام رفيع وجاه عريض. قال عمرو بن مالك البكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس أنه قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره, قال الله تعالى: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} يقول: وحياتك وعمرك وبقاؤك في الدني{إنهم لفي سكرتهم يعمهون} رواه ابن جرير, وقال قتادة: {في سكرتهم} أي في ضلالهم {يعمهون} أي يلعبون, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {لعمرك} لعيشك {إنهم لفي سكرتهم يعمهون} قال يترددون.