تفسير الطبري تفسير الصفحة 265 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 265
266
264
 الآية : 51-53
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَنَبّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنّا نُبَشّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وأخبر عبـادي يا مـحمد عن ضيف إبراهيـم يعنـي الـملائكة الذين دخـلوا علـى إبراهيـم خـلـيـل الرحمن حين أرسلهم ربهم إلـى قوم لوط لـيهلكوهم. فَقالُوا سَلاما يقول: فقال الضيف لإبراهيـم: سلاما. قال إنّا مِنْكُمْ وجِلُونَ يقول: قال إبراهيـم: إنا منكم خائفون. وقد بـيّنا وجه النصب فـي قوله: سَلاما وسبب وجل إبراهيـم من ضيفه واختلاف الـمختلفـين, ودللنا علـى الصحيح من القول فـيه فـيـما مضى قبل بـما إغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وأما قوله: قالُوا سَلاما وهو يعنـي به الضيف, فجمع الـخبر عنهم وهم فـي لفظ واحد, فإن الضيف اسم للواحد والاثنـين والـجمع مثل الوزن والقطر والعدل, فلذلك جمع خبره وهو لفظ واحد. وقوله: قَالُوا لا تَوْجَلْ يقول: قال الضيف لإبراهيـم: لا توجل لا تَـخَفْ إنّا نُبَشّرُكَ بِغُلاَمٍ عَلِـيـمٍ.
الآية : 54
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ أَبَشّرْتُمُونِي عَلَىَ أَن مّسّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشّرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال إبراهيـم للـملائكة الذين بشّروه بغلام علـيـم: أبَشّرْتُـمُونِـي علـى أنْ مَسّنِـيَ الكِبَرُ فَبِـمَ تُبَشّرُونَ يقول: فبأيّ شيء تبشرون.
وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما:
16042ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: قالَ أبَشّرْتُـمُونِـي علـى أنْ مَسّنِـيَ الكِبَرُ فَبِـمَ تُبَشّرُونَ قال: عجب من كبره وكبر امرأته.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
وقال علـى أنْ مَسّنِـيَ الكِبَرُ ومعناه: لأن مسنـي الكبر وبأن مسنـي الكبر, وهو نـحو قوله: حَقِـيقٌ علـى أنْ لا أقُولَ علـى اللّهِ إلاّ الـحَق بـمعنى: بأن لا أقول, ويـمثله فـي الكلام: أتـيتك أنك تعطي, فلـم أجدك تعطي.
الآية : 55-56
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ بَشّرْنَاكَ بِالْحَقّ فَلاَ تَكُن مّنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رّحْمَةِ رَبّهِ إِلاّ الضّآلّونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال ضيف إبراهيـم له: بشرناك بحقّ يقـين, وعلـم منّا بأن الله قد وهب لك غلاما علـيـما, فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فـيـيأسون منه, ولكن أبشر بـما بشرناك به وأقبل البُشرى.
واختلفت القرّاء قوله: مِنَ القانِطِينَ فقرأته عامّة قراء الأمصار: مِنَ القانِطِينَ بـالألف. وذكر عن يحيى بن وثاب أنه كان يقرأ ذلك: «القَنِطِينَ».
والصواب من القراءة فـي ذلك ما علـيه قرّاء الأمصار, لإجماع الـحجة علـى ذلك وشذوذ ما خالفه.
وقوله: قال وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبّهِ إلاّ الضّالّونَ يقول تعالـى ذكره: قال إبراهيـم للضيف ومن يـيأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطئوا سبـيـل الصواب وتركوا قصد السبـيـل فـي تركهم رجاء الله, ولا يخيب من رجاه, فضلّوا بذلك عن دين الله.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَمَنْ يَقْنَطُ فقرأ ذلك عامّة قرّاء الـمدينة والكوفة: وَمَنْ يَقْنَطُ بفتـح النون إلا الأعمش والكسائي فإنهما كسر النون من «يَقْنَطُ». فأما الذين فتـحوا النون منه مـمن ذكرنا فإنهم قرءوا: مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا بفتـح القاف والنون. وأما الأعمش فكان يقرأ ذلك: «من بعد ما قَنِطُوا» بكسر النون. وكان الكسائي يقرؤه بفتـح النون. وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ الـحرفـين جميعا علـى النـحو الذي ذكرنا من قراءة الكسائي.
وأولـى القراءات فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأ: مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطوا بفتـح النون, «وَمَنْ يَقْنَطُ» بكسر النون, لإجماع الـحجة من القرّاء علـى فتـحها فـي قوله: مِنْ بعْدِ ما قَنَطُوا فكسرها فـي «وَمَنْ يَقْنَطُ» أولـى إذا كان مـجمعا علـى فتـحها فـي «قَنَطَ», لأن فَعَل إذا كانت عين الفعل منها مفتوحة ولـم تكن من الـحروف الستة التـي هي حروف الـحلق, فإنها تكون فـي «يَفْعِل» مكسورة أو مضمومة فأما الفتـح فلا يُعرف ذلك فـي كلام العرب.
الآية : 57-60
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُواْ إِنّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىَ قَوْمٍ مّجْرِمِينَ * إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ امْرَأَتَهُ قَدّرْنَآ إِنّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال إبراهيـم للـملائكة: فما شأنكم؟ ما أمَرُكم أيّها الـمرسلون؟ قالت الـملائكة له: إنّا أُرْسِلْنا إلـى قَوْمٍ مُـجْرِمِينَ يقول: إلـى قوم قد اكتسبوا الكفر بـالله. إلا آلَ لُوطٍ يقول: إلا أتبـاع لوط علـى ما هو علـيه من الدّين, فإنا لن نهلكهم بل ننـجيهم من العذاب الذي أمرنا أن نعذّب به قوم لوط, سوى امرأة لوط قَدّرْنا إنها مِنَ الغَابِرِينَ يقول: قضى الله فـيها إنها لـمن البـاقـين ثم هي مهلكة بعد. وقد بـيّنا الغابر فـيـما مضى بشواهده.
الآية : 61-63
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا جَآءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنّكُمْ قَوْمٌ مّنكَرُونَ * قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما أتـى رسلُ الله آل لوط, أنكرهم لوط فلـم يعرفهم وقال لهم: إنّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ: أي نُنْكركم لا نعرفكم. فقالت له الرسل: بل نـحن رسل الله جئناك بـما كان فـيه قومك يشكون أنه نازل بهم من عذاب الله علـى كفرهم به.
16043ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: قالَ إنّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قال: أنكرهم لوط. وقوله: بِـمَا كانُوا فِـيهِ يَـمْتَرُونَ قال: بعذاب قوم لوط.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
الآية : 64-65
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَآتَيْنَاكَ بِالْحَقّ وَإِنّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مّنَ اللّيْلِ وَاتّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قالت الرسل للوط: وجئناك بـالـحقّ الـيقـين من عند الله, وذلك الـحقّ هو العذاب الذي عذّب الله به قوم لوط. وقد ذكرت خبرهم وقصصهم فـي سورة هود وغيرها حين بعث الله رسله لـيعذّبهم به, وقولهم: وإنّا لَصَادِقُونَ يقولون: إنا لصادقون فـيـما أخبرناك به يا لوط من أن الله مُهْلِك قومك. فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللـيْـلِ يقول تعالـى ذكره مخبرا عن رسله أنهم قالوا للوط: فأسر بأهلك ببقـية من اللـيـل, واتبع يا لوط أدبـار أهلك الذين تسري بهم وكن من ورائهم, وسر خـلفهم وهم أمامك, ولا يـلتفت منكم وراءه أحد, وامضوا حيث يأمركم الله.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16044ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, عن ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلا يـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ لا يـلتفت وراءه أحد, ولا يَعَرّج.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَلا يـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ: لا ينظر وراءه أحد.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
16045ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَاتّبِعْ أدْبـارَهُمْ قال: أُمر أن يكون خـلف أهله, يتبع أدبـارهم فـي آخرهم إذا مشوا.
16046ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللـيْـلِ قال: بعض اللـيـل. وَاتّبِعْ أدْبـارَهُمْ: أدبـار أهله.
الآية : 66-67
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ أَنّ دَابِرَ هَؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ مّصْبِحِينَ * وَجَآءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وفرغنا إلـى لوط من ذلك الأمر, وأوحينا أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين يقول: إن آخر قومك وأوّلهم مـجذوذ مستأصل صبـاح لـيـلتهم. «وأنّ» من قوله: أنّ دابرَ فـي موضع نصب ردّا علـى الأمر بوقوع القضاء علـيها. وقد يجوز أن تكون فـي موضع نصب بفقد الـخافض, ويكون معناه: وقضينا إلـيه ذلك الأمر بأن دابر هؤلاء مقطوع مُصبحين. وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله: «وقلنا إن دابر هؤلاء مقطوع مُصبحين». وعُنِـي بقوله: مُصْبِحِينَ إذا أصبحوا, أو حين يصبحون.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16047ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس, قوله: أنّ دَابِرَ هَولاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ يعنـي: استئصال هلاكهم مصبحين.
16048ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَقَضَيْنا إلَـيْهِ ذلكَ الأمْرَ قال: أوحينا إلـيه.
وقوله: وجاءَ أهْلُ الـمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ يقول: وجاء أهل مدينة سَدُوم وهم قوم لوط لـما سمعوا أن ضيفـا قد ضاف لوطا مستبشرين بنزولهم مدينتهم طمعا منهم فـي ركوب الفـاحشة. كما:
16049ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَجاءَ أهْلُ الـمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ استبشروا بأضياف نبـي الله صلى الله عليه وسلم لوط حين نزلوا لـما أرادوا أن يأتوا إلـيهم من الـمنكر.
الآية : 68-70
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ إِنّ هَؤُلاَءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ * وَاتّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ * قَالُواْ أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال لوط لقومه: إن هؤلاء الذين جئتـموهم تريدون منهم الفـاحشة ضيفـي, وحقّ علـى الرجل إكرام ضيفه, فلا تفضحون أيها القوم فـي ضيفـي, وأكرمونـي فـي ترككم التعرّض لهم بـالـمكروه. وقوله: واتّقُوا اللّهَ يقول: وخافوا الله فـيّ وفـي أنفسكم أن يحلّ بكم عقابه. وَلا تُـخْزُونِ يقول: ولا تذلونـي ولا تهينونـي فـيهم بـالتعرضّ لهم بـالـمكروه. قالُوا أوَ لـمْ نَنْهَكَ عَنِ العالَـمِينَ يقول تعالـى ذكره: قال للوط قومه: أو لـم ننهك أن تضيف أحدا من العالـمين؟ كما:
16050ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أوَلـمْ نَنْهَكَ عَنِ العَالـمِينَ قال: ألـم ننهك أن تضيف أحدا؟