تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 304 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 304

304 : تفسير الصفحة رقم 304 من القرآن الكريم

** وَعَرَضْنَا جَهَنّمَ يَوْمَئِذٍ لّلْكَافِرِينَ عَرْضاً * الّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً * أَفَحَسِبَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَن يَتّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيَ أَوْلِيَآءَ إِنّآ أَعْتَدْنَا جَهَنّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً
يقول تعالى مخبراً عما يفعله بالكفار يوم القيامة أنه يعرض عليهم جهنم, أي يبرزها لهم ويظهرها ليروا ما فيها من العذاب والنكال قبل دخولها, ليكون ذلك أبلغ في تعجيل الهمّ والحزن لهم. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بجهنم تقاد يوم القيامة بسبعين ألف زمام, مع كل زمام سبعون ألف ملك» ثم قال مخبراً عنهم {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري} أي تغافلوا وتعاموا وتصامموا عن قبول الهدى واتباع الحق, كما قال: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين} وقال ههنا: {وكانوا لا يستطيعون سمع} أي لا يعقلون عن الله أمره ونهيه, ثم قال: {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء} أي اعتقدوا أنهم يصلح لهم ذلك وينتفعون به {كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضد} ولهذا أخبر الله تعالى أنه قد أعد لهم جهنم يوم القيامة منزلاً.

** قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الّذِينَ ضَلّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً * ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَاتّخَذُوَاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً
قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن عمرو عن مصعب قال: سألت أبي يعني سعد بن أبي وقاص عن قول الله: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمال} أهم الحرورية ؟ قال: لا هم اليهود والنصارى, أما اليهود فكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم, وأما النصارى فكفروا بالجنة وقالو: لا طعام فيها ولا شراب, والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه, فكان سعد رضي الله عنه يسميهم الفاسقين, وقال علي بن أبي طالب والضحاك وغير واحد: هم الحرورية, ومعنى هذا عن علي رضي الله عنه أن هذه الاَية الكريمة تشمل الحرورية كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم, لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص ولا هؤلاء, بل هي أعم من هذا, فإن هذه الاَية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى وقبل وجود الخوارج بالكلية, وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها, وأن عمله مقبول وهو مخطىء وعمله مردود, كما قال تعالى: {وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية} وقال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثور} وقال تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئ} وقال تعالى في هذه الاَية الكريمة: {قل هل ننبئكم} أي نخبركم {بالأخسرين أعمال} ثم فسرهم, فقال {الذين ضل سعيهم في الحياة الدني} أي عملوا أعمالاً باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنع} أي يعتقدون أنهم على شيء وأنهم مقبولون محبوبون.
وقوله {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه} أي جحدوا آيات الله في الدنيا وبراهينه التي أقام على وحدانيته وصدق رسله, وكذبوا بالدار الاَخرة {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزن} أي لا نثقل موازينهم لأنها خالية عن الخير. قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله, حدثنا سعيد بن أبي مريم, أخبرنا المغيرة, حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ـ وقال ـ اقرءوا إن شئتم {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزن}». وعن يحيى بن بكير عن مغيرة بن عبد الرحمن, عن أبي الزناد مثله, هكذا ذكره عن يحيى بن بكير معلقاً, وقد رواه مسلم عن أبي بكر محمد بن إسحاق عن يحيى بن بكير به.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو الوليد, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد, عن صالح مولى التوأمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالرجل الأكول الشروب العظيم, فيوزن بحبة فلا يزنها» قال وقرأ {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزن} وكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن أبي الصلت عن أبي الزناد, عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعاً, فذكره بلفظ البخاري سواء. وقال أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: حدثنا العباس بن محمد, حدثنا عون بن عمارة, حدثنا هشيم بن حسان عن واصل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة له, فلما قام على النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا بريدة هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزناً» ثم قال: تفرد به واصل مولى أبي عنبسة, وعون بن عمارة وليس بالحافظ ولم يتابع عليه.
وقد قال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار, حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن الأعمش عن شمر عن أبي يحيى, عن كعب قال: يؤتى يوم القيامة برجل عظيم طويل, فلا يزن عند الله جناح بعوضة, اقرءوا {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزن}. وقوله: {ذلك جزاؤهم جهنم بما كفرو} أي إنما جازيناهم بهذا الجزاء بسبب كفرهم واتخاذهم آيات الله ورسله هزواً, استهزءوا بهم وكذبوهم أشد التكذيب.

** إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً
يخبر تعالى عن عباده السعداء وهم الذين آمنوا بالله ورسوله, وصدقوا المرسلين فيما جاءوا به, أن لهم جنات الفردوس, قال مجاهد: الفردوس هو البستان بالرومية. وقال كعب والسدي والضحاك: هو البستان الذي فيه شجر الأعناب, وقال أبو أمامة: الفردوس سرة الجنة, وقال قتادة: الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها, وقد روي هذا مرفوعاً من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «الفردوس ربوة الجنة أوسطها وأحسنها». وهكذا رواه إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة مرفوعاً وروي عن قتادة عن أنس بن مالك مرفوعاً بنحوه روى ذلك كله ابن جرير رحمه الله, وفي الصحيحين «إذا سألتم الله الجنة, فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة, ومنه تفجر أنهار الجنة». وقوله تعالى: {نزل} أي ضيافة, فإن النزل الضيافة. وقوله {خالدين فيه} أي مقيمين ساكنين فيها لا يظعنون عنها أبداً {لا يبغون عنها حول} أي لا يختارون عنها غيرها ولا يحبون سواها, كما قال الشاعر:
فحلت سويدا القلب لا أنا باغياًسواها ولا عن حبها أتحول
وفي قوله: {لا يبغون عنها حول} تنبيه على رغبتهم فيها وحبهم لها, مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائماً أنه قد يسأمه أو يمله, فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولاً ولا انتقالاً ولا ظعناً ولا رحلة ولا بدلاً.

** قُل لّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لّكَلِمَاتِ رَبّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً
يقول تعالى: قل يا محمد لو كان ماء البحر مداداً للقلم الذي يكتب به كلمات الله وحكمه وآياته الدالة عليه, لنفد البحر قبل أن يفرغ كتابة ذلك {ولو جئنا بمثله} أي بمثل البحر آخر, ثم آخر وهلم جراً بحور تمده ويكتب بها, لما نفدت كلمات الله, كما قال تعالى: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} وقال الربيع بن أنس: إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحوركلها, وقد أنزل الله ذلك {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} يقول لو كانت تلك البحور مداداً لكلمات الله, والشجر كله أقلام لانكسرت الأقلام, وفني ماء البحر, وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شيء, لأن أحداً لا يستطيع أن يقدر قدره ولا يثني عليه كما ينبغي حتى يكون هو الذي يثني نفسه, إن ربنا كما يقول وفوق ما نقول, إن مثل نعيم الدنيا أولها وآخرها في نعيم الاَخرة كحبة من خردل في خلال الأرض كلها.

** قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىَ إِلَيّ أَنّمَآ إِلَـَهُكُمْ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا
روى الطبراني من طريق هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش, عن عمرو بن قيس الكوفي أنه سمع معاوية بن أبي سفيان قال: هذه آخر آية أنزلت, يقول تعالى لرسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه {قل} لهؤلاء المشركين المكذبين برسالتك إليهم {إنما أنا بشر مثلكم} فمن زعم أني كاذب فليأت بمثل ما جئت به, فإني لا أعلم الغيب فيما أخبرتكم به من الماضي عما سألتم من قصة أصحاب الكهف وخبر ذي القرنين مما هو مطابق في نفس الأمر, ولولا ما أطلعني الله عليه, وإنما أخبركم {أنما إلهكم} الذي أدعوكم إلى عبادته {إله واحد} لا شريك له {فمن كان يرجو لقاء ربه} أي ثوابه وجزاءه الصالح {فليعمل عملاً صالح} أي ما كان موافقاً لشرع الله {ولا يشرك بعبادة ربه أحد} وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له, وهذان ركنا العمل المتقبل, لا)بد أن يكون خالصاً لله صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى ابن أبي حاتم من حديث معمر عن عبد الكريم الجزري عن طاوس قال: قال رجل يا رسول الله إني أقف المواقف أريد وجه الله وأحب أن يرى موطني فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزلت هذه الاَية {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحد} وهكذا أرسل هذا مجاهد وغير واحد. وقال الأعمش: حدثنا حمزة أبو عمارة مولى بني هاشم عن شهر بن حوشب قال: جاء رجل إلى عبادة بن الصامت فقال: أنبئني عما أسألك عنه. أرأيت رجلاً يصلي يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد ويصوم يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد, ويتصدق يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد, ويحج يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد, فقال عبادة: ليس له شيء, إن الله تعالى يقول: أنا خير شريك, فمن كان له معي شريك فهو له كله لا حاجة لي فيه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير, حدثنا كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه, عن جده قال: كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فنبيت عنده تكون له حاجة أو يطرقه أمر من الليل فيبعثنا, فكثر المحتسبون وأهل النوب, فكنا نتحدث فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذه النجوى ؟» قال: فقلنا: تبنا إلى الله أي نبي الله, إنما كنا في ذكر المسيح وفرقنا منه فقال ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح عندي قال قلنا بلى, فقال: «الشرك الخفي أن يقوم الرجل يصلي لمكان الرجل».
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر, حدثنا عبد الحميد يعني ابن بهرام قال: قال شهر بن حوشب: قال ابن غنم: لما دخلنا مسجد الجابية أنا وأبو الدرداء, لقينا عبادة بن الصامت فأخذ يميني بشماله, وشمال أبي الدرداء بيمينه, فخرج يمشي بيننا ونحن نتناجى, والله أعلم بما نتناجى به, فقال عبادة بن الصامت: إن طال بكما عمر أحدكما أو كليكما لتوشكان أن تريا الرجل من ثبج المسلمين, يعني من وسط قراء القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم, فأعاده وأبدأه وأحل حلاله وحرم حرامه ونزله عند منازله لا يحور فيكم إلا كما يحور رأس الحمار الميت. قال: فبينما نحن كذلك إذ طلع شداد بن أوس رضي الله عنه وعوف بن مالك فجلسا إلينا, فقال شداد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من الشهوة الخفية والشرك» فقال عبادة بن الصامت وأبو الدرداء: اللهم غفرا ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب. أما الشهوة الخفية فقد عرفناها هي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها, فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا شداد ؟ فقال شداد: أرأيتكم لو رأيتم رجلاً يصلي لرجل أو يصوم لرجل أو يتصدق له, أترون أنه قد أشرك ؟ قالوا: نعم والله إن من صلى لرجل أو صام أو تصدق له لقد أشرك, فقال شداد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى يرائي فقد أشرك ومن صام يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك فقال عوف بن مالك عند ذلك: أفلا يعمد إليه إلى ما ابتغى به وجهه من ذلك العمل كله فيصل ما خلص له ويدع ما أشرك به فقال شداد عند ذلك: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يقول: أنا خير قسيم لمن أشرك بي من أشرك بي شيئاً, فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به, أنا عنه غني».
(طريق أخرى لبعضه) قال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب, حدثني عبد الواحد بن زياد, أخبرنا عبادة بن نسي عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه بكى, فقيل له: ما يبكيك ؟ قال شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبكاني, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتخوف على أمتي الشرك والشهوة الخفية» قلت: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال: «نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً, ولكن يراءون بأعمالهم, والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه» ورواه ابن ماجه من حديث الحسن بن ذكوان عن عبادة بن نسي به, وعبادة فيه ضعف, وفي سماعه من شداد نظر.
(حديث آخر) قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثناالحسين بن علي بن جعفر الأحمر, حدثنا علي بن ثابت, حدثنا قيس بن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله يوم القيامة: أنا خير شريك من أشرك بي أحداً فهو له كله». وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة, سمعت العلاء يحدث عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن الله عز وجل أنه قال: «أنا خير الشركاء فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري, فأنا بريء منه, وهو للذي أشرك» تفرد به من هذا الوجه.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يونس, حدثنا الليث عن يزيد يعني ابن الهاد عن عمرو عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال: «الرياء, يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا, فانظروا هل تجدون عندهم جزاء».
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بكير, أخبرنا عبد الحميد يعني ابن جعفر, أخبرني أبي عن زياد بن ميناء عن أبي سعيد بن أبي فضالة الأنصاري, وكان من الصحابة, أنه قال: سمعت رسول اللهصلى الله عليه وسلم يقول: «إذا جمع الله الأولين والاَخرين ليوم لا ريب فيه نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله أحداً فليطلب ثوابه من عند غير الله, فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك» وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث محمد وهو البرساني به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك, حدثنا بكار, حدثني أبي ـ يعني عبد العزيز بن أبي بكرة ـ عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمع سمع الله به, ومن راءى راءى الله به» وقال الإمام أحمد: حدثنا معاوية, حدثنا شيبان عن فراس عن عطية عن أبي سعيد الخدري, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يرائي يرائي الله به, ومن يسمع يسمع الله به».
(حديث آخر) قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة, حدثني عمرو بن مرة قال: سمعت رجلاً في بيت أبي عبيدة أنه سمع عبد الله بن عمرو يحدث ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سمع الناس بعمله سمع الله به, ساء خلقه وصغره وحقره» فذرفت عينا عبد الله. وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عمرو بن يحيى الأيلي, حدثنا الحارث بن غسان, حدثنا أبو عمران الجوني عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعرض أعمال بني آدم بين يدي الله عز وجل يوم القيامة في صحف مختمة, فيقول الله: ألقوا هذا واقبلوا هذا, فتقول الملائكة: يا رب والله ما رأينا منه إلا خيراً, فيقول: إن عمله كان لغير وجهي ولا أقبل اليوم من العمل إلا ما أريد به وجهي» ثم قال: الحارث بن غسان روى عنه جماعة وهو ثقة بصري, ليس به بأس, وقال ابن وهب: حدثني يزيد بن عياض عن عبد الرحمن الأعرج, عن عبد الله بن قيس الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام رياء وسمعة, لم يزل في مقت الله حتى يجلس».
وقال أبو يعلى: حدثنا محمد بي أبي بكر, حدثنا محمد بن دينار عن إبراهيم الهجري, عن أبي الأحوص عن عوف بن مالك عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو, فتلك استهانة استهان بها ربه عز وجل» وقال ابن جرير: حدثنا أبو عامر إسماعيل بن عمرو السكوني, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا ابن عياش, حدثنا عمرو بن قيس الكندي أنه سمع معاوية بن أبي سفيان تلا هذه الاَية {فمن كان يرجو لقاء ربه} الاَية, وقال: إنها آخر آية نزلت من القرآن وهذا أثر مشكل, فإن هذه الاَية آخر سورة الكهف, والكهف كلها مكية, ولعل معاوية أراد أنه لم ينزل بعدها آية تنسخها ولا تغير حكمها, بل هي مثبتة محكمة, فاشتبه ذلك على بعض الرواة فروى بالمعنى على ما فهمه, والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق, حدثنا النضر بن شميل, حدثنا أبو قرة عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ في ليلة {فمن كان يرجو لقاء ربه} الاَية, كان له من النور من عدن أبين إلى مكة حشو ذلك النور الملائكة» غريب جداً آخر تفسير سورة الكهف.