تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 512 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 512

512 : تفسير الصفحة رقم 512 من القرآن الكريم

** سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لّن يَنقَلِبَ الرّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَىَ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنّ السّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً * وَمَن لّمْ يُؤْمِن بِاللّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً * وَلِلّهِ مُلْكُ السّمَاوَتِ وَالأرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً
يقول تعالى مخبراً رسوله صلى الله عليه وسلم بما يعتذر به المخلفون من الأعراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم وتركوا المسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذروا بشغلهم لذلك وسألوا أن يستغفر لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك قول منهم لا على سبيل الاعتقاد بل على وجه التقية والمصانعة, ولهذا قال تعالى: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفع} أي لا يقدر أحد أن يرد ما أراده الله فيكم تعالى وتقدس, وهو العليم بسرائركم وإن صانعتمونا ونافقتمونا, ولهذا قال تعالى: {بل كان الله بما تعملون خبير} ثم قال تعالى: {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبد} أي لم يكن تخلفكم تخلف معذور ولا عاص بل تخلف نفاق {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبد} أي اعتقدتم أنهم يقتلون وتستأصل شأفتهم, وتستباد خضراؤهم ولا يرجع منهم مخبر {وظننتم ظن السوء, وكنتم قوماً بور} أي هلكى, قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وغير واحد, وقال قتادة: فاسدين, وقيل هي لغة عمان. ثم قال تعالى: {ومن لم يؤمن بالله ورسوله} أي من لم يخلص العمل في الظاهر والباطن لله فإن الله تعالى سيعذبه في السعير, وإن أظهر للناس ما يعتقدون خلاف ما هو عليه في نفس الأمر. ثم بين تعالى أنه الحاكم المالك المتصرف في أهل السموات والأرض {يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفوراً رحيم} أي لمن تاب إليه وأناب وخضع لديه.

** سَيَقُولُ الْمُخَلّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَىَ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كَلاَمَ اللّهِ قُل لّن تَتّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاّ قَلِيلاً
يقول تعالى مخبراً عن الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية, إذ ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى خيبر يفتحونها أنهم يسألون أن يخرجوا معهم إلى المغنم, وقد تخلفوا عن وقت محاربة الأعداء ومجالدتهم ومصابرتهم, فأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يأذن لهم في ذلك معاقبة لهم من جنس ذنبهم فإن الله تعالى قد وعد أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم, لا يشاركهم فيها غيرهم من الأعراب المتخلفين, فلا يقع غير ذلك شرعاً ولا قدراً ولهذا قال تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} قال مجاهد وقتادة وجويبر وهو الوعد الذي وعد به أهل الحديبية واختاره ابن جرير. وقال ابن زيد هو قوله تعالى: {فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً إنكم رضيتم بالعقود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين} وهذا الذي قاله ابن زيد فيه نظر, لأن هذه الاَية التي في براءة نزلت في غزوة تبوك وهي متأخرة عن عمرة الحديبية, وقال ابن جريج {يريدون أن يبدلوا كلام الله} يعني بتثبيطهم المسلمين عن الجهاد {قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل} أي وعد الله أهل الحديبية قبل سؤالكم الخروج معهم {فسيقولون بل تحسدونن} أي أن نشرككم في المغانم {بل كانوا لا يفقهون إلا قليل} أي ليس الأمر كما زعموا ولكن لا فهم لهم.