تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 556 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 556

556 : تفسير الصفحة رقم 556 من القرآن الكريم

سورة التغابن
قال الطبراني: حدثنا محمد بن هارون بن محمد بن بكار الدمشقي, حدثنا العباس بن الوليد الخلال حدثنا الوليد بن الوليد, حدثنا ابن ثوبان عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود يولد إلا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من سورة التغابن» أورده ابن عساكر في ترجمة الوليد بن صالح, وهو غريب جداً بل منكر.

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

** يُسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مّؤْمِنٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقّ وَصَوّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ * يَعْلَمُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصّدُورِ
هذه السورة هي آخر المسبحات وقد تقدم الكلام على تسبيح المخلوقات لبارئها ومالكها, ولهذا قال تعالى: {له الملك وله الحمد} أي هو المتصرف في جميع الكائنات المحمود على جميع ما يخلقه ويقدره. وقوله تعالى: {وهو على كل شيء قدير} أي ما أراد كان بلا ممانع ولا مدافع وما لم يشأ لم يكن. وقوله تعالى: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} أي هو الخالق لكم على هذه الصفة, وأراد منكم ذلك فلا بد من وجود مؤمن وكافر, وهو البصير بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلال, وهو شهيد على أعمال عباده وسيجزيهم بها أتم الجزاء, ولهذا قال تعالى: {والله بما تعملون بصير} ثم قال تعالى: {خلق السموات والأرض بالحق} أي بالعدل والحكمة {وصوركم فأحسن صوركم} أي أحسن أشكالكم, كقوله تعالى: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسوّاك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك}. وكقوله تعالى: {الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات} الاَية, وقوله تعالى: {وإليه المصير} أي المرجع والمآب, ثم أخبر تعالى عن علمه بجميع الكائنات السمائية والأرضية والنفسية فقال تعالى: {يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور}.

** أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَاُ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنّهُ كَانَت تّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ فَقَالُوَاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلّواْ وّاسْتَغْنَىَ اللّهُ وَاللّهُ غَنِيّ حَمِيدٌ
يقول تعالى مخبراً عن الأمم الماضين وما حل بهم من العذاب والنكال في مخالفة الرسل والتكذيب بالحق فقال تعالى: {ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل} أي خبرهم وما كان من أمرهم {فذاقوا وبال أمرهم} أي وخيم تكذيبهم ورديء أفعالهم وهو ما حل بهم في الدنيا من العقوبة والخزي {ولهم عذاب أليم} أي في الدار الاَخرة مضاف إلى هذا الدنيوي, ثم علل ذلك فقال: {ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات} أي بالحجج والدلائل والبراهين {فقالوا أبشر يهدونن} أي استبعدوا أن تكون الرسالة في البشر وأن يكون هداهم على يدي بشر مثلهم {فكفروا وتولو} أي كذبوا بالحق ونكلوا عن العمل {واستغنى الله} أي عنهم {والله غني حميد}.

** زَعَمَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَن لّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىَ وَرَبّي لَتُبْعَثُنّ ثُمّ لَتُنَبّؤُنّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ * فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالنّورِ الّذِيَ أَنزَلْنَا وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَالّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
يقول تعالى مخبراً عن الكفار والمشركين والملحدين أنهم يزعمون أنهم لا يبعثون {قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم} أي لتخبرن بجميع أعمالكم جليلها وحقيرها, صغيرها وكبيرها {وذلك على الله يسير} أي بعثكم ومجازاتكم, وهذه هي الاَية الثالثة التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه عز وجل على وقوع المعاد ووجوده, فالأولى في سورة يونس {ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين} والثانية في سورة سبأ {وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم} الاَية. والثالثة هي هذه {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير}.
ثم قال تعالى: {فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلن} يعني القرآن {والله بما تعملون خبير} أي فلا تخفى عليه من أعمالكم خافية. وقوله تعالى: {يوم يجمعكم ليوم الجمع} وهو يوم القيامة, سمي بذلك لأنه يجمع فيه الأولون والاَخرون في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر كما قال تعالى: {ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود} وقال تعالى: {قل إن الأولين والاَخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم}.
وقوله تعالى: {ذلك يوم التغابن} قال ابن عباس: هو اسم من أسماء يوم القيامة, وذلك أن أهل الجنة يغبنون أهل النار, وكذا قال قتادة ومجاهد, وقال مقاتل بن حيان: لا غبن أعظم من أن يدخل هؤلاء إلى الجنة ويذهب بأولئك إلى النار. قلت: وقد فسر ذلك بقوله تعالى: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير} وقد تقدم تفسير مثل هذه غير مرة.