سورة الإنسان | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 579 من المصحف
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً {4} إِنَّ
الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً {5}
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً {6} يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ
يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً {7} وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً
وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً
{9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً {10} فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ
الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً {11} وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً
{12}
يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه من السلاسل والأغلال والسعير وهو اللهب والحريق في نار جهنم كما قال تعالى ( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ) ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير قال بعده ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة قال الحسن برد الكافور في طيب الزنجبيل ولهذا قال ( عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ) أي هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفا بلا مزج ويروون بها ولهذا ضمن يشرب معنى يروى حتى عداه بالباء ونصب عينا على التمييز قال بعضهم هذا الشراب في طيبه كالكافور وقال بعضهم هو من عين كافور وقال بعضهم يجوز أن يكون منصوبا ب ( يشرب ) حكى هذه الأقوال الثلاثة بن جرير وقوله تعالى ( يفجرونها تفجيرا ) أي يتصرفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم والتفجير هو الإنباع كما قال تعالى ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) وقال ( وفجرنا خلالهما نهرا ) قال مجاهد ( يفجرونها تفجيرا ) يقودونها حيث شاءوا وكذا قال عكرمة وقتادة وقال الثوري يصرفونها حيث شاءوا وقوله تعالى ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) أي يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر قال الإمام مالك 2476 عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن مالك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه رواه البخاري 6696 من حديث مالك ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد وهو اليوم الذي شره مستطير أي منتشر عام على الناس إلا من رحم الله قال بن عباس فاشيا وقال قتادة استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض قال بن جرير ومنه قولهم استطار الصدع في الزجاجة واستطال ومنه قول الأعشى
فبانت وقد أسأت في الفؤا د صدعا على نأيها مستطيرا
يعني ممتدا فاشيا وقوله تعالى ( ويطعمون الطعام على حبه ) قيل على حب الله تعالى وجعلوا الضمير عائدا إلى الله عز وجل لدلالة السياق عليه والأظهر أن الضمير عائد على الطعام أي ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له قاله مجاهد ومقاتل واختاره بن جرير كقوله تعالى ( وآتى المال على حبه ) وكقوله تعالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وروى البيهقي 4185 من طريق الأعمش عن نافع قال مرض بن عمر فاشتهى عنبا أول ما جاء العنب فأرسلت صفية يعني امرأته فاشترت عنقودا بدرهم فاتبع الرسول سائل فلما دخل به قال السائل السائل فقال بن عمر أعطوه إياه فأعطوه إياه فأرسلت بدرهم آخر فاشترت عنقودا فاتبع الرسول السائل فلما دخل قال السائل السائل فقال بن عمر أعطوه إياه فأعطوه إياه فأرسلت صفية إلى السائل فقالت والله إن عدت لا تصيب منه خيرا أبدا ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت به وفي الصحيح أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر أي في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه ولهذا قال تعالى ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) أما المسكين واليتيم فقد تقدم بيانهما وصفتهما وأما الأسير فقال سعيد بن جبير والحسن والضحاك الأسير من أهل القبلة وقال بن عباس كان أسراؤهم يومئذ مشركين ويشهد لهذا أن رسول الله أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء وقال عكرمة هم العبيد واختاره بن جرير لعموم الآية للمسلم والمشرك وهكذا قال سعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة وقد وصى رسول الله بالإحسان إلى الأرقاء في غير ما حديث حتى أنه كان آخر ما أوصى أن جعل يقول الصلاة وما ملكت أيمانكم قال مجاهد هو المحبوس أي يطعمون الطعام لهؤلاء وهم يشتهونه ويحبونه قائلين بلسان الحال ( إنما نطعمكم لوجه الله ) أي رجاء ثواب الله ورضاه ( لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) أي لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها ولا أن تشكرونا عند الناس قال مجاهد وسعيد بن جبير أما والله ما قالوه بألسنتهم ولكن علم الله به من قلوبهم فأثنى عليهم به ليرغب في ذلك راغب ( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) أي إنما نفعل هذا لعل الله أن يرحمنا ويتلقانا بلطفه في اليوم العبوس القمطرير قال علي بن أبي طلحة عن بن عباس ( عبوسا ) ضيقا ( قمطريرا ) طويلا وقال عكرمة وغيره عنه في قوله ( يوما عبوسا قمطريرا ) قال يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران وقال مجاهد ( عبوسا ) العابس الشفتين ( قمطريرا ) قال يقبض الوجه بالبسور وقال سعيد بن جبير وقتادة تعبس فيه الوجوه من الهول ( قمطريرا ) تقليص الجبين وما بين العينين من الهول وقال بن زيد العبوس الشر والقمطرير الشديد وأوضح العبارات وأجلاها وأحلاها وأعلاها وأولاها قول بن عباس رضي الله عنه قال بن جرير والقمطرير هو الشديد يقال هو يوم قمطرير ويوم قماطر ويوم عصيب وعصبصب وقد اقمطر اليوم يقمطر اقمطرارا وذلك أشد الأيام وأطولها في البلاء والشدة ومنه قول بعضهم
بني عمنا هل تذكرون بلاءنا عليكم إذا ما كان يوم قماطر
قال الله تعالى ( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ) وهذا من باب التجانس البليغ ( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ) أي آمنهم مما خافوا منه ( ولقاهم نضرة ) أي في وجوههم ( وسرورا ) أي في قلوبهم قاله الحسن البصري وقتادة وأبو العالية والربيع بن أنس وهذه كقوله تعالى ( وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ) وذلك أن القلب إذا سر استنار الوجه قال كعب بن مالك في حديثه الطويل وكان رسول الله إذا سر استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر وقالت عائشة رضي الله عنها دخل علي رسول الله مسرورا تبرق أسارير وجهه الحديث وقوله تعالى ( وجزاهم بما صبروا ) أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم ( جنة وحريرا ) أي منزلا رحبا وعيشا رغدا ولباسا حسنا وروى الحافظ بن عساكر في ترجمة هشام بن سليمان الداراني قال قرئ على أبي سليمان الداراني سورة ( هل أتى على الإنسان ) فلما بلغ القارىء إلى قوله تعالى ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) قال بما صبروا على ترك الشهوات في الدنيا ثم أنشد يقول
كم قتيل لشهوة وأسير أف من مشتهي خلاف الجميل
شهوات الإنسان تورثه الذل وتلقيه في البلاء الطويل
الآيات
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً {13}
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً {14} وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ
مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا {15} قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً {16}
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً {17} عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً
{18} وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً
{19} وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً {20} عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ
خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً
طَهُوراً {21} إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً {22}
يخبر تعالى عن أهل الجنة وماهم فيه من النعيم المقيم وما أسبغ عليهم من الفضل العميم فقال تعالى ( متكئين فيها على الأرائك ) وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الصافات وذكر الخلاف في الاتكاء هل هو الاضطجاع أو التمرفق أو التربع أو التمكن في الجلوس وأن الأرائك هي السرر تحت الحجال وقوله تعالى ( لا يرون فيها شمسا ولازمهريرا ) أي ليس عندهم حر مزعج ولابرد مؤلم بل هي مزاج واحد دائم سرمدي لا يبغون عنها حولا ( ودانية عليهم ظلالها ) أي قريبة إليهم أغصانها ( وذللت قطوفها تذليلا ) أي متى تعاطاه دنا القطف إليه وتدلى من أعلى غصنه كأنه سامع طائع كما قال تعالى في الآية الأخرى ( وجنى الجنتين دان ) وقال جل وعلا ( قطوفها دانية ) قال مجاهد ( وذللت قطوفها تذليلا ) إن قام ارتفعت معه بقدر وإن قعد تذللت له حتى ينالها وإن اضطجع تذللت له حتى ينالها فذلك قوله تعالى ( تذليلا ) وقال قتادة لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد وقال مجاهد أرض الجنة من ورق وترابها المسك وأصول شجرها من ذهب وفضة وأفنانها من اللؤلؤ الرطب والزبرجد والياقوت والورق والثمر بين ذلك فمن أكل منها قائما لم تؤذه ومن أكل منها قاعدا لم تؤذه ومن أكل منها مضطجعا لم تؤذه وقوله جلت عظمته ( ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب ) أي يطوف عليهم الخدم بأواني الطعام وهي من فضة وأكواب الشراب وهي الكيزان التي لا عرى لها ولا خراطيم وقوله ( قوارير قوارير من فضة ) فالأول منصوب بخبر كان أي كانت قوارير والثاني منصوب إما على البدلية أو تمييز لأنه بينه بقوله جل وعلا ( قوارير من فضة ) قال بن عباس ومجاهد والحسن البصري وغير واحد بياض الفضة في صفاء الزجاج والقوارير لا تكون إلا من زجاج فهذه الأكواب هي من فضة وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها وهذا مما لا نظير له في الدنيا قال بن المبارك عن إسماعيل عن رجل عن بن عباس ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة رواه بن أبي حاتم وقوله تعالى ( قدروها تقديرا ) أي على قدر ريهم لا تزيد عنه ولا تنقص بل هي معدة لذلك مقدرة بحسب ري صاحبها هذا معنى قول بن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح وقتادة وبن أبزى وعبد الله بن عمير والشعبي وبن زيد وقاله بن جرير وغير واحد وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة وقال العوفي عن بن عباس ( قدروها تقديرا ) قدرت للكف وهكذا قال الربيع بن أنس وقال الضحاك على قدر كف الخادم وهذا لا ينافي القول الأول فإنها مقدرة في القدر والري وقوله تعالى ( ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ) أي ويسقون يعني الأبرار أيضا في هذه الأكواب ( كأسا ) أي خمرا ( كان مزاجها زنجبيلا ) فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور وهو بارد وتارة بالزنجبيل وهو حار ليعتدل الأمر وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صرفا كما قاله قتادة وغير واحد وقد تقدم قوله جل وعلا ( عينا يشرب بها عباد الله ) وقال ها هنا ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) أي الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلا قال عكرمة اسم عين في الجنة وقال مجاهد سميت بذلك لسلاسة سيلها وحدة جريها وقال قتادة عينا فيها تسمى سلسبيلا عين سلسة مستقيد ماؤها وحكى بن جرير عن بعضهم أنها سميت بذلك لسلاستها في الحلق واختار هو أنها تعم ذلك كله وهو كما قال وقوله تعالى ( ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ) أي يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة ( مخلدون ) أي على حالة واحدة مخلدون عليها لا يتغيرون عنها لا تزيد أعمارهم عن تلك السن ومن فسرهم بأنهم مخرصون في آذانهم الأقرطة فإنما عبر عن المعنى بذلك لأن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون الكبير وقوله تعالى ( إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ) أي إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن قال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو مامن أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف خادم كل خادم على عمل ما عليه صاحبه وقوله جل وعلا ( وإذا رأيت ) أي وإذا رأيت يامحمد ( ثم ) أي هناك يعني في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها ومافيها من الحبرة والسرور ( رأيت نعيما وملكا كبيرا ) أي مملكة لله هناك عظيمة وسلطانا باهرا وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا إليها إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها وقد قدمنا في الحديث المروي من طريق ثوير بن أبي فاختة عن بن عمر قال قال رسول الله إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة فما ظنك بما هو أعلى منزلة وأحظى عنده تعالى وقد روى الطبراني 1213595 ها هنا حديثا غريبا جدا فقال حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا محمد بن عمار الموصلي حدثنا عقبة بن سالم عن أيوب بن عتبة عن عطاء عن بن عمر قال جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله فقال له رسول الله سل واستفهم فقال يا رسول الله فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بما عملت به إني لكائن معك في الجنة قال نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام ثم قال رسول الله من قال لا إله إلا الله كان له بها عهد عند الله ومن قال سبحان الله وبحمده كتب له مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة فقال رجل كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله فقال رسول الله إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة أو نعم الله فتكاد تستنفد ذلك كله إلا أن يتغمده الله برحمته ونزلت هذه السورة ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) إلى قوله ( ملكا كبيرا ) فقال الحبشي وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة قال نعم فاستبكى حتى فاضت نفسه قال بن عمر ولقد رأيت رسول الله يدليه في حفرته بيده وقوله جل جلاله ( عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق ) أي لباس أهل الجنة فيها الحرير ومنه سندس وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم والإستبرق منه مافيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر كما هو المعهود في اللباس ( وحلوا أساور من فضة ) وهذه صفة الأبرار وأما المقربون فكما قال تعالى ( يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلوا ولباسهم فيها حرير ) ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) أي طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة كما روينا عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هناك عينين فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما فأذهب الله ما في بطونهم من أذى ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن وقوله تعالى ( إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ) أي يقال لهم ذلك تكريما لهم وإحسانا إليهم كما قال تعالى ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) وكقوله تعالى ( ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) وقوله تعالى ( وكان سعيكم مشكورا ) أي جزاكم الله تعالى على القليل بالكثير
تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 579
579 : تفسير الصفحة رقم 579 من القرآن الكريمإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً {4} إِنَّ
الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً {5}
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً {6} يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ
يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً {7} وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً
وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً
{9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً {10} فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ
الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً {11} وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً
{12}
يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه من السلاسل والأغلال والسعير وهو اللهب والحريق في نار جهنم كما قال تعالى ( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ) ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير قال بعده ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة قال الحسن برد الكافور في طيب الزنجبيل ولهذا قال ( عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ) أي هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفا بلا مزج ويروون بها ولهذا ضمن يشرب معنى يروى حتى عداه بالباء ونصب عينا على التمييز قال بعضهم هذا الشراب في طيبه كالكافور وقال بعضهم هو من عين كافور وقال بعضهم يجوز أن يكون منصوبا ب ( يشرب ) حكى هذه الأقوال الثلاثة بن جرير وقوله تعالى ( يفجرونها تفجيرا ) أي يتصرفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم والتفجير هو الإنباع كما قال تعالى ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) وقال ( وفجرنا خلالهما نهرا ) قال مجاهد ( يفجرونها تفجيرا ) يقودونها حيث شاءوا وكذا قال عكرمة وقتادة وقال الثوري يصرفونها حيث شاءوا وقوله تعالى ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) أي يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر قال الإمام مالك 2476 عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن مالك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه رواه البخاري 6696 من حديث مالك ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد وهو اليوم الذي شره مستطير أي منتشر عام على الناس إلا من رحم الله قال بن عباس فاشيا وقال قتادة استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض قال بن جرير ومنه قولهم استطار الصدع في الزجاجة واستطال ومنه قول الأعشى
فبانت وقد أسأت في الفؤا د صدعا على نأيها مستطيرا
يعني ممتدا فاشيا وقوله تعالى ( ويطعمون الطعام على حبه ) قيل على حب الله تعالى وجعلوا الضمير عائدا إلى الله عز وجل لدلالة السياق عليه والأظهر أن الضمير عائد على الطعام أي ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له قاله مجاهد ومقاتل واختاره بن جرير كقوله تعالى ( وآتى المال على حبه ) وكقوله تعالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وروى البيهقي 4185 من طريق الأعمش عن نافع قال مرض بن عمر فاشتهى عنبا أول ما جاء العنب فأرسلت صفية يعني امرأته فاشترت عنقودا بدرهم فاتبع الرسول سائل فلما دخل به قال السائل السائل فقال بن عمر أعطوه إياه فأعطوه إياه فأرسلت بدرهم آخر فاشترت عنقودا فاتبع الرسول السائل فلما دخل قال السائل السائل فقال بن عمر أعطوه إياه فأعطوه إياه فأرسلت صفية إلى السائل فقالت والله إن عدت لا تصيب منه خيرا أبدا ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت به وفي الصحيح أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر أي في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه ولهذا قال تعالى ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) أما المسكين واليتيم فقد تقدم بيانهما وصفتهما وأما الأسير فقال سعيد بن جبير والحسن والضحاك الأسير من أهل القبلة وقال بن عباس كان أسراؤهم يومئذ مشركين ويشهد لهذا أن رسول الله أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء وقال عكرمة هم العبيد واختاره بن جرير لعموم الآية للمسلم والمشرك وهكذا قال سعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة وقد وصى رسول الله بالإحسان إلى الأرقاء في غير ما حديث حتى أنه كان آخر ما أوصى أن جعل يقول الصلاة وما ملكت أيمانكم قال مجاهد هو المحبوس أي يطعمون الطعام لهؤلاء وهم يشتهونه ويحبونه قائلين بلسان الحال ( إنما نطعمكم لوجه الله ) أي رجاء ثواب الله ورضاه ( لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) أي لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها ولا أن تشكرونا عند الناس قال مجاهد وسعيد بن جبير أما والله ما قالوه بألسنتهم ولكن علم الله به من قلوبهم فأثنى عليهم به ليرغب في ذلك راغب ( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) أي إنما نفعل هذا لعل الله أن يرحمنا ويتلقانا بلطفه في اليوم العبوس القمطرير قال علي بن أبي طلحة عن بن عباس ( عبوسا ) ضيقا ( قمطريرا ) طويلا وقال عكرمة وغيره عنه في قوله ( يوما عبوسا قمطريرا ) قال يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران وقال مجاهد ( عبوسا ) العابس الشفتين ( قمطريرا ) قال يقبض الوجه بالبسور وقال سعيد بن جبير وقتادة تعبس فيه الوجوه من الهول ( قمطريرا ) تقليص الجبين وما بين العينين من الهول وقال بن زيد العبوس الشر والقمطرير الشديد وأوضح العبارات وأجلاها وأحلاها وأعلاها وأولاها قول بن عباس رضي الله عنه قال بن جرير والقمطرير هو الشديد يقال هو يوم قمطرير ويوم قماطر ويوم عصيب وعصبصب وقد اقمطر اليوم يقمطر اقمطرارا وذلك أشد الأيام وأطولها في البلاء والشدة ومنه قول بعضهم
بني عمنا هل تذكرون بلاءنا عليكم إذا ما كان يوم قماطر
قال الله تعالى ( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ) وهذا من باب التجانس البليغ ( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ) أي آمنهم مما خافوا منه ( ولقاهم نضرة ) أي في وجوههم ( وسرورا ) أي في قلوبهم قاله الحسن البصري وقتادة وأبو العالية والربيع بن أنس وهذه كقوله تعالى ( وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ) وذلك أن القلب إذا سر استنار الوجه قال كعب بن مالك في حديثه الطويل وكان رسول الله إذا سر استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر وقالت عائشة رضي الله عنها دخل علي رسول الله مسرورا تبرق أسارير وجهه الحديث وقوله تعالى ( وجزاهم بما صبروا ) أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم ( جنة وحريرا ) أي منزلا رحبا وعيشا رغدا ولباسا حسنا وروى الحافظ بن عساكر في ترجمة هشام بن سليمان الداراني قال قرئ على أبي سليمان الداراني سورة ( هل أتى على الإنسان ) فلما بلغ القارىء إلى قوله تعالى ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) قال بما صبروا على ترك الشهوات في الدنيا ثم أنشد يقول
كم قتيل لشهوة وأسير أف من مشتهي خلاف الجميل
شهوات الإنسان تورثه الذل وتلقيه في البلاء الطويل
الآيات
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً {13}
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً {14} وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ
مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا {15} قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً {16}
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً {17} عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً
{18} وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً
{19} وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً {20} عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ
خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً
طَهُوراً {21} إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً {22}
يخبر تعالى عن أهل الجنة وماهم فيه من النعيم المقيم وما أسبغ عليهم من الفضل العميم فقال تعالى ( متكئين فيها على الأرائك ) وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الصافات وذكر الخلاف في الاتكاء هل هو الاضطجاع أو التمرفق أو التربع أو التمكن في الجلوس وأن الأرائك هي السرر تحت الحجال وقوله تعالى ( لا يرون فيها شمسا ولازمهريرا ) أي ليس عندهم حر مزعج ولابرد مؤلم بل هي مزاج واحد دائم سرمدي لا يبغون عنها حولا ( ودانية عليهم ظلالها ) أي قريبة إليهم أغصانها ( وذللت قطوفها تذليلا ) أي متى تعاطاه دنا القطف إليه وتدلى من أعلى غصنه كأنه سامع طائع كما قال تعالى في الآية الأخرى ( وجنى الجنتين دان ) وقال جل وعلا ( قطوفها دانية ) قال مجاهد ( وذللت قطوفها تذليلا ) إن قام ارتفعت معه بقدر وإن قعد تذللت له حتى ينالها وإن اضطجع تذللت له حتى ينالها فذلك قوله تعالى ( تذليلا ) وقال قتادة لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد وقال مجاهد أرض الجنة من ورق وترابها المسك وأصول شجرها من ذهب وفضة وأفنانها من اللؤلؤ الرطب والزبرجد والياقوت والورق والثمر بين ذلك فمن أكل منها قائما لم تؤذه ومن أكل منها قاعدا لم تؤذه ومن أكل منها مضطجعا لم تؤذه وقوله جلت عظمته ( ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب ) أي يطوف عليهم الخدم بأواني الطعام وهي من فضة وأكواب الشراب وهي الكيزان التي لا عرى لها ولا خراطيم وقوله ( قوارير قوارير من فضة ) فالأول منصوب بخبر كان أي كانت قوارير والثاني منصوب إما على البدلية أو تمييز لأنه بينه بقوله جل وعلا ( قوارير من فضة ) قال بن عباس ومجاهد والحسن البصري وغير واحد بياض الفضة في صفاء الزجاج والقوارير لا تكون إلا من زجاج فهذه الأكواب هي من فضة وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها وهذا مما لا نظير له في الدنيا قال بن المبارك عن إسماعيل عن رجل عن بن عباس ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة رواه بن أبي حاتم وقوله تعالى ( قدروها تقديرا ) أي على قدر ريهم لا تزيد عنه ولا تنقص بل هي معدة لذلك مقدرة بحسب ري صاحبها هذا معنى قول بن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح وقتادة وبن أبزى وعبد الله بن عمير والشعبي وبن زيد وقاله بن جرير وغير واحد وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة وقال العوفي عن بن عباس ( قدروها تقديرا ) قدرت للكف وهكذا قال الربيع بن أنس وقال الضحاك على قدر كف الخادم وهذا لا ينافي القول الأول فإنها مقدرة في القدر والري وقوله تعالى ( ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ) أي ويسقون يعني الأبرار أيضا في هذه الأكواب ( كأسا ) أي خمرا ( كان مزاجها زنجبيلا ) فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور وهو بارد وتارة بالزنجبيل وهو حار ليعتدل الأمر وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صرفا كما قاله قتادة وغير واحد وقد تقدم قوله جل وعلا ( عينا يشرب بها عباد الله ) وقال ها هنا ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) أي الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلا قال عكرمة اسم عين في الجنة وقال مجاهد سميت بذلك لسلاسة سيلها وحدة جريها وقال قتادة عينا فيها تسمى سلسبيلا عين سلسة مستقيد ماؤها وحكى بن جرير عن بعضهم أنها سميت بذلك لسلاستها في الحلق واختار هو أنها تعم ذلك كله وهو كما قال وقوله تعالى ( ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ) أي يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة ( مخلدون ) أي على حالة واحدة مخلدون عليها لا يتغيرون عنها لا تزيد أعمارهم عن تلك السن ومن فسرهم بأنهم مخرصون في آذانهم الأقرطة فإنما عبر عن المعنى بذلك لأن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون الكبير وقوله تعالى ( إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ) أي إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن قال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو مامن أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف خادم كل خادم على عمل ما عليه صاحبه وقوله جل وعلا ( وإذا رأيت ) أي وإذا رأيت يامحمد ( ثم ) أي هناك يعني في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها ومافيها من الحبرة والسرور ( رأيت نعيما وملكا كبيرا ) أي مملكة لله هناك عظيمة وسلطانا باهرا وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا إليها إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها وقد قدمنا في الحديث المروي من طريق ثوير بن أبي فاختة عن بن عمر قال قال رسول الله إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة فما ظنك بما هو أعلى منزلة وأحظى عنده تعالى وقد روى الطبراني 1213595 ها هنا حديثا غريبا جدا فقال حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا محمد بن عمار الموصلي حدثنا عقبة بن سالم عن أيوب بن عتبة عن عطاء عن بن عمر قال جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله فقال له رسول الله سل واستفهم فقال يا رسول الله فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بما عملت به إني لكائن معك في الجنة قال نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام ثم قال رسول الله من قال لا إله إلا الله كان له بها عهد عند الله ومن قال سبحان الله وبحمده كتب له مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة فقال رجل كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله فقال رسول الله إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة أو نعم الله فتكاد تستنفد ذلك كله إلا أن يتغمده الله برحمته ونزلت هذه السورة ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) إلى قوله ( ملكا كبيرا ) فقال الحبشي وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة قال نعم فاستبكى حتى فاضت نفسه قال بن عمر ولقد رأيت رسول الله يدليه في حفرته بيده وقوله جل جلاله ( عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق ) أي لباس أهل الجنة فيها الحرير ومنه سندس وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم والإستبرق منه مافيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر كما هو المعهود في اللباس ( وحلوا أساور من فضة ) وهذه صفة الأبرار وأما المقربون فكما قال تعالى ( يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلوا ولباسهم فيها حرير ) ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) أي طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة كما روينا عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هناك عينين فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما فأذهب الله ما في بطونهم من أذى ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن وقوله تعالى ( إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ) أي يقال لهم ذلك تكريما لهم وإحسانا إليهم كما قال تعالى ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) وكقوله تعالى ( ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) وقوله تعالى ( وكان سعيكم مشكورا ) أي جزاكم الله تعالى على القليل بالكثير
الصفحة رقم 579 من المصحف تحميل و استماع mp3