سورة آل عمران | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 72 من المصحف
** أَوَ لَمّا أَصَابَتْكُمْ مّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنّىَ هَـَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلْيَعْلَمَ الّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاّتّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ
يقول تعالى: {أولمّا أصابتكم مصيبة} وهي ما أصيب منهم يوم أحد من قتل السبعين منهم {قد أصبتم مثليه} يعني يوم بدر, فإنهم قتلوا من المشركين سبعين قتيلاً, وأسروا سبعين أسيراً, {قلتم أنى هذ} أي من أين جرى علينا هذا {قل هو من عند أنفسكم} قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا قُراد أبو نوح, حدثنا عكرمة بن عمار, حدثنا سماك الحنفي أبو زميل, حدثني ابن عباس, حدثني عمر بن الخطاب, قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل, عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء, فقتل منهم سبعون, وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه, وكسرت رباعيته, وهشمت البيضة على رأسه, وسال الدم على وجهه, فأنزل الله {أولمّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} بأخذكم الفداء. وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن غزوان وهو قُراد أبو نوح بإسناده ولكن بأطول منه, وهكذا قال الحسن البصري, وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا إسماعيل ابن علية عن ابن عون عن محمد عن عبيد, ح, قال سُنَيد وهو حسين: وحدثني حجاج عن جرير, عن محمد عن عبيدة, عن علي رضي الله عنه, قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد, إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى, وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين: إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم, وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم, قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس, فذكر لهم ذلك فقالوا: يا رسول الله, عشائرنا وإخواننا ألا نأخذ فداءهم فنتقوى به على قتال عدونا, ويستشهد منا عدتهم, فليس في ذلك ما نكره ؟ قال: فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلاً, عدة أسارى أهل بدر, وهكذا رواه النسائي والترمذي من حديث أبي داود الحفري عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة, عن سفيان بن سعيد, عن هشام بن حسان, عن محمد بن سيرين به, ثم قال الترمذي: حسن غريب, لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة, وروى أبو أسامة عن هشام نحوه, وروى عن ابن سيرين عن عبيدة, عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وقال محمد بن إسحاق وابن جريج والربيع بن أنس والسدي {قل هو من عند أنفسكم} أي بسبب عصيانكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم فعصيتم, يعني بذلك الرماة {إن الله على كل شيء قدير} أي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه, ثم قال تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله} أي فراركم بين يدي عدوكم وقتلهم لجماعة منكم وجراحتهم لاَخرين, كان بقضاء الله وقدره, وله الحكمة في ذلك {وليعلم المؤمنين} أي الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا {وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالاً لا تبعناكم} يعني بذلك أصحاب عبد الله بن أبي ابن سلول الذين رجعوا معه في أثناء الطريق, فاتبعهم رجال من المؤمنين يحرضونهم على الإياب والقتال والمساعدة, ولهذا قال {أو ادفعو} قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأبو صالح والحسن والسدي: يعني كثروا سواد المسلمين, وقال الحسن بن صالح: ادفعوا بالدعاء, وقال غيره: رابطوا, فتعللوا قائلين {لو نعلم قتالاً لا تبعناكم} قال مجاهد: يعنون لو نعلم أنكم تلقون حرباً لجئناكم, ولكن لا تلقون قتالاً. قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ومحمد بن يحيى بن حبّان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ, وغيرهم من علمائنا, كلهم قد حدث, قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني حين خرج إلى أحد في ألف رجل من أصحابه, حتى إذا كان بالشوط بين أحد والمدينة, انحاز عنه عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس, وقال: أطاعهم فخرج وعصاني, ووالله ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس ؟ فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق وأهل الريب, واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم, قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكن لا نرى أن يكون قتال, فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الإنصراف عنهم, قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم, ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله عز وجل: {هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان} استدلوا به علة أن الشخص قد تتقلب به الأحوال, فيكون في حال أقرب إلى الكفر, وفي حال أقرب إلى الإيمان, لقوله: {هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان}. ثم قال تعالى: {يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} يعني أنهم يقولون القول ولا يعتقدون صحته, ومنه قولهم هذا {لو نعلم قتالاً لا تبعناكم} فإنهم يتحققون أن جنداً من المشركين قد جاؤوا من بلاد بعيدة يتحرقون على المسلمين بسبب ما أصيب من سراتهم يوم بدر. وهم أضعاف المسلمين أنه كائن بينهم قتال لا محالة. ولهذا قال تعالى: {والله أعلم بما يكتمون} ثم قال تعالى: {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلو} أي لو سمعوا من مشورتنا عليهم في القعود وعدم الخروج ما قتلوا مع من قتل, قال الله تعالى: {قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} أي إن كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت, فينبغي أنكم لا تموتون, والموت لا بد آت إليكم ولو كنتم في بروج مشيدة, فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين. قال مجاهد عن جابر بن عبد الله: نزلت هذه الاَية في عبد الله بن أبي ابن سلول.
** وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مّنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الّذِينَ اسْتَجَابُواْ للّهِ وَالرّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوَءٌ وَاتّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مّؤْمِنِينَ
يخبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار, فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار. قال محمد بن جرير: حدثنا محمد بن مرزوق, حدثنا عمرو بن يونس عن عكرمة, حدثنا ابن إسحاق بن أبي طلحة, حدثني أنس بن مالك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل بئر معونة, قال: لا أدري أربعين أو سبعين, وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل الجعفري, فخرج أولئك النفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتوا غاراً مشرفاً على الماء فقعدوا فيه, ثم قال بعضهم لبعض: أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء ؟ فقال ـ أراه ابن ملحان الأنصاري ـ: أنا أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فخرج حتى أتى حياً منهم فاختبأ أمام البيوت, ثم قال: يا أهل بئر معونة, إني رسول رسول الله إليكم, إني أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً عبده ورسوله, فآمنوا بالله ورسوله, فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح, فضربه في جنبه حتى خرج من الشق الاَخر, فقال: الله أكبر فزت ورب الكعبة, فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار فقتلهم أجمعين عامر بن الطفيل, وقال إسحاق: حدثني أنس بن مالك أن الله أنزل فيهم قرآناً: «بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه», ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناها زماناً, وأنزل الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير, حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة, عن مسروق, قال: سألنا عبد الله عن هذه الاَية {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «أرواحهم في جوف طير خضر, لها قناديل معلقة بالعرش, تسرح من الجنة حيث شاءت, ثم تأوي إلى تلك القناديل, فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً ؟ فقالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات, فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا, قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى, فلما رأى أن ليس لهم حاجة, تركوا» وقد روي نحوه من حديث أنس وأبي سعيد.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا حماد, حدثنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد, فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى لما يرى من فضل الشهادة» تفرد به مسلم من طريق حماد.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله المديني, حدثنا سفيان عن محمد بن علي بن ربيعة السلمي, عن عبد الله بن محمد بن عقيل, عن جابر, قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعلمت أن الله أحيا أباك, فقال له: تمن عليّ. فقال له: أرد إلى الدنيا فأقتل مرة أخرى. قال: إني قضيت الحكم أنهم إليها لا يرجعون». تفرد به أحمد من هذا الوجه. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما: أن أبا جابر وهو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله عنه, قتل يوم أحد شهيداً. قال البخاري: وقال أبو الوليد عن شعبة عن ابن المنكدر: سمعت جابراً قال لما قتل أبي: جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه, فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوني والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه, وقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تبكه ـ أو ما تبكيه ـ ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع» وقد أسنده هو ومسلم والنسائي من طريق آخر عن شعبة, عن محمد بن المنكدر, عن جابر, قال: لما قتل أبي يوم أحد, جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي, وذكر تمامه بنحوه.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب, حدثنا أبي عن ابن إسحاق, حدثنا إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد عن أبي الزبير المكي, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما أصيب إخوانكم بأحد, جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر, ترد أنهار الجنة, وتأكل من ثمارها, وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش, فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم, وحسن متقلبهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد, ولا ينكلوا عن الحرب, فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم, فأنزل الله عز وجل هذه الاَيات {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} وما بعدها» هكذا رواه أحمد, وكذا رواه ابن جرير عن يونس, عن ابن وهب, عن إسماعيل بن عياش, عن محمد بن إسحاق به. ورواه أبو داود والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره, وهذا أثبت. وكذا رواه سفيان الثوري عن سالم الأفطس, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس ـ وروى الحاكم في مستدركه من حديث أبي إسحاق الفزاري, عن سفيان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: نزلت هذه الاَية في حمزة وأصحابه {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} ثم قال: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه, وكذلك قال قتادة والربيع والضحاك: أنها نزلت في قتلى أحد.
(حديث آخر) قال أبو بكر بن مردويه, حدثنا عبد الله بن جعفر, حدثنا هارون بن سليمان, أنبأنا علي بن عبد الله المديني, أنبأنا موسى بن إبراهيم بن كثير بن بشير بن الفاكه الأنصاري, سمعت طلحة بن خراش بن عبد الرحمن بن خراش بن الصّمة الأنصاري, قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: نظر إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال «يا جابر مالي أراك مهتماً ؟» قال قلت: يا رسول الله, استشهد أبي وترك ديناً وعيالاً, قال: فقال: «ألا أخبرك ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب, وإنه كلم أباك كفاحاً», قال علي: الكفاح المواجهة «قال: سلني أعطك. قال: أسألك أن أرد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية, فقال الرب عز وجل: إنه قد سبق مني القول: أنهم إليها لا يرجعون. قال: أي رب فأبلغ من ورائي, فأنزل الله {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات} الاَية». ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن سليمان بن سليط الأنصاري, عن أبيه عن جابر, به نحوه. وكذا رواه البيهقي في دلائل النبوة من طريق علي بن المديني به. وقد رواه البيهقي أيضاً من حديث أبي عبادة الأنصاري وهو عيسى بن عبد الرحمن إن شاء الله عن الزهري, عن عروة, عن عائشة, قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر «يا جابر ألا أبشرك» قال: بلى, بشرك الله بالخير, قال «شعرت أن الله أحيا أباك, فقال: تمن عليّ عبدي ما شئت أعطكه, قال: يا رب ما عبدتك حق عبادتك, أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا فأقاتل مع نبيك وأقتل فيك مرة أخرى, قال: إنه سلف مني أنه إليها لا يرجع».
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب, حدثنا أبي عن ابن إسحاق, حدثنا الحارث بن فضيل الأنصاري عن محمود بن لبيد, عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الشهداء على بارق نهر بباب الجنة, في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا» تفرد به أحمد. وقد رواه ابن جرير عن أبي كريب: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان وعبيدة عن محمد بن إسحاق به, وهو إسناد جيد. وكأن الشهداء أقسام: منهم من تسرح أرواحهم في الجنة, ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة, وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر, فيجتمعون هنالك, ويغدى عليهم برزقهم هناك ويراح, والله أعلم ـ وقد روينا في مسند الإمام أحمد حديثاً فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضاً فيها, وتأكل من ثمارها, وترى ما فيها من النضرة والسرور, وتشاهد ما أعده الله لها من الكرامة, وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم, اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة, فإن الإمام أحمد رحمه الله, رواه عن محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله, عن مالك بن أنس الأصبحي رحمه الله, عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك, عن أبيه رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه» قوله «يعلق» أي يأكل, وفي هذا الحديث «إن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنة» وأما أرواح الشهداء فكما تقدم في حواصل طير خضر, فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين, فإنها تطير بأنفسها, فنسأل الله الكريم المنان أن يميتنا على الإيمان ـ وقوله تعالى: {فرحين بما آتاهم الله} إلى آخر الاَية, أي الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله أحياء عند ربهم, وهم فرحون بما هم فيه من النعمة والغبطة, ومستبشرون بإخوانهم الذين يقتلون بعدهم في سبيل الله أنهم يقدمون عليهم, وأنهم لا يخافون مما أمامهم ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم, نسأل الله الجنة. قال محمد بن إسحاق {ويستبشرون} أي ويسرون بلحوق من خَلْفَهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم, ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم. قال السدي: يؤتى الشهيد بكتاب فيه: يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا, ويقدم عليك فلان يوم كذا وكذا, فيسر بذلك كما يسر أهل الدنيا بغائبهم إذا قدم, وقال سعيد بن جبير: لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة للشهداء, قالوا: يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما عرفناه من الكرامة, فإذا شهدوا القتال باشروها بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبوا ما أصبنا من الخير, فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرهم وما هم فيه من الكرامة, وأخبرهم, أي ربهم, أني قد أنزلت على نبيكم وأخبرته بأمركم وما أنتم فيه, فاستبشروا بذلك, فذلك قوله: {ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم} الاَية, وقد ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه في قصة أصحاب بئر معونة السبعين من الأنصار الذين قتلوا في غداة واحدة, وقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على الذين قتلوهم ويلعنهم, قال أنس: ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع «أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا».
ثم قال تعالى: {يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} قال محمد بن إسحاق: استبشروا وسروا لما عاينوا من وفاء الموعود وجزيل الثواب. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هذه الاَية جمعت المؤمنين كلهم سواء الشهداء وغيرهم, وقلما ذكر الله فضلاً ذكر به الأنبياء وثواباً أعطاهم الله إياه, إلا ذكر الله ما أعطى المؤمنين من بعدهم. وقوله تعالى: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح} هذا كان يوم حمراء الأسد, وذلك أن المشركين لما أصابوا ما أصابوا من المسلمين, كروا راجعين إلى بلادهم, فلما استمروا في سيرهم ندموا لم لا تمموا على أهل المدينة وجعلوها الفيصلة, فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب المسلمين إلى الذهاب وراءهم ليرعبهم ويريهم أن بهم قوة وجلداً, ولم يأذن لأحد سوى من حضر الوقعة يوم أحد سوى جابر بن عبد الله رضي الله عنه, لما سنذكره, فانتدب المسلمون على ما بهم من الجراح والإثخان طاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد, حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو, عن عكرمة, قال: لما رجع المشركون عن أحد, قالوا: لا محمداً قتلتم, ولا الكواعب أردفتم, بئس ما صنعتم, ارجعوا, فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك, فندب المسلمين, فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد ـ أو بئر أبي عيينة ـ الشك من سفيان ـ فقال المشركون: نرجع من قابل, فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكانت تعد غزوة, فأنزل الله تعالى: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم} ورواه ابن مردويه من حديث محمد بن منصور عن سفيان بن عيينة, عن عمرو, عن عكرمة, عن ابن عباس فذكره ـ وقال محمد بن إسحاق: كان يوم أحد يوم السبت للنصف من شوال, فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال, أذّن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو, وأذّن مؤذنه أن لا يخرج معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس, فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام, فقال: يا رسول الله, إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع, وقال: يا بني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن, ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي فتخلف على أخواتك, فتخلفت عليهن, فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه, وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهباً للعدو, وليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة, وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم. قال محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان: أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل, كان قد شهد أحداً, قال: شهدتُ أحداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخي فرجعنا جريحين, فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو, قلت لأخي ـ أو قال لي ـ: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والله ما لنا من دابة نركبها, وما منا إلا جريح ثقيل فخرجنا مع رسول الله, وكنت أيسر جراحاً منه, فكان إذا غلب حملته عُقبة ومشى عُقبة, حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون. وقال البخاري: حدثنا محمد بن سلام, حدثنا أبو معاوية عن هشام, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها {الذين استجابوا لله والرسول} الاَية, قلت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر رضي الله عنهما لما أصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد, وانصرف عنه المشركون, خاف أن يرجعوا, فقال «من يرجع في أثرهم» فانتدب منهم سبعون رجلاً فيهم أبو بكر والزبير رضي الله عنهما, هكذا رواه البخاري منفرداً به بهذا السياق, وهكذا رواه الحاكم في مستدركه عن الأصم, عن عباس الدوري, عن أبي النضر, عن أبي سعيد المؤدب, عن هشام بن عروة به, ثم قال: صحيح, ولم يخرجاه, كذا قال. ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار, وهديّة بن عبد الوهاب عن سفيان بن عيينة. عن هشام بن عروة به, وهكذا رواه سعيد بن منصور وأبو بكر الحميدي في مسنده عن سفيان به. وقد رواه الحاكم أيضاً من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن البهي, عن عروة, قال: قالت لي عائشة: يا بنيّ إن أباك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح, ثم قال: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه ـ وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر من أصل كتابه, أنبأنا سمويه, أنبأنا عبد الله بن الزبير, أنبأنا سفيان, أنبأنا هشام عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها, قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن كان أبواك لمن الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح أبو بكر والزبير رضي الله عنهما», ورفع هذا الحديث خطأ محض من جهة إسناده لمخالفته رواية الثقات من وقفه على عائشة رضي الله عنها كما قدمناه, ومن جهة معناه فإن الزبير ليس هو من آباء عائشة, وإنما قالت ذلك عائشة لعروة بن الزبير, لأنه ابن أختها أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم, وقال ابن جرير: حدثني محمد بن سعد, حدثني أبي, حدثني عمي, حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: إن الله قذف في قلب أبي سفيان الرعب يوم أحد بعد ما كان منه ما كان, فرجع إلى مكة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفاً, وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب», وكانت وقعة أحد في شوال, وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة, فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة, وإنهم قدموا بعد وقعة أحد, وكان أصاب المؤمنين القرح, واشتكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم واشتد عليهم الذي أصابهم, وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الناس لينطلقوا معه ويتبعوا ما كانوا متبعين, وقال «إنما يرتحلون الاَن فيأتون الحج, ولا يقدرون على مثلها حتى عام مقبل» فجاء الشيطان فخوّف أولياءه, فقال: إن الناس قد جمعوا لكم, فأبى عليه الناس أن يتبعوه, فقال «إني ذاهب وإن لم يتبعني أحد لأحضض الناس» فانتدب معه أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي والزبير وسعد وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبو عبيدة بن الجراح في سبعين رجلاً, فساروا في طلب أبي سفيان فطلبوه حتى بلغوا الصفراء, فأنزل الله تعالى: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح} الاَية, ثم قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد, وهي من المدينة على ثمانية أميال, قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم, فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء, ثم رجع إلى المدينة, وقد مر به ـ كما حدثني عبد الله بن أبي بكر ـ معبد بن أبي معبد الخزاعي, وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئاً كان بها, ومعبد يومئذ مشرك, فقال: يا محمد, أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك, ولوددنا أن الله عافاك فيهم, ثم خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء, وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وقالوا: أصبنا حَدّ أصحابه وقادتهم وأشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم ؟ لنكرّنّ على بقيتهم ثم فلنفرغن منهم, فلما رأى أبو سفيان معبداً, قال: ما وراءك يا معبد ؟ قال: محمد وأصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثلهم, يتحرقون عليكم تحرقاً, قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا, فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط, قال: ويلك ما تقول ؟ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل. قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم, قال: فإني أنهاك عن ذلك, فوالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتاً من شعر, قال: وما قلت ؟ قال: قلت:
كادت تهد من الأصوات راحلتيإذ سالت الأرض بالجرد الأبابيلتردى بأسد كرام لا تنابلةعند اللقاء ولا ميل معازيلفظلت عَدْواً أظن الأرض مائلةلما سموا برئيس غير مخذولفقلت ويل ابن حرب من لقائكمإذا تغطمطت البطحاء بالجيلإني نذير لأهل البَسْل ضاحيةلكل ذي إربة منهم ومعقولمن جيش أحمد لا وخش تنابلةو ليس يوصف ما أنذرت بالقيل
قال: فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه, ومر به ركب من بني عبد القيس فقال: أين تريدون ؟ قالوا: نريد المدينة. قال: ولم ؟ قالوا: نريد الميرة. قال: فهل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكم هذه غداً زبيباً بعكاظ إذا وافيتمونا ؟ قالوا: نعم. قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم, فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد, فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه, فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. وذكر ابن هشام عن أبي عبيدة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه رجوعهم «والذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة لو أصبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب» وقال الحسن البصري في قوله {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح} إن أبا سفيان وأصحابه أصابوا من المسلمين ما أصابوا ورجعوا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان قد رجع وقد قذف الله في قلبه الرعب, فمن ينتدب في طلبه ؟ فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاتبعوهم, فبلغ أبا سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم يطلبه, فلقي عيراً من التجار فقال: ردوا محمداً ولكم من الجعل كذا وكذا, وأخبروهم أني قد جمعت لهم جموعاً وأني راجع إليهم, فجاء التجار فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «حسبنا الله ونعم الوكيل». فأنزل الله هذه الاَية, وهكذا قال عكرمة وقتادة وغير واحد: إن هذا السياق نزل في شأن حمراء الأسد, وقيل: نزلت في بدر الموعد, والصحيح الأول. وقوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمان} الاَية, أي الذين توعدهم الناس بالجموع وخوفوهم بكثرة الأعداء, فما اكترثوا لذلك بل توكلوا على الله واستعانوا به, {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}. قال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس, قال: أراه قال: حدثنا أبو بكر عن أبي حصين, عن أبي الضحى, عن ابن عباس {حسبنا الله ونعم الوكيل} قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار, وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم, فزادهم إيماناً, وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. وقد رواه النسائي عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم وهارون بن عبد الله, كلاهما عن يحيى بن أبي بكير, عن أبي بكر وهو ابن عياش به, والعجب أن الحاكم أبا عبد الله رواه من حديث أحمد بن يونس به, ثم قال: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه. ثم رواه البخاري عن أبي غسان مالك بن إسماعيل, عن إسرائيل, عن أبي حصين عن أبي الضحى, عن ابن عباس, قال: كان آخر قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار: {حسبنا الله ونعم الوكيل}. وقال عبد الرزاق: قال ابن عيينة: وأخبرني زكريا عن الشعبي, عن عبد الله بن عمرو, قال: هي كلمة إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار, رواه ابن جرير. وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن معمر, حدثنا إبراهيم بن موسى الثوري, حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن زياد السكري, أنبأنا أبو بكر بن عياش عن حميد الطويل, عن أنس بن مالك, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يوم أحد: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم, فأنزل الله هذه الاَية. وروى أيضاً بسنده عن محمد بن عُبيد الله الرافعي, عن أبيه, عن جده أبي رافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم, وجه علياً في نفر معه في طلب أبي سفيان, فلقيهم أعرابي من خزاعة فقال: إن القوم قد جمعوا لكم, فقالوا: {حسبنا الله ونعم الوكيل} فنزلت فيهم هذه الاَية. ثم قال ابن مردويه: حدثنا دعلج بن أحمد, حدثنا الحسن بن سفيان, أنبأنا أبو خيثمة مصعب بن سعيد, أنبأنا موسى بن أعين, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا: {حسبنا الله ونعم الوكيل}» هذا حديث غريب من هذا الوجه ـ وقد قال الإمام أحمد: حدثنا حيوة بن شريح وإبراهيم بن أبي العباس, قالا: حدثنا بقية, حدثنا بحير بن سَعْد عن خالد بن معدان, عن سيف, عن عوف بن مالك أنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم, قضى بين رجلين, فقال: المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ردوا علي الرجل» فقال: «ما قلت ؟» قال: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يلوم على العجز, ولكن عليك بالكيس, فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل» وكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث بقية عن بحير عن خالد, عن سيف وهو الشامي, ولم ينسب عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ـ وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط, حدثنا مطرف عن عطية, عن ابن عباس في قوله: {فإذا نقر في الناقور}, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يسمع متى يؤمر فينفخ ؟» فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما نقول ؟ قال «قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا» وقد روي هذا من غير وجه, وهو حديث جيد, وروينا عن أم المؤمنين زينب وعائشة رضي الله عنهما, أنهما تفاخرتا, فقالت زينب: زوجني الله وزوجكن أهاليكن, وقالت عائشة: نزلت براءتي من السماء في القرآن, فسلمت لها زينب, ثم قالت: كيف قلت حين ركبت راحلة صفوان بن المعطل ؟ فقالت: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل. قالت زينب: قلت كلمة المؤمنين, ولهذا قال تعالى: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} أي لما توكلوا على الله كفاهم ما أهمهم وردّ عنهم بأس من أراد كيدهم فرجعوا إلى بلدهم {بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} مما أضمر لهم عدوهم {واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم} وقال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ, حدثنا أبو بكر بن داود الزاهد, حدثنا محمد بن نعيم, حدثنا بشر بن الحكم, حدثنا مبشر بن عبد الله بن رزين, حدثنا سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم, عن عكرمة, عن ابن عباس في قول الله تعالى {فا نقلبوا بنعمة من الله وفضل} قال: النعمة أنهم سلموا, والفضل أن عيراً مرت وكان في أيام الموسم فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربح فيها مالاً فقسمه بين أصحابه, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} قال: هذا أبو سفيان, قال لمحمد صلى الله عليه وسلم, موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا. فقال محمد صلى الله عليه وسلم «عسى», فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزل بدراً, فوافقوا السوق فيها, فابتاعوا, فذلك قول الله عز وجل: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} الاَية, قال: وهي غزوة بدر الصغرى, رواه ابن جرير, وروى أيضاً عن القاسم, عن الحسين, عن حجاج, عن ابن جريج, قال: لما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعد أبي سفيان فجعلوا يلقون المشركين فيسألونهم عن قريش, فيقولون: قد جمعوا لكم, يكيدونهم بذلك, يريدون أن يرعبوهم, فيقول المؤمنون: حسبنا الله ونعم الوكيل, حتى قدموا بدراً, فوجدوا أسواقها عافية لم)ينازعهم فيها أحد, قال: رجل من المشركين أخبر أهل مكة بخيل محمد, وقال في ذلك:
نفرت قلوصي من خيول محمدوعجوة منثورة كالعنجد
واتخذت ماء قديد موعدي
قال ابن جرير: هكذا أنشدنا القاسم وهو خطأ, وإنما هو:
قد نفرت من رفقتي محمدوعجوة من يثرب كالعنجد
فهي على دين أبيها الأتلدقد جعلت ماء قديد موعدي
وماء ضجنان لها ضحى الغد
ثم قال تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} أي يخوفكم أولياءه, ويوهمكم أنهم ذوو بأس وذوو شدة, قال الله تعالى: {فلا تخافوهم وخافون إِن كنتم مؤمنين} أي إِذا سول لكم وأوهمكم فتوكلوا علي والجأوا إِلي, فإِني كافيكم وناصركم عليهم, كما قال تعالى: {أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه} إِلى قوله {قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون} وقال تعالى: {فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيف} وقال تعالى: {أولئك حزب الشيطان ألا إِن حزب الشيطان هم الخاسرون} وقال تعالى {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إِن الله قوي عزيز} وقال {ولينصرن الله من ينصره} وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِن تنصروا الله ينصركم} الاَية, وقال تعالى: {إِنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار}.
تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 72
72 : تفسير الصفحة رقم 72 من القرآن الكريم** أَوَ لَمّا أَصَابَتْكُمْ مّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنّىَ هَـَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلْيَعْلَمَ الّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاّتّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ
يقول تعالى: {أولمّا أصابتكم مصيبة} وهي ما أصيب منهم يوم أحد من قتل السبعين منهم {قد أصبتم مثليه} يعني يوم بدر, فإنهم قتلوا من المشركين سبعين قتيلاً, وأسروا سبعين أسيراً, {قلتم أنى هذ} أي من أين جرى علينا هذا {قل هو من عند أنفسكم} قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا قُراد أبو نوح, حدثنا عكرمة بن عمار, حدثنا سماك الحنفي أبو زميل, حدثني ابن عباس, حدثني عمر بن الخطاب, قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل, عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء, فقتل منهم سبعون, وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه, وكسرت رباعيته, وهشمت البيضة على رأسه, وسال الدم على وجهه, فأنزل الله {أولمّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} بأخذكم الفداء. وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن غزوان وهو قُراد أبو نوح بإسناده ولكن بأطول منه, وهكذا قال الحسن البصري, وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا إسماعيل ابن علية عن ابن عون عن محمد عن عبيد, ح, قال سُنَيد وهو حسين: وحدثني حجاج عن جرير, عن محمد عن عبيدة, عن علي رضي الله عنه, قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد, إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى, وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين: إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم, وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم, قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس, فذكر لهم ذلك فقالوا: يا رسول الله, عشائرنا وإخواننا ألا نأخذ فداءهم فنتقوى به على قتال عدونا, ويستشهد منا عدتهم, فليس في ذلك ما نكره ؟ قال: فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلاً, عدة أسارى أهل بدر, وهكذا رواه النسائي والترمذي من حديث أبي داود الحفري عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة, عن سفيان بن سعيد, عن هشام بن حسان, عن محمد بن سيرين به, ثم قال الترمذي: حسن غريب, لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة, وروى أبو أسامة عن هشام نحوه, وروى عن ابن سيرين عن عبيدة, عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وقال محمد بن إسحاق وابن جريج والربيع بن أنس والسدي {قل هو من عند أنفسكم} أي بسبب عصيانكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم فعصيتم, يعني بذلك الرماة {إن الله على كل شيء قدير} أي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه, ثم قال تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله} أي فراركم بين يدي عدوكم وقتلهم لجماعة منكم وجراحتهم لاَخرين, كان بقضاء الله وقدره, وله الحكمة في ذلك {وليعلم المؤمنين} أي الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا {وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالاً لا تبعناكم} يعني بذلك أصحاب عبد الله بن أبي ابن سلول الذين رجعوا معه في أثناء الطريق, فاتبعهم رجال من المؤمنين يحرضونهم على الإياب والقتال والمساعدة, ولهذا قال {أو ادفعو} قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأبو صالح والحسن والسدي: يعني كثروا سواد المسلمين, وقال الحسن بن صالح: ادفعوا بالدعاء, وقال غيره: رابطوا, فتعللوا قائلين {لو نعلم قتالاً لا تبعناكم} قال مجاهد: يعنون لو نعلم أنكم تلقون حرباً لجئناكم, ولكن لا تلقون قتالاً. قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ومحمد بن يحيى بن حبّان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ, وغيرهم من علمائنا, كلهم قد حدث, قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني حين خرج إلى أحد في ألف رجل من أصحابه, حتى إذا كان بالشوط بين أحد والمدينة, انحاز عنه عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس, وقال: أطاعهم فخرج وعصاني, ووالله ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس ؟ فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق وأهل الريب, واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم, قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكن لا نرى أن يكون قتال, فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الإنصراف عنهم, قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم, ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله عز وجل: {هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان} استدلوا به علة أن الشخص قد تتقلب به الأحوال, فيكون في حال أقرب إلى الكفر, وفي حال أقرب إلى الإيمان, لقوله: {هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان}. ثم قال تعالى: {يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} يعني أنهم يقولون القول ولا يعتقدون صحته, ومنه قولهم هذا {لو نعلم قتالاً لا تبعناكم} فإنهم يتحققون أن جنداً من المشركين قد جاؤوا من بلاد بعيدة يتحرقون على المسلمين بسبب ما أصيب من سراتهم يوم بدر. وهم أضعاف المسلمين أنه كائن بينهم قتال لا محالة. ولهذا قال تعالى: {والله أعلم بما يكتمون} ثم قال تعالى: {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلو} أي لو سمعوا من مشورتنا عليهم في القعود وعدم الخروج ما قتلوا مع من قتل, قال الله تعالى: {قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} أي إن كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت, فينبغي أنكم لا تموتون, والموت لا بد آت إليكم ولو كنتم في بروج مشيدة, فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين. قال مجاهد عن جابر بن عبد الله: نزلت هذه الاَية في عبد الله بن أبي ابن سلول.
** وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مّنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الّذِينَ اسْتَجَابُواْ للّهِ وَالرّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوَءٌ وَاتّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مّؤْمِنِينَ
يخبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار, فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار. قال محمد بن جرير: حدثنا محمد بن مرزوق, حدثنا عمرو بن يونس عن عكرمة, حدثنا ابن إسحاق بن أبي طلحة, حدثني أنس بن مالك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل بئر معونة, قال: لا أدري أربعين أو سبعين, وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل الجعفري, فخرج أولئك النفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتوا غاراً مشرفاً على الماء فقعدوا فيه, ثم قال بعضهم لبعض: أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء ؟ فقال ـ أراه ابن ملحان الأنصاري ـ: أنا أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فخرج حتى أتى حياً منهم فاختبأ أمام البيوت, ثم قال: يا أهل بئر معونة, إني رسول رسول الله إليكم, إني أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً عبده ورسوله, فآمنوا بالله ورسوله, فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح, فضربه في جنبه حتى خرج من الشق الاَخر, فقال: الله أكبر فزت ورب الكعبة, فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار فقتلهم أجمعين عامر بن الطفيل, وقال إسحاق: حدثني أنس بن مالك أن الله أنزل فيهم قرآناً: «بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه», ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناها زماناً, وأنزل الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير, حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة, عن مسروق, قال: سألنا عبد الله عن هذه الاَية {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «أرواحهم في جوف طير خضر, لها قناديل معلقة بالعرش, تسرح من الجنة حيث شاءت, ثم تأوي إلى تلك القناديل, فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً ؟ فقالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات, فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا, قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى, فلما رأى أن ليس لهم حاجة, تركوا» وقد روي نحوه من حديث أنس وأبي سعيد.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا حماد, حدثنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد, فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى لما يرى من فضل الشهادة» تفرد به مسلم من طريق حماد.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله المديني, حدثنا سفيان عن محمد بن علي بن ربيعة السلمي, عن عبد الله بن محمد بن عقيل, عن جابر, قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعلمت أن الله أحيا أباك, فقال له: تمن عليّ. فقال له: أرد إلى الدنيا فأقتل مرة أخرى. قال: إني قضيت الحكم أنهم إليها لا يرجعون». تفرد به أحمد من هذا الوجه. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما: أن أبا جابر وهو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله عنه, قتل يوم أحد شهيداً. قال البخاري: وقال أبو الوليد عن شعبة عن ابن المنكدر: سمعت جابراً قال لما قتل أبي: جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه, فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوني والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه, وقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تبكه ـ أو ما تبكيه ـ ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع» وقد أسنده هو ومسلم والنسائي من طريق آخر عن شعبة, عن محمد بن المنكدر, عن جابر, قال: لما قتل أبي يوم أحد, جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي, وذكر تمامه بنحوه.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب, حدثنا أبي عن ابن إسحاق, حدثنا إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد عن أبي الزبير المكي, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما أصيب إخوانكم بأحد, جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر, ترد أنهار الجنة, وتأكل من ثمارها, وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش, فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم, وحسن متقلبهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد, ولا ينكلوا عن الحرب, فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم, فأنزل الله عز وجل هذه الاَيات {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} وما بعدها» هكذا رواه أحمد, وكذا رواه ابن جرير عن يونس, عن ابن وهب, عن إسماعيل بن عياش, عن محمد بن إسحاق به. ورواه أبو داود والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره, وهذا أثبت. وكذا رواه سفيان الثوري عن سالم الأفطس, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس ـ وروى الحاكم في مستدركه من حديث أبي إسحاق الفزاري, عن سفيان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: نزلت هذه الاَية في حمزة وأصحابه {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} ثم قال: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه, وكذلك قال قتادة والربيع والضحاك: أنها نزلت في قتلى أحد.
(حديث آخر) قال أبو بكر بن مردويه, حدثنا عبد الله بن جعفر, حدثنا هارون بن سليمان, أنبأنا علي بن عبد الله المديني, أنبأنا موسى بن إبراهيم بن كثير بن بشير بن الفاكه الأنصاري, سمعت طلحة بن خراش بن عبد الرحمن بن خراش بن الصّمة الأنصاري, قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: نظر إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال «يا جابر مالي أراك مهتماً ؟» قال قلت: يا رسول الله, استشهد أبي وترك ديناً وعيالاً, قال: فقال: «ألا أخبرك ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب, وإنه كلم أباك كفاحاً», قال علي: الكفاح المواجهة «قال: سلني أعطك. قال: أسألك أن أرد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية, فقال الرب عز وجل: إنه قد سبق مني القول: أنهم إليها لا يرجعون. قال: أي رب فأبلغ من ورائي, فأنزل الله {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات} الاَية». ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن سليمان بن سليط الأنصاري, عن أبيه عن جابر, به نحوه. وكذا رواه البيهقي في دلائل النبوة من طريق علي بن المديني به. وقد رواه البيهقي أيضاً من حديث أبي عبادة الأنصاري وهو عيسى بن عبد الرحمن إن شاء الله عن الزهري, عن عروة, عن عائشة, قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر «يا جابر ألا أبشرك» قال: بلى, بشرك الله بالخير, قال «شعرت أن الله أحيا أباك, فقال: تمن عليّ عبدي ما شئت أعطكه, قال: يا رب ما عبدتك حق عبادتك, أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا فأقاتل مع نبيك وأقتل فيك مرة أخرى, قال: إنه سلف مني أنه إليها لا يرجع».
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب, حدثنا أبي عن ابن إسحاق, حدثنا الحارث بن فضيل الأنصاري عن محمود بن لبيد, عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الشهداء على بارق نهر بباب الجنة, في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا» تفرد به أحمد. وقد رواه ابن جرير عن أبي كريب: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان وعبيدة عن محمد بن إسحاق به, وهو إسناد جيد. وكأن الشهداء أقسام: منهم من تسرح أرواحهم في الجنة, ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة, وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر, فيجتمعون هنالك, ويغدى عليهم برزقهم هناك ويراح, والله أعلم ـ وقد روينا في مسند الإمام أحمد حديثاً فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضاً فيها, وتأكل من ثمارها, وترى ما فيها من النضرة والسرور, وتشاهد ما أعده الله لها من الكرامة, وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم, اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة, فإن الإمام أحمد رحمه الله, رواه عن محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله, عن مالك بن أنس الأصبحي رحمه الله, عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك, عن أبيه رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه» قوله «يعلق» أي يأكل, وفي هذا الحديث «إن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنة» وأما أرواح الشهداء فكما تقدم في حواصل طير خضر, فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين, فإنها تطير بأنفسها, فنسأل الله الكريم المنان أن يميتنا على الإيمان ـ وقوله تعالى: {فرحين بما آتاهم الله} إلى آخر الاَية, أي الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله أحياء عند ربهم, وهم فرحون بما هم فيه من النعمة والغبطة, ومستبشرون بإخوانهم الذين يقتلون بعدهم في سبيل الله أنهم يقدمون عليهم, وأنهم لا يخافون مما أمامهم ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم, نسأل الله الجنة. قال محمد بن إسحاق {ويستبشرون} أي ويسرون بلحوق من خَلْفَهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم, ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم. قال السدي: يؤتى الشهيد بكتاب فيه: يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا, ويقدم عليك فلان يوم كذا وكذا, فيسر بذلك كما يسر أهل الدنيا بغائبهم إذا قدم, وقال سعيد بن جبير: لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة للشهداء, قالوا: يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما عرفناه من الكرامة, فإذا شهدوا القتال باشروها بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبوا ما أصبنا من الخير, فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرهم وما هم فيه من الكرامة, وأخبرهم, أي ربهم, أني قد أنزلت على نبيكم وأخبرته بأمركم وما أنتم فيه, فاستبشروا بذلك, فذلك قوله: {ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم} الاَية, وقد ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه في قصة أصحاب بئر معونة السبعين من الأنصار الذين قتلوا في غداة واحدة, وقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على الذين قتلوهم ويلعنهم, قال أنس: ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع «أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا».
ثم قال تعالى: {يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} قال محمد بن إسحاق: استبشروا وسروا لما عاينوا من وفاء الموعود وجزيل الثواب. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هذه الاَية جمعت المؤمنين كلهم سواء الشهداء وغيرهم, وقلما ذكر الله فضلاً ذكر به الأنبياء وثواباً أعطاهم الله إياه, إلا ذكر الله ما أعطى المؤمنين من بعدهم. وقوله تعالى: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح} هذا كان يوم حمراء الأسد, وذلك أن المشركين لما أصابوا ما أصابوا من المسلمين, كروا راجعين إلى بلادهم, فلما استمروا في سيرهم ندموا لم لا تمموا على أهل المدينة وجعلوها الفيصلة, فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب المسلمين إلى الذهاب وراءهم ليرعبهم ويريهم أن بهم قوة وجلداً, ولم يأذن لأحد سوى من حضر الوقعة يوم أحد سوى جابر بن عبد الله رضي الله عنه, لما سنذكره, فانتدب المسلمون على ما بهم من الجراح والإثخان طاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد, حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو, عن عكرمة, قال: لما رجع المشركون عن أحد, قالوا: لا محمداً قتلتم, ولا الكواعب أردفتم, بئس ما صنعتم, ارجعوا, فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك, فندب المسلمين, فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد ـ أو بئر أبي عيينة ـ الشك من سفيان ـ فقال المشركون: نرجع من قابل, فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكانت تعد غزوة, فأنزل الله تعالى: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم} ورواه ابن مردويه من حديث محمد بن منصور عن سفيان بن عيينة, عن عمرو, عن عكرمة, عن ابن عباس فذكره ـ وقال محمد بن إسحاق: كان يوم أحد يوم السبت للنصف من شوال, فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال, أذّن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو, وأذّن مؤذنه أن لا يخرج معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس, فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام, فقال: يا رسول الله, إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع, وقال: يا بني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن, ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي فتخلف على أخواتك, فتخلفت عليهن, فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه, وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهباً للعدو, وليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة, وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم. قال محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان: أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل, كان قد شهد أحداً, قال: شهدتُ أحداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخي فرجعنا جريحين, فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو, قلت لأخي ـ أو قال لي ـ: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والله ما لنا من دابة نركبها, وما منا إلا جريح ثقيل فخرجنا مع رسول الله, وكنت أيسر جراحاً منه, فكان إذا غلب حملته عُقبة ومشى عُقبة, حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون. وقال البخاري: حدثنا محمد بن سلام, حدثنا أبو معاوية عن هشام, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها {الذين استجابوا لله والرسول} الاَية, قلت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر رضي الله عنهما لما أصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد, وانصرف عنه المشركون, خاف أن يرجعوا, فقال «من يرجع في أثرهم» فانتدب منهم سبعون رجلاً فيهم أبو بكر والزبير رضي الله عنهما, هكذا رواه البخاري منفرداً به بهذا السياق, وهكذا رواه الحاكم في مستدركه عن الأصم, عن عباس الدوري, عن أبي النضر, عن أبي سعيد المؤدب, عن هشام بن عروة به, ثم قال: صحيح, ولم يخرجاه, كذا قال. ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار, وهديّة بن عبد الوهاب عن سفيان بن عيينة. عن هشام بن عروة به, وهكذا رواه سعيد بن منصور وأبو بكر الحميدي في مسنده عن سفيان به. وقد رواه الحاكم أيضاً من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن البهي, عن عروة, قال: قالت لي عائشة: يا بنيّ إن أباك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح, ثم قال: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه ـ وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر من أصل كتابه, أنبأنا سمويه, أنبأنا عبد الله بن الزبير, أنبأنا سفيان, أنبأنا هشام عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها, قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن كان أبواك لمن الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح أبو بكر والزبير رضي الله عنهما», ورفع هذا الحديث خطأ محض من جهة إسناده لمخالفته رواية الثقات من وقفه على عائشة رضي الله عنها كما قدمناه, ومن جهة معناه فإن الزبير ليس هو من آباء عائشة, وإنما قالت ذلك عائشة لعروة بن الزبير, لأنه ابن أختها أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم, وقال ابن جرير: حدثني محمد بن سعد, حدثني أبي, حدثني عمي, حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: إن الله قذف في قلب أبي سفيان الرعب يوم أحد بعد ما كان منه ما كان, فرجع إلى مكة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفاً, وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب», وكانت وقعة أحد في شوال, وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة, فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة, وإنهم قدموا بعد وقعة أحد, وكان أصاب المؤمنين القرح, واشتكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم واشتد عليهم الذي أصابهم, وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الناس لينطلقوا معه ويتبعوا ما كانوا متبعين, وقال «إنما يرتحلون الاَن فيأتون الحج, ولا يقدرون على مثلها حتى عام مقبل» فجاء الشيطان فخوّف أولياءه, فقال: إن الناس قد جمعوا لكم, فأبى عليه الناس أن يتبعوه, فقال «إني ذاهب وإن لم يتبعني أحد لأحضض الناس» فانتدب معه أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي والزبير وسعد وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبو عبيدة بن الجراح في سبعين رجلاً, فساروا في طلب أبي سفيان فطلبوه حتى بلغوا الصفراء, فأنزل الله تعالى: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح} الاَية, ثم قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد, وهي من المدينة على ثمانية أميال, قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم, فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء, ثم رجع إلى المدينة, وقد مر به ـ كما حدثني عبد الله بن أبي بكر ـ معبد بن أبي معبد الخزاعي, وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئاً كان بها, ومعبد يومئذ مشرك, فقال: يا محمد, أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك, ولوددنا أن الله عافاك فيهم, ثم خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء, وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وقالوا: أصبنا حَدّ أصحابه وقادتهم وأشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم ؟ لنكرّنّ على بقيتهم ثم فلنفرغن منهم, فلما رأى أبو سفيان معبداً, قال: ما وراءك يا معبد ؟ قال: محمد وأصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثلهم, يتحرقون عليكم تحرقاً, قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا, فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط, قال: ويلك ما تقول ؟ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل. قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم, قال: فإني أنهاك عن ذلك, فوالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتاً من شعر, قال: وما قلت ؟ قال: قلت:
كادت تهد من الأصوات راحلتيإذ سالت الأرض بالجرد الأبابيلتردى بأسد كرام لا تنابلةعند اللقاء ولا ميل معازيلفظلت عَدْواً أظن الأرض مائلةلما سموا برئيس غير مخذولفقلت ويل ابن حرب من لقائكمإذا تغطمطت البطحاء بالجيلإني نذير لأهل البَسْل ضاحيةلكل ذي إربة منهم ومعقولمن جيش أحمد لا وخش تنابلةو ليس يوصف ما أنذرت بالقيل
قال: فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه, ومر به ركب من بني عبد القيس فقال: أين تريدون ؟ قالوا: نريد المدينة. قال: ولم ؟ قالوا: نريد الميرة. قال: فهل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكم هذه غداً زبيباً بعكاظ إذا وافيتمونا ؟ قالوا: نعم. قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم, فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد, فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه, فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. وذكر ابن هشام عن أبي عبيدة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه رجوعهم «والذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة لو أصبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب» وقال الحسن البصري في قوله {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح} إن أبا سفيان وأصحابه أصابوا من المسلمين ما أصابوا ورجعوا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان قد رجع وقد قذف الله في قلبه الرعب, فمن ينتدب في طلبه ؟ فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاتبعوهم, فبلغ أبا سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم يطلبه, فلقي عيراً من التجار فقال: ردوا محمداً ولكم من الجعل كذا وكذا, وأخبروهم أني قد جمعت لهم جموعاً وأني راجع إليهم, فجاء التجار فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «حسبنا الله ونعم الوكيل». فأنزل الله هذه الاَية, وهكذا قال عكرمة وقتادة وغير واحد: إن هذا السياق نزل في شأن حمراء الأسد, وقيل: نزلت في بدر الموعد, والصحيح الأول. وقوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمان} الاَية, أي الذين توعدهم الناس بالجموع وخوفوهم بكثرة الأعداء, فما اكترثوا لذلك بل توكلوا على الله واستعانوا به, {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}. قال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس, قال: أراه قال: حدثنا أبو بكر عن أبي حصين, عن أبي الضحى, عن ابن عباس {حسبنا الله ونعم الوكيل} قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار, وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم, فزادهم إيماناً, وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. وقد رواه النسائي عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم وهارون بن عبد الله, كلاهما عن يحيى بن أبي بكير, عن أبي بكر وهو ابن عياش به, والعجب أن الحاكم أبا عبد الله رواه من حديث أحمد بن يونس به, ثم قال: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه. ثم رواه البخاري عن أبي غسان مالك بن إسماعيل, عن إسرائيل, عن أبي حصين عن أبي الضحى, عن ابن عباس, قال: كان آخر قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار: {حسبنا الله ونعم الوكيل}. وقال عبد الرزاق: قال ابن عيينة: وأخبرني زكريا عن الشعبي, عن عبد الله بن عمرو, قال: هي كلمة إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار, رواه ابن جرير. وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن معمر, حدثنا إبراهيم بن موسى الثوري, حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن زياد السكري, أنبأنا أبو بكر بن عياش عن حميد الطويل, عن أنس بن مالك, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يوم أحد: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم, فأنزل الله هذه الاَية. وروى أيضاً بسنده عن محمد بن عُبيد الله الرافعي, عن أبيه, عن جده أبي رافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم, وجه علياً في نفر معه في طلب أبي سفيان, فلقيهم أعرابي من خزاعة فقال: إن القوم قد جمعوا لكم, فقالوا: {حسبنا الله ونعم الوكيل} فنزلت فيهم هذه الاَية. ثم قال ابن مردويه: حدثنا دعلج بن أحمد, حدثنا الحسن بن سفيان, أنبأنا أبو خيثمة مصعب بن سعيد, أنبأنا موسى بن أعين, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا: {حسبنا الله ونعم الوكيل}» هذا حديث غريب من هذا الوجه ـ وقد قال الإمام أحمد: حدثنا حيوة بن شريح وإبراهيم بن أبي العباس, قالا: حدثنا بقية, حدثنا بحير بن سَعْد عن خالد بن معدان, عن سيف, عن عوف بن مالك أنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم, قضى بين رجلين, فقال: المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ردوا علي الرجل» فقال: «ما قلت ؟» قال: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يلوم على العجز, ولكن عليك بالكيس, فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل» وكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث بقية عن بحير عن خالد, عن سيف وهو الشامي, ولم ينسب عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ـ وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط, حدثنا مطرف عن عطية, عن ابن عباس في قوله: {فإذا نقر في الناقور}, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يسمع متى يؤمر فينفخ ؟» فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما نقول ؟ قال «قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا» وقد روي هذا من غير وجه, وهو حديث جيد, وروينا عن أم المؤمنين زينب وعائشة رضي الله عنهما, أنهما تفاخرتا, فقالت زينب: زوجني الله وزوجكن أهاليكن, وقالت عائشة: نزلت براءتي من السماء في القرآن, فسلمت لها زينب, ثم قالت: كيف قلت حين ركبت راحلة صفوان بن المعطل ؟ فقالت: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل. قالت زينب: قلت كلمة المؤمنين, ولهذا قال تعالى: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} أي لما توكلوا على الله كفاهم ما أهمهم وردّ عنهم بأس من أراد كيدهم فرجعوا إلى بلدهم {بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} مما أضمر لهم عدوهم {واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم} وقال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ, حدثنا أبو بكر بن داود الزاهد, حدثنا محمد بن نعيم, حدثنا بشر بن الحكم, حدثنا مبشر بن عبد الله بن رزين, حدثنا سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم, عن عكرمة, عن ابن عباس في قول الله تعالى {فا نقلبوا بنعمة من الله وفضل} قال: النعمة أنهم سلموا, والفضل أن عيراً مرت وكان في أيام الموسم فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربح فيها مالاً فقسمه بين أصحابه, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} قال: هذا أبو سفيان, قال لمحمد صلى الله عليه وسلم, موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا. فقال محمد صلى الله عليه وسلم «عسى», فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزل بدراً, فوافقوا السوق فيها, فابتاعوا, فذلك قول الله عز وجل: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} الاَية, قال: وهي غزوة بدر الصغرى, رواه ابن جرير, وروى أيضاً عن القاسم, عن الحسين, عن حجاج, عن ابن جريج, قال: لما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعد أبي سفيان فجعلوا يلقون المشركين فيسألونهم عن قريش, فيقولون: قد جمعوا لكم, يكيدونهم بذلك, يريدون أن يرعبوهم, فيقول المؤمنون: حسبنا الله ونعم الوكيل, حتى قدموا بدراً, فوجدوا أسواقها عافية لم)ينازعهم فيها أحد, قال: رجل من المشركين أخبر أهل مكة بخيل محمد, وقال في ذلك:
نفرت قلوصي من خيول محمدوعجوة منثورة كالعنجد
واتخذت ماء قديد موعدي
قال ابن جرير: هكذا أنشدنا القاسم وهو خطأ, وإنما هو:
قد نفرت من رفقتي محمدوعجوة من يثرب كالعنجد
فهي على دين أبيها الأتلدقد جعلت ماء قديد موعدي
وماء ضجنان لها ضحى الغد
ثم قال تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} أي يخوفكم أولياءه, ويوهمكم أنهم ذوو بأس وذوو شدة, قال الله تعالى: {فلا تخافوهم وخافون إِن كنتم مؤمنين} أي إِذا سول لكم وأوهمكم فتوكلوا علي والجأوا إِلي, فإِني كافيكم وناصركم عليهم, كما قال تعالى: {أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه} إِلى قوله {قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون} وقال تعالى: {فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيف} وقال تعالى: {أولئك حزب الشيطان ألا إِن حزب الشيطان هم الخاسرون} وقال تعالى {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إِن الله قوي عزيز} وقال {ولينصرن الله من ينصره} وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِن تنصروا الله ينصركم} الاَية, وقال تعالى: {إِنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار}.
الصفحة رقم 72 من المصحف تحميل و استماع mp3