تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 143 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 143

 {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ * وَذَرُواْ ظَـٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ * وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَـٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ * أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَـٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}
قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} .
التحقيق أنه فصله لهم بقوله: {قُل لاَ أَجِدُ فِى مَآ أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَ أَن يَكُونَ مَيْتَةً} ، ومعنى الآية: أي شيء يمنعكم أن تأكلوا ما ذكيتم، وذكرتم عليه اسم الله، والحال أن الله فصل لكم المحرم أكله عليكم في قوله: {قُل لاَ أَجِدُ فِى مَآ أُوْحِىَ إِلَىَّ} الآية، وليس هذا منه.
وما يزعمه كثير من المفسرين من أنه فصله لهم بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ} . فهو غلط. لأن قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ} من سورة المائدة، وهي من آخر ما نزل من القرآن بالمدينة، وقوله: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} من سورة الأنعام، وهي مكية. فالحق هو ما ذكرنا، والعلم عند الله تعالى.

{وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ * فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ * وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}
قوله تعالى: {وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَ} .
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه جعل في كل قرية أكابر المجرمين منها ليمكروا فيها، ولم يبين المراد بالأكابر هنا، ولا كيفية مكرهم، وبين جميع ذلك في مواضع أخر: فبين أن مجرميها الأكابر هم أهل الترف، والنعمة في الدنيا، بقوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ} ، وقوله: {وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَـٰرِهِم مُّقْتَدُونَ} . ونحو ذلك من الآيات.
وبين أن مكر الأكابر المذكور: هو أمرهم بالكفر بالله تعالى، وجعل الأنداد له بقوله: {وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاد} ، وقوله: {وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراًوَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ} .
وأظهر أوجه الإعراب المذكورة في الآية عندي اثنان:
أحدهما: أن «أكابر» مضاف إلى «مجرميها» وهو المفعول الأول لجعل التي بمعنى صير، والمفعول الثاني هو الجار والمجرور، أعني في كل قرية.
والثاني: أن «مجرميها» مفعول أول. و«أَكَابِرَ» مفعول ثان، أي جعلنا مجرميها أكابرها، والأكابر جمع الأكبر. قوله تعالى: {وَإِذَا جَآءَتْهُمْ ءَايَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ} .
يعنون أنهم لن يؤمنوا حتى تأتيهم الملائكة بالرسالة، كما أتت الرسل، كما بينه تعالى في آيات أخر، كقوله: {وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلَـٰئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَ} .
وقوله: {أَوْ تَأْتِىَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلَـٰئِكَةِ قَبِيل} ، إلى غير ذلك من الآيات.