تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 220 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 220  {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى ٱلاٌّرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَمَا تُغْنِى ٱلآيَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ * فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنَّى مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ * ثُمَّ نُنَجِّى رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى شَكٍّ مِّن دِينِى فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ * وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنُ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَـٰكِمِينَ}
قوله تعالى: {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى ٱلاٌّرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعً}.
صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه لو شاء إيمان جميع أهل الأرض لآمنوا كلهم جميعاً، وهو دليل واضح على أن كفرهم واقع بمشيئته الكونية القدرية. وبين ذلك أيضاً في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُو} ، وقوله: {وَلَوْ شِئْنَا لاّتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَ} ، وقوله: {وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ} إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}.
بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن من لم يهده الله فلا هادي له، ولا يمكن أحداً أن يقهر قلبه على الانشراح إلى الإيمان إلا إذا أراد الله به ذلك.
وأوضح ذلك المعنى في آيات كثيرة كقوله: {وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئ} ، وقوله: {إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ} ، وقوله: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ} ، وقوله: {مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ} ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً كما تقدم، في «النساء».
والظاهر أنها غير منسوخة، وأن معناها أنه لا يهدي القلوب ويوجهها إلى الخير إلا الله تعالى: وأظهر دليل على ذلك أن الله أتبعه بقوله: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ} .
قوله تعالى: {قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ} .
أمر الله جل وعلا جميع عباده أن ينظروا ماذا خلق في السماوات والأرض من المخلوقات الدالة على عظم خالقها، وكماله، وجلاله، واستحقاقه لأن يعبد وحده جل وعلا.
وأشار لمثل ذلك بقوله: {سَنُرِيهِمْ ءَايَـٰتِنَا فِى ٱلاٌّفَاقِ وَفِىۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ} ، ووبخ في سورة «الأعراف» من لم يمتثل هذا الأمر وهدده بأنه قد يعاجله الموت فينقضي أجله قبل أن ينظر فيما أمره الله جل وعلا أن ينظر فيه لينبه بذلك على وجوب المبادرة في امتثال أمر الله ـ جل وعلا ـ وذلك في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِى مَلَكُوتِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَىْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ} .
تنبيه
آية «الأعراف» هذه التي ذكرنا تدل دلالة واضحة على أن الأمر يقتضي الفور، وهو الذي عليه جمهور الأصوليين، خلافاً لجماعة من الشافعية وغيرهم.
قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} .
أوضح هذا المعنى في قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَ} .
قوله تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} .
أوضح معناه أيضاً بقوله: {وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءَاخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .
قوله تعالى: {وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ}.
لم يبين هنا ما حكم الله به بين نبيه وبين أعدائه، وقد بين في آيات كثيرة أنه حكم بنصره عليهم، وإظهار دينه على كل دين، كقوله: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ} إلى آخر السورة وقوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِين} إلى آخرها، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى ٱلاٌّرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} . إلى غير ذلك من الآيات.

تم بحمد الله تفسير سورة يونس