تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 287 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 287  {وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ نُفُوراً * نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا * ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلاٌّمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً * وَقَالُوۤاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَـٰماً وَرُفَـٰتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا * يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً * وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوًّا مُّبِينًا * رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً * وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَءَاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورً}


قوله تعالى: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ نُفُور}. بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن نبيه صلى الله عليه وسلم إذا ذكر ربه وحده في القرآن بأن قال «لا إله لا الله» ولى الكافرون على أدبارهم نفوراً، بغضاً منهم لكلمة التوحيد، ومحبة للإشراك به جل وعلا.
وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر، مبيناً أن نفورهم من ذكره وحده جل وعلا سبب خلودهم في النار، كقوله: {وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلاٌّخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}، وقوله: {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـىِّ ٱلْكَبِيرِ}، وقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَءِنَّا لَتَارِكُوۤ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ}، وقوله: {كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ}، وقوله: {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَا بَيِّنَـٰتٍ تَعْرِفُ فِى وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ يَكَـٰدُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَ}، وقوله: {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}.
وقوله في هذه الآية: {نُفُور} جمع نافر. فهو حال. أي ولوا على أدبارهم في حال كونهم نافرين من ذكر الله وحده من دون إشراك. والفاعل يجمع على فعول كساجد وسجود، وراكع وركوع.
وقال بعض العلماء: «نفوراً» مصدر، وعليه فهو ما ناب عن المطلق من قوله {وَلَّوْ} لأن التولية عن ذكره وحده بمعنى النفور منه. قوله تعالى: {قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورً} . بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المعبودين من دون الله الذين زعم الكفار أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، ويشفعون لهم عنده لا يملكون كشف الضر عن عابديهم. أي إزالة المكروه عنهم، ولا تحويلاً أي تحويله من إنسان إلى آخر، أو تحويل المرض إلى الصحة، والفقر إلى الغنى، والقحط إلى الجدب ونحو ذلك. ثم بين فيها أيضاً أن المعبودين الذين عبدهم الكفار من دون الله يتقربون إلى الله بطاعته، ويبتغون الوسيلة إليه، أي الطريق إلى رضاه ونيل ما عنده من الثواب بطاعته فكان الواجب عليكم أن تكونوا مثلهم.
قال ابن مسعود: نزلت هذه الآية في قوم من العرب من خزاعة أو غيرهم، كانوا يعبدون رجالاً من الجن، فأسلم الجنيون وبقي الكفار يعبدونهم فأنزل الله {أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ} وعن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في الذين كانوا يعبدون عزيراً والمسيح وأمه. وعنه أيضاً، وعن ابن مسعود، وابن زيد، والحسن: أنها نزلت في عبدة الملائكة. وعن ابن عباس: أنها نزلت في عبدة الشمس والقمر والكواكب وعزير والمسيح وأمه.
وهذا المعنى الذي بينه جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أن كل معبود من دون الله لا ينفع عابده، وأن كل معبود من دونه مفتقر إليه ومحتاج له جل وعلا ـ بينه أيضاً في مواضع أخر، كقوله «في سبإ» {قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَلاَ فِى ٱلاٌّرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍوَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}، وقوله «في الزمر»: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ}، إلى غير ذلك من الآيات وقد قدمنا «في سورة المائدة» أن المراد بالوسيلة في هذه الآية الكريمة «وفي آية المائدة»: هو التقرب إلى الله بالعمل الصالح. ومنه قول لبيد: أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم بلى كل ذي لب إلى الله واسل

وقد قدمنا «في المائدة» أن التحقيق أن قول عنترة: إن الرجال لهم إليك وسيلة إن يأخذوك تكحلي وتخضبي

من هذا المعنى، كما قدمنا أنها تجمع على وسائل، كقوله: إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل

وأصح الأعاريب في قوله:
{أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} أنه بدل من واو الفاعل في قوله {يَبْتَغُونَ} وقد أوضحنا هذا «في سورة المائدة» بما أغنى عن إعادته هنا، والعلم عند الله تعالى.

{وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذٰلِك فِى ٱلْكِتَـٰبِ مَسْطُورًا

سيتم شرحها في الصفحة التي بعدها