تفسير الطبري تفسير الصفحة 287 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 287
288
286
 الآية : 50 و 51
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مّمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الّذِي فَطَرَكُمْ أَوّلَ مَرّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىَ هُوَ قُلْ عَسَىَ أَن يَكُونَ قَرِيباً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد للـمكذّبـين بـالبعث بعد الـمـمات من قومك القائلـين أئِذَا كُنّا عِظاما وَرُفـاتا أئِنّا لَـمَبْعُوثُونَ خَـلْقا جَدِيدا: كونوا إن عجبتـم من إنشاء الله إياكم، وإعادته أجسامكم، خـلقا جديدا بعد بِلاكم فـي التراب، ومصيركم رُفـاتا، وأنكرتـم ذلك من قُدرته حجارة أو حديدا، أو خـلقا مـما يكبر فـي صدوركم إن قدرتـم علـى ذلك، فإنـي أحيـيكم وأبعثكم خـلقا جديدا بعد مصيركم كذلك كما بدأتكم أوّل مرّة.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنىّ بقوله أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ فقال بعضهم: عُنِـي به الـموت، وأريد به: أو كونوا الـموت، فإنكم إن كنتـموه أمتّكم ثم بعثتكم بعد ذلك يوم البعث. ذكر من قال ذلك:
16877ـ حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبـيه، عن عطية، عن ابن عمر أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ قال: الـموت، قال: لو كنتـم موتـى لأحيـيتكم.
16878ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ يعنـي الـموت. يقول: إن كنتـم الـموت أحيـيتكم.
16879ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي، قال: حدثنا أبو مالك الـجنبـي، قال: حدثنا ابن أبـي خالد، عن أبـي صالـح فـي قوله أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ قال: الـموت.
16880ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا سلـيـمان أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ قال: الـموت.
16881ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال سعيد بن جبـير، فـي قوله: أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ كونوا الـموت إن استطعتـم، فإن الـموت سيـموت قال: ولـيس شيء أكبر فـي نفس ابن آدم من الـموت.
حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغنـي، عن سعيد بن جبـير، قال: هو الـموت.
16882ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: «يجاء بـالـموت يوم القـيامة كأنه كبش أملـح حتـى يُجعل بـين الـجنة والنار، فـينادى مناد يُسمِع أهلَ الـجنة وأهل النار، فـيقول: هذا الـموت قد جئنا به ونـحن مهلكوه، فأيقنوا يا أهل الـجنة وأهل النار أن الـموت قد هلك».
16883ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ يعنـي الـموت، يقول: لو كنتـم الـموت لأمتكم.
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إن الله يجيء بـالـموت يوم القـيامة، وقد صار أهل الـجنة وأهل النار إلـى منازلهم، كأنه كبش أملـح، فـيقـف بـين الـجنة والنار، فـينادي أهل الـجنة وأهل النار هذا الـموت، ونـحن ذابحوه، فأيقنوا بـالـخـلود.
وقال آخرون: عنى بذلك السماء والأرض والـجبـال. ذكر من قال ذلك:
16884ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ قال: السماء والأرض والـجبـال.
وقال آخرون: بل أريد بذلك: كونوا ما شئتـم. ذكر من قال ذلك:
16885ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد كُونُوا حِجارَةً أوْ حَدِيدا أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ قال: ما شئتـم فكونوا، فسيعيدكم الله كما كنتـم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16886ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أوْ حَدِيدا أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ قال: من خـلق الله، فإن الله يـميتكم ثم يبعثكم يوم القـيامة خـلقا جديدا.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله تعالـى ذكره قال: أوْ خَـلْقا مـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ، وجائز أن يكون عنى به الـموت، لأنه عظيـم فـي صدور بنـي آدم وجائز أن يكون أراد به السماء والأرض وجائز أن يكون أراد به غير ذلك، ولا بـيان فـي ذلك أبـين مـما بـين جلّ ثناؤه، وهو كلّ ما كبر فـي صدور بنـي آدم من خـلقه، لأنه لـم يخصص منه شيئا دون شيء.
وأما قوله: فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا فإنه يقول: فسيقول لك يا مـحمد هؤلاء الذين لا يؤمنون بـالاَخرة مَنْ يُعِيدُنا خـلقا جديدا، إن كنا حجارة أو حديدا أو خـلقا مـما يكبر فـي صدورنا، فقل لهم: يعيدكم الّذِي فَطَرَكُمْ أوّلَ مَرّةٍ يقول: يعيدكم كما كنتـم قبل أن تصيروا حجارة أو حديدا إنسا أحياء، الذي خـلقكم إنسا من غير شيء أوّل مرّة، كما:
16887ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قُلِ الّذِي فَطَرَكُمْ أوّلَ مَرّةٍ أي خـلقكم فَسَيُنْغَضُونَ إلَـيْكَ رُءُوسَهُمْ يقول: فإنك إذا قلت لهم ذلك، فسيهزّون إلـيك رءوسهم برفع وخفض وكذلك النّغْض فـي كلام العرب، إنـما هو حركة بـارتفـاع ثم انـخفـاض، أو انـخفـاض ثم ارتفـاع، ولذلك سمي الظلـيـم نَغْضا، لأنه إذا عجل الـمشي ارتفع وانـخفض، وحرّك رأسه، كما قال الشاعر:
أسكّ نَغْضا لا يَنِـي مُسْتَهْدِجا
ويقال: نَغَضَت سنه: إذا تـحرّكت وارتفعت من أصلها ومنه قول الراجز:
نَغَضَتْ مِنْ هَرِمٍ أسْنانُها
وقول الاَخر:
ـمّا رأتْنِـي أنْغَضَتْ لـيَ الرأسا
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16888ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فَسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوسَهُمْ أي يحرّكون رءوسهم تكذيبـا واستهزاء.
حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة فَسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوُسَهُمْ قال: يحرّكون رءوسهم.
16889ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله فَسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوسَهُمْ يقول: سيحركونها إلـيك استهزاء.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الـخراسانـيّ، عن ابن عبـاس فسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوسَهُمْ قال: يحرّكون رءوسهم يستهزءون ويقولون متـى هو.
حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: فسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوسَهُمْ يقول: يهزؤون.
وقوله: وَيَقُولُونَ مَتـى هُوَ يقول جلّ ثناؤه: ويقولون متـى البعث، وفـي أيّ حال ووقت يعيدنا خـلقا جديدا، كما كنا أوّل مرّة؟ قال الله عزّ وجلّ لنبـيه: قل لهم يا مـحمد إذ قالوا لك: متـى هو، متـى هذا البعث الذي تعدنا؟: عسى أن يكون قريبـا وإنـما معناه: هو قريب، لأن عسى من الله واجب، ولذلك قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ أنا والسّاعَةُ كَهاتَـيْن، وأشار بـالسّبـابة والوُسطَى»، لأن الله تعالـى كان قد أعلـمه أنه قريب مـجيب.

الآية : 52 و 53
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنّونَ إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً * وَقُل لّعِبَادِي يَقُولُواْ الّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ الشّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنّ الشّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مّبِيناً }.
يقول تعالـى ذكره: قل عسى أن يكون بعثكم أيها الـمشركون قريبـا، ذلك يوم يدعوكم ربكم بـالـخروج من قبوركم إلـى موقـف القـيامة، فتستـجيبون بحمده.
اختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: فتَسْتَـجِيبُونَ بِحَمْدِهِ فقال بعضهم: فتستـجيبون بأمره. ذكر من قال ذلك:
16890ـ حدثنـي علـيّ، قال: ثنـي عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَـجِيبُونَ بِحَمْدِهِ يقول: بأمره.
16891ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج فَتَسْتَـجِيبُونَ بِحَمْدِهِ قال: بأمره.
وقال آخرون: معنى ذلك: فتستـجيبون بـمعرفته وطاعته. ذكر من قال ذلك:
16892ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَـجِيبُونَ بِحَمْدِهِ: أي بـمعرفته وطاعته.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: معناه: فتستـجيبون لله من قبوركم بقدرته، ودعائه إياكم. ولله الـحمد فـي كلّ حال، كما يقول القائل: فعلت ذلك الفعل بحمد الله، يعنـي: لله الـحمد عن كلّ ما فعلته، وكما قال الشاعر:
فإنّـي بِحَمْد الله لا ثَوْبَ فـاجِرٍلَبِسْتُ وَلا مِنْ غَدْرَةٍ أتَقَنّعُ
بـمعنى: فإنـي والـحمد لله لا ثوب فـاجر لبست.
وقوله: وَتَظُنّونَ إنْ لَبثْتُـمْ إلاّ قَلِـيلاً يقول: وتـحسِبون عند موافـاتكم القـيامة من هول ما تعاينون فـيها ما لبثتـم فـي الأرض إلا قلـيلاً، كما قال جلّ ثناؤه قالَ كَمْ لَبِثْتُـمْ فِـي الأرْض عَدَدَ سِنِـينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْما أوْ بَعْضَ يَوْمٍ فـاسألِ العادّينَ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16893ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَتَظُنّونَ إنْ لَبِثْتُـمْ إلاّ قَلِـيلاً: أي فـي الدنـيا، تـحاقرت الدنـيا فـي أنفسهم وقلّت، حين عاينوا يوم القـيامة.
وقوله: وَقُلْ لِعِبـادِي يَقُولُوا التـي هِيَ أحْسَنُ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا مـحمد لعبـادي يقل بعضهم لبعض التـي هي أحسن من الـمـحاورة والـمخاطبة. كما:
16894ـ حدثنا خلاد بن أسلـم، قال: حدثنا النضر، قال: أخبرنا الـمبـارك، عن الـحسن فـي هذه الاَية وَقُلْ لِعِبـادِي يَقُولُوا التـي هِيَ أحْسَنُ قال: التـي هي أحسن، لا يقول له مثل قوله يقول له: يرحمك الله يغفر الله لك.
وقوله: إنّ الشّيْطانَ يَنْزَغُ بَـيْنَهُمْ يقول: إن الشيطان يسوء مـحاورة بعضهم بعضا ينزغ بـينهم، يقول: يفسد بـينهم، يهيج بـينهم الشرّ إنّ الشّيْطانَ كانَ للإنْسانِ عَدُوّا مُبِـينا يقول: إن الشيطان كان لاَدم وذرّيته عدوّا، قد أبـان لهم عداوته بـما أظهر لاَدم من الـحسد، وغروره إياه حتـى أخرجه من الـجنة.
الآية : 54
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رّبّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـمشركين من قريش الذين قالوا أئِذَا كُنّا عِظاما وَرُفـاتا أئِنّا لَـمَبْعُوثُونَ خَـلْقا جَدِيدا: رَبّكُمْ أيها القوم أعْلَـمُ بِكُمْ إنْ يَشأْ يَرْحَمُكُمْ فـيتوب علـيكم برحمته، حتـى تنـيبوا عما أنتـم علـيه من الكفر به وبـالـيوم الاَخر وَإنْ يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ بأن يخذلكم عن الإيـمان، فتـموتوا علـى شرككم، فـيعذّبكم يوم القـيامة بكفركم به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16895ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن عبد الـملك بن جريج قوله: رَبّكُمْ أعْلَـمُ بِكُمْ إنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ قال: فتؤمنوا أوْ إنْ يَشأْ يُعَذّبْكُمْ فتـموتوا علـى الشرك كما أنتـم.
وقوله: وَما أرْسَلْناكَ عَلَـيْهِمْ وَكِيلاً يقول لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وما أرسلناك يا مـحمد علـى من أرسلناك إلـيه لتدعوه إلـى طاعتنا ربـا ولا رقـيبـا، إنـما أرسلناك إلـيهم لتبلغهم رسالاتنا، وبأيدينا صرفهم وتدبـيرهم، فإن شئنا رحمناهم، وإن شئنا عذّبناهم.

الآية : 55
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَرَبّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضّلْنَا بَعْضَ النّبِيّينَ عَلَىَ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى الله عليه وسلم: وربك يا مـحمد أعلـم بـمن فـي السموات والأرض وما يصلـحهم فإنه هو خالقهم ورازقهم ومدبرهم، وهو أعلـم بـمن هو أهل للتوبة والرحمة، ومن هو أهل للعذاب، أهدى للـحقّ من سبق له منـي الرحمة والسعادة، وأُضلّ من سبق له منـي الشقاء والـخذلان، يقول: فلا يكبرنّ ذلك علـيك، فإن ذلك من فعلـي بهم لتفضيـلـي بعض النبـيـين علـى بعض، بإرسال بعضهم إلـى بعض الـخـلق، وبعضهم إلـى الـجميع، ورفعي بعضهم علـى بعض درجات. كما:
16896ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَرَبّكَ أعْلَـمُ بِـمَنْ فـي السّمَوَاتِ والأرْضِ وَلَقَدْ فَضّلْنا بَعْضَ النّبِـيّـينَ عَلـى بَعْضٍ اتـخذ الله إبراهيـم خـلـيلاً، وكلّـم موسى تكلـيـما، وجعل الله عيسى كمثل آدم خـلقه من تراب، ثم قال له كن فـيكون، وهو عبد الله ورسوله، من كلـمة الله وروحه، وآتـى سلـيـمان مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده، وآتـى داود زبورا، كنا نـحدّث دعاء عُلّـمه داود، تـحميد وتـمـجيد، لـيس فـيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود، وغفر لـمـحمد ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
16897ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج وَلَقَدْ فَضّلْنا بَعْض النّبِـيّـينَ عَلـى بَعْضٍ قال: كلـم الله موسى، وأرسل مـحمدا إلـى الناس كافّة.

الآية : 56
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلِ ادْعُواْ الّذِينَ زَعَمْتُم مّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضّرّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لـمشركي قومك الذين يعبدون من دون الله من خـلقه: ادعو أيها القوم الذين زعمتـم أنهم أربـاب وآلهة من دونه عند ضرّ ينزل بكم، فـانظروا هل يقدرون علـى دفع ذلك عنكم، أو تـحويـله عنكم إلـى غيركم، فتدعوهم آلهة، فإنهم لا يقدرون علـى ذلك، ولا يـملكونه، وإنـما يـملكه ويقدر علـيه خالقكم وخالقهم. وقـيـل: إن الذين أمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذا القول، كانوا يعبدون الـملائكة وعُزيرا والـمسيح، وبعضهم كانوا يعبدون نفرا من الـجنّ. ذكر من قال ذلك:
16898ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: قُلِ ادْعُوا الّذِين زَعَمْتُـمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ يَـمْلِكُونَ كَشْفَ الضّرّ عَنْكُمْ وَلا تَـحْوِيلاً قال: كان أهل الشرك يقولون: نعبد الـملائكة وعُزَيرا، وهم الذين يدعون، يعنـي الـملائكة والـمسيح وعُزيرا.

الآية : 57
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أُولَـَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىَ رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُوراً }.
يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين يدعوهم هؤلاء الـمشركون أربـابـا يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ يقول: يبتغي الـمدعوّون أربـابـا إلـى ربهم القُربة والزّلفة، لأنهم أهل إيـمان به، والـمشركون بـالله يعبدونهم من دون الله أيّهُمْ أقْرَبُ أيهم بصالـح عمله واجتهاده فـي عبـادته أقرب عنده زلفة وَيَرْجُونَ بأفعالهم تلك رَحْمَتَهُ وَيخافُونَ بخلافهم أمره عَذَابَهُ إنّ عَذَابَ رَبّكَ يا مـحمد كانَ مَـحْذورا متقـي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل، غير أنهم اختلفوا فـي الـمدعويّن، فقال بعضهم: هم نفر من الـجنّ. ذكر من قال ذلك:
16899ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن عبد الله، فـي قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: كان ناس من الإنس يعبدون قوما من الـجنّ، فأسلـم الـجن وبقـي الإنس علـى كفرهم، فأنزل الله تعالـى أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ يعنـي الـجنّ.
حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو النعمان الـحكم بن عبد الله العجلـي، قال: حدثنا شعبة، عن سلـيـمان، عن إبراهيـم، عن أبـي معمر، قال: قال عبد الله فـي هذه الاَية أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسيـلَةَ أيّهُمْ أقْرَبُ قال: قَبـيـل من الـجنّ كانوا يعبدون فأسلـموا.
حدثنـي عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي الـحسين، عن قتادة، عن معبد بن عبد الله الزّمّانـي، عن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن مسعود، فـي قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: نزلت فـي نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الـجنّ، فأسلـم الـجنـيون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم، فأنزلت الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهُمُ الوَسيـلَةَ أيّهُمْ أقْرَبُ.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن حديث عمه عبد الله بن مسعود، قال: نزلت هذه الاَية فـي نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الـجنّ، فأسلـم الـجنـيون والنفر من العرب لا يشعرون بذلك.
16900ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قوم عبدوا الـجنّ، فأسلـم أولئك الـجنّ، فقال الله تعالـى ذكره: أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ.
حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن أبـي معمر، عن عبد الله أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفرا من الـجنّ، فأسلـم النفر من الـجنّ، واستـمسك الإنس بعبـادتهم، فقال أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن الأعمش، عن إبراهيـم عن أبـي معمر، قال: قال عبد الله: كان ناس يعبدون نفرا من الـجنّ، فأسلـم أولئك الـجنـيون، وثبتت الإنس علـى عبـادتهم، فقال الله تبـارك وتعالـى: أوَلِئكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ.
16901ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ أيّهُمْ أقْرَبُ قال كان أناس من أهل الـجاهلـية يعبدون نفرا من الـجنّ فلـما بعث النبـيّ صلى الله عليه وسلم أسلـموا جميعا، فكانوا يبتغون أيهم أقرب.
وقال آخرون: بل هم الـملائكة.
16902ـ حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي، قال: حدثنا يحيى بن السكن، قال: أخبرنا أبو العوّام، قال: أخبرنا قتادة، عن عبد الله بن معبد الزّمّانـي، عن عبد الله بن مسعود، قال: كان قبـائل من العرب يعبدون صنفـا من الـملائكة يقال لهم الـجنّ، ويقولون: هم بنات الله، فأنزل الله عزّ وجلّ أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ معشر العرب يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ.
16903ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: الذين يدعون الـملائكة تبتغي إلـى ربها الوسيـلة أيّهُمْ أقْرَبُ وَيَرْجُون رَحْمَتَهُ حتـى بلغ إنّ عَذَابَ رَبّكَ كانَ مَـحْذُورا قال: وهؤلاء الذين عبدوا الـملائكة من الـمشركين.
وقال آخرون: بل هم عزير وعيسى، وأمه. ذكر من قال ذلك:
16904ـ حدثنـي يحيى بن جعفر، قال: أخبرنا يحيى بن السكن، قال: أخبرنا شعبة، عن إسماعيـل السديّ، عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، فـي قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: عيسى وأمه وعُزير.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا أبو النعمان الـحكم بن عبد الله العجلـي، قال: حدثنا شعبة، عن إسماعيـل السدي، عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، قال: عيسى ابن مريـم وأمه وعُزير فـي هذه الاَية أولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ.
16905ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: عيسى ابن مريـم وعُزير والـملائكة.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16906ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: كان ابن عبـاس يقول فـي قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: هو عُزير والـمسيح والشمس والقمر.
وأولـى الأقوال بتأويـل هذه الاَية قول عبد الله بن مسعود الذي رويناه، عن أبـي معمر عنه، وذلك أن الله تعالـى ذكره أخبر عن الذين يدعوهم الـمشركون آلهة أنهم يبتغون إلـى ربهم الوسيـلة فـي عهد النبـيّ صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن عُزيرا لـم يكن موجودا علـى عهد نبـينا علـيه الصلاة والسلام، فـيبتغي إلـى ربه الوسيـلة وأن عيسى قد كان رُفع، وإنـما يبتغي إلـى ربه الوسيـلة من كان موجودا حيا يعمل بطاعة الله، ويتقرّب إلـيه بـالصالـح من الأعمال. فأما من كان لا سبـيـل له إلـى العمل، فبـم يبتغي إلـى ربه الوسيـلة. فإذ كان لا معنى لهذا القول، فلا قول فـي ذلك إلا قول من قال ما اخترنا فـيه من التأويـل، أو قول من قال: هم الـملائكة، وهما قولان يحتـملهما ظاهر التنزيـل. وأما الوسيـلة، فقد بـيّنا أنها القربة والزلفة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16907ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس: الوسيـلة: القربة.
16908ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: الوسيـلة، قال: القربة والزلفـى.

الآية : 58
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن مّن قَرْيَةٍ إِلاّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً }.
يقول تعالـى ذكره: وما من قرية من القرى إلا نـحن مهلكوا أهلها بـالفناء، فمبـيدوهم استئصالاً قبل يوم القـيامة، أو معذّبوها، إما ببلاء من قتل بـالسيف، أو غير ذلك من صنوف العذاب عذابـا شديدا. كما:
16909ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله عزّ وجلّ: وَإنَ مِنْ قَرْيَةٍ إلاّ نَـحْن مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ القِـيامَة فمبـيدوها أوْ معذّبُوها بـالقتل والبلاء، قال: كل قرية فـي الأرض سيصيبها بعض هذا.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه، إلا أنه قال: سيصيبها هذا أو بعضه.
16910ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإنْ مِنْ قَرْيَةٍ إلاّ نَـحْن مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ القِـيامَةِ أوْ مُعَذّبوها قضاء من الله كما تسمعون لـيس منه بدّ، إما أن يهلكها بـموت وإما أن يهلكها بعذاب مستأصل إذا تركوا أمره، وكذّبوا رسله.
حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَإنْ مِنْ قَرْيَةٍ إلاّ نَـحْنُ مُهْلِكُوها قال: مبـيدوها.
16911ـ حدثنا القاسم، قال: ثنـي الـحسين، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله، قال: إذا ظهر الزنا والربـا فـي أهل قرية أذن الله فـي هلاكها.
وقوله: كانَ ذلكَ فِـي الكِتابِ مَسْطُورا يعنـي فـي الكتاب الذي كتب فـيه كلّ ما هو كائن، وذلك اللوح الـمـحفوظ. كما:
16912ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: كانَ ذلكَ فِـي الكِتابِ مَسْطُورا قال: فـي أمّ الكتاب، وقرأ لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَق ويعنـي بقوله مَسْطُورا مكتوبـا مبـينا ومنه قول العجاج:
واعْلَـمْ بأنّ ذَا الـجَلالِ قَدْ قَدَرْفـي الكُتُبِ الأُولـى التـي كان سَطَرْأمْرَكَ هَذَا فـاحْتَفِظْ فِـيهِ النّهَرْ