تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 32 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 32

  {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِى ٱلاٌّخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ * وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلاٌّخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ * أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ * وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِىۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَٰتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلاٌّرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ * وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَءُوفٌ بِٱلْعِبَادِ * يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَقُضِىَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ * سَلْ بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ كَمْ آتَيْنَـٰهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } ،
ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاس ُلم يبيّن هنا المكان المأمور بالإفاضة منه المعبر عنه بلفظة {حَيْثُ} ، التي هي كلمة تدل على المكان ، كما تدل حين على الزمان .
ولكنه يبيّن ذلك بقوله : {فَإِذَا أَفَضْتُم مّنْ عَرَفَـٰتٍ} . وسبب نزولها أن قريشًا كانوا يقفون يوم عرفة بالمزدلفة ، ويقولون : نحن قطان بيت اللَّه ، ولا ينبغي لنا أن نخرج من الحرم ؛ لأن عرفات خارج عن الحرم وعامة الناس يقفون بعرفات ، فأمر اللَّه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والمسلمين ، أن يفيضوا من حيث أفاض الناس ، وهو عرفات ، لا من المزدلفة كفعل قريش .
وهذا هو مذهب جماهير العلماء ، وحكى ابن جرير عليه الإجماع ، وعليه فلفظة ثم للترتيب الذكري بمعنى عطف جملة على جملة ، وترتيبها عليها في مطلق الذكر ، ونظيره قوله تعالىٰ : {فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ} .
وقول الشاعر : إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده

وقال بعض العلماء المراد بقوله : {ثُمَّ أَفِيضُوا} الآية ،
أي : من مزدلفة إلى منى ، وعليه فالمراد بالناس إبرٰهيم .
قال ابن جرير في هذا القول : ولولا إجماع الحجة على خلافه لكان هو الأرجح .