تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 31 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 31

  ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَـٰتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَـٰبِ}

تقدم توضيح  هذه الأيه مع الأيات التي في الصفحة السابقة

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَـٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ }
، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ لم يبيّن هنا ما هذا الفضل الذي لا جناح في ابتغائه أثناء الحج .
وأشار في آيات أُخر إلى أنه ربح التجارة كقوله : {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَىِ} ؛ لأن الضرب في الأرض عبارة عن السفر للتجارة ، فمعنى الآية يسافرون يطلبون ربح التجارة . وقوله تعالىٰ : {فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلاْرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ} ، أي : بالبيع والتجارة ، بدليل قوله قبله : {وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ} ، أي : فإذا انقضت صلاة الجمعة فاطلبوا الربح الذي كان محرمًا عليكم عند النداء لها .
وقد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب أن غلبة إرادة المعنى المعين في القرءان تدلّ على أنه المراد ؛ لأن الحمل على الغالب أولى ، ولا خلاف بين العلماء في أن المراد بالفضل المذكور في الآية ربح التجارة ، كما ذكرنا قوله تعالىٰ
: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِى ٱلاٌّخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ * وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلاٌّخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ * أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ * وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِىۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَٰتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلاٌّرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ * وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَءُوفٌ بِٱلْعِبَادِ * يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَقُضِىَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ * سَلْ بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ كَمْ آتَيْنَـٰهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } ،
ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُلم يبيّن هنا المكان المأمور بالإفاضة منه المعبر عنه بلفظة {حَيْثُ} ، التي هي كلمة تدل على المكان ، كما تدل حين على الزمان .
ولكنه يبيّن ذلك بقوله : {فَإِذَا أَفَضْتُم مّنْ عَرَفَـٰتٍ} . وسبب نزولها أن قريشًا كانوا يقفون يوم عرفة بالمزدلفة ، ويقولون : نحن قطان بيت اللَّه ، ولا ينبغي لنا أن نخرج من الحرم ؛ لأن عرفات خارج عن الحرم وعامة الناس يقفون بعرفات ، فأمر اللَّه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والمسلمين ، أن يفيضوا من حيث أفاض الناس ، وهو عرفات ، لا من المزدلفة كفعل قريش .
وهذا هو مذهب جماهير العلماء ، وحكى ابن جرير عليه الإجماع ، وعليه فلفظة ثم للترتيب الذكري بمعنى عطف جملة على جملة ، وترتيبها عليها في مطلق الذكر ، ونظيره قوله تعالىٰ : {فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ} .
وقول الشاعر : إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده

وقال بعض العلماء المراد بقوله : {ثُمَّ أَفِيضُوا} الآية ،
أي : من مزدلفة إلى منى ، وعليه فالمراد بالناس إبرٰهيم .
قال ابن جرير في هذا القول : ولولا إجماع الحجة على خلافه لكان هو الأرجح .