تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 367 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 367


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 {طسۤمۤ * تِلْكَ ءَايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَـٰقُهُمْ لَهَا خَـٰضِعِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَـٰؤُا مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلاٌّرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ * وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتَ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّى أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِى وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَـٰرُونَ * وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِأايَـٰتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ * فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ }.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في أوّل سورة «الكهف»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفا}، وفي آخر سورة «الحجر»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ}، وقوله تعالىٰ: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}. {أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلاٌّرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ }. أشار جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة إلى أن كثرة ما أنبت في الأرض، {مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}، أي؛ صنف حسن من أصناف النبات، فيه آية دالَّة على كمال قدرته.
وقد أوضحنا في مواضع متعدّدة من هذا الكتاب المبارك أن إحياء الأرض بعد موتها، وإنبات النبات فيها بعد عدمه من البراهن القاطعة على بعث الناس بعد الموت.
وقد أوضحنا دلالة الآيات القرءانية على ذلك في سورة «البقرة»، في الكلام على قوله تعالىٰ:{يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِىْ خَلَقَكُمْ}، إلى قوله: {وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ}، وفي أوّل سورة «النحل»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {هُوَ ٱلَّذِى أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَآء لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلاعْنَـٰبَ وَمِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ}. {وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتَ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ }. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَنَـٰدَيْنَـٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلاْيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّا}. {قَالَ رَبِّ إِنِّى أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِى وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى}. قوله تعالىٰ في هذه الآية الكريمة عن نبيّه موسى عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام: {إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ}، أي: بسبب أني قتلت منهم نفسًا، وفررت منهم لما خفت أن يقتلوني بالقتيل الذي قتلته منهم، ويوضح هذا المعنى الترتيب بالفاء في قوله تعالىٰ: {قَالَ رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ}؛ لأن من يخاف القتل فهو يتوقع التكذيب، وقوله: {وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى}، أي: من أجل العقدة المذكورة في قوله تعالىٰ عن موسى: {وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مّن لّسَانِى * يَفْقَهُواْ قَوْلِي}، قدّمنا في الكلام على آية «طۤه»، هذه بعض الآيات الدالَّة على ما يتعلق بهذا المبحث. {فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَـٰرُونَ}. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَـٰرُونَ نَبِيّ}. قوله تعالىٰ عن نبيه موسى : {وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ }. لم يبيّن هنا هذا الذنب الذي لهم عليه الذي يخاف منهم أن يقتلوه بسببه، وقد بيَّن في غير هذا الموضع أن الذنب المذكور هو قتله لصاحبهم الغبطي، فقد صرّح تعالىٰ بالقتل المذكور في قوله تعالىٰ: {قَالَ رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ}، فقوله: {قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْس} مفسّر لقوله: {وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ}، ولذا رتّب بالفاء على كل واحد منهما. قوله: {فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ}،وقد أوضح تعالىٰ قصّة قتل موسى له بقوله في «القصص»: {وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوّهِ فَٱسْتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِى}، وقوله: {فَقَضَىٰ عَلَيْهِ}، أي: قتله، ولك هو الذنب المذكور في آية «الشعراء» هذه.
وقد بيَّن تعالىٰ أنه غفر لنبيّه موسى ذلك الذنب المذكور، وذلك في قوله تعالىٰ: {قَالَ رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَٱغْفِرْ لِى فَغَفَرَ لَهُ}. {قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِأايَـٰتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ }. صيغة الجمع في قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ}، للتعظيم، وما ذكره جلَّ وعلا في هذه الآية من ردّه على موسى خوفه القتل من فرعون وقومه، بحرف الزجر الذي هو {كَل}، وأمره أن يذهب هو وأخوه بآياته مبيّنًا لهما أن اللَّه معهم، أي: وهي معيّة خاصة بالنصر والتأييد، وأنه مستمع لكل ما يقول لهم فرعون، أوضحه أيضًا في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالىٰ: {قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ}، وقوله تعالىٰ: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَـٰناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِـايَـٰتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَـٰلِبُونَ}. {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم»، و «طه»، وبيّنا في سورة «طه»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ}، وجه تثنيته الرسول في «طه»، وإفراده هنا في «الشعراء»، مع شواهده العربية.

قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِى فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ

سيتم شرح هذه الأيات في الصفحة التي بعدها ان شاء الله