تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 368 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 368


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِى فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِى رَبِّى حُكْماً وَجَعَلَنِى مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَٰءِيلَ * قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلاٌّوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِىۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِى لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَىءٍ مُّبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ * فَأَلْقَىٰ عَصَـٰهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ لِلنَّـٰظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا لَسَـٰحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَٱبْعَثْ فِى ٱلْمَدَآئِنِ حَـٰشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَـٰتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ *لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَـٰلِبِينَ * فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لاّجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَـٰلِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ * قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ * فَأَلْقَوْاْ حِبَـٰلَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَـٰلِبُونَ * فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَـٰهُ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سَـٰجِدِينَ * قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ * قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَـٰيَـٰنَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِىۤ إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِى ٱلْمَدَآئِنِ حَـٰشِرِينَ * إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَـٰذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَـٰهُمْ مِّن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ * فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَآءَا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلاٌّخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلاٌّخَرِينَ * إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ * وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَٰهِيمَ * إِذْ قَالَ لاًّبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَـٰكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَءَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمُ ٱلاٌّقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِىۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * ٱلَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ * وَٱلَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَٱلَّذِى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ * وَٱلَّذِىۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ ٱلدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِى حُكْماً وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ * وَٱجْعَل لِّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى ٱلاٌّخِرِينَ * وَٱجْعَلْنِى مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ * وَٱغْفِرْ لاًّبِىۤ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ * وَلاَ تُخْزِنِى يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِن شَـٰفِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ * كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ *فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلاٌّرْذَلُونَ * قَالَ وَمَا عِلْمِى بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّى لَوْ تَشْعُرُونَ * وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ * إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ * قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ * فَٱفْتَحْ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِى وَمَن مَّعِى مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * فَأَنجَيْنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُ فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ٱلْبَـٰقِينَ * إِنَّ فِى ذَلِكَ لاّيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ * كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِىۤ أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَـٰمٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّىۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَٰعِظِينَ * إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلاٌّوَّلِينَ * وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ *فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَـٰلِحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * أَتُتْرَكُونَ فِى مَا هَاهُنَآ ءَامِنِينَ * فِى جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَـٰرِهِينَ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ * ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِى ٱلاٌّرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ * قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ * مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِأايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ * قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَـٰدِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ *كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَٰجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ * قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّى لِعَمَلِكُمْ مِّنَ ٱلْقَـٰلِينَ * رَبِّ نَّجِنِى وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عَجُوزاً فِى ٱلْغَـٰبِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلاٌّخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ * إِنَّ فِى ذَلِكَ لاّيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ * كَذَّبَ أَصْحَـٰبُ لْأيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ * وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ * وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلاٌّرْضِ مُفْسِدِينَ}
{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيد}.
تربية فرعون لموسى هذه التي ذكرها له هي التي ذكر مبدؤها في قوله تعالىٰ: {وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لّى وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}، وقوله تعالىٰ: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مّنّى وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِى}. قوله تعالىٰ في كلام فرعون لموسى : {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِى فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ }. أبهم جلَّ وعلا هذه الفعلة التي فعلها لتعبيره عنها بالاسم المبهم الذي هو الموصول في قوله: {ٱلَّتِى فَعَلْتَ}، وقد أوضحها في آيات أُخر، وبيَّن أن الفعلة المذكورة هي قتله نفسًا منهم؛ كقوله تعالىٰ: {فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ}، وقوله تعالىٰ: {قَالَ رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْس}، وقوله عن الإسرٰئيلي الذي استغاث بموسى مرّتين: {قَالَ يَـاءادَمُ مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلاْمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِى ٱلاْرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ}.
وأظهر الأقوال عندي في معنى قوله: {وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ}، أن المراد به كفر النعمة، يعني أنعمنا عليك بتربيتنا إياك صغيرًا، وإحساننا إليك تتقلب في نعمتنا فكفرت نعمتنا، وقابلت إحساننا بالإساءة لقتلك نفسًا منّا، وباقي الأقوال تركناه؛ لأن هذا أظهرها عندنا.
وقال بعض أهل العلم: ردّ موسى على فرعون امتنانه عليه بالتربية، بقوله: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى}، يعني: تعبيدك لقومي، وإهانتك لهم لا يعتبر معه إحسانك إليّ لأني رجل واحد منهم، والعلم عند اللَّه تعالىٰ. {قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ }. أي: قال موسى مجيبًا لفرعون: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذا}، أي: إذ فعلتها {وَأَنَ} في ذلك الحين {مِنَ ٱلضَّالّينَ}، أي: قبل أن يوحي اللَّه إليّ، ويبعثني رسولاً، وهذا هو التحقيق إن شاء اللَّه في معنى الآية.
وقول من قال من أهل العلم: {وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالّينَ}، أي: من الجاهلين، راجع إلى ما ذكرنا؛ لأنه بالنسبة إلى ما علمه اللَّه من الوحي يعتبر قبله جاهلاً، أي: غير عالم بما أوحى اللَّه إليه.
وقد بيَّنا مرارًا في هذا الكتاب المبارك أن لفظ الضلال يطلق في القرءان، وفي اللغة العربية ثلاثة إطلاقات:
الإطلاق الأوّل: يطلق الضلال مرادًا به الذهاب عن حقيقة الشىء، فتقول العرب في كل من ذهب عن علم حقيقة شىء ضلّ عنه، وهذا الضلال ذهاب عن علم شىء ما، وليس من الضلال في الدين.
ومن هذا المعنى قوله هنا: {وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالّينَ}، أي: من الذاهبين عن علم حقيقة العلوم، والأسرار التي لا تعلم إلا عن طريق الوحي، لأني في ذلك الوقت لم يوحَ إليّ، ومنه على التحقيق: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَىٰ}، أي: ذاهبًا عمّا علمك من العلوم التي لا تدرك إلا بالوحي.
ومن هذا المعنى قوله تعالىٰ: {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبّى فِى كِتَـٰبٍ لاَّ يَضِلُّ رَبّى وَلاَ يَنسَى}، فقوله: {لاَّ يَضِلُّ رَبّى}، أي: لا يذهب عنه علم شىء كائنًا ما كان، وقوله تعالىٰ: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلاْخْرَىٰ}، فقوله: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَ}، أي: تذهب عن علم حقيقة المشهود به بدليل قوله بعده: {فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلاْخْرَىٰ}، وقوله تعالىٰ عن أولاد يعقوب: {إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلٰلٍ مُّبِينٍ}،وقوله: {قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِى ضَلَـٰلِكَ ٱلْقَدِيمِ}، على التحقيق في ذلك كلّه. ومن هذا المعنى قول الشاعر: وتظنّ سلمى أنني أبغي بها بدلاً أراها في الضلال تهيم

والإطلاق الثاني: وهو المشهور في اللغة، وفي القرءان هو إطلاق الضلال على الذهاب عن طريق الإيمان إلى الكفر، وعن طريق الحقّ إلى الباطل، وعن طريق الجنّة إلى النار، ومنه قوله تعالىٰ: {غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ}.
والإطلاق الثالث: هو إطلاق الضلال على الغيبوبة والاضمحلال، تقول العرب: ضلّ الشىء إذا غاب واضمحلّ، ومنه قولهم: ضلّ السمن في الطعام، إذا غاب فيه واضمحلّ، ولأجل هذا سمّت العرب الدفن في القبر إضلالاً؛ لأن المدفون تأكله الأرض فيغيب فيها ويضمحلّ.
ومن هذا المعنى قوله تعالىٰ: {وَقَالُواْ أَءذَا ضَلَلْنَا فِى ٱلاْرْضِ}، يعنون: إذا دفنوا وأكلتهم الأرض، فضلوا فيها، أي: غابوا فيها واضمحلّوا.
ومن إطلاقهم الإضلال على الدفن، قول نابغة ذبيان يرثي النعمان بن الحٰرث بن أبي شمر الغساني:
فإن تحيـي لا أملك حياتي وأن تمت فما في حياة بعد موتك طائل
فآب مضلّوه بعين جلية وغودر بالجولان حزم ونائل

وقول المخبل السعدي يرثي قيس بن عاصم:
أضلّت بنو قيس بن سعد عميدها وفارسها في الدهر قيس بن عاصم
فقول الذبياني: فآب مضلّوه، يعني: فرجع دافنوه، وقول السعدي: أضلّت، أي: دفنت، ومن إطلاق الضلال أيضًا على الغيبة والاضمحلال قول الأخطل:
كنت القذى في موج أكدر مزيد قذف الأتى به فضل ضلالا

وقول الآخر: ألم تسأل فتخبرك الديار عن الحي المضلل أين ساروا

وزعم بعض أهل العلم أن للضلال إطلاقًا رابعًا، قال: ويطلق أيضًا على المحبّة، قال: ومنه قوله: {قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِى ضَلَـٰلِكَ ٱلْقَدِيمِ}، قال: أي في حبّك القديم ليوسف، قال: ومنه قول الشاعر:
هذا الضلال أشاب مني المفرقا والعارضين ولم أكن متحقّقا
عجبًا لعزة في اختيار قطيعتي بعد الضلال فحبلها قد أخلقا

وزعم أيضًا أن منه قوله: {وَوَجَدَكَ ضَال}، قال: أي محبًّ للهداية فهداك، ولا يخفى سقوط هذا القول، والعلم عند اللَّه تعالىٰ. {فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ}. خوفه منهم هذا الذي ذكر هنا أنه سبب لفراره منهم، قد أوضحه تعالىٰ وبيّن سببه في قوله: {وَجَاء رَجُلٌ مّنْ مّنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلاَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنّى لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبّ نَجّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ}، وبيّن خوفه المذكور بقوله تعالىٰ: {فَأَصْبَحَ فِى ٱلْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ}. {فَوَهَبَ لِى رَبِّى حُكْماً وَجَعَلَنِى مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ}. قد قدّمنا الآيات الموضحة لابتداء رسالته المذكورة هنا في سورة «مريم»،وغيرها.
وقوله: {فَوَهَبَ لِى رَبّى حُكْم}، قال بعضهم: الحكم هنا هو النبوّة، وممن يروى عنه ذلك السدي.
والأظهر عندي: أن الحكم هو العلم الذي علّمه اللَّه إيّاه بالوحي، والعلم عند اللَّه تعالىٰ. {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }. ظاهر هذه الآية الكريمة أن فرعون لا يعلم شيئًا عن ربّ العالمين، وكذلك قوله تعالىٰ عنه: {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ مُوسَىٰ}، وقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى}، وقوله: {لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِى لاجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ}، ولكن اللَّه جلَّ وعلا بيَّن أن سؤال فرعون في قوله: {وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ}، وقوله: {فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ مُوسَىٰ}، تجاهل عارف أنه عبد مربوب لربّ العالمين، بقوله تعالىٰ: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ بَصَائِرَ وَإِنّى لاظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ * فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا}، وقوله تعالىٰ عن فرعون وقومه: {وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّا}.
وقد أوضحنا هذا في سورة «بني إسرٰئيل»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ}، وفي سورة «طه»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ مُوسَىٰ}. {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَىءٍ مُّبِينٍ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ فَأَلْقَىٰ عَصَـٰهُا}، إلى آخر القصّة. قد قدّمنا إيضاحه بالآيات القرءانية في سورة «طه» و «الأعراف».
قوله تعالىٰ: {وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرٰهِيمَ * إِذْ قَالَ لاِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَـٰكِفِينَ}، ــ إلى قوله ــ {إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ}.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ * إِبْرٰهِيمُ}. {فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ }. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في مواضع من هذا الكتاب المبارك في سورة «بني إسرٰئيل»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَّوفُورًا}، وفي «الحجر»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُومٌ}. {قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }. ما دلّت عليه هذه الآية الكريمة من أن أهل النار يختصمون، فيها جاء موضحًا في مواضع أُخر من كتاب اللَّه تعالىٰ؛ كقوله تعالىٰ: {هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو ٱلنَّارِ * قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ}، إلى قوله تعالىٰ: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ}.
وقد قدّمنا إيضاح هذا بالآيات القرءانية في سورة «الأعراف»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {حَتَّى إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لاْولَـٰهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَـئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مّنَ ٱلنَّارِ}، وفي سورة «البقرة»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُوا}.
وقوله تعالىٰ في هذه الآية الكريمة: {تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ}، قد قدّمنا الآيات الموضحة له في أوّل سورة «الأنعام»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ}. {فَمَا لَنَا مِن شَـٰفِعِينَ }. قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «البقرة»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَـٰعَةٌ}، وفي سورة «الأعراف»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا}. {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }. دلَّت هذه الآية الكريمة على أمرين:
الأول منهما أن الكفّار يوم القيامة، يتمنّون الردّ إلى الدنيا، لأن {لَوْ} في قوله هنا: {فَلَوْ أَنَّ لَنَ} للتمنّي، والـ {كَرَّةٌ} هنا: الرجعة إلى الدنيا، وإنهم زعموا أنهم إن ردّوا إلى الدنيا كانوا من المؤمنين المصدقين للرسل، فيما جاءت به، وهذان الأمران قد قدّمنا الآيات الموضحة لكل واحد منهما.
أمّا تمنّيهم الرجوع إلى الدنيا، فقد أوضحناه بالآيات القرءانية في سورة «الأعراف»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ}. وأمّا زعمهم أنهم إن ردّوا إلى الدنيا آمنوا، فقد بيّنا الآيات الموضحة له في «الأعراف»، في الكلام على الآية المذكورة، وفي «الأنعام»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ}.
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ}،.
قد قدّمنا الكلام عليها في سورة «الحج» وفي غيرها، وتكلّمنا على قوله تعالىٰ: {وَمَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ}، في قصّة نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب. وبيَّنا الآيات الموضحة لذلك في سورة «هود»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {كَـٰرِهُونَ وَيٰقَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ}. {قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلاٌّرْذَلُونَ }. قد قدّمنا الكلام عليه في سورة «هود»، في الكلام على قوله تعالى عن قوم نوح: {وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا}. {وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }. قد قدّمنا ما يدلّ عليه من القرءان في سورة «هود»، في الكلام على قوله تعالىٰ عن نوح: {وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّهُمْ * مُّلَـٰقُوا رَبّهِمْ وَلَـٰكِنّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ تَجْهَلُونَ * وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِى مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ}.
وأوضحناه بالآيات القرءانيّة في سورة «الأنعام»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}، إلى قوله: {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ}، وفي سورة «الكهف»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}. {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ * فَٱفْتَحْ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِى وَمَن مَّعِى مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * فَأَنجَيْنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُ فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ٱلْبَـٰقِينَ }. قوله تعالىٰ هنا عن نوح: {قَالَ رَبّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ}،أوضحه في غير هذا الموضع؛ كقوله: {قَالَ رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِى إِلاَّ فِرَاراً * وَإِنّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُواْ أَصَـٰبِعَهُمْ فِى ءاذٰنِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَارا}، وقوله هنا: {فَٱفْتَحْ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْح}، أي: احكم بيني وبينهم حكمًا، وهذا الحكم الذي سأل ربّه إيّاه هو إهلاك الكفّار، وإنجاؤه هو ومن آمن معه، كما أوضحه تعالىٰ في آيات أُخر؛ كقوله تعالىٰ: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ}، وقوله تعالىٰ: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلاْرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّار}، إلى غير ذلك من الآيات. وقوله هنا عن نوح: {وَنَجّنِى وَمَن مَّعِى مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ}، قد بيَّن في آيات كثيرة أنه أجاب دعاءه هذا؛ كقوله هنا: {فَأَنجَيْنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُ فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ}، وقوله تعالىٰ: {فأَنْجَيْنـٰهُ وأَصْحَـٰبَ ٱلسَّفِينَةِ}، وقوله تعالىٰ: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ}، والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وقوله هنا: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ٱلْبَـٰقِينَ}، جاء موضحًا في آيات كثيرة؛ كقوله تعالىٰ: {فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ}، وقوله تعالىٰ: {وَلاَ تُخَـٰطِبْنِى فِى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ}، إلى غير ذلك من الآيات.
و {ٱلْمَشْحُونِ} المملوء، ومنه قول عبيد بن الأبرص:
شحنا أرضهم بالخيل حتى تركناهم أذلّ من الصّراط

والفلك: يطلق على الواحد والجمع، فإن أطلق على الواحد جاز تذكيره؛ كقوله هنا: {فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ}، وإن جمع أنّث، والمراد بالفلك هنا السفينة؛ كما صرّح تعالىٰ بذلك في قوله: {فأَنْجَيْنـٰهُ وأَصْحَـٰبَ ٱلسَّفِينَةِ}. {كَذَّبَ أَصْحَـٰبُ لْأيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ }. قال أكثر أهل العلم: إن أصحاب الأيكة هم مدين. قال ابن كثير: وهو الصحيح، وعليه فتكون هذه الآية بيّنتها الآيات الموضحة قصّة شعيب مع مدين، ومما استدلّ به أهل هذا القول، أنّه قال هنا لأصحاب الأيكة: {أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ * وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلاْرْضِ مُفْسِدِينَ}، وهذا الكلام ذكر اللَّه عنه أنه قاله لمدين في مواضع متعدّدة؛ كقوله في «هود»: {وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَـٰقَوْمِ قَوْمٌ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ إِنّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ}، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدّمنا في سورة «الأعراف»، قولنا: فإن قيل الهلاك الذي أصاب قوم شعيب ذكر اللَّه جلَّ وعلا في «الأعراف» أنه رجفة، وذكر في «هود» أنه صيحة، وذكر في «الشعراء»، أنه عذاب يوم الظلّة.
فالجواب ما قاله ابن كثير رحمه اللَّه في تفسيره، قال: وقد اجتمع عليهم ذلك كلّه، أصابهم عذاب يوم الظلّة، وهي سحابة أظلّتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام، انتهى. وعلى القول بأن شعيبًا أرسل إلى أُمّتين: مدين وأصحاب الأيكة، وأن مدين ليسوا هم أصحاب الأيكة، فلا إشكال. وقد جاء ذلك في حديث ضعيف عن عبد اللَّه بن عمرو، وممن روي عنه هذا القول: قتادة، وعكرمة وإسحٰق بن بشر.
وقد قدّمنا بعض الآيات الموضحة لهذا في سورة «الحجر»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَإِن كَانَ أَصْحَـٰبُ ٱلاْيْكَةِ لَظَـٰلِمِينَ * فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ}، وأوضحنا هنالك أن نافعًا، وابن عامر، وابن كثير قرأوا { لَيْكَةَ} في سورة «الشعراء»، و سورة «صۤ»، بلام مفتوحة أول الكلمة، وتاء مفتوحة آخرها من غير همز، ولا تعريف على أن اسم للقرية غير منصرف، وأن الباقين قرأوا: {أَصْحَـٰبُ لْـئَيْكَةِ} بالتعريف والهمز وكسر التاء، وأن الجميع اتّفقوا على ذلك في «ق» و «الحجر»، وأوضحنا هنالك توجيه القراءتين في «الشعراء» و «صۤ»، ومعنى {لْـئَيْكَةِ} في اللغة مع بعض الشواهد العربية.