تفسير الطبري تفسير الصفحة 368 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 368
369
367
 الآية : 20 - 21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضّالّينَ * فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال موسى لفرعون: فعلت تلك الفعلة التـي فعلت, أي قتلت تلك النفس التـي قتلتُ إذن وأنا من الضالـين. يقول: وأنا من الـجاهلـين قبل أن يأتـينـي من الله وحي بتـحريـم قتله علـيّ. والعرب تضع من الضلال موضع الـجهل, والـجهل موضع الضلال, فتقول: قد جهل فلان الطريق وضلّ الطريق, بـمعنى واحد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20205ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وأنا مِنَ الضّالّـينَ قال: من الـجاهلـين.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله. قال ابن جُرَيج: وفـي قراءة ابن مسعود: «وأنا مِنَ الـجاهِلِـينَ».
20206ـ قال: ثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قتادة وأنا مِنَ الضّالّـينَ قال: من الـجاهلـين.
20207ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ فقال موسى: لـم أكفر, ولكن فعلتها وأنا من الضالـين. وفـي حرف ابن مسعود: «فَعَلْتُها إذا وأنا مِنَ الـجاهِلِـينَ».
20208ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: قالَ فَعَلْتُها إذا وأنا مِنَ الضّالـينَ قبل أن يأتـينـي من الله شيء كان قتلـى إياه ضلالة خطأ. قال: والضلالة ههنا الـخطأ, لـم يقل ضلاله فـيـما بـينه وبـين الله.
20209ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قال فَعَلْتُها إذا وأنا مِنَ الضّالّـينَ يقول: وأنا من الـجاهلـين.
وقوله فَفَرَرْت مِنْكُمْ لَـمّا خِفْتُكُمْ... الاَية, يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل موسى لفرعون: فَفَرَرْتُ مِنْكُم معشر الـملأ من قوم فرعون لَـمّا خِفْتُكُمْ أن تقتلونـي بقتلـي القتـيـل منكم فَوَهَبَ لِـي رَبّـي حُكْما يقول: فوهب لـي ربـي نبوّة وهي الـحكم. كما.
20210ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط عن السدّيّ فَوَهَبَ لـي رَبّـي حُكْما والـحكم: النبوّة.
وقوله: وَجَعَلَنِـي مِنَ الـمُرْسَلِـينَ يقول: وألـحقنـي بعداد من أرسله إلـى خـلقه, مبلغا عنه رسالته إلـيهم بإرساله إياي إلـيك يا فرعون.

الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنّهَا عَلَيّ أَنْ عَبّدتّ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبّ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مّوقِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل نبـيه موسى صلى الله عليه وسلم لفرعون وَتِلكَ نِعْمَةٌ تَـمُنّها عَلـيّ يعنـي بقوله: وتلك تربـية فرعون إياه, يقول: وتربـيتك إياي, وتركك استعبـادي, كما استعبدت بنـي إسرائيـل نعمة منك تـمنها علـيّ بحقّ. وفـي الكلام مـحذوف استغنـي بدلالة ما ذكر علـيه عنه, وهو: وتلك نعمة تـمنها علـيّ أن عبّدت بنـي إسرائيـل وتركتنـي, فلـم تستعبدنـي, فترك ذكر «وتركتنـي» لدلالة قوله أن عبّدتّ بنـي إسرائيـل علـيه, والعرب تفعل ذلك اختصارا للكلام, ونظير ذلك فـي الكلام أن يستـحقّ رجلان من ذي سلطان عقوبة, فـيعاقب أحدهما, ويعفو عن الاَخر, فـيقول الـمعفوّ عنه هذه نعمة علـيّ من الأمير أن عاقب فلانا, وتركنـي, ثم حذف «وتركنـي» لدلالة الكلام علـيه, ولأن فـي قوله: أنْ عبّدتّ بَنِـي إسْرائِيـلَ وجهين: أحدهما النصب, لتعلق «تـمنها» بها, وإذا كانت نصبـا كان معنى الكلام: وتلك نعمة تـمنها علـيّ لتعبدك بنـي إسرائيـل. والاَخر: الرفع علـى أنها ردّ علـى النعمة. وإذا كانت رفعا كان معنى الكلام: وتلك نعمة تـمنها علـيّ تعبـيدك بنـي إسرائيـل. ويعنـي بقوله: أنْ عَبّدتّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ: أن اتـخذتهم عبـيدا لك. يقال منه: عبدت العبـيد وأعبدتهم, قال الشاعر:
عَلامَ يُعْبِدنِـي قَوْمِي وقدْ كَثُرَتْفِـيها أبـاعِرُ ما شاءُوا وَعُبْدَانُ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20211ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد تـمُنّها عَلـيّ أنْ عَبّدتّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ قال: قهرتهم واستعملتهم.
20212ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: تـمن علـيّ أن عبّدت بنـي إسرائيـل, قال: قهرت وغلبت واستعملت بنـي إسرائيـل.
20213ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَـمُنّها عَلـيّ أنْ عَبّدتّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ وربـيتنـي قبل ولـيدا.
وقال آخرون: هذا استفهام كان من موسى لفرعون, كأنه قال: أتـمنّ علـيّ أن اتـخذت بنـي إسرائيـل عبـيدا. ذكر من قال ذلك:
20214ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَـمُنّها عَلـيّ قال: يقول موسى لفرعون: أتـمنّ علـيّ أن اتـخذت أنت بنـي إسرائيـل عبـيدا.
واختلف أهل العربـية فـي ذلك, فقال بعض نـحويـي البصرة: وتلك نعمة تـمنها علـيّ, فـيقال: هذا استفهام كأنه قال: أتـمنها علـيّ؟ ثم فسر فقال: أنْ عَبّدتّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ وجعله بدلاً من النعمة. وكان بعض أهل العربـية ينكر هذا القول, ويقول: هو غلط من قائله لا يجوز أن يكون همز الاستفهام يـلقـي, وهو يطلب, فـيكون الاستفهام كالـخبر, قال: وقد استقبح ومعه أم, وهي دلـيـل علـى الاستفهام واستقبحوا:
تَرُوحُ منَ الـحَيّ أمْ تَبْتَكرْوَماذاَ يَضُرّكَ لَوْ تَنْتَظرْ؟
قال: وقال بعضهم: هو أتروح من الـحيّ, وحذف الاستفهام أوّلا اكتفـاء بأم. وقال أكثرهم: بل الأوّل خبر, والثانـي استفهام, وكأن «أم» إذا جاءت بعد الكلام فهي الألف, فأما ولـيس معه أم, فلـم يقله إنسان. وقال بعض نـحويـي الكوفة فـي ذلك ما قلنا. وقال: معنى الكلام: وفعلت فعلتك التـي فعلت وأنت من الكافرين لنعمتـي: أي لنعمة تربـيتـي لك, فأجابه فقال: نعم هي نعمة علـيّ أن عبّدت الناس ولـم تستعبدنـي.
وقول قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبّ الْعالَـمينَ يقول: وأيّ شيء ربّ العالـمين؟ قالَ موسى هو رَبّ السّمَوَاتِ والأرْضِ ومالكهنّ وَما بَـيْنَهُما يقول: ومالك ما بـين السموات والأرض من شيء إنْ كُنْتُـمْ مُوقِنـينَ يقول: إن كنتـم موقنـين أن ما تعاينونه كما تعاينونه, فكذلك فأيقنوا أن ربنا هو ربّ السموات والأرض وما بـينهما.

الآية : 25 - 29
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبّكُمْ وَرَبّ آبَآئِكُمُ الأوّلِينَ * قَالَ إِنّ رَسُولَكُمُ الّذِيَ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتّخَذْتَ إِلَـَهَاً غَيْرِي لأجْعَلَنّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله قالَ لِـمَنْ حَوْلَهُ ألا تَسْتَـمِعُونَ قال فرعون لـمن حوله من قوله: ألا تستـمعون لـما يقول موسى, فأخبر موسى علـيه السلام القوم بـالـجواب عن مسئلة فرعون إياه وقـيـله له وَما رَبّ العالَـمِينَ لـيفهم بذلك قوم فرعون مقالته لفرعون, وجوابه إياه عما سأله, إذ قال لهم فرعون ألا تَسْتَـمِعُونَ إلـى قول موسى, فقال لهم الذي دعوته إلـيه وإلـى عبـادته رَبّكُمْ الذي خـلقكم وَرَبّ آبـائِكُمُ الأوّلـينَ فقال فرعون لـما قال لهم موسى ذلك, وأخبرهم عما يدعو إلـيه فرعون وقومه: إنّ رَسُولَكُمُ الّذِي أُرْسِلَ إلَـيْكُمْ لَـمَـجْنُون يقول: إن رسولكم هذا الذي يزعم أنه أرسل إلـيكم لـمغلوب علـى عقله, لأنه يقول قولاً لا نعرفه ولا نفهمه, وإنـما قال ذلك ونسب موسى عدوّ الله إلـى الـجِنّة, لأنه كان عنده وعند قومه أنه لا ربّ غيره يعبد, وأن الذي يدعوه إلـيه موسى بـاطل لـيست له حقـيقة, فقال موسى عند ذلك مـحتـجا علـيهم, ومعرّفهم ربهم بصفته وأدلته, إذ كان عند قوم فرعون أن الذي يعرفونه ربـا لهم فـي ذلك الوقت هو فرعون, وأن الذي يعرفونه لاَبـائهم أربـابـا ملوك أخر, كانوا قبل فرعون, قد مضوا فلـم يكن عندهم أن موسى أخبرهم بشيء له معنى يفهمونه ولا يعقلونه, ولذلك قال لهم فرعون: إنه مـجنون, لأن كلامه كان عندهم كلاما لا يعقلون معناه: الذي أدعوكم وفرعون إلـى عبـادته رب الـمشرق والـمغرب وما بـينهما يعنـي ملك مشرق الشمس ومغربها, وما بـينهما من شيء لا إلـى عبـادة ملوك مصر الذين كانوا ملوكها قبل فرعون لاَبـائكم فمضوا, ولا إلـى عبـادة فرعون الذي هو ملكها إنْ كُنْتُـمْ تَعْقِلُونَ يقول: إن كان لكم عقول تعقلون بها ما يقال لكم, وتفهمون بها ما تسمعون مـما يعين لكم. فلـما أخبرهم علـيه السلام بـالأمر الذي علـموا أنه الـحق الواضح, إذ كان فرعون ومن قبله من ملوك مصر لـم يجاوز ملكهم عريش مصر, وتبـين لفرعون ومن حوله من قومه أن الذي يدعوهم موسى إلـى عبـادته, هو الـملك الذي يـملك الـملوك. قال فرعون حينئذ استكبـارا عن الـحقّ, وتـماديا فـي الغيّ لـموسى: لَئنِ اتّـخَذْتَ آلها غَيْرِي يقول: لئن أقررت بـمعبود سواي لأَجْعَلَنّكَ مِنَ الـمَسْجُونِـينَ يقول: لأسجننك مع من فـي السجن من أهله.

الآية : 30 - 33
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مّبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ * فَأَلْقَىَ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنّاظِرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال موسى لفرعون لـما عرفه ربه, وأنه ربّ الـمشرق والـمغرب, ودعاه إلـى عبـادته وإخلاص الألوهة له, وأجابه فرعون بقوله لَئِنِ اتّـخَذْتَ إلَهَا غَيْرِي لأَجْعَلَنّكَ مِنَ الـمَسْجُونِـينَ: أتـجعلنـي من الـمسجونـين وَلَوْ جِئْتُكَ بشَيْءٍ مُبـينٍ يبـين لك صدق ما أقول يا فرعون وحقـيقة ما أدعوك إلـيه؟ وإنـما قال ذلك له, لأن من أخلاق الناس السكون للإنصاف, والإجابة إلـى الـحقّ بعد البـيان فلـما قال موسى له ما قال من ذلك, قال له فرعون: فأت بـالشيء الـمبـين حقـيقة ما تقول, فإنا لن نسجنك حينئذ إن اتـخذت إلها غيري إن كنت من الصادقـين: يقول: إن كنت مـحقا فـيـما تقول, وصادقا فـيـما تصف وتـخبر. فأَلْقَـى عَصَاهُ فإذَا هيَ ثُعْبـانٌ مُبـينٌ يقول جلّ ثناؤه: فألقـى موسى عصاه فتـحوّلت ثعبـانا, وهي الـحية الذكر كما قد بـيّنت فـيـما مضى قبل من صفته وقوله مُبِـينٌ يقول: يبـين لفرعون والـملأ من قومه أنه ثعبـان. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20215ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, عن شهر بن حوشب, عن ابن عبـاس, قوله فَأَلْقَـى عَصَاهُ فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ يقول: مبـين له خـلق حية. وقوله: وَنَزَعَ يَدَه فإذَا هيَ بَـيْضَاءُ يقول: وأخرج موسى يده من جيبه فإذا هي بـيضاء تلـمع للنّاظرِينَ لـمن ينظر إلـيها ويراها.
20216ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثام بن علـيّ, قال: حدثنا الأعمش, عن الـمنهال, قال: ارتفعت الـحية فـي السماء قدر ميـل, ثم سفلت حتـى صار رأس فرعون بـين نابـيها, فجعلت تقول: يا موسى مرنـي بـما شئت, فجعل فرعون يقول: يا موسى أسألك بـالذي أرسلك, قال: فأخذه بطنه.

الآية : 34 - 37
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنّ هَـَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوَاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلّ سَحّارٍ عَلِيمٍ }.
يقول تعالـى ذكره: قال فرعون لـما أراه موسى من عظيـم قدرة الله وسلطانه حجة علـيه لـموسى بحقـيقة ما دعاه إلـيه, وصدق ما أتاه به من عند ربه للْـمَلإِ حَوْلَه يعنـي لأشراف قومه الذين كانوا حوله: إنّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِـيـمٌ يقول: إن موسى سحر عصاه حتـى أراكموها ثعبـانا عَلِـيـمٌ, يقول: ذو علـم بـالسحر وبصر به يُرِيدُ أنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ يقول: يريد أن يخرج بنـي إسرائيـل من أرضكم إلـى الشأم بقهره إياكم بـالسحر. وإنـما قال: يريد أن يخرجكم فجعل الـخطاب للـملإ حوله من القبط, والـمعنـيّ به بنو إسرائيـل, لأن القبط كان قد استعبدوا بنـي إسرائيـل, واتـخذوهم خدما لأنفسهم ومُهّانا, فلذلك قال لهم: يُرِيدُ أنْ يُخْرِجَكُمْ وهو يريد: أن يخرج خدمكم وعبـيدكم من أرض مصر إلـى الشأم.
وإنـما قلت معنى ذلك كذلك, لأن الله إنـما أرسل موسى إلـى فرعون يأمره بإرسال بنـي إسرائيـل معه, فقال له ولأخيه فَأْتِـيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إنّا رَسُولُ رَبّ العالَـمِينَ أنْ أرْسِلْ مَعَنا بَنـي إسْرائِيـلَ.
وقوله: فَمَاذَا تَأْمُرُونَ يقول: فأيّ شيء تأمرون فـي أمر موسى وما به تشيرون من الرأي فـيه؟ قالُوا أَرْجِهْ وأخاهُ, وَابْعَثْ فـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ يقول تعالـى ذكره: فأجاب فرعون الـملأ حوله بأن قالوا له: أخّر موسى وأخاه وأنِظره, وابعث فـي بلادك وأمصار مصر حاشرين يحشرون إلـيك كل سحّار علـيـم بـالسحر.
الآية : 38 - 40
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَجُمِعَ السّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنّاسِ هَلْ أَنتُمْ مّجْتَمِعُونَ * لَعَلّنَا نَتّبِعُ السّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ الْغَالِبِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فجمع الـحاشرون الذين بعثهم فرعون بحشر السحرة لِـميقاتِ يَوْم مَعْلُومٍ يقول: لوقت واعد فرعون لـموسى الاجتـماع معه فـيه من يوم معلوم, وذلك يوم الزّينة وَأَنْ يُحْشرَ النّاسُ ضُحَى وقـيـل للناس: هل أنتـم مـجتـمعون لتنظروا إلـى ما يفعل الفريقان, ولـمن تكون الغلبة, لـموسى أو للسحرة؟ فلعلنا نتبع السحرة. ومعنى لعلّ هنا: كي. يقول: كي نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبـين موسى. وإنـما قلت ذلك معناها, لأن قوم فرعون كانوا علـى دين فرعون, فغير معقول أن يقول من كان علـى دين: أنظر إلـى حجة من هو علـى خلافـي لعلـي أتبع دينـي, وإنـما يقال: أنظر إلـيها كي أزدادَ بصيرة بدينـي, فأقـيـم علـيه. وكذلك قال قوم فرعون, فإياها عنوا بقـيـلهم: لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبـين. وقـيـل: إن اجتـماعهم للـميقات الذي اتعد للاجتـماع فـيه فرعون وموسى كان بـالإسكندرية. ذكر من قال ذلك:
20217ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَقِـيـلَ للنّاسِ هَلْ أنْتُـمْ مُـجْتَـمِعُونَ قال: كانوا بـالإسكندرية, قال: ويقال: بلغ ذنب الـحية من وراء البحيرة يومئذ, قال: وهربوا وأسلـموا فرعون وهمت به, فقال: فخذها يا موسى, قال: فكان فرعون مـما يـلـي الناس منه أنه كان لا يضع علـى الأرض شيئا, قال: فأحدث يومئذ تـحته, قال: وكان إرساله الـحية فـي القبة الـحمراء