تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 403 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 403


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 {وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَـٰهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ ٱلاٌّخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلاٌّرْضِ مُفْسِدِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَـٰكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَـٰرُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلاٌّرْضِ وَمَا كَانُواْ سَـٰبِقِينَ * فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلاٌّرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَتِلْكَ ٱلاٌّمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ * خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاٌّرْضَ بِٱلْحَقِّ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ * ٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَاتَصْنَعُونَ * وَلاَ تُجَـٰدِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوۤاْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِىۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ فَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِـايَـٰتِنَآ إِلاَّ ٱلْكَـٰفِرونَ * وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَـٰبٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَـٰبَ ٱلْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ ءَايَـٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ فِى صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِأايَـٰتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّـٰلِمُونَ * وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَـٰتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا ٱلاٌّيَـٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْبَـٰطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ * وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَـٰفِرِينَ * يَوْمَ يَغْشَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فَٱعْبُدُونِ * كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ * وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلاٌّنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ * ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}
{وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَـٰهُمْ شُعَيْبا}،إلى قوله: {فِى دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} . تقدم إيضاحه في سورة «الأعراف»، في الكلام على قصّته مع قومه، وفي «الشعراء» أيضًا. {وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَـٰكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَـٰرُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلاٌّرْضِ وَمَا كَانُواْ سَـٰبِقِينَ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلاٌّرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْناَ}. الظاهر أن قوله: {وَعَادا} مفعول به لأهلكنا مقدرة، ويدلّ على ذلك قوله قبله: {فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ}، أي: أهلكنا مدين بالرجفة، وأهلكنا عادًا، ويدلّ للإهلاك المذكور قوله بعده: {وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مّن مَّسَـٰكِنِهِمْ}، أي: هي خالية منهم لإهلاكهم، وقوله بعده أيضًا: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ}.
وقد أشار جلَّ وعلا في هذه الآيات الكريمة إلى إهلاك عاد، وثمود، وقارون، وفرعون، وهامان، ثم صرح بأنه أخذ كلاًّ منهم بذنبه، ثم فصل على سبيل ما يسمّى في البديع باللّف والنشر المرتّب أسباب إهلاكهم، فقال: {فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبا}، وهي: الريح، يعني: عادًا، بدليل قوله: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}، وقوله: {وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرّيحَ ٱلْعَقِيمَ}، ونحو ذلك من الآيات. وقوله تعالىٰ: {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ}، يعني: ثمود، بدليل قوله تعالىٰ فيهم: {وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلا إِنَّ * ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لّثَمُودَ}. وقوله: {وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلاْرْضَ}، يعني: قارون، بدليل قوله تعالىٰ فيه: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلاْرْضَ}. وقوله تعالىٰ: {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا}، يعني: فرعون وهامان، بدليل قوله تعالىٰ: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلاْخَرِينَ}، ونحو ذلك من الآيات.
والأظهر في قوله في هذه الآية: {وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ}، أن استبصارهم المذكور هنا بالنسبة إلى الحياة الدنيا خاصة؛ كما دلّ عليه قوله تعالىٰ: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلاْخِرَةِ هُمْ غَـٰفِلُونَ}، وقوله تعالىٰ: {وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ}، ونحو ذلك من الآيات. وقوله: {وَمَا كَانُواْ سَـٰبِقِينَ}، كقوله تعالىٰ: {أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ}. {مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَتِلْكَ ٱلاٌّمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ }. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «الأعراف»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ}، وفي مواضع أُخر. {ٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ}.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «الكهف»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِن كِتَـٰبِ رَبّكَ لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ}. {وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ}. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «البقرة»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ}. {وَلاَ تُجَـٰدِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ}. قد قدّمنا إضاحه، وتفسير {إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} في آخر سورة «النحل»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ}. {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في أوّل سورة «الكهف»، وفي آخر سورة «طۤه»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {أَوَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِى ٱلصُّحُفِ ٱلاْولَىٰ}، وغير ذلك. {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَـٰفِرِينَ }. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «الأنعام»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ}، وفي سورة «يونس»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ ءآلنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}، وفي سورة «الرعد» في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيّئَةِ قَبْلَ}. {يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فَٱعْبُدُونِ }. نادى اللَّه جلَّ وعلا عباده المؤمنين، وأكّد لهم أن أرضه واسعة، وأمرهم أن يعبدوه وحده دون غيره، كما دلّ عليه تقديم المعمول الذي هو إياي؛ كما بيّناه في الكلام على قوله تعالىٰ: {ٱلدّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
والمعنى: أنهم إن كانوا في أرض لا يقدرون فيها على إقامة دينهم، أو يصيبهم فيها أذى الكفار، فإن أرض ربّهم واسعة فليهاجروا إلى موضع منها يقدرون فيه على إقامة دينهم، ويسلمون فيه من أذى الكفار، كما فعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمسلمون.
وهذا المعنى الذي دلّت عليه هذه الآية الكريمة جاء في آيات أُخر؛ كقوله تعالىٰ: {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ ظَـٰلِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى ٱلاْرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ}، وقوله تعالىٰ: {وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ}. جاء معناه موضحًا في آيات أُخر؛ كقوله تعالىٰ في سورة «آل عمران»: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ}، وقوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}، وقوله تعالىٰ: {كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}. {وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَا}. قد قدّمنا معنى {وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ}، موضحًا في أوّل سورة «الكهف»،وقدّمنا معنى {لَنُبَوّئَنَّهُمْ} في سورة «الحج»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرٰهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ}، وذكرنا الآيات التي ذكرت فيها الغرف في آخر «الفرقان»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {أُوْلَـئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ}.

وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ * ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٍ * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلاٌّرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ *

سيتم شرح هذه الأيات في الصفحة التي بعدها ان شاء الله