تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 437 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 437


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ * وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ * وَمَا يَسْتَوِى ٱلاٌّعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ * وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ * وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِى ٱلاٌّحْيَآءُ وَلاَ ٱلاٌّمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى ٱلْقُبُورِ * إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ * إِنَّآ أَرْسَلْنَـٰكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ * وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلاٌّنْعَـٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ * إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَـٰرَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ * وَٱلَّذِىۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ}
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ }. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «النساء»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِـاخَرِينَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ قَدِيرا}. {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}. قد قدّمنا الآيات الموضحة له مع الجواب عن بعض الأسئلة الواردة على الآية في سورة «بني إسرٰئيل»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُول}. {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ}. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «النحل»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآء مَا يَزِرُونَ}، ووجه الجمع بين أمثال هذه الآية وبين قوله تعالىٰ: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ}، ونحوها من الآيات. {إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ}. ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن إنذاره صلى الله عليه وسلم محصور في الذين يخشون ربهم بالغيب، وأقاموا الصلاة، وهذا الحصر الإضافي؛ لأنهم هم المنتفعون بالإنذار، وغير المنتفع بالإنذار كأنه هو والذي لم ينذر سواء، بجامع عدم النفع في كلّ منهما.
وهذا المعنى جاء موضحًا في آيات من كتاب اللَّه تعالى؛ كقوله تعالىٰ: {وَسَوَآء عَلَيْهِمْ أَءنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ * إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِكْرَ وَخشِىَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ}، وقوله: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـٰهَا}، ويشبه معنى ذلك في الجملة قوله تعالىٰ: {فَذَكّرْ بِٱلْقُرْءانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ}، وقد قدّمنا معنى الإنذار وأنواعه موضحًا في سورة «الأعراف»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ}. {وَمَا يَسْتَوِى ٱلاٌّعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ }. قد قدّمنا إيضاحه بالآيات في أوّل سورة «هود»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلاْعْمَىٰ وَٱلاْصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ}. {وَمَا يَسْتَوِى ٱلاٌّحْيَآءُ وَلاَ ٱلاٌّمْوَاتُ}. {ٱلاْحْيَاء} هنا: المؤمنون، و {ٱلاْمْوَاتُ}: الكفار؛ فالحياة هنا حياة إيمان، والموت موت كفر.
وهذا المعنى جاء موضحًا في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالىٰ: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا}، فقوله: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتً}، أي: موت كفر فأحييناه حياة إيمان؛ وكقوله تعالىٰ: {لّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ}، فيفهم من قوله: {مَن كَانَ حَيّا}، أي: وهي حياة إيمان إن الكافرين الذين حقّ عليهم القول ليسوا كذلك، وقد أطبق العلماء على أن معنى قوله: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ}، أن المعنى: والكفار يبعثهم اللَّه.
وقد قدّمنا هذا موضحًا بالآيات القرءانيّة في سورة «النمل»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاء}. {إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى ٱلْقُبُورِ}. قد قدّمنا الآيات الموضحة له وما جاء في سماع الموتى في سورة «النمل»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ}. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلاٌّنْعَـٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهُ كَذَلِكَ}. قد قدّمنا الكلام عليه في سورة «الروم»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَمِنْ ءايَـٰتِهِ خَلْقُ * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ وَٱخْتِلَـٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوٰنِكُمْ}، وبيّنا هناك دلالة الآيات على أنّه جلَّ وعلا هو المؤثر وحده، وأن الطبائع لا تأثير لها إلا بمشيئته تعالىٰ.