سورة فاطر | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 437 من المصحف
ثم ضرب مثلاً للمؤمن والكافر فقال: 19- "وما يستوي الأعمى" أي المسلوب حاسة البصر "والبصير" الذي له ملكة البصر، فشبه الكافر بالأعمى، وشبه المؤمن بالبصير.
20- "ولا الظلمات ولا النور" أي ولا تستوي الظلمات ولا النور، فشبه الباطل بالظلمات، وشبه الحق بالنور. قال الأخفش: ولا في قوله "ولا النور".
21- "ولا الحرور" زائدة، والتقدير وما يستوي الظلمات والنور ولا الظل والحرور، والحرور شدة حر الشمس. قال الأخفش: والحرور لا يكون إلا مع شمس النهار، والسموم يكون بالليل، وقيل عكسه. وقال رؤبة بن العجاج: الحرور يكون بالليل خاصة، والسموم يكون بالنهار خاصة. وقال الفراء: السموم لا يكون إلا بالنهار، والحرور يكون فيهما. قال النحاس: وهذا أصح. وقال قطرب: الحرور الحر، والظر البرد، والمعنى: أنه لا يستوي الظل الذي لا حر فيه ولا أذى، والحر الذي يؤذي. قيل أراد الثواب والعقاب، وسمي الحر حروراً مبالغة في شدة الحر، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى. وقال الكلبي: أراد بالظل الجنة، وبالحرور النار. وقال عطاء: يعني ظل الليل وشمس النهار. قيل وإنما جمع الظلمات وأفرد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق.
ثم ذكر سبحانه تمثيلاً آخر للمؤمن والكافر فقال: 22- "وما يستوي الأحياء ولا الأموات" فشبه المؤمنين بالأحياء، وشبه الكافرين بالأموات، وقيل أراد تمثيل العلماء والجهلة. وقال ابن قتيبة: الأحياء العقلاء، والأموات الجهال. قال قتادة: هذه كلها أمثال: أي كما لا تستوي هذه الأشياء كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن "إن الله يسمع من يشاء" أن يسمعه من أولياءه الذي خلقهم لجنته ووفقهم لطاعته "وما أنت بمسمع من في القبور" يعني الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم: أي كما لا تسمع من مات كذلك لا تسمع من مات قبله، قرأ الجمهور بتنوين "مسمع" وقطعه عن الإضافة.
وقرأ الحسن وعيسىالثقفي وعمرو بن ميمون بإضافته "إن أنت إلا نذير" أي ما أنت إلا رسول منذر ليس عليك إلا الإنذار والتبليغ، والهدى والضلالة بيد الله عز وجل.
23- "إنا أرسلناك بالحق" يحوز أن يكون بالحق في محل نصب على الحال من الفاعل: أي محقين، أو من المفعول: أي محقاً، أو نعت لمصدر محذوف: أي إرسالاً ملتبساً بالحق، أو هو متعلق ببشيراً: أي بشيراً بالوعد الحق ونذيراً بالوعد الحق، والأولى أن يكون نعتاً للمصدر المحذوف، ويكون معنى بشيراً: بشيراً لأهل الطاعة ونذيراً لأهل المعصية "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" أي ما من أمة من الأمم الماضية إلا مضى فيها نذير من الأنبياء ينذرها، واقتصر على ذكر النذير دون البشير، لأنه ألصق بالمقام.
ثم سلى نبيه صلى الله علي وسلم وعزاه، فقال: 24- "وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم" أي كذب من قبلهم من الأمم الماضية أنبيائهم "جاءتهم رسلهم بالبينات" أي بالمعجزات الواضحة والدلالات الظاهرة "وبالزبر" أي الكتب المكتوبة كصحف إبراهيم "وبالكتاب المنير" كالتوراة والإنجيل، قيل الكتاب المنير داخل تحت الزبر وتحت البينات والعطف لتغاير المفهومات، وإن كانت متحدة في الصدق، والأولى تخصيص البينات بالمعجزات، والزبر بالكتب التي فيها مواعظ، والكتاب بما فيه شرائع وأحكام.
25- "ثم أخذت الذين كفروا" وضع الظاهر موضع الضمير يفيد التصريح بذمهم بما في حيز الصلة، ويشعر بعلة الأخذ "فكيف كان نكير" أي فكيف كان نكيري عليهم وعقوبتي لهم، وقرأ ورش عن نافع وشيبة بإثبات الياء في " تذكيري " وصلاً لا وقفاً، وقد قضى بيان معنى هذا قريباً. وقد أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "ألا لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده ولا مولود على والده". وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود والترمذي والنسائي وابن مردويه والبيهقي في سننه "عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيته قال لأبي: ابنك هذا؟ قال: إي ورب الكعبة، قال: أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولا تزر وازرة وزر أخرى"". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء" قال: يكون عليه وزر لا يجد أحداً يحمل عنه من وزره شيئاً.
ثم ذكر سبحانه نوعاً من أنواع قدرته الباهرة وخلقاً من مخلوقاته البديعة فقال: 27- "ألم تر" والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له "أن الله أنزل من السماء ماء" وهذه الرؤية هي القلبية: أي ألم تعلم، وأن واسمها وخبرها سدت مسد المفعولين "فأخرجنا به" أي بالماء، والنكتة في هذا الالتفات إظهار كمال العناية بالفعل لما فيه من الصنع البديع، وانتصاب "مختلفاً ألوانها" على الوصف لثمرات، والمراد بالألوان الأجناس والأصناف: أي بعضها أبيض، وبعضها أحمر، وبعضها أصفر، وبعضها أخضر، وبعضها أسود "ومن الجبال جدد" الجدد جمع جدة، وهي الطريق. قال الأخفش: ولو كان جمع جديد لقال جدد بضم الجيم والدال، نحو سرير وسرر. قال زهير: كأنه أسفع الخدين ذو جدد طار ويرتع بعد الصيف أحيانا وقيل الجدد القطع، مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته، حكاه ابن بحر. قال الجوهري: الجدة: الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه، والجدة الطريقة، والجمع جدد وجدائد، ومن ذلك قول أبي ذؤيب: جون السراة له جدائد أربع قال المبرد: جدد: طرائق وخطوط. قال الواحدي: ونحو هذا قال المفسرون في تفسير الجدد. وقال الفراء: هي الطرق تكون في الجبال كالعروق بيض وسود وحمر واحدها جدة. والمعنى: أن الله سبحانه أخبر عن جدد الجبال، وهي طرائقها، أو الخطوط التي فيها بأن لون بعضها البياض ولون بعضها الحمرة، وهو معنى قوله: "بيض وحمر مختلف ألوانها" قرأ الجمهور " جدد " بضم الجيم وفتح الدال. وقرأ الزهري بضمهما جمع جديدة وروي عنه أنه قرأ بفتحهما وردها أبو حاتم وصححها غيره وقال: الجدد الطريق الواضح البين "وغرابيب سود" الغربيب الشديد السواد الذي يشبه لونه لون الغراب. قال الجوهري: تقول هذا أسود غربيب: أي شديد السواد، وإذا قلت غرابيب سود جعلت السود بدلاً من غرابيب. قال الفراء: في الكلام تقديم وتأخير تقديره وسود غرابيب، لأنه يقال أسود غربيب، وقل ما يقال غربيب أسود، وقوله: "مختلف ألوانها" صفة لجدد، وقوله: "وغرابيب" معطوف على جدد على معنى: ومن الجبال جدد بيض وحمر، ومن الجبال غرابيب على لون واحد، وهو السواد، أو على حمر على معنى، ومن الجبال جدد بيض وحمر وسود. وقيل معطوف على بيض، ولا بد من تقدير مضاف محذوف قبل جدد: أي ومن الجبال ذو جدد، لأن الجدد إنما هي في ألوان بعضها.
28- "ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه" قوله مختلف صفة لموصوف محذوف: أي ومنهم صنف، أو نوع أو بعض مختلف ألوانه بالحمرة والسواد والبياض والخضرة والصفرة. قال الفراء: أي خلق مختلف ألوانه كاختلاف الثمرات والجبال، وإنما ذكر سبحانه اختلاف الألوان في هذه الأشياء، لأن هذا الاختلاف من أعظم الأدلة على قدرة الله وبديع صنعه، ومعنى "كذلك" أي مختلفاً مثل ذلك الاختلاف، وهو صفة لمصدر محذوف، والتقدير مختلف ألوانه اختلافاً كائناً كذلك: أي كاختلاف الجبال والثمار. وقرأ الزهري والدواب بتخفيف الباء. وقرأ ابن السميفع ألوانها. وقيل إن قوله كذلك متعلق بما بعده: أي مثل ذلك المطر والاعتبار في مخلوقات الله واختلاف ألوانها يخشى الله من عباده العلماء، وهذا اختاره ابن عطية، وهو مردود بأن ما بعد إنما لا يعمل فيما قبلها. والراجح الوجه الأول، والوقف على كذلك تام. ثم استؤنف الكلام وأخبر سبحانه بقوله: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" أو هو من تتمة قوله: "إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب" على معنى إنما يخشاه سبحانه بالغيب العالمون به، وبما يليق به من صفاته الجليلة وأفعاله الجميلة، وعلى كل تقدير فهو سبحانه قد عين في هذه الآية أهل خشيته وهم العلماء به وتعظيم قدرته. قال مجاهد: إنما العالم من خشي الله عز وجل وقال مسروق: كفى بخشية الله علماً وكفى بالاغترار جهلاً، فمن كان أعلم بالله كان أخشاهم له. قال الربيع بن أنس: من لم يخش الله فليس بعالم. وقال الشعبي: العالم من خاف الله، ووجه تقديم المفعول أن المقام مقام حصر الفاعلية ولو أخر انعكس الأمر. وقرأ عمر بن عبد العزيز برفع الاسم الشريف ونصب العلماء، ورويت هذه القراءة عن أبي حنيفة قال في الكشاف: الخشية في هذه القراءة استعارة، والمعنى: أنه يجلهم ويعظمهم كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس، وجملة "إن الله عزيز غفور" تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب على معصيته غافر لمن تاب من عباده.
29- "إن الذين يتلون كتاب الله" أي يستمرون على تلاوته ويداومونها. والكتاب هو القرآن الكريم، ولا وجه لما قيل إن المراد به جنس كتب الله "وأقاموا الصلاة" أي فعلوها في أوقاتها مع كمال أركانها وأذكارها "وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية" فيه حث على الإنفاق كيف ما تهيأ، فإن تهيأ سراً فهو أفضل وإلا فعلانية، ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء، ويمكن أن يراد بالسر صدقة النفل، وبالعلانية صدقة الفرض وجملة "يرجون تجارة لن تبور" في محل رفع على خبرية إن كما قال ثعلب وغيره، والمراد بالتجارة ثواب الطاعة ومعنى "لن تبور" لن تكسد ولن تهلك، وهي صفة للتجارة والإخبار برجائهم لثواب ما عملوا بمنزلة الوعد بحصول مرجوهم.
واللام في 30- "ليوفيهم أجورهم" متعلق بلن تبور، على معنى: أنها لن تكسد لأجل أن يوفيهم أجور أعمالهم الصالحة، ومثل هذه الآية قوله سبحانه: "فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله" وقيل إن اللام تمتعلقة بمحذوف دل عليه السياق: أي فعلوا ذلك ليوفيهم، ومعنى "ويزيدهم من فضله" أنه يتفضل عليهم بزيادة على أجورهم التي هي جزاء أعمالهم، وجملة "إنه غفور شكور" تعليل لما ذكر من التوفية والزيادة: أي غفور لذنوبهم شكور لطاعتهم، وقيل إن هذه الجملة هي خبر إن، وتكون جملة يرجون في محل نصقب على الحال، والأول أولى.
فتح القدير - صفحة القرآن رقم 437
436ثم ضرب مثلاً للمؤمن والكافر فقال: 19- "وما يستوي الأعمى" أي المسلوب حاسة البصر "والبصير" الذي له ملكة البصر، فشبه الكافر بالأعمى، وشبه المؤمن بالبصير.
20- "ولا الظلمات ولا النور" أي ولا تستوي الظلمات ولا النور، فشبه الباطل بالظلمات، وشبه الحق بالنور. قال الأخفش: ولا في قوله "ولا النور".
21- "ولا الحرور" زائدة، والتقدير وما يستوي الظلمات والنور ولا الظل والحرور، والحرور شدة حر الشمس. قال الأخفش: والحرور لا يكون إلا مع شمس النهار، والسموم يكون بالليل، وقيل عكسه. وقال رؤبة بن العجاج: الحرور يكون بالليل خاصة، والسموم يكون بالنهار خاصة. وقال الفراء: السموم لا يكون إلا بالنهار، والحرور يكون فيهما. قال النحاس: وهذا أصح. وقال قطرب: الحرور الحر، والظر البرد، والمعنى: أنه لا يستوي الظل الذي لا حر فيه ولا أذى، والحر الذي يؤذي. قيل أراد الثواب والعقاب، وسمي الحر حروراً مبالغة في شدة الحر، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى. وقال الكلبي: أراد بالظل الجنة، وبالحرور النار. وقال عطاء: يعني ظل الليل وشمس النهار. قيل وإنما جمع الظلمات وأفرد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق.
ثم ذكر سبحانه تمثيلاً آخر للمؤمن والكافر فقال: 22- "وما يستوي الأحياء ولا الأموات" فشبه المؤمنين بالأحياء، وشبه الكافرين بالأموات، وقيل أراد تمثيل العلماء والجهلة. وقال ابن قتيبة: الأحياء العقلاء، والأموات الجهال. قال قتادة: هذه كلها أمثال: أي كما لا تستوي هذه الأشياء كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن "إن الله يسمع من يشاء" أن يسمعه من أولياءه الذي خلقهم لجنته ووفقهم لطاعته "وما أنت بمسمع من في القبور" يعني الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم: أي كما لا تسمع من مات كذلك لا تسمع من مات قبله، قرأ الجمهور بتنوين "مسمع" وقطعه عن الإضافة.
وقرأ الحسن وعيسىالثقفي وعمرو بن ميمون بإضافته "إن أنت إلا نذير" أي ما أنت إلا رسول منذر ليس عليك إلا الإنذار والتبليغ، والهدى والضلالة بيد الله عز وجل.
23- "إنا أرسلناك بالحق" يحوز أن يكون بالحق في محل نصب على الحال من الفاعل: أي محقين، أو من المفعول: أي محقاً، أو نعت لمصدر محذوف: أي إرسالاً ملتبساً بالحق، أو هو متعلق ببشيراً: أي بشيراً بالوعد الحق ونذيراً بالوعد الحق، والأولى أن يكون نعتاً للمصدر المحذوف، ويكون معنى بشيراً: بشيراً لأهل الطاعة ونذيراً لأهل المعصية "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" أي ما من أمة من الأمم الماضية إلا مضى فيها نذير من الأنبياء ينذرها، واقتصر على ذكر النذير دون البشير، لأنه ألصق بالمقام.
ثم سلى نبيه صلى الله علي وسلم وعزاه، فقال: 24- "وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم" أي كذب من قبلهم من الأمم الماضية أنبيائهم "جاءتهم رسلهم بالبينات" أي بالمعجزات الواضحة والدلالات الظاهرة "وبالزبر" أي الكتب المكتوبة كصحف إبراهيم "وبالكتاب المنير" كالتوراة والإنجيل، قيل الكتاب المنير داخل تحت الزبر وتحت البينات والعطف لتغاير المفهومات، وإن كانت متحدة في الصدق، والأولى تخصيص البينات بالمعجزات، والزبر بالكتب التي فيها مواعظ، والكتاب بما فيه شرائع وأحكام.
25- "ثم أخذت الذين كفروا" وضع الظاهر موضع الضمير يفيد التصريح بذمهم بما في حيز الصلة، ويشعر بعلة الأخذ "فكيف كان نكير" أي فكيف كان نكيري عليهم وعقوبتي لهم، وقرأ ورش عن نافع وشيبة بإثبات الياء في " تذكيري " وصلاً لا وقفاً، وقد قضى بيان معنى هذا قريباً. وقد أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "ألا لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده ولا مولود على والده". وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود والترمذي والنسائي وابن مردويه والبيهقي في سننه "عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيته قال لأبي: ابنك هذا؟ قال: إي ورب الكعبة، قال: أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولا تزر وازرة وزر أخرى"". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء" قال: يكون عليه وزر لا يجد أحداً يحمل عنه من وزره شيئاً.
ثم ذكر سبحانه نوعاً من أنواع قدرته الباهرة وخلقاً من مخلوقاته البديعة فقال: 27- "ألم تر" والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له "أن الله أنزل من السماء ماء" وهذه الرؤية هي القلبية: أي ألم تعلم، وأن واسمها وخبرها سدت مسد المفعولين "فأخرجنا به" أي بالماء، والنكتة في هذا الالتفات إظهار كمال العناية بالفعل لما فيه من الصنع البديع، وانتصاب "مختلفاً ألوانها" على الوصف لثمرات، والمراد بالألوان الأجناس والأصناف: أي بعضها أبيض، وبعضها أحمر، وبعضها أصفر، وبعضها أخضر، وبعضها أسود "ومن الجبال جدد" الجدد جمع جدة، وهي الطريق. قال الأخفش: ولو كان جمع جديد لقال جدد بضم الجيم والدال، نحو سرير وسرر. قال زهير: كأنه أسفع الخدين ذو جدد طار ويرتع بعد الصيف أحيانا وقيل الجدد القطع، مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته، حكاه ابن بحر. قال الجوهري: الجدة: الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه، والجدة الطريقة، والجمع جدد وجدائد، ومن ذلك قول أبي ذؤيب: جون السراة له جدائد أربع قال المبرد: جدد: طرائق وخطوط. قال الواحدي: ونحو هذا قال المفسرون في تفسير الجدد. وقال الفراء: هي الطرق تكون في الجبال كالعروق بيض وسود وحمر واحدها جدة. والمعنى: أن الله سبحانه أخبر عن جدد الجبال، وهي طرائقها، أو الخطوط التي فيها بأن لون بعضها البياض ولون بعضها الحمرة، وهو معنى قوله: "بيض وحمر مختلف ألوانها" قرأ الجمهور " جدد " بضم الجيم وفتح الدال. وقرأ الزهري بضمهما جمع جديدة وروي عنه أنه قرأ بفتحهما وردها أبو حاتم وصححها غيره وقال: الجدد الطريق الواضح البين "وغرابيب سود" الغربيب الشديد السواد الذي يشبه لونه لون الغراب. قال الجوهري: تقول هذا أسود غربيب: أي شديد السواد، وإذا قلت غرابيب سود جعلت السود بدلاً من غرابيب. قال الفراء: في الكلام تقديم وتأخير تقديره وسود غرابيب، لأنه يقال أسود غربيب، وقل ما يقال غربيب أسود، وقوله: "مختلف ألوانها" صفة لجدد، وقوله: "وغرابيب" معطوف على جدد على معنى: ومن الجبال جدد بيض وحمر، ومن الجبال غرابيب على لون واحد، وهو السواد، أو على حمر على معنى، ومن الجبال جدد بيض وحمر وسود. وقيل معطوف على بيض، ولا بد من تقدير مضاف محذوف قبل جدد: أي ومن الجبال ذو جدد، لأن الجدد إنما هي في ألوان بعضها.
28- "ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه" قوله مختلف صفة لموصوف محذوف: أي ومنهم صنف، أو نوع أو بعض مختلف ألوانه بالحمرة والسواد والبياض والخضرة والصفرة. قال الفراء: أي خلق مختلف ألوانه كاختلاف الثمرات والجبال، وإنما ذكر سبحانه اختلاف الألوان في هذه الأشياء، لأن هذا الاختلاف من أعظم الأدلة على قدرة الله وبديع صنعه، ومعنى "كذلك" أي مختلفاً مثل ذلك الاختلاف، وهو صفة لمصدر محذوف، والتقدير مختلف ألوانه اختلافاً كائناً كذلك: أي كاختلاف الجبال والثمار. وقرأ الزهري والدواب بتخفيف الباء. وقرأ ابن السميفع ألوانها. وقيل إن قوله كذلك متعلق بما بعده: أي مثل ذلك المطر والاعتبار في مخلوقات الله واختلاف ألوانها يخشى الله من عباده العلماء، وهذا اختاره ابن عطية، وهو مردود بأن ما بعد إنما لا يعمل فيما قبلها. والراجح الوجه الأول، والوقف على كذلك تام. ثم استؤنف الكلام وأخبر سبحانه بقوله: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" أو هو من تتمة قوله: "إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب" على معنى إنما يخشاه سبحانه بالغيب العالمون به، وبما يليق به من صفاته الجليلة وأفعاله الجميلة، وعلى كل تقدير فهو سبحانه قد عين في هذه الآية أهل خشيته وهم العلماء به وتعظيم قدرته. قال مجاهد: إنما العالم من خشي الله عز وجل وقال مسروق: كفى بخشية الله علماً وكفى بالاغترار جهلاً، فمن كان أعلم بالله كان أخشاهم له. قال الربيع بن أنس: من لم يخش الله فليس بعالم. وقال الشعبي: العالم من خاف الله، ووجه تقديم المفعول أن المقام مقام حصر الفاعلية ولو أخر انعكس الأمر. وقرأ عمر بن عبد العزيز برفع الاسم الشريف ونصب العلماء، ورويت هذه القراءة عن أبي حنيفة قال في الكشاف: الخشية في هذه القراءة استعارة، والمعنى: أنه يجلهم ويعظمهم كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس، وجملة "إن الله عزيز غفور" تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب على معصيته غافر لمن تاب من عباده.
29- "إن الذين يتلون كتاب الله" أي يستمرون على تلاوته ويداومونها. والكتاب هو القرآن الكريم، ولا وجه لما قيل إن المراد به جنس كتب الله "وأقاموا الصلاة" أي فعلوها في أوقاتها مع كمال أركانها وأذكارها "وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية" فيه حث على الإنفاق كيف ما تهيأ، فإن تهيأ سراً فهو أفضل وإلا فعلانية، ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء، ويمكن أن يراد بالسر صدقة النفل، وبالعلانية صدقة الفرض وجملة "يرجون تجارة لن تبور" في محل رفع على خبرية إن كما قال ثعلب وغيره، والمراد بالتجارة ثواب الطاعة ومعنى "لن تبور" لن تكسد ولن تهلك، وهي صفة للتجارة والإخبار برجائهم لثواب ما عملوا بمنزلة الوعد بحصول مرجوهم.
واللام في 30- "ليوفيهم أجورهم" متعلق بلن تبور، على معنى: أنها لن تكسد لأجل أن يوفيهم أجور أعمالهم الصالحة، ومثل هذه الآية قوله سبحانه: "فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله" وقيل إن اللام تمتعلقة بمحذوف دل عليه السياق: أي فعلوا ذلك ليوفيهم، ومعنى "ويزيدهم من فضله" أنه يتفضل عليهم بزيادة على أجورهم التي هي جزاء أعمالهم، وجملة "إنه غفور شكور" تعليل لما ذكر من التوفية والزيادة: أي غفور لذنوبهم شكور لطاعتهم، وقيل إن هذه الجملة هي خبر إن، وتكون جملة يرجون في محل نصقب على الحال، والأول أولى.
الصفحة رقم 437 من المصحف تحميل و استماع mp3