تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 441 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 441


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَـٰبَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ * قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَىْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ * قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ}

تقدم شرح هذه الأيات مع الأيات التي في الصفحة السابقة

{قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُواْ طَـٰئِرُكُم مَّعَكُمْ أَءِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ * ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْألُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ * وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِى فَطَرَنِى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَءَتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّى شَفَـٰعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ * إِنِّىۤ إِذاً لَّفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ * إِنِّىۤ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ * قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى وَجَعَلَنِى مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ * وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ * إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَٰحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَـٰمِدُونَ * يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ * أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ * وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ * وَءَايَةٌ لَّهُمُ ٱلاٌّرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَـٰهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّـٰتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَـٰبٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ * لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ * سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى خَلَق ٱلاٌّزْوَٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلاٌّرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ * وَءَايَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ * وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَـٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ * لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}
{قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُواْ طَـٰئِرُكُم مَّعَكُمْ}. قد قدَّمنا الآيات الموضحة له في سورة «الأعراف»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ}، وذكرنا بعض الكلام عليه في سورة «النمل»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ}.
{ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْألُكُمْ أَجْر}. قد قدّمنا الآيات الموضحة له، وما يتعلق بها من الأحكام في سورة «هود»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {كَـٰرِهُونَ وَيٰقَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ}. {وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِى فَطَرَنِى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }. قوله: {فَطَرَنِى}، معناه: خلقني وابتدعني، كما تقدّم إيضاحه في أوّل سورة «فاطر».
والمعنى: أي شىء ثبت لي يمنعني من أن أعبد الذي خلقني، وابتدعني، وأبرزني من العدم إلى الوجود، وما دلّت عليه هذه الآية الكريمة من أن الذي يخلق هو وحده الذي يستحق أن يعبد وحده، جاء موضحًا في آيات كثيرة من كتاب اللَّه.
وقد قدّمنا إيضاح ذلك في سورة «الفرقان»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ}، وفي سورة «الرعد»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ}. {أَءَتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّى شَفَـٰعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ * إِنِّىۤ إِذاً لَّفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ }. الاستفهام في قوله تعالىٰ: {أَءتَّخِذُ} للإنكار، وهو مضمن معنى النفي، أي: لا أعبد من دون اللَّه معبودات، إن أرادني اللَّه بضرّ لا تقدر على دفعه عني، ولا تقدر أن تنقذني من كرب.
وما تضمّنته هذه الآية الكريمة من عدم فائدة المعبودات من دون اللَّه جاء موضّحًا في آيات من كتاب اللَّه تعالىٰ؛ كقوله تعالىٰ: {قُلْ أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ}، وقوله تعالىٰ: {قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيل}، وقوله تعالىٰ: {قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِى * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلاْرْضِ}، وقوله تعالىٰ: {وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلاْرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وقوله تعالىٰ: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ}، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وقوله تعالىٰ في هذه الآية الكريمة: {لاَّ تُغْنِ عَنّى شَفَـٰعَتُهُمْ شَيْئ}، أي: لا شفاعة لهم أصلاً حتى تغني شيئًا، ونحو هذا أسلوب عربي معروف، ومنه قول امرىء القيس: على لا حبّ لا يهتدي بمناره إذا سافه العود النباطي جرجرا

فقوله: لا يهتدي بمناره، أي: لا منار له أصلاً حتى يهتدي به، وقول الآخر: لا تفزع الأرنب أهوالها ولا ترى الضبّ بها ينجحر

أي: لا أرنب فيها، حتى تفزعها أهوالها، ولا ضبّ فيها حتى ينجحر، أي: يتّخذ جحرًا.
وهذا المعنى هو المعروف عند المنطقيين، بقولهم: السالبة لا تقتضي وجود الموضوع؛ كما تقدّم إيضاحه. {يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }. بيَّن جلَّ وعلا أن العباد ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزءون غير مكتفين بتكذيبه، بل جامعين معه الاستهزاء.
وقوله تعالىٰ في هذه الآية الكريمة: {مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ}، نصّ صريح في تكذيب الأُمم لجميع الرسل لما تقرّر في الأصول، من أن النكرة في سياق النفي إذا زيدت قبلها {مِنْ}، فهي نص صريح في عموم النفي، كما هو معروف في محلّه.
وهذا العموم الذي دلَّت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحًا في آيات أُخر، وجاء في بعض الآيات إخراج أُمّة واحدة عن حكم هذا العموم بمخصّص متّصل، وهو الاستثناء.
فمن الآيات الموضحة لهذا العموم، قوله تعالىٰ: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ}، وقوله تعالىٰ: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ}، وقوله تعالىٰ: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء}، إلى قوله: {فَأَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}.
وقد قدّمنا الكلام على هذا في سورة «قد أفلح المؤمنون»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ}.
وقدّمنا طرفًا من الكلام عليه في سورة «الأنعام»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا}.
وأمّاالأُمَّة التي أُخرجت من هذا العموم فهي أُمة يونس، والآية التي بيّنت ذلك هي قوله تعالىٰ: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ}، وقوله تعالىٰ: {وَأَرْسَلْنَـٰهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَـئَامَنُواْ فَمَتَّعْنَـٰهُمْ إِلَىٰ حِينٍ}، والحسرة أشدّ الندامة، وهو منصوب على أنه منادى عامل في المجرور بعده، فأشبه المنادى المضاف.
والمعنى: {خَـٰمِدُونَ يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ} تعالي واحضري فإن الاستهزاء بالرسل هو أعظم الموجبات لحضورك. {وَءَايَةٌ لَّهُمُ ٱلاٌّرْضُ ٱلْمَيْتَةُ}، إلى قوله: {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ}}. قد قدّمنا أن إحياء الأرض المذكور في هذه الآية، برهان قاطع على البعث في سورة «البقرة»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {}. قد قدّمنا أن إحياء الأرض المذكور في هذه الآية، برهان قاطع على البعث في سورة «البقرة»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ}. وفي سورة «النحل»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {هُوَ ٱلَّذِى أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَآء لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ}، وفي غير ذلك من المواضع. وأوضحنا في المواضع المذكورة، بقية براهين البعث بعد الموت.