تفسير الطبري تفسير الصفحة 441 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 441
442
440
 الآية : 13 -14
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مّثَلاً أَصْحَابَ القَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذّبُوهُمَا فَعَزّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوَاْ إِنّآ إِلَيْكُمْ مّرْسَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ومثل يا مـحمد لـمشركي قومك مثلاً أصحابَ القرية ذُكر أنها أنطاكية, إذْ جاءَها الـمُرْسَلُونَ. اختلف أهل العلـم فـي هؤلاء الرسل, وفـيـمن كان أرسلهم إلـى أصحاب القرية, فقال بعضهم: كانوا رسل عيسى بن مريـم, وعيسى الذي أرسلهم إلـيهم. ذكر من قال ذلك:
22243ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَاضْربْ لَهُمْ مَثَلاً أصحَابَ القَرْيَةِ إذْ جاءَها الـمُرْسَلُونَ إذْ أرْسَلْنا إلَـيْهِمُ اثْنَـيْنِ فَكَذّبُوهُما فَعَزّزْنا بِثالِثٍ قال: ذُكر لنا أن عيسى بن مريـم بعث رجلـين من الـحواريـين إلـى أنطاكية مدينة بـالروم فكذّبوهما, فأعزّهما بثالث, فَقالُوا إنّا إلَـيْكُمْ مُرْسَلُونَ.
22244ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن, قالا: حدثنا سفـيان, قال: ثنـي السديّ, عن عكرمة وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أصحَابَ القَرْيَةِ قال: أنطاكية.
وقال آخرون: بل كانوا رسلاً أرسلهم الله إلـيهم. ذكر من قال ذلك:
22245ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سَلَـمة, قال: حدثنا ابن إسحاق, فـيـما بلغه, عن ابن عبـاس, وعن كعب الأحبـار, وعن وهب بن مُنَبه, قال: كان بـمدينة أنطاكية, فرعون من الفراعنة يقال له أبطيحس بن أبطيحس يعبد الأصنام, صاحب شرك, فبعث الله الـمرسلـين, وهم ثلاثة: صادق, ومصدوق, وسلوم, فقدم إلـيه وإلـى أهل مدينته, منهم اثنان فكذّبوهما, ثم عزّز الله بثالث فلـما دعته الرسل ونادته بأمر الله, وصدعت بـالذي أُمرت به, وعابت دينه, وما هم علـيه, قال لهم: إنّا تَطَيّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَـمْ تَنْتَهُوا لَنرْجُمَنّكُمْ وَلَـيَـمَسّنّكُمْ مِنّا عَذَابٌ ألِـيـمٌ.
وقوله: إذْ أرْسَلْنا إلَـيْهِمُ اثْنَـيْنِ فَكَذّبُوهُما فَعَزّزْنا بِثالِثٍ يقول تعالـى ذكره: حين أرسلنا إلـيهم اثنـين يدعوانهم إلـى الله فكذّبوهما فشددناهما بثالث, وقوّيناهما به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22246ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: فَعَزّزْنا بِثالِثٍ قال: شدّدنا.
22247ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بَزّة, عن مـجاهد فـي قوله فَعَزّزْنا بِثالِثٍ قال: زدنا.
22248ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: فَعَزّزْنا بِثالِثٍ قال: جعلناهم ثلاثة, قال: ذلك التعزّز, قال: والتعزّز: القوّة.
وقوله: فَقالُوا إنّا إلَـيْكُمْ مُرْسَلُونَ يقول: فقال الـمرسلون الثلاثة لأصحاب القرية: إنا إلـيكم أيها القومُ مرسلون, بأن تُـخْـلِصوا العبـادة لله وحده, لا شريك له, وتتبرّءوا مـما تعبدون من الاَلهة والأصنام. وبـالتشديد فـي قوله: فَعَزّزْنا قرأت القرّاء سِوى عاصم, فإنه قرأه بـالتـخفـيف, والقراءة عندنا بـالتشديد, لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه, وأن معناه, إذا شُدّد: فقوّينا, وإذا خُفف: فغلبنا, ولـيس لغلبنا فـي هذا الـموضع كثـير معنى.
الآية : 15 -17
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرّحْمَـَنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاّ تَكْذِبُونَ * قَالُواْ رَبّنَا يَعْلَمُ إِنّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَآ إِلاّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }.
يقول تعالـى ذكره: قال أصحاب القرية للثلاثة الذين أُرسلوا إلـيهم حين أخبروهم أنهم أرسلوا إلـيهم بـما أرسلوا به: ما أنتـم أيها القوم إلاّ أُناس مثلنا, ولو كنتـم رسلاً كما تقولون, لكنتـم ملائكة وَما أنْزَلَ الرّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ يقول: قالوا: وما أنزل الرحمن إلـيكم من رسالة ولا كتاب ولا أمركم فـينا بشيء إنْ أنْتُـمْ إلاّ تَكْذِبُونَ فـي قـيـلكم إنكم إلـينا مرسلون قالُوا رَبّنا يَعْلَـمُ إنّا إلَـيْكُمْ لَـمُرْسَلُونَ يقول: قال الرسل: ربنا يعلـم إنا إلـيكم لـمرسلون فـيـما دعوناكم إلـيه, وإنا لصادقون وَما عَلَـيْنا إلاّ البَلاغُ الـمُبِـينُ يقول: وما علـينا إلاّ أن نبلغكم رسالة الله التـي أرسلنا بها إلـيكم بلاغا يبـين لكم أنا أبلغناكموها, فإن قبلتـموها فحظّ أنفسكم تصيبون, وإن لـم تقبلوها فقد أدّينا ما علـينا, والله ولـيّ الـحكم فـيه.
الآية : 18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوَاْ إِنّا تَطَيّرْنَا بِكُمْ لَئِن لّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنّكُمْ وَلَيَمَسّنّكُمْ مّنّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: قال أصحاب القرية للرسل: أنّا تَطَيّرْنا بِكُمْ يعنون: إنا تشاءمنا بكم, فإن أصابنا بَلاء فمن أجلكم, كما:
22249ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قالُوا إنّا تَطَيّرْنا بِكُمْ قالوا: إن أصابنا شرّ, فإنـما هو من أجلكم.
وقوله: لَئِنْ لَـمْ تَنْتَهُوا لَنرْجُمَنّكُمْ يقول: لئن لـم تنتهوا عما ذكرتـم من أنكم أرسلتـم إلـينا بـالبراءة من آلهتنا, والنهي عن عبـادتنا لنرجمنكم, قـيـل: عُنـي بذلك لنرجُمَنّكم بـالـحجارة. ذكر من قال ذلك:
22250ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَئِنْ لَـمْ تَنْتَهُوا لَنرْجُمَنّكُمْ بـالـحجارة وَلَـيَـمَسّنّكُمْ مِنّا عَذَابٌ ألِـيـمٌ يقول: ولـينالنكم منا عذاب مُوجِع.
الآية : 19-21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ طَائِرُكُم مّعَكُمْ أَإِن ذُكّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مّسْرِفُونَ * وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىَ قَالَ يَقَوْمِ اتّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ * اتّبِعُواْ مَن لاّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مّهْتَدُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قالت الرسل لأصحاب القرية: طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أئِنْ ذُكّرْتُـمْ يقولون: أعمالكم وأرزاقكم وحظّكم من الـخير والشرّ مَعكم, ذلك كله فـي أعناقكم, وما ذلك من شؤمنا إن أصابكم سوء فـيـما كتب علـيكم, وسبق لكم من الله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22251ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ: أي أعمالكم معكم.
22252ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق فـيـما بلغه عن ابن عبـاس, وعن كعب, وعن وهب بن منبه, قالت لهم الرسل: طائِرُكُمْ مَعَكُمْ: أي أعمالكم معكم.
وقوله: أئِنْ ذُكّرْتُـمْ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار أئِنْ ذُكّرْتُـمْ بكسر الألف من «إنْ» وفتـح ألف الاستفهام: بـمعنى إن ذكرناكم فمعكم طائركم, ثم أدخـل علـى «إن» التـي هي حرف جزاء ألفَ استفهام فـي قول بعض نـحويّـي البصرة, وفـي قول بعض الكوفـيـين منويّ به التكرير, كأنه قـيـل: قالوا طائركم معكم إن ذُكّرتـم فمعكم طائركم, فحذف الـجواب اكتفـاء بدلالة الكلام علـيه. وإنـما أنكر قائل هذا القول القول الأوّل, لأن ألف الاستفهام قد حالت بـين الـجزاء وبـين الشرط, فلا تكون شرطا لـما قبل حرف الاستفهام. وذُكر عن أبـي رَزِين أنه قرأ ذلك: أئِنْ ذُكّرْتُـمْ بـمعنى: ألأِن ذُكّرتُـم طائركم معكم؟. وذُكر عن بعض قارئيه أنه قرأه: «قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أيْنَ ذُكِرْتُـمْ» بـمعنى: حيث ذُكِرتـم بتـخفـيف الكاف من ذُكِرْتـم.
والقراءة التـي لا نـجيز القراءة بغيرها القراءة التـي علـيها قرّاء الأمصار, وهي دخول ألف الاستفهام علـى حرف الـجزاء, وتشديد الكاف علـى الـمعنى الذي ذكرناه عن قارئيه كذلك, لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22253ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أئِنْ ذُكّرْتُـمْ: أي إن ذكّرناكم اللّهَ تطيرتـم بنا؟ بَلْ أنْتُـمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ.
وقوله: بَلْ أنْتُـمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ يقول: قالوا لهم: ما بكم التطَيّر بنا, ولكنكم قومٌ أهل معاص لله وآثام, قد غلبت علـيكم الذنوب والاَثام.
وقوله: وَجاءَ مِنْ أقْصَى الـمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى يقول: وجاء من أقصى مدينة هؤلاء القوم الذين أرسلت إلـيهم هذه الرسل رجل يسعى إلـيهم وذلك أن أهل الـمدينة هذه عزموا, واجتـمعت آراؤهم علـى قتل هؤلاء الرسل الثلاثة فـيـما ذُكِر, فبلغ ذلك هذا الرجل, وكان منزله أقصَى الـمدينة, وكان مؤمنا, وكان اسمه فـيـما ذُكر «حبـيب بن مري». وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك جاءت الأخبـار. ذكر الأخبـار الواردة بذلك:
22254ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيـل, قال: حدثنا سفـيان, عن عاصم الأحول, عن أبـي مُـجَلّز, قال: كان صاحب يس «حبـيب بن مري».
22255ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: كان من حديث صاحب يس فـيـما حدثنا مـحمد بن إسحاق فـيـما بلغه, عن ابن عبـاس, وعن كعب الأحبـار وعن وهب بن منبه الـيـمانـيّ أنه كان رجلاً من أهل أنطاكية, وكان اسمه «حبـيبـا», وكان يعمل الـجَرير, وكان رجلاً سقـيـما, قد أسرع فـيه الـجُذام, وكان منزله عند بـاب من أبوب الـمدينة قاصيا, وكان مؤمنا ذا صدقة, يجمع كسبه إذا أمسى فـيـما يذكرون, فـيقسمه نصفـين, فـيطعم نصفـا عياله, ويتصدّق بنصف, فلـم يُهِمّه سقمه ولا عمله ولا ضعفه, عن عمل ربه, قال: فلـما أجمع قومه علـى قتل الرسل, بلغ ذلك حبـيبـا وهو علـى بـاب الـمدينة الأقصى, فجاء يسعى إلـيهم يذكرهم بـالله, ويدعوهم إلـى اتبـاع الـمرسلـين, فقال: يا قَوْمِ اتّبِعُوا الـمُرْسَلِـينَ.
22256ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن عمرو بن حزم أنه حُدّث عن كعب الأحبـار قال: ذكر له حبـيب بن زيد بن عاصم أخو بنـي مازن بن النـجار الذي كان مسيـلـمة الكذّاب قطعه بـالـيـمامة حين جعل يسأله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجعل يقول: أتشهد أن مـحمدا رسول الله؟ فـيقول: نعم, ثم يقول: أتشهد أنـي رسول الله؟ فـيقول له: لا أسمع, فـيقول مسيـلـمة: أتسمع هذا, ولا تسمع هذا؟ فـيقول: نعم, فجعل يقطعه عُضْوا عضوا, كلـما سأله لـم يزده علـى ذلك حتـى مات فـي يديه. قال كعب حين قـيـل له اسمه حبـيب: وكان والله صاحب يس اسمه حبـيب.
22257ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن الـحسن بن عمارة, عن الـحكم بن عتـيبة, عن مِقْسم أبـي القاسم مولـى عبد الله بن الـحارث بن نوفل, عن مـجاهد, عن عبد الله بن عبـاس أنه كان يقول: كان اسم صاحب يس حبـيبـا, وكان الـجُذام قد أسرع فـيه.
22258ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَجاءَ مِنْ أقْصَى الـمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قال: ذُكر لنا أن اسمه حبـيب, وكان فـي غار يعبد ربه, فلـما سمع بهم أقبل إلـيهم.
وقوله: قالَ يا قَوْمِ اتّبِعُوا الـمُرْسَلِـينَ يقول تعالـى ذكره: قال الرجل الذي جاء من أقصى الـمدينة لقومه: يا قوم اتبعوا الـمرسلـين الذين أرسلهم الله إلـيكم, واقبلوا منهم ما أتوكم به.
وذُكر أنه لـما أتـى الرسل سألهم: هل يطلبون علـى ما جاءوا به أجرا؟ فقالت الرسل: لا, فقال لقومه حينئذٍ: اتبعوا من لا يسألكم علـى نصيحتهم لكم أجرا. ذكر من قال ذلك:
22259ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: لـما انتهى إلـيهم, يعنـي إلـى الرسل, قال: هل تسألون علـى هذا من أجر؟ قالوا: لا, فقال عند ذلك: يا قَوْمِ اتّبِعُوا الـمُرْسَلِـينَ اتّبِعوا مَنْ لا يَسأَلُكُمْ أجْرا وَهُمْ مُهْتَدُونَ.
22260ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق فـيـما بلغه, عن ابن عبـاس, وعن كعب الأحبـار, وعن وهب بن منبه اتّبِعُوا مَنْ لا يَسألُكُمْ أجْرا وَهُمْ مُهْتَدُونَ: أي لا يسألونكم أموالكم علـى ما جاؤوكم به من الهدى, وهم لكم ناصحون, فـاتبعوهم تهتدوا بهداهم.
وقوله: وَهُمْ مُهْتَدُونَ يقول: وهم علـى استقامة من طريق الـحقّ, فـاهتدوا أيها القوم بهداهم.
الآية : 22-25
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرّحْمَـَنُ بِضُرّ لاّ تُغْنِ عَنّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ * إِنّيَ إِذاً لّفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ * إِنّيَ آمَنتُ بِرَبّكُمْ فَاسْمَعُونِ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل هذا الرجل الـمؤمن وَمالـيَ لا أعْبُدُ الّذِي فَطَرَنِـي: أي وأيّ شيء لـي لا أعبد الربّ الذي خـلقنـي وَإلَـيْهِ تُرْجَعُونَ يقول: وإلـيه تصيرون أنتـم أيها القوم وتردّون جميعا, وهذا حين أبدى لقومه إيـمانه بـالله وتوحيده, كما:
22261ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق فـيـما بلغه, عن ابن عبـاس, وعن كعب الأحبـار, وعن وهب بن منبه قال: ناداهم, يعنـي نادى قومه بخلاف ما هم علـيه من عبـادة الأصنام, وأظهر لهم دينه وعبـادة ربه, وأخبرهم أنه لا يـملك نفعه ولا ضرّه غيره, فقال: وَمالِـيَ لا أعْبُدُ الّذِي فَطَرَنِـي وَإلَـيْهِ تُرْجَعُونَ أءتّـخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ثم عابها, فقال: إن يُردْنِ الرّحْمَنُ بِضُرّ وشدّة لا تُغْنِ عَنّـي شَفـاعَتُهُمْ شَيْئا وَلا يُنْقِذُونَ. وقوله: أءتّـخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً يقول: أأعبد من دون الله آلهة, يعنـي معبودا سواه إنْ يُردْنِ الرّحْمَنُ بِضُرّ يقول: إذ مسنـي الرحمن بضرّ وشدّة لا تُغْنِ عَنّـي شَفـاعَتُهُمْ شَيْئا يقول: لا تغنـي عنـي شيئا بكونها إلـيّ شفعاء, ولا تقدر علـى دفع ذلك الضرّ عنـي وَلا يُنْقِذُونِ يقول: ولا يخـلصونـي من ذلك الضرّ إذا مسنـي.
وقوله: إنّـي إذا لَفـي ضَلالٍ مُبِـينٍ يقول: إنـي إن اتـخذت من دون الله آلهة هذه صفتها إذن لفـي ضلالٍ مبـين لـمن تأمله, جوره عن سبـيـل الـحقّ.
وقوله: إنّـي آمَنْتُ بِرَبّكُمْ فـاسمَعُونِ فـاختلف فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: قال هذا القول هذا الـمؤمنُ لقومه يعلـمهم إيـمانه بـالله. ذكر من قال ذلك:
22262ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق فـيـما بلغه, عن ابن عبـاس, وعن كعب, وعن وهب بن منبه إنّـي آمَنْتُ بِرَبّكُمْ فـاسمَعُونِ إنـي آمنت بربكم الذي كفرتـم به, فـاسمعوا قولـي.
وقال آخرون: بل خاطب بذلك الرسلَ, وقال لهم: اسمعوا قولـي لتشهدوا لـي بـما أقول لكم عند ربـي, وأنـي قد آمنت بكم واتبعتكم فذكر أنه لـما قال هذا القول, ونصح لقومه النصيحة التـي ذكرها الله فـي كتابه وثبوا به فقتلوه.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي صفة قتلهم إياه, فقال بعضهم: رَجَموه بـالـحجارة. ذكر من قال ذلك:
22263ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَما لـيَ لا أعْبُدُ الذِي فَطَرَنِـي وَإلَـيْهِ تُرْجَعُونَ هذا رجل دعا قومه إلـى الله, وأبدى لهم النصيحة فقتلوه علـى ذلك. وذُكر لنا أنهم كانوا يرجمونه بـالـحجارة, وهو يقول: اللّهم اهدِ قومي, اللهمّ اهدِ قومي, اللهمّ اهدِ قومي, حتـى أَقْعصُوه وهو كذلك.
وقال آخرون: بل وثبوا علـيه, فوطئوه بأقدامهم حتـى مات. ذكر من قال ذلك:
22264ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق فـيـما بلغه, عن ابن عبـاس, وعن كعب, وعن وهب بن منبه قال لهم: وَما لـيَ لا أعْبُدُ الّذِي فَطَرَنِـي... إلـى قوله: فـاسمَعُونِ وثبوا وثبة رجل واحد فقتلوه واستضعفوه لضعفه وسقمه, ولـم يكن أحد يدفع عنه.
22265ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أصحابه أن عبد الله بن مسعود كان يقول: وطِئوه بأرجلهم حتـى خرج قُصْبه من دُبُره.
الآية : 26 -27
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنّةَ قَالَ يَلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال الله له إذ قتلوه كذلك فلقـيه: ادْخُـلِ الـجَنّةَ فلـما دخـلها وعاين ما أكرمه الله به لإيـمانه وصبره فـيه قالَ يا لَـيْتَ قَوْمي يَعْلَـمُونَ بِـمَا غَفَرَ لـي رَبّـي يقول: يا لـيتهم يعلـمون أن السبب الذي من أجله غفر لـي ربـي ذنوبـي, وجعلنـي من الذين أكرمهم الله بإدخاله إياه جنته, كان إيـمانـي بـالله وصبري فـيه, حتـى قتلت, فـيؤمنوا بـالله ويستوجبوا الـجنة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22266ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي ابن إسحاق, عن بعض أصحابه أن عبد الله بن مسعود كان يقول: قال الله له: ادخـل الـجنة, فدخـلها حيا يُرزق فـيها, قد أذهب الله عنه سقم الدنـيا وحزنها ونصبها, فلـما أفضى إلـى رحمة الله وجنته وكرامته قالَ يا لَـيْتَ قَوْمي يَعْلَـمُونَ بِـمَا غَفَرَ رَبّـي وَجَعَلَنِـي مِنَ الـمُكْرَمِينَ.
22267ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: قِـيـلَ ادْخُـلِ الـجَنّةِ فلـما دخـلها قالَ يا لَـيْتَ قَوْمي يَعْلَـمُونَ بِـما غَفَرَ لـي رَبّـي وَجَعَلِنـي مِنَ الـمُكْرَمِينَ قال: فلا تلقـى الـمؤمن إلاّ ناصحا, ولا تلقاه غاشا, فلـما عاين من كرامة الله قالَ يا لَـيْتَ قَوْمي يَعْلَـمُونَ بـمَا غَفَرَ لـي رَبّـي وَجَعَلَنِـي مِنَ الـمُكْرَمِينَ تـمنى علـى الله أن يعلـم قومه ما عاين من كرامة الله, وما هجم علـيه.
22268ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: قِـيـلَ ادْخُـلِ الـجَنّةَ قال: قـيـل: قد وجبت له الـجنة قال ذاك حين رأى الثواب.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد قِـيـلَ ادْخُـلِ الـجَنّةَ قال: وجبت لك الـجنة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حَكَام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بَزّة, عن مـجاهد قِـيـلَ ادْخُـلِ الـجَنّةَ قال: وجبت له الـجنة.
22269ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, عن سفـيان, عن عاصم الأحول, عن أبـي مـجلز, فـي قوله: بـمَا غَفَرَ لـي رَبّـي قال: إيـمانـي بربـي, وتصديقـي رسله, والله أعلـم