تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 7 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 7

 {فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ * قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ }
فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ لم يبيّن هنا ما هذه الكلمات ، ولكنه بيّنها في سورة «الأعراف»، بقوله : {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ} .
{يَـٰبَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِىۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِىۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّـٰىَ فَٱرْهَبُونِ * وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَـٰتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّـٰىَ فَٱتَّقُونِ }
يَـٰبَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِىۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ لم يبيّن هنا ما هذه النعمة التي أنعمها عليهم ، ولكنه بيّنها في آيات أُخر ، كقوله : {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ} .
وقوله : {وَإِذْ نَجَّيْنَـٰكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ} الآية وقوله : {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلاْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ * وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِى ٱلاْرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} ، إلى غير ذلك من الآيات .
{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِىۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} لم يبيّن هنا ما عهده وما عهدهم ، ولكنه بيّن ذلك في مواضع أُخر كقوله : {وَقَالَ ٱللَّهُ إِنّى مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلوٰةَ وَءاتَيْتُمْ ٱلزَّكَوٰةَ وَءامَنتُمْ بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لاكَفّرَنَّ عَنْكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ} ، فعهدهم هو المذكور في قوله : {لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلوٰةَ وَءاتَيْتُمْ ٱلزَّكَوٰةَ وَءامَنتُمْ بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَن} ، وعهده هو المذكور في قوله : {لاكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَـٰتِهِمْ} .
وأشار إلى عهدهم أيضًا بقوله : {وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} ؛ إلى غير ذلك من الآيات .
{وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ * أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَـٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }
وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ الحق الذي لبسوه بالباطل هو إيمانهم ببعض ما في التوراة . والباطل الذي لبسوا به الحق ، هو كفرهم ببعض ما في التوراة وجحدهم له . كصفات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وغيرها مما كتموه وجحدوه وهذا يبيّنه قوله تعالىٰ : {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَـٰبِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} ، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب كما تقدم .
{وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ }
، وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ الاستعانة بالصبر على أمور الدنيا والآخرة لا إشكال فيها ، وأما نتيجة الاستعانة بالصلاة ، فقد أشار لها تعالىٰ في آيات من كتابه ، فذكر أن من نتائج الاستعانة بها النهي عما لا يليق، وذلك في قوله : {ٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ} ، وأنها تجلب الرزق وذلك في قوله : {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ} ؛ ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة .
وإيضاح ذلك : أن العبد إذا قام بين يدي ربه يناجيه ويتلو كتابه هان عليه كل ما في الدنيا رغبة فيما عند اللَّه . ورهبة منه فيتباعد عن كل ما لا يرضي اللَّه فيرزقه اللَّه ويهديه .
{ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ * يَـٰبَنِى إِسْرَٰءِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِى ٱلَّتِىۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ }
ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا رَبِّهِمْ المراد بالظن هنا : اليقين كما يدل عليه قوله تعالىٰ : {وَبِٱلأْخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} . وقوله : {وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ} .
{وَٱتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَـٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }
وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَـٰعَةٌ ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقًا يوم القيامة ، ولكنه بيّن في مواضع أُخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار ، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السمٰوات والأرض .
أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب ، والسنة ، والإجماع . فنص على عدم الشفاعة للكفار بقوله : {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ} ، وقد قال : {وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ} . وقال تعالىٰ عنهم مقررًا له : {فَمَا لَنَا مِن شَـٰفِعِينَ} . وقال : {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـٰعَةُ ٱلشَّـٰفِعِينَ} ، إلى غير ذلك من الآيات .
وقال في الشفاعة بدون إذنه : {مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} . وقال : {وَكَمْ مّن مَّلَكٍ فِى * ٱلسَّمَـٰوَاتِ لاَ تُغْنِى شَفَـٰعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَىٰ} . وقال : {يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِىَ لَهُ قَوْل} ، إلى غير ذلك من الآيات .
وادعاء شفعاء عند اللَّه للكفار أو بغير إذنه ، من أنواع الكفر به جلّ وعلا ، كما صرح بذلك في قوله : {وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلاْرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
تنبيــه
هذا الذي قررناه من أن الشفاعة للكفار مستحيلة شرعًا مطلقًا ، يستثنى منه شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب في نقله من محل من النار إلى محل آخر منها ، كم