تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 8 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 8

 {وَإِذْ نَجَّيْنَـٰكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِى ذَٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }
يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بيّنه بقوله بعده : {يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ} .
{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَـٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ }
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَـٰكُمْ لم يبيّن هنا كيفية فرق البحر بهم ، ولكنه بيّن ذلك في مواضع أُخر كقوله : {فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ} ، وقوله : {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِى ٱلْبَحْرِ يَبَس} .
{وَأَغْرَقْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ} لم يبين هنا كيفية إغراقهم ولكنه بيّنها في مواضع أُخر كقوله : {فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلاْخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلاْخَرِينَ} ، وقوله : {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مّنَ ٱلْيَمّ مَا غَشِيَهُمْ} .
وقوله : {وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} ، ودقوله : {رَهْو} ، أي ساكنًا على حالة انفلاقه حتى يدخلوا فيه إلى غير ذلك من الآيات .
{وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَـٰلِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لم يبيّن هنا هل واعده إياها مجتمعة أو متفرقة ؟ ولكنه بيّن في سورة الأعراف أنها متفرقة ، وأنه واعده أولاً ثلاثين ، ثم أتمها بعشر ، وذلك في قوله تعالىٰ : {وَوٰعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَـٰثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَـٰتُ رَبّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} . قوله تعالى
: {وَإِذْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}
الظاهر في معناه: أن الفرقان هو الكتاب الذي أوتيه موسى ، وأنما عطف على نفسه؛ تنزيلاً لتغاير الصفات منزلة تغاير الذوات ؛ لأن ذلك الكتاب الذي هو التوراة موصوف بأمرين :
أحدهما: أنه مكتوب كتبه اللَّه لنبيه موسى عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام .
والثاني : أنه فرقان أي فارق بين الحق والباطل ، فعطف الفرقان على الكتاب ، مع أنه هو نفسه نظرًا لتغاير الصفتين ، كقول الشاعر : إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم

بل ربما عطفت العرب الشىء على نفسه مع اختلاف اللفظ فقط ، فاكتفوا بالمغايرة في اللفظ . كقول الشاعر : إني لأعظم في صدر الكميِّ على ما كان فيّ من التجدير والقصر

القصر : هو التجدير بعينه . وقول الآخر : وقددت الأديم لراهشيه وألفى قولها كذبًا ومينًا

والمين : هو الكذب بعينه . وقول الآخر : ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأْي والبعد

والبعد : هو النأي بعينه وقول عنترة في معلّقته : حييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقفر بعد أم الهيثم

والإقفار : هو الإقواء بعينه .
والدليل من القرءان على أن الفرقان هو ما أوتيه موسى .
{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ ٱلْفُرْقَانَ} .

{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَـٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَـٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ *

سيتم شرح هذه الأيات في الصفحة التي بعدها ان شاء الله