تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 71 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 71

 {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلاٌّمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ * إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ * وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }
. فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ قد قدمنا في سورة « الفاتحة » في الكلام على قوله تعالىٰ : {صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ، أن الجموع المذكرة ونحوها مما يختص بجماعة العقلاء من الذكور إذا وردت في كتاب اللَّه تعالىٰ أو سنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم ، اختلف العلماء فيها هل يدخل النساء أو لا يدخلن ؟ إلا بدليل على دخولهن وبذلك تعلم أن قوله تعالىٰ : {وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ} يحتمل دخول النساء فيه وعدم دخولهن بناء على الاختلاف المذكور ، ولكنّه تعالىٰ بيّن في موضع آخر أنهنّ داخلات في جملة من أمر صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لهم ، وهو قوله تعالىٰ : {فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلائَ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ} .
{أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ }
، أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذكر في هذه الآية أن من اتبع رضوان اللَّه ليس كمن باء بسخط منه ؛ لأن همزة الإنكار بمعنى النفي ولم يذكر هنا صفة من اتبع رضوان اللَّه ، ولكن أشار إلى بعضها في موضع آخر وهو قوله : {ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَـٰناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ * فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَٱتَّبَعُواْ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} .
وأشار إلى بعض صفات من باء بسخط من اللَّه بقوله : {تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ} ، وبقوله هنا : {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ} .

{أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ * وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَـٰكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَـٰنِ يَقُولُونَ بِأَفْوَٰهِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَٰنِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ }
، أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ذكر في هذه الآية الكريمة أن ما أصاب المسلمين يوم أُحد إنما جاءهم من قبل أنفسهم ، ولم يبيّن تفصيل ذلك هنا ولكنه فصله في موضع آخر وهو قوله : {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلاْمْرِ وَعَصَيْتُمْ مّن بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَّ} ، وهذا هو الظاهر في معنى الآية ؛ لأن خير ما يبين به القرءَان القرءَان .
وأما على القول الآخر فلا بيان بالآية ، وهو أن معنى : {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} ، أنهم خيروا يوم بدر بين قتل أسارى بدر ، وبين أسرهم وأخذ الفداء على أن يستشهد منهم في العام القابل قدر الأسارى ، فاختاروا الفداء على أن يستشهد منهم في العام القابل سبعون قدر أسارى بدر ، كما رواه الإمام أحمد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب ، وعقده أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه للمغازي بقوله : والمسلمون خيروا بين الفدا وقدرهم في قابل يستشهدا
وبين قتلهم فمالوا للفدا لأنه على القتال عضدا
وأنه أدى إلى الشهادة وهي قصارى الفوز والسعادة
ونظمه هذا للمغازي جلّ اعتماده فيه على « عيون الأثر » لابن سيد الناس اليعمري ، قال في مقدمته : أرجوزة على عيون الأثر جلّ اعتماد نظمها في السير

وذكر شارحة أن الألف في قوله يستشهدًا مبدلة من نون التوكيد الخفيفة وأنها في البيت كقوله : ربما أوفيت في علم ترفعن ثوبي شمالات

وعلى هذا القول : فالمعنى قل هو من عند أنفسكم حيث اخترتم الفداء واستشهاد قدر الأسارى منكم .