تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 72 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 72

 {أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ * وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَـٰكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَـٰنِ يَقُولُونَ بِأَفْوَٰهِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَٰنِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ }
، أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ذكر في هذه الآية الكريمة أن ما أصاب المسلمين يوم أُحد إنما جاءهم من قبل أنفسهم ، ولم يبيّن تفصيل ذلك هنا ولكنه فصله في موضع آخر وهو قوله : {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلاْمْرِ وَعَصَيْتُمْ مّن بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَّ} ، وهذا هو الظاهر في معنى الآية ؛ لأن خير ما يبين به القرءَان القرءَان .
وأما على القول الآخر فلا بيان بالآية ، وهو أن معنى : {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} ، أنهم خيروا يوم بدر بين قتل أسارى بدر ، وبين أسرهم وأخذ الفداء على أن يستشهد منهم في العام القابل قدر الأسارى ، فاختاروا الفداء على أن يستشهد منهم في العام القابل سبعون قدر أسارى بدر ، كما رواه الإمام أحمد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب ، وعقده أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه للمغازي بقوله : والمسلمون خيروا بين الفدا وقدرهم في قابل يستشهدا
وبين قتلهم فمالوا للفدا لأنه على القتال عضدا
وأنه أدى إلى الشهادة وهي قصارى الفوز والسعادة
ونظمه هذا للمغازي جلّ اعتماده فيه على « عيون الأثر » لابن سيد الناس اليعمري ، قال في مقدمته : أرجوزة على عيون الأثر جلّ اعتماد نظمها في السير

وذكر شارحة أن الألف في قوله يستشهدًا مبدلة من نون التوكيد الخفيفة وأنها في البيت كقوله : ربما أوفيت في علم ترفعن ثوبي شمالات

وعلى هذا القول : فالمعنى قل هو من عند أنفسكم حيث اخترتم الفداء واستشهاد قدر الأسارى منكم .
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَـٰبَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }
. وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتاً نهى اللَّه تبارك وتعالىٰ في هذه الآية عن ظن الموت بالشهداء ، وصرح بأنهم {أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ} ، وأنهم فرحون {بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ} ، {يَسْتَبْشِرُونَ * بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} . ولم يبيّن هنا هل حياتهم هذه في البرزخ يدرك أهل الدنيا حقيقتها أو لا ؟ ولكنه بيّن في سورة « البقرة » أنهم لا يدركونها بقوله : {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} ؛ لأن نفي الشعور يدل على نفي الإدراك من باب أولى كما هو ظاهر .

{ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَـٰناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ * فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ * وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِى ٱلاٌّخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَـٰنِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
. ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ قال جماعة من العلماء : المراد بالناس القائلين : {إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} ، نعيم بن مسعود الأشجعي أو أعرابي من خزاعة . كما أخرجه ابن مردويه من حديث أبي رافع ويدلّ لهذا توحيد المشار إليه في قوله تعالىٰ : {إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ} .
قال صاحب « الإتقان ») ، قال الفارسي : ومما يقوي أن المراد به واحد قوله : {إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ} ، فوقعت الإشارة بقوله : « ذَلِكُم » إلى واحد بعينه ، ولو كان المعنى جمعًا لقال : إنما أُولئكم الشيطان . فهذه دلالة ظاهرة في اللفظ . اهـ منه بلفظه