تفسير الطبري تفسير الصفحة 71 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 71
072
070
 الآية : 158
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَئِنْ مّتّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ }
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ولئن متـم أو قتلتـم أيها الـمؤمنون, فإن إلـى الله مرجعكم ومـحشركم, فـيجازيكم بأعمالكم, فآثِروا ما يقرّبكم من الله, ويوجب لكم رضاه, ويقرّبكم من الـجنة, من الـجهاد فـي سبـيـل الله, والعمل بطاعته علـى الركون إلـى الدنـيا, وما تـجمعون فـيها من حطامها الذي هو غير بـاق لكم, بل هو زائل عنكم, وعلـى ترك طاعة الله والـجهاد, فإن ذلك يبعدكم عن ربكم, ويوجب لكم سخطه, ويقرّبكم من النار.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال ابن إسحاق.
6580ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {وَلَئِنْ مُتّـمْ أوْ قُتِلْتُـمْ} أيّ ذلك كان, {لإلِـى اللّهِ تُـحْشَرُونَ} أي أن إلـى الله الـمرجع, فلا تغرّنكم الـحياة الدنـيا, ولا تغترّوا بها, ولـيكن الـجهاد وما رغبكم الله فـيه منه آثر عندكم منها.
وأدخـلت اللام فـي قوله: {لإلِـى اللّهِ تُـحْشَرُونَ} لدخولها فـي قوله «ولئن», ولو كانت اللام مؤخرة, إلـى قوله: «تـحشرون», لأحدثت النون الثقـيـلة فـيه, كما تقول فـي الكلام: لئن أحسنت إلـيّ لأحسننّ إلـيك, بنون مثقلة, فكان كذلك قوله: «ولئن متـم أو قتلتـم لتـحشرنّ إلـى الله», ولكن لـما حيز بـين اللام وبـين تـحشرون بـالصفة أدخـلت فـي الصفة, وسلـمت «تـحشرون», فلـم تدخـلها النون الثقـيـلة, كما تقول فـي الكلام: لئن أحسنت إلـيّ لإلـيك أحسن, بغير نون مثقلة.
الآية : 159
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ }
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: {فَبِـما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ}: فبرحمة من الله و«ما» صلة, وقد بـينت وجه دخولها فـي الكلام فـي قوله: {إنّ اللّهَ لا يَستَـجِيـي أنْ يَضرِبَ مَثَلاً مّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَه} والعرب تـجعل «ما» صلة فـي الـمعرفة والنكرة, كما قال: {فبـمَا نقضِهِمْ ميثاقهُمْ} والـمعنى: فبنقضهم ميثاقهم. وهذا فـي الـمعرفة, وقال فـي النكرة: {عمّا قلـيـلٍ لـيُصبحنَ نادمينَ} والـمعنى: عن قلـيـل. وربـما جعلت اسما وهي فـي مذهب صلة, فـيرفع ما بعدها أحيانا علـى وجه الصلة, ويخفض علـى إتبـاع الصلة ما قبلها, كما قال الشاعر:
فكَفَـى بِنَا فَضْلاً علـى مَنْ غيرِناحُبّ النَبِـيّ مـحَمّدٍ إيّانا
إذا جعل غير صلة رفعت بإضمار هو, وإن حفضت أتبعت من فأعربته, فذلك حكمة علـى ما وصفنا مع النكرات, فأما إذا كانت الصلة معرفة, كان الفصيح من الكلام الإتبـاع, كما قـيـل: {فبـما نَقْضِهْم مِيثَاقَهُمْ} والرفع جائز فـي العربـية.
وبنـحو ما قلنا فـي قوله: {فَبِـما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ} قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
6581ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فـي قوله: {فَبِـما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ} يقول: فبرحمة من الله لنت لهم.
وأما قوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِـيظَ القَلْبِ لانْفَضّوا مِنْ حَوْلِك} فإنه يعنـي بـالفظّ: الـجافـي, وبـالغلـيظ القلب: القاسي القلب غير ذي رحمة ولا رأفة, وكذلك صفته صلى الله عليه وسلم, كما وصفه الله: {بـالـمُؤْمِنِـينَ رَءُوفٌ رَحِيـمٌ}.
فتأويـل الكلام: فبرحمة الله يا مـحمد ورأفته بك, وبـمن آمن بك من أصحابك, لنت لهم لتبّـاعك وأصحابك فسهلت لهم خلائقك, وحسنت لهم أخلاقك, حتـى احتـملت أذى من نالك منهم أذاه, وعفوت عن ذي الـجرم منهم جرمه, وأغضبت عن كثـير مـمن لو جفوت به, وأغلظت علـيه, لتركك ففـارقك, ولـم يتبعك, ولا ما بعثت به من الرحمة, ولكن الله رحمهم ورحمك معهم, فبرحمة من الله لنت لهم. كما:
6582ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِـيظَ القَلْبِ لانْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ}: إي والله, لطهره الله من الفظاظة والغلظة, وجعله قريبـا رحيـما بـالـمؤمنـين رءوفـا. وذكر لنا أن نعت مـحمد صلى الله عليه وسلم فـي التوراة: «لـيس بفظّ ولا غلـيظ ولا صخوب فـي الأسواق, ولا يجزي بـالسيئة مثلها, ولكن يعفو ويصفح».
6583ـ حُدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, بنـحوه.
6584ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق فـي قوله: {فَبِـما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِـيظَ القَلْبِ لانْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ} قال: ذكر لـينه لهم, وصبره علـيهم لضعفهم, وقلة صبرهم علـى الغلظة لو كانت منه فـي كل ما خالفوا فـيه مـما افترض علـيهم من طاعة نبـيهم.
وأما قوله: {لانْفَضُوا مِنْ حَوْلِكَ} فإنه يعنـي: لتفرّقوا عنك. كما:
6585ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: قوله: {لانْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ} قال: انصرفوا عنك.
6586ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {لا نْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ} أي لتركوك.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فـاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِـي الأمْرِ فإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ علـى اللّهِ إنّ اللّهَ يُحِبّ الـمُتَوكّلِـينَ}.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: {فـاعْفُ عَنْهُمْ}: فتـجاوز يا مـحمد عن تبـاعك وأصحابك من الـمؤمنـين بك, وبـما جئت به من عندي, ما نالك من أذاهم, ومكروه فـي نفسك. {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} وادع ربك لهم بـالـمغفرة لـما أتوا من جرم, واستـحقوا علـيه عقوبة منه. كما:
6587ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {فـاعْفُ عَنْهُمْ}: أي فتـجاوز عنهم, {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ذنوب من قارف من أهل الإيـمان منهم.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي من أجله أمر تعالـى ذكره نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم, وما الـمعنى الذي أمره أن يشاورهم فـيه؟ فقال بعضهم: أمر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَشاوِرْهُمْ فِـي الأمْرِ} بـمشاورة أصحابه فـي مكايد الـحرب وعند لقاء العدوّ, تطيـيبـا منه بذلك أنفسهم, وتألفـا لهم علـى دينهم, ولـيروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم, وإن كان الله عزّ وجلّ قد أغناه بتدبـيره له أموره وسياسته إياه وتقويـمه أسبـابه عنهم. ذكر من قال ذلك:
6588ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {وَشاوِرْهُمْ فِـي الأمْرِ فإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ علـى اللّهِ إنّ اللّهَ يُحِبّ الـمُتَوَكّلِـينَ} أمر الله عزّ وجلّ نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه فـي الأمور, وهو يأتـيه وحي السماء, لأنه أطيب لأنفس القوم, وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضا, وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم علـى أرشده.
6589ـ حُدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: {وَشاوِرْهُمْ فِـي الأمْرِ} قال: أمر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه فـي الأمور, وهو يأتـيه الوحي من السماء لأنه أطيب لأنفسهم.
6590ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {وَشاوِرْهُمْ فِـي الأمْرِ}: أي لتريهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم وإن كنت عنهم غنـيا, تؤلفهم بذلك علـى دينهم.
وقال آخرون: بل أمره بذلك فـي ذلك, وإن كان له الرأي وأصوب الأمور فـي التدبـير, لـما علـم فـي الـمشورة تعالـى ذكره من الفضل. ذكر من قال ذلك:
6591ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سلـمة بن نبـيط, عن الضحاك بن مزاحم, قوله: {وَشاوِرْهُمْ فِـي الأمْرِ} قال: ما أمر الله عزّ وجلّ نبـيه صلى الله عليه وسلم بـالـمشورة إلا لـما علـم فـيها من الفضل.
6592ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان, عن إياس بن دغفل, عن الـحسن: ما شاور قوم قط, إلا هدوا لأرشد أمورهم.
وقال آخرون: إنـما أمره الله بـمشاورة أصحابه فـيـما أمره بـمشاورتهم فـيه, مع إغنائه بتقويـمه إياه, وتدبـيره أسبـابه عن آرائهم, لـيتبعه الـمؤمنون من بعده, فـيـما حزبهم من أمر دينهم, ويستنوا بسنته فـي ذلك, ويحتذوا الـمثال الذي رأوه يفعله فـي حياته من مشاورته فـي أموره مع الـمنزلة التـي هو بها من الله أصحابه وتبـاعه فـي الأمر, ينزل بهم من أمر دينهم ودنـياهم, فـيتشاوروا بـينهم, ثم يصدروا عما اجتـمع علـيه ملؤهم¹ لأن الـمؤمنـين إذا تشاوروا فـي أمور دينهم متبعين الـحقّ فـي ذلك, لـم يخـلهم الله عزّ وجلّ من لطفه, وتوفـيقه للصواب من الرأي والقول فـيه. قالوا: وذلك نظير قوله عزّ وجل الذي مدح به أهل الإيـمان: {وَأمْرُهُمْ شُورَى بَـيْنَهُمْ}. ذكر من قال ذلك:
6593ـ حدثنا سوار بن عبد الله العنبري, قال: قال سفـيان بن عيـينة فـي قوله: {وَشاوِرهُمْ فِـي الأمْرِ} قال: هي للـمؤمنـين أن يتشاوروا فـيـما لـم يأتهم عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـيه أثر.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك أن يقال: إن الله عزّ وجلّ أمر نبـيه صلى الله عليه وسلم وسلـم بـمشاورة أصحابه, فـيـما حزبه من أمر عدوّه ومكايد حربه, تألفـا منه بذلك من لـم تكن بصيرته بـالإسلام البصيرة التـي يؤمن علـيه معها فتنة الشيطان, وتعريفـا منه أمته ما فـي الأمور التـي تـحزبهم من بعده ومطلبها, لـيقتدوا به فـي ذلك عند النوازل التـي تنزل بهم, فـيتشاوروا فـيـما بـينهم, كما كانوا يرونه فـي حياته صلى الله عليه وسلم يفعله. فأما النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فإن الله كان يعرّفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صواب ذلك. وأما أمته, فإنهم إذا تشاوروا مستنـين بفعله فـي ذلك علـى تصادق وتأخّ للـحقّ وإرادة جميعهم للصواب, من غير ميـل إلـى هوى, ولا حيد عن هدى¹ فـالله مسدّدهم وموفقهم.
وأما قوله: {فإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ علـى اللّهِ} فإنه يعنـي: فإذا صحّ عزمك بتثبـيتنا إياك وتسديدنا لك فـيـما نابك وحزبك من أمر دينك ودنـياك, فـامض لـما أمرناك به علـى ما أمرناك به, وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به علـيك أو خالفها, وتوكل فـيـما تأتـي من أمورك وتدع وتـحاول أو تزاول علـى ربك, فثق به فـي كل ذلك, وارض بقضائه فـي جميعه دون آراء سائر خـلقه ومعونتهم, فإن الله يحبّ الـمتوكلـين, وهم الراضون بقضائه, والـمستسلـمون لـحكمه فـيهم, وافق ذلك منهم هوى أو خالفه. كما:
6594ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {فإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ علـى اللّهِ إنّ اللّهَ يُحِبّ الـمُتَوكّلِـينَ} فإذا عزمت: أي علـى أمر جاءك منـي, أو أمر من دينك فـي جهاد عدوّك, لا يصلـحك ولا يصلـحهم إلا ذلك, فـامض علـى ما أمرت به, علـى خلاف من خالفك, وموافقة من وافقك, وتوكل علـى الله: أي ارض به من العبـاد, إن الله يحبّ الـمتوكلـين.
6595ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {فإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ علـى اللّهِ} أمر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم, إذا عزم علـى أمر أن يـمضي فـيه, ويستقـيـم علـى أمر الله, ويتوكل علـى الله.
6596ـ حُدثت عن عمار, عن ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قوله: {فإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ علـى اللّهِ}... الاَية, أمره الله إذا عزم علـى أمر أن يـمضي فـيه ويتوكل علـيه.
الآية : 160
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الّذِي يَنصُرُكُم مّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: إن ينصركم الله أيها الـمؤمنون بـالله ورسوله, علـى من ناوأكم وعاداكم من أعدائه, والكافرين به, فلا غالب لكم من الناس, يقول: فلن يغلبكم مع نصره إياكم أحد, ولو اجتـمع علـيكم من بـين أقطارها من خـلقه, فلا تهابوا أعداء الله لقلة عددكم, وكثرة عددهم, ما كنتـم علـى أمره, واستقمتـم علـى طاعته وطاعة رسوله, فإن الغلبة لكم والظفر دونهم. {وَإنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الّذِي يَنْصُرْكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} يعنـي: إن يخذلكم ربكم, بخلافكم أمره, وترككم طاعته وطاعة رسوله, فـيكلكم إلـى أنفسكم, فمن ذا الذي ينصركم من بعده, يقول: فأيسوا من نصرة الناس, فإنكم لا تـجدون أمرا من بعد خذلان الله إياكم أن خذلكم, يقول: فلا تتركوا أمري, وطاعتـي وطاعة رسولـي, فتهلكوا بخذلانـي إياكم. {وَعَلـى اللّهِ فَلْـيَتَوَكّلِ الـمُؤمِنُونَ} يعنـي: ولكن علـى ربكم أيها الـمؤمنون فتوكلوا دون سائر خـلقه, وبه فـارضوا من جميع من دونه, ولقضائه فـاستسلـموا, وجاهدوا فـيه أعداءه, يكفكم بعونه, ويـمددكم بنصره. كما:
6597ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {إنْ يَنْصُرْكُمْ اللّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعلـى اللّهِ فَلْـيَتَوكّلِ الـمُؤْمِنُونَ}: أي إن ينصرك الله فلا غالب لك من الناس, لن يضرّك خذلان من خذلك, وإن يخذلك, فلن ينصرك الناس, فمن الذي ينصركم من بعده: أي لا تترك أمري للناس, وارفُضْ (أمر) الناس لأمري {وَعَلـى اللّهِ} (لا علـى الناس) {فَلْـيَتَوَكّلِ الـمُؤْمِنُونَ}.
الآية : 161
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }
اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته جماعة من قراء الـحجاز والعراق: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} بـمعنى: أن يخون أصحابه فـيـما أفـاء الله علـيهم من أموال أعدائهم. واحتـجّ بعض قارئي هذه القراءة, أن هذه الاَية نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فـي قطيفة فقدت من مغانـم القوم يوم بدر, فقال بعض من كان مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم: لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها. ورووا فـي ذلك روايات. فمنها ما:
6598ـ حدثنا به مـحمد بن عبد الـملك بن أبـي الشوارب, قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد, قال: حدثنا خصيف, قال: حدثنا مقسم, قال: ثنـي ابن عبـاس, أن هذه الاَية: {وَما كانَ لِبَنِـيّ أنْ يَغُلّ} نزلت فـي قطيفة حمراء فقدت يوم بدر, قال: فقال بعض الناس: أخذها! قال: فأكثروا فـي ذلك, فأنزل الله عزّ وجلّ: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِـمَا غَلّ يَوْمَ القِـيامَةِ}.
6599ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب, قال: حدثنا عبد الواحد, قال: حدثنا خصيف, قال: سألت سعيد بن جبـير: كيف تقرأ هذه الاَية: {وَما ان لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} أو يُغَلّ؟ قال: لا, بل يَغُلّ, فقد كان النبـيّ واللّه يُغَلّ ويُقتل.
6600ـ حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد, قال: حدثنا عتاب بن بشير, عن خصيف, عن مقسم, عن ابن عبـاس: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أن يَغُلّ} قال: كان ذلك فـي قطيفة حمراء فقدت فـي غزوة بدر, فقال من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: فلعلّ النبـيّ أخذها, فأنزل الله عزّ وجلّ: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} قال سعيد: بل والله إن النبـيّ لُـيغلّ ويُقتل.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا خلاد, عن زهير, عن خصيف, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: كانت قطيفة فقدت يوم بدر, فقالوا: أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله عزّ وجلّ: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ}.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل, قال: حدثنا زهير, قال: حدثنا خصيف, عن سعيد بن جبـير وعكرمة, فـي قوله: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} قالا: يَغُلّ, قال: قال عكرمة أو غيره, عن ابن عبـاس, قال: كانت قطيفة فقدت يوم بدر, فقالوا: أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فأنزل الله هذه الاَية: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ}.
6601ـ حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا قزعة بن سويد البـاهلـي, عن حميد الأعرج, عن سعيد بن جبـير, قال: نزلت هذه الاَية: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} فـي قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من الغنـيـمة.
6602ـ حدثنا نصر بن علـي الـجهضمي, قال: حدثنا معتـمر, عن أبـيه, عن سلـيـمان الأعمش, قال: كان ابن مسعود يقرأ: {مَا كانَ لِنَبِـيّ أنْ يُغَلّ} فقال ابن عبـاس: بلـى, ويُقتل. قال: فذكر ابن عبـاس أنه إنـما كانت فـي قطيفة, قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم, غلّها يوم بدر, فأنزل الله: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ}.
وقال آخرون مـمن قرأ ذلك كذلك بفتـح الـياء وضمّ الغين: إنـما نزلت هذه الاَية فـي طلائع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجههم فـي وجه, ثم غنـم النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فلـم يقسم للطلائع, فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الاَية علـى نبـيه صلى الله عليه وسلم, يعلـمه فـيها أن فعله الذي فعله خطأ, وأن الواجب علـيه فـي الـحكم أن يقسم للطلائع مثل ما قسم لغيرهم, ويعرّفه الواجب علـيه من الـحكم فـيـما أفـاء الله علـيه من الغنائم, وأنه لـيس له أن يخصّ بشيء منها أحدا مـمن شهد الوقعة أو مـمن كان ردءا لهم فـي غزوهم دون أحد. ذكر من قال ذلك:
6603ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِـمَا غَلّ يَوْمَ القـيامَةِ} يقول: ما كان للنبـيّ أن يقسم لطائفة من الـمسلـمين ويترك طائفة ويجور فـي القسم, ولكن يقسم بـالعدل, ويأخذ فـيه بأمر الله, ويحكم فـيه بـما أنزل الله. يقول: ما كان الله لـيجعل نبـيا يغلّ من أصحابه, فإذا فعل ذلك النبـيّ صلى الله عليه وسلم, استنّوا به.
6604ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, أنه كان يقرأ: {ما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} قال: أن يعطي بعضا, ويترك بعضا, إذا أصاب مغنـما.
6605ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سلـمة بن نبـيط, عن الضحاك, قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع, فغنـم النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فلـم يقسم للطلائع, فأنزل الله عزّ وجلّ: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ}.
حدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, عن الضحاك: {ما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} يقول: ما كان لنبـيّ أن يقسم لطائفة من أصحابه, ويترك طائفة, ولكن يعدل, ويأخذ فـي ذلك بأمر الله عزّ وجلّ, ويحكم فـيه بـما أنزل الله.
حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: {ما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} قال: ما كان له إذا أصاب مغنـما أن يقسم لبعض أصحابه ويدع بعضا, ولكن يقسم بـينهم بـالسوية.
وقال آخرون مـمن قرأ ذلك بفتـح الـياء وضمّ الغين: إنـما أنزل ذلك تعريفـا للناس أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, لا يكتـم من وحي الله شيئا. ذكر من قال ذلك:
6606ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {ما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِـمَا غَلّ يَوْمَ القـيامَةِ ثُمّ تُوَفّـى كُلّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَـمُونَ}: أي ما كان لنبـيّ أن يكتـم الناس ما بعثه الله به إلـيهم عن رهبة من الناس ولا رغبة, ومن يعمل ذلك يأت به يوم القـيامة.
فتأويـل قراءة من قرأ ذلك كذلك: ما ينبغي لنبـيّ أن يكون غالاّ, بـمعنى: أنه لـيس من أفعال الأنبـياء خيانة أمـمهم. يقال منه: غلّ الرجل فهو يغلّ, إذا خان, غلولاً, ويقال أيضا منه: أغلّ الرجل فهو يُغِلّ إغلالاً, كما قال شريح: لـيس علـى الـمستعير غير الـمغلّ ضمان, يعنـي: غير الـخائن¹ ويقال منه: أغلّ الـجازر: إذا سرق من اللـحم شيئا مع الـجلد.
وبـما قلنا فـي ذلك جاء تأويـل أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
6607ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {ما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} يقول: ما كان ينبغي له أن يخون, فكما لا ينبغي له أن يخون فلا تـخونوا.
6608ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: {ما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} قال: أن يخون.
وقرأ ذلك آخرون: «ما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يُغَلّ» بضم الـياء وفتـح الغين, وهي قراءة عُظْم قراء أهل الـمدينة والكوفة.
واختلف قارئو ذلك كذلك فـي تأويـله, فقال بعضهم: معناه: ما كان لنبـيّ أن يغله أصحابه. ثم أسقط الأصحاب, فبقـي الفعل غير مسمى فـاعله¹ وتأويـله: وما كان لنبـيّ أن يخان. ذكر من قال ذلك:
6609ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عوف, عن الـحسن أنه كان يقرأ: «وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يُغَلّ» قال عوف: قال الـحسن: أن يُخان.
6610ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: «وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يُغْلّ» يقول: وما كان لنبـيّ أن يغله أصحابه الذين معه من الـمؤمنـين, ذكر لنا أن هذه الاَية نزلت علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر, وقد غلّ طوائف من أصحابه.
6611ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: «وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يُغَلّ» قال: أن يغله أصحابه.
6612ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قوله: «وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يُغَلّ» قال الربـيع بن أنس, يقول: ما كان لنبـيّ أن يغله أصحابه الذين معه, قال: ذكر لنا ـ والله أعلـم ـ أن هذه الاَية أنزلت علـى نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر, وقد غلّ طوائف من أصحابه.
وقال آخرون منهم: معنى ذلك: وما كان لنبـيّ أن يتهم بـالغلول فـيخون ويسرق. وكأن متأوّلـي ذلك كذلك وجهوا قوله: «وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يُغَلّ» إلـى أنه مراد به يغلّل, ثم خففت العين من يُفَعّل فصارت يفعل, كما قرأ من قرأ قوله: «فإنّهُمْ لا يُكْذِبُونك» بتأوّل يُكَذّبُونك.
وأولـى القراءتـين بـالصواب فـي ذلك عندي قراءة من قرأ: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} بـمعنى: ما الغلول من صفـات الأنبـياء, ولا يكون نبـيا من غلّ. وإنـما اخترنا ذلك, لأن الله عزّ وجلّ أوعد عقـيب قوله: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} أهل الغلول, فقال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِـمَا غَلّ يَوْمَ القِـيامَةِ}... الاَية, والتـي بعدها, فكان فـي وعيده عقـيب ذلك أهل الغلول, الدلـيـل الواضح علـى أنه إنـما نهى بذلك عن الغلول, وأخبر عبـاده أن الغلول لـيس من صفـات أنبـيائه بقوله: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} لأنه لو كان إنـما نهى بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالغلول, لعقب ذلك بـالوعيد علـى التهمة, وسوء الظنّ برسول الله صلى الله عليه وسلم, لا بـالوعيد علـى الغلول, وفـي تعقـيبه ذلك بـالوعيد علـى الغلول بـيان بـين, أنه إنـما عرف الـمؤمنـين وغيرهم من عبـاده أن الغلول منتف من صفة الأنبـياء وأخلاقهم, لأن ذلك جرم عظيـم, والأنبـياء لا تأتـي مثله.
فإن قال قائل مـمن قرأ ذلك كذلك: فأولـى منه: وَما كان لنبـيّ أن يخونه أصحابه إن ذلك كما ذكرت, ولـم يعقب الله قوله: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ} إلا بـالوعيد علـى الغلول, ولكنه إنـما وجب الـحكم بـالصحة لقراءة من قرأ: «يُغَلّ» بضم الـياء وفتـح الغين, لأن معنى ذلك: وما كان للنبـيّ أن يغله أصحابه, فـيخونوه فـي الغنائم¹ قـيـل له: أفكان لهم أن يغلوا غير النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـيخونوه, حتـى خصوا بـالنهي عن خيانة النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فإن قالوا: نعم, خرجوا من قول أهل الإسلام, لأن الله لـم يبح خيانة أحد فـي قول أحد من أهل الإسلام قط.
وإن قال قائل: لـم يكن ذلك لهم فـي نبـيّ ولا غيره؟ قـيـل: فما وجه خصوصهم إذا بـالنهي عن خيانة النبـيّ صلى الله عليه وسلم وغلوله وغلول بعض الـيهود, بـمنزلة فـيـما حرّم الله علـى الغالّ من أموالهما, وما يـلزم الـمؤتـمن من أداء الأمانة إلـيهما. وإذا كان ذلك كذلك, فمعلوم أن معنى ذلك هو ما قلنا من أن الله عزّ وجلّ نفـى بذلك أن يكون الغلول والـخيانة من صفـات أنبـيائه, ناهيا بذلك عبـاده عن الغلول, وآمرا لهم بـالاستنان بـمنهاج نبـيهم, كما قال ابن عبـاس فـي الرواية التـي ذكرناها من رواية عطية ثم عقب تعالـى ذكره نهيهم عن الغلول بـالوعيد علـيه, فقال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِـمَا غَلّ يَوْمَ القِـيامَةِ}... الاَيتـين معا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِـمَا غَلّ يَوْمَ القِـيامَةِ}.
يعنـي بذلك تعالـى ذكره: ومن يخن من غنائم الـمسلـمين شيئا, وفـيئهم, وغير ذلك, يأت به يوم القـيامة فـي الـمـحشر. كما:
6613ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن يحيـى بن سعيد أبـي حيان, عن أبـي زرعة, عن أبـي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قام خطيبـا, فوعظ وذكر, ثم قال: «ألا عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِـيامَةِ علـى رَقَبَتِهِ شاةٌ لَهَا ثُغاءٌ, يَقُولُ: يا رَسُولَ اللّهِ أغِثْنِـي, فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئا, قَدْ أبْلَغْتُكَ ألا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِـيامَةِ علـى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهَا حَمْـحَمَةٌ, يَقُولُ: يا رَسُولَ اللّهِ أغِثْنِـي, فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئا قَدْ أبْلَغْتُكَ. ألا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِـيامَةِ علـى رَقَبَتِهِ صَامِت, فَـيَقُولُ: يا رَسُولَ اللّهِ أغِثْنِـي, فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئا قَدْ أبْلَغْتُكَ. ألا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِـيامَةِ علـى رَقَبَتِهِ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ, يَقُولُ: يا رَسُولَ اللّهِ أغِثْنِـي فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئا قَدْ أبْلَغْتُكَ ألا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِـيامَةِ علـى رَقَبَتِهِ رِقاعٌ تَـخْفِقُ, يَقُولُ: يا رَسُولَ اللّهِ أغِثْنِـي, فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئا قَدْ أبْلَغْتُكَ».
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبد الرحمن, عن أبـي حيان, عن أبـي زرعة, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, مثل هذا, زاد فـيه: «علـى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغاءٌ, لا أُلْفِـيَنّ أحَدَكُمْ علـى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِياحٌ».
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا أبو حيان, عن أبـي زرعة, عن عمرو بن جرير, عن أبـي هريرة, قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فـينا يوما, فذكر الغلول, فعظمه وعظم أمره, فقال: «لا ظأُلْفَـينّ أحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِـيامَةِ علـى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ له رُغاءٌ, يَقُولُ: يا رَسُولَ اللّهِ أغِثْنِـي» ثم ذكر نـحو حديث أبـي كريب, عن عبد الرحمن.
6614ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا حفص بن بشر, عن يعقوب القمي, قال: حدثنا حفص بن حميد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أعْرِفَنّ أحَدَكُمْ يَأتـي يَوْمَ القِـيامَةِ يَحْمِلَ شاةً لَهَا ثُغاءٌ, يُنادِي: يا مُـحَمّدُ يا مُـحَمّدُ! فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللّهِ شَيْئا قَدْ بَلّغْتُكَ وَلا أعْرِفَنّ أحَدَكُمْ يَأتـي يَوْمَ القِـيامَةِ يَحْمِلُ جَمَلاً لَهُ رُغاءٌ, يَقُولُ: يا مُـحَمّدُ يا مُـحَمّدُ! فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللّهِ شَيْئا قَدْ بَلّغْتُكَ وَلا أعْرِفَنّ أحَدَكُمْ يَأتـي يَوْمَ القِـيامَةِ يَحْمِلُ فَرَسا لَهُ حَمْـحَمَةٌ, يُنادِي: يا مُـحَمّدُ يا مُـحَمّدُ! فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللّهِ شَيْئا قَدْ بَلّغْتُكَ وَلا أعْرِفَنّ أحَدَكُمْ يَأتـي يَوْمَ القِـيامَةِ يَحْمِلُ قِشْعا مِنْ أدَمٍ يُناديٍ: يا مُـحَمّدُ يا مُـحَمّدُ! فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللّهِ شَيْئا قَدْ بَلّغْتُكَ».
6615ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أسبـاط بن مـحمد, قال: حدثنا أبو إسحاق الشيبـانـي, عن عبد الله بن ذكوان, عن عروة بن الزبـير, عن أبـي حميد, قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدّقا, فجاء بسواد كثـير, قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقبضه منه¹ فلـما أتوه, جعل يقول: هذا لـي, وهذا لكم¹ قال: فقالوا: من أين لك هذا؟ قال: أهدي إلـيّ, فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخبروه بذلك, فخرج فخطب, فقال: «أيّها النّاسُ, ما بـالـي أبْعَثُ قَوْما إلـى الصّدَقَةِ, فَـيَجِيءُ أحَدُهُمْ بـالسّوَادِ الكَثِـيرِ, فإذَا بَعَثْتُ مَنْ يَقْبِضُهُ قالَ: هَذَا لـي, وَهَذَا لَكُمْ! فإنْ كانَ صَادِقا أفَلا أُهْدِيَ لَهُ وَهُوَ فِـي بَـيْتِ أبِـيهِ, أوْ فِـي بَـيْتِ أُمّهِ؟» ثُمّ قالَ: «أيّها النّاسُ, مَنْ بَعَثْناهُ علـى عَمَلٍ فَغَلّ شَيْئا, جاءَ بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ علـى عُنُقِهِ يَحِملُهُ, فـاتّقُوا اللّهَ أنْ يَأتـي أحَدُكُمْ يَوْمَ القِـيامَةِ علـى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغاءٌ, أوْ بَقَرَةٌ تَـخُورُ, أوْ شاةٌ تَثْغُو».
6616ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو معاوية وابن نـمير وعبدة بن سلـيـمان, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن أبـي حميد الساعدي, قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد, يقال له ابن الأتبـيّة علـى صدقات بنـي سلـيـم¹ فلـما جاء قال: هذا لكم, وهذا هدية أهديت لـي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفَلاَ يَجْلِسُ أحَدُكُمْ فِـي بَـيْتِهِ فَتأْتِـيهِ هَدِيّتُهُ!» ثُم حَمِدَ اللّهَ وأثْنَى عَلَـيْهِ, ثُمّ قالَ: «أمّا بَعْدُ فإنّـي أسْتَعْمِلُ رِجالاً مِنْكُمْ علـى أُمُورٍ مِـمّا وَلانّـيِ اللّهُ, فَـيَقُولُ أحَدُهُمْ: هَذَا الّذِي لَكُمْ, وَهَذَا هَدِيّةٌ أهْدِيَتْ إلـيّ أفَلاَ يَجْلِسُ فِـي بَـيْتِ أبِـيهِ أوْ بَـيْتِ أمّهِ فتأْتِـيهَ هَدِيّتُهُ! وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ, لا يَأْخُذُ أحَدُكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئا إلاّ جاءَ بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ يَحْمِلُهُ علـى عُنُقِهِ, فَلا أعْرِفَنّ ما جاء رَجُلٌ يَحْمِلُ بَعِيرا لَهُ رُغاءٌ, أوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ, أوْ شاةً تَثْغُو». ثم رفع يده فقال: «ألا هَلْ بَلّغْتُ».
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبد الرحيـم, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن أبـي حميد, حدثه بـمثل هذا الـحديث, قال: «أفَلا جَلَسْتَ فِـي بَـيْتِ أبِـيكَ وأُمّكَ حتـى تَأْتِـيَكَ هَدِيّتُكَ؟» ثم رفع يده حتـى إنـي لأنظر إلـى بـياض إبطيه, ثم قال «اللّهُمّ هَلْ بَلّغْتُ» قال أبو حميد: بصر عينـي, وسمع أذنـي.
6617ـ حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب, قال: ثنـي عمي عبد اللهبن وهب, قال: أخبرنـي عمرو بن الـحرث أن موسى بن جبـير, حدّثه أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الـحبـاب الأنصاري, حدّثه أن عبد الله بن أنـيس حدّثه: أنه تذاكر هو وعمر يوما الصدقة, فقال: ألـم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة: «مَنْ غَلّ منها بَعِيرا أو شَاةً فإنّه يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِـيَامَةِ»؟ قال عبد الله بن أنـيس: بلـى.
ـ حدثنا سعيد بن يحيـى الأموي, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا يحيـى بن سعيد الأنصاري, عن نافع, عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عبـادة مصدّقا, فقال: «إياكَ يا سَعْدُ أنْ تَـجِيء يَوْمَ القِـيامَةِ بِبَعِيرٍ تَـحْمِلُهُ لَهُ رُغاء!» قال: لا آخذه ولا أجيء به فأعفـاه.
حدثنا أحمد بن الـمغيرة الـحمصي أبو حميد, قال: حدثنا الربـيع بن روح, قال: حدثنا ابن عياش, قال: حدثنا عبـيد الله بن عمر بن حفص, عن نافع مولـى ابن عمر, عن عبد الله بن عمر, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم: أنه استعمل سعد بن عبـادة, فأتـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فسلـم علـيه, فقال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «إيّاكَ يا سَعْدُ أنْ تَـجِيءَ يَوْمَ القِـيامَةِ تَـحْمِلُ علـى عُنُقِكَ بَعِيرا لَهُ رُغاءٌ!» فقال سعد: فإن فعلتُ يا رسول الله إن ذلك لكائن؟ قال: «نَعَمْ», قال سعد: قد علـمت يا رسول الله أنـي أُسْأَلُ فـأُعْطِي, فأعفنـي! فأعفـاه.
6618ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا زيد بن حبـان, قال: حدثنا عبد الرحمن بن الـحرث, قال: ثنـي جدي عبـيد بن أبـي عبـيد, وكان أوّل مولود بـالـمدينة, قال: استعملت علـى صدقة دَوْس, فجاءنـي أبو هريرة فـي الـيوم الذي خرجت فـيه, فسلـم, فخرجت إلـيه, فسلـمت علـيه, فقال: كيف أنت والبعير؟ كيف أنت والبقر؟ كيف أنت والغنـم؟ ثم قال: سمعت حِبّـي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أخَذَ بَعِيرا بغَيْرِ حَقّهِ جاءَ بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ لَهْ رُغاءٌ, وَمَنْ أخَذَ بَقَرَةً بغَيْرِ حَقّها جاءَ بِها يَوْمَ القِـيامَةِ لَهَا خُوَارٌ, وَمَنْ أخَذَ شاةً بغَيْرِ حَقّها جاءَ بهَا يَوْمَ القِـيامةِ علـى عُنُقِهِ لَهَا ثُغاءٌ فإيّاكَ والبَقَرَ فإنّها أحَدّ قُرُونا وأشَدّ أظْلافـا!».
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا خالد بن مخـلد, قال: ثنـي مـحمد, عن عبد الرحمن بن الـحرث, عن جده عبـيد بن أبـي عبـيد, قال: استُعملت علـى صدقة دوس¹ فلـما قضيت العمل قدمت, فجاءنـي أبو هريرة فسلـم علـيّ, فقال: أخبرنـي كيف أنت والإبل؟ ثم ذكر نـحو حديثه عن زيد, إلا أنه قال: «جاء بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ علـى عُنُقِهِ لَهُ رُغاءٌ».
6619ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: {وَما كانَ لِنَبِـيّ أنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِـمَا غَلّ يَوْمَ القِـيامَةِ} قال قتادة: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم, إذا غنـم مغنـما, بعث مناديا: «ألا لا يغلّنّ رجل مخيطا فما دونه! ألا لا يغلنّ رجل بعيرا فـيأتـي به علـى ظَهْرِهِ يَوْمَ القِـيَامَةِ له رُغَاءٌ! ألا لا يغلنّ رَجُلٌ فَرَسا, فـيأتـي به علـى ظهره يوم القـيامة له حمـحمة!».
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثُمّ تُوَفّـى كُلّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَـمُونَ}.
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: {ثُمّ تُوَفّـى كُلّ نَفْسٍ}: ثم تعطى كل نفس جزاء ما كسبت بكسبها وافـيا غير منقوص ما استـحقه واستوجبه من ذلك: {وَهُمْ لا يُظْلَـمُونَ} يقول: لا يفعل بهم إلا الذي ينبغي أن يفعل بهم من غير أن يعتدي علـيهم, فـينقصوا عما استـحقوه. كما:
6620ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {ثُمّ تُوَفّـي كُلّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَـمُونَ} ثم يجزى بكسبه غير مظلوم ولا معتدى علـيه.
الآية : 162
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: أفمن اتبع رضوان الله فـي ترك الغلول كمن بـاء بسخط من الله بغلوله ما غلّ. ذكر من قال ذلك:
6621ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن طريف, عن الضحاك فـي قوله: {أفَمَنِ اتّبَعَ رِضُوَانَ اللّهِ} قال: من لـم يغلّ. {كَمَنْ بَـاءَ بَسَخطٍ مِنَ اللّهِ}: كمن غلّ.
6622ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي سفـيان بن عيـينة, عن مطرف بن مطرف, عن الضحاك قوله: {أفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ} قال: من أدّى الـخمس. {كَمَنْ بَـاءَ بِسَخْطٍ مِنَ اللّهِ}: فـاستوجب سخطا من الله.
وقال آخرون فـي ذلك بـما:
6623ـ حدثنـي به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {أفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ} علـى ما أحبّ الناس وسخطوا, {كَمَنْ بَـاءَ بِسَخْطٍ مِنَ اللّهِ} لرضا الناس وسخطهم؟ يقول: أفمن كان علـى طاعتـي, فثوابه الـجنة ورضوان من ربه, كمن بـاء بسخط من الله, فـاستوجب غضبه, وكان مأواه جهنـم وبئس الـمصير؟ أسوأ الـمثلان؟ أي فـاعرفوا.
وأولـى التأولـين بتأويـل الاَية عندي, قول الضحاك بن مزاحم¹ لأن ذلك عقـيب وعبـيد الله علـى الغلول ونهيه عبـاده عنه, ثم قال لهم بعد نهيه عن ذلك ووعيده, أسواء الـمطيع لله فـيـما أمره ونهاه, والعاصي له فـي ذلك: أي أنهما لا يستويان ولا تستوي حالتاهما عنده, لأن لـمن أطاع الله فـيـما أمره ونهاه: الـجنة, ولـمن عصاه فـيـما أمره ونهاه: النار. فمعنى قوله: {أفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَنْ بَـاءَ بِسَخْطٍ مِنَ اللّهِ} إذا: أفمن ترك الغلول وما نهاه الله عنه عن معاصيه وعمل بطاعة الله فـي تركه ذلك وفـي غيره مـما أمره به ونهاه من فرائضه, متبعا فـي كل ذلك رضا الله, ومـجتنبا سخطه, {كَمَنْ بَـاءَ بِسَخْطٍ مِنَ اللّهِ} يعنـي: كمن انصرف متـحملاً سخط الله وغضبه, فـاستـحقّ بذلك سكنى جهنـم, يقول: لـيسا سواء. وأما قوله: {وَبِئْسَ الـمَصِير} فإنه يعنـي: وبئس الـمصير الذي يصير إلـيه ويئوب إلـيه من بـاء بسخط من الله جهنـم.
الآية : 163
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: أن من اتبع رضوان الله, ومن بـاء بسخط من الله مختلفو الـمنازل عند الله, فلـمن اتبع رضوان الله الكرامة والثواب الـجزيـل, ولـمن بـاء بسخط من الله الـمهانة والعقاب الألـيـم. كما:
6624ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَاللّهُ بِصِيرٌ بِـمَا يَعْمَلُونَ}: أي لكل درجات مـما عملوا فـي الـجنة والنار, إن الله لا يخفـى علـيه أهل طاعته من أهل معصيته.
6625ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ} يقول: بأعمالهم.
وقال آخرون: معنى ذلك لهم درجات عند الله, يعنـي: لـمن اتبع رضوان الله منازل عند الله كريـمة. ذكر من قال ذلك:
6626ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ} قال: هي كقوله لهم درجات عند الله.
6627ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ} يقول: لهم درجات عند الله.
وقـيـل قوله: {هُمْ دَرَجَاتٌ} كقول القائل: هم طبقات, كما قال ابن هَرْمة:
إنْ حُمّ الـمَنُونُ يكُون قَوْمٌلِرَيْبِ الدّهْرِ أمْ دَرَجَ السّيُول
وأما قوله: {وَاللّهُ بِصِيرٌ بِـمَا يَعْمَلُونَ} فإنه يعنـي: والله ذو علـم بـما يعمل أهل طاعته ومعصيته, لا يخفـى علـيه من أعمالهم شيء, يحصي علـى الفريقـين جميعا أعمالهم, حتـى توفـى كل نفس منهم جزاء ما كسبت من خير وشرّ. كما:
6628ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: {وَاللّهُ بِصِيرٌ بِـمَا يَعْمَلُونَ} يقول: إن الله لا يخفـى علـيه أهل طاعته من أهل معصيته.
الآية : 164
{لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مّبِينٍ }
يعنـي بذلك: لقد تطوّل الله علـى الـمؤمنـين, إذ بعث فـيهم رسولاً, حين أرسل فـيهم رسولاً من أنفسهم, نبـيا من أهل لسانهم, ولـم يجعله من غير أهل لسانهم فلا يفقهوا عنه ما يقول {يَتْلُو عَلَـيْهِمْ آيَاتِهِ} يقول: يقرأ علـيهم آي كتابه وتنزيـله. {ويزكّيهم} يعنـي: يطهرهم من ذنوبهم بـاتبـاعهم إياه, وطاعتهم له فـيـما أمرهم ونهاهم {وَيُعَلّـمُهُمُ الكِتَابَ والـحِكْمَةَ} يعنـي: ويعلـمهم كتاب الله الذي أنزل علـيه, ويبـين لهم تأويـله ومعانـيه, والـحكمة ويعنـي بـالـحكمة: السنة التـي سنها الله جلّ ثناؤه للـمؤمنـين علـى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبـيانه لهم {وَإنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ} يعنـي: إن كانوا من قبل أن يـمنّ الله علـيهم بإرساله رسوله الذي هذه صفته, لفـي ضلال مبـين, يقول: فـي جهالة جهلاء, وفـي حيرة عن الهدى عمياء, لا يعرفون حقا, ولا يبطلون بـاطلاً. وقد بـينا أصل الضلالة فـيـما مضى, وأنه الأخذ علـى غير هدى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع والـمبـين: الذي يبـين لـمن تأمله بعقله وتدبره بفهمه أنه علـى غير استقامة ولا هدى.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
6629ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {لَقَدْ مَنّ اللّهُ علـى الـمُؤْمِنِـينَ إذْ بَعَثَ فِـيهمْ رَسُولاً مِنْ أنْفُسِهمْ} منّ الله علـيهم من غير دعوة ولا رغبة من هذه الأمة, جعله الله رحمة لهم, لـيخرجهم من الظلـمات إلـى النور, ويهديهم إلـى صراط مستقـيـم قوله: {وَيُعَلّـمُهُمُ الكِتَابَ والـحِكْمَةَ} الـحكمة: السنة. {وَإنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ}: لـيس الله كما تقول أهل حَرُوراء: مـحنة غالبة من أخطأها أهريق دمه, ولكن الله بعث نبـيه صلى الله عليه وسلم إلـى قوم لا يعلـمون فعلـمهم, وإلـى قوم لا أدب لهم فأدبهم.
6630ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: {لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلـى الـمُوءْمِنـينَ} إلـى قوله {لَفِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ}: أي لقد منّ اللّهُ علـيكم يا أهل الإيـمان إذ بعث فـيكم رسولاً من أنفسكم, يتلو علـيكم آياته, ويزكيكم فـيـما أخذتـم, وفـيـما علـمتـم, ويعلـمكم الـخير والشرّ, لتعرفوا الـخير فتعملوا به, والشرّ فتتقوه, ويخبركم برضاه عنكم إذ أطعتـموه, لتستكثروا من طاعته, وتـجتنبوا ما سخط منكم من معصيته, فتتـخـلصوا بذلك من نقمته, وتدركوا بذلك ثوابه من جنته. {وَإنْ كُنْتُـمْ مِنْ قَبْلُ لَفِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ} أي فـي عمياء من الـجاهلـية لا تعرفون حسنة, ولا تستغيثون من سيئة, صمّ عن الـحقّ, عمي عن الهدى.
الآية : 165
القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَ لَمّا أَصَابَتْكُمْ مّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنّىَ هَـَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: أو حين أصابتكم أيها الـمؤمنون مصيبة, وهي القتلـى الذين قتلوا منهم يوم أحد, والـجرحى الذين جرجوا منهم بـأُحد, وكان الـمشركون قتلوا منهم يومئذ سبعين نفرا. {قد أصبتـم مثلـيه} يقول: قد أصبتـم أنتـم أيها الـمؤمنون من الـمشركين مثلـي هذه الـمصيبة التـي أصابوا هم منكم, وهي الـمصيبة التـي أصابها الـمسلـمين من الـمشركين ببدر, وذلك أنهم قتلوا منهم سبعين, وأسروا سبعين. {قُلْتُـمْ أنّى هَذَ} يعنـي: قلتـم لـما أصابتكم مصيبتكم بـأُحد: {أنّى هَذَ} من أيّ وجه هذا, ومن أين أصابنا هذا الذي أصابنا, ونـحن مسلـمون, وهم مشركون, وفـينا نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم, يأتـيه الوحي من السماء, وعدوّنا أهل كفر بـالله وشرك؟ قل يا مـحمد للـمؤمنـين بك من أصحابك: {هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمُ} يقول: قل لهم: أصابكم هذا الذي أصابكم من عند أنفسكم, بخلافكم أمري, وترككم طاعتـي, لا من عند غيركم, ولا من قبل أحد سواكم. {إنّ اللّهَ علـى كُلّ شيءٍ قَدِيرٌ} يقول: إن الله علـى جميع ما أراد بخـلقه من عفو وعقوبة وتفضل وانتقام قدير, يعنـي: ذو قدرة.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ} بعد إجماع جميعهم علـى أن تأويـل سائر الاَية علـى ما قلنا فـي ذلك من التأويـل, فقال بعضهم: تأويـل ذلك: قل هو من عند أنفسكم, بخلافكم علـى نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم, إذ أشار علـيكم بترك الـخروج إلـى عدوّكم والإصحار لهم, حتـى يدخـلوا علـيكم مدينتكم, ويصيروا بـين آطامكم, فأبـيتـم ذلك علـيه, وقلتـم: أخرج بنا إلـيهم حتـى نُصْحر لهم فنقاتلهم خارج الـمدينة. ذكر من قال ذلك:
6631ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {أوْ لَـمّا أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أصَبْتُـمْ مِثْلَـيْها قُلْتُـمْ أنّى هَذَ} أصيبوا يوم أُحد, قتل منهم سبعون يومئذ, وأصابوا مثلـيها يوم بدر, قتلوا من الـمشركين سبعين, وأسروا سبعين. {قُلْتُـمْ أنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ} ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم أُحد حين قدم أبو سفـيان والـمشركون, فقال نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «إنّا فِـي جُنّةٍ حَصِينَةٍ» ـ يعنـي بذلك: الـمدينة ـ «فَدَعُوا القَوْمَ أنْ يَدْخُـلُوا عَلَـيْنا نُقاتِلْهُمْ» فقال ناس له من أصحابه من الأنصار: يا نبـيّ الله: إنا نكره أن نقتل فـي طرق الـمدينة, وقد كنا نـمتنع فـي الغزو فـي الـجاهلـية, فبـالإسلام أحقّ أن نـمتنع فـيه, فـابرز بنا إلـى القوم! فـانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلبس لأمته, فتلاوم القوم, فقالوا عرّض نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم بأمر, وعرّضتـم بغيره, اذهب يا حمزة فقل لنبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: أمرنا لأمرك تبع! فأتـى حمزة فقال له: يا نبـيّ الله إن القوم قد تلاوموا, وقالوا: أمرنا لأمرك تبع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّهُ لَـيْسَ لِنَبِـيّ إذَا لَبِسَ لأْمَتَهُ أنْ يَضَعَها حتـى يُناجِزَ, وَإنّهُ سَتَكُوُنُ فِـيكُمْ مُصِيبَةٌ» قالوا: يا نبـيّ الله خاصة أو عامة؟ قال: «سَترَوْنَها». ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم رأى فـي الـمنام أن بقرا تنـحر, فتأوّلها قتلاً فـي أصحابه. ورأى أن سيفه ذا الفقار انقصم, فكان قتل عمه حمزة, قُتِل يومئذ, وكان يقال له أسد الله. ورأى أن كبشا عُتِرَ, فتأوّله كبش الكتـيبة عثمان بن أبـي طلـحة أصيب يومئذ, وكان معه لواء الـمشركين.
6632ـ حدثت عن عمار, عن ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بنـحوه, غير أنه قال: {قَدْ أصَبْتُـمْ مِثْلَـيْه} يقول: مثلـي ما أصيب منكم, {قُلْتُـمْ أنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ} يقول: بـما عصيتـم.
6633ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: أصيب الـمسلـمون يوم أُحد مصيبة, وكانوا قد أصابوا مثلـيها يوم بدر مـمن قتلوا وأسروا, فقال الله عزّ وجلّ: {أوْ لَـمّا أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أصَبْتُـمْ مِثْلَـيْه}.
6634ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عمر بن عطاء, عن عكرمة, قال: قتل الـمسلـمون من الـمشركين يوم بدر سبعين, وأسروا سبعين¹ وقتل الـمشركون يوم أُحد من الـمسلـمين سبعين, فذلك قوله: {قَدْ أصَبْتُـمْ مِثْلَـيْها قُلْتُـمْ أنّى هَذَ} إذ نـحن مسلـمون نقاتل غضبـا لله, وهؤلاء مشركون¹ {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ} عقوبة لكم بـمعصيتكم النبـيّ صلى الله عليه وسلم حين قال ما قال.
6635ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن مبـارك, عن الـحسن: {أوْ لَـمّا أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أصَبْتُـمْ مِثْلَـيْها قُلْتُـمْ أنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ} قالوا: فإنـما أصابنا هذا, لأنا قبلنا الفداء يوم بدر من الأسارى, وعصينا النبـيّ صلى الله عليه وسلم يوم أُحد, فمن قتل منا كان شهيدا, ومن بقـي منا كان مطهرا, رضينا بـالله ربّـا.
6636ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن مبـارك, عن الـحسن وابن جريج, قالا: معصيتهم أنه قال لهم: لا تتبعوهم يوم أُحد فـاتبعوهم.
6637ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, ثم ذكر ما أصيب من الـمؤمنـين, يعنـي بـأُحد, وقتل منهم سبعون إنسانا¹ {أوْ لَـمّا أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أصَبْتُـمْ مِثْلَـيْه} كانوا يوم بدر أسروا سبعين رجلاً وقتلوا سبعين. {قُلْتُـمْ أنّى هَذَ}: أي من أين هذا؟ {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ} أنكم عصيتـم.
6638ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: {أوْ لَـمّا أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أصَبْتُـمْ مِثْلَـيْه} يقول: إنكم أصبتـم من الـمشركين يوم بدر, مثلـي ما أصابوا منكم يوم أُحد.
6639ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: ثم ذكر الـمصيبة التـي أصابتهم, فقال: {أوْ لَـمّا أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أصَبْتُـمْ مِثْلَـيْها قُلْتُـمْ أنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ}: أي إن تك قد أصابتكم مصيبة فـي إخوانكم فبذنوبكم قد أصبتـم مثلـيها قتلاً من عدوّكم فـي الـيوم الذي كان قبله ببدر, قتلـى وأسرى, ونسيتـم معصيتكم وخلافكم ما أمركم به نبـيكم صلى الله عليه وسلم, إنكم أحللتـم ذلك بأنفسكم. {إنّ اللّهَ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: أي إن الله علـى كل ما أراد بعبـاده من نقمة أو عفو قدير.
6640ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: {أوْ لَـمّا أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أصَبْتُـمْ مِثْلَـيْه}... الاَية, يعنـي بذلك: أنكم أصبتـم من الـمشركين يوم بدر مثلـي ما أصابوا منكم يوم أُحد.
وقال بعضهم: بل تأويـل ذلك: قل هو من عند أنفسكم بإسارتكم الـمشركين يوم بدر, وأخذكم منهم الفداء, وترككم قتلهم. ذكر من قال ذلك:
6641ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن أشعث بن سوار, عن ابن سيرين, عن عبـيدة, قال: أسر الـمسلـمون من الـمشركين سبعين, وقتلوا سبعين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اخْتارُوا أنْ تَأْخُذُوا مِنْهُمُ الفِدَاءَ فَتَتَقَوّوْا بِهِ علـى عَدُوّكُمْ, وَإنْ قَبِلْتُـمُوهُ قُتِلَ مِنْكُمْ سَبْعونَ أوْ تَقْتُلُوهُمْ» فقالوا: بل نأخذ الفدية منهم, ويقتل منا سبعون. قال: فأخذوا الفدية منهم, وقتلوا منهم سبعين¹ قال عبـيدة: وطلبوا الـخيرتـين كلتـيهما.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا ابن عون, عن ابن سيرين, عن عبـيدة أنه قال فـي أسارى بدر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنْ شِئْتُـمْ قَتَلْتُـمُوهُمْ, وَإنْ شئْتُـمْ فـادَيْتُـمُوهُمْ وَاسْتَشْهَدَ مِنْكُمْ بِعِدّتِهِمْ». قالوا: بل نأخذ الفداء فنستـمتع به, ويستشهد منا بعدّتهم.
6642ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي إسماعيـل, عن ابن عون, عن مـحمد, عن عبـيدة السلـمانـي¹ وحدثنـي حجاج عن جرير, عن مـحمد, عن عبـيدة السلـمانـي, عن علـيّ, قال: جاء جبريـل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال له: يا مـحمد إن الله قد كره ما صنع قومك فـي أخذهم الأسارى, وقد أمرك أن تـخيرهم بـين أمرين, أن يقدموا فتضرب أعناقهم, وبـين أن يأخذوا الفداء علـى أن يقتل منهم عدتهم. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس, فذكر ذلك لهم. فقالوا: يا رسول الله, عشائرنا وإخواننا, لا بل نأخذ فداءهم فنتقوّى به علـى قتال عدوّنا ويستشهد منا عدتهم, فلـيس فـي ذلك ما نكره! قال: فقتل منهم يوم أُحد سبعون رجلاً عدة أسارى أهل بدر