تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 74 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 74

 {وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لاًّنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَأامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلاٌّنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ * ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ * ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِى بِٱلْبَيِّنَـٰتِ وَبِٱلَّذِى قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ * فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُنِيرِ * كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ }
، وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لاًّنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ذكر في هذه الآية الكريمة أنه يملي للكافرين ويمهلهم لزيادة الإثم عليهم وشدة العذاب . وبيّن في موضع آخر أنه لا يمهلهم متنعمين هذا الإمهال إلا بعد أن يبتليهم بالبأساء والضراء ، فإذا لم يتضرعوا أفاض عليهم النعم وأمهلهم حتى يأخذهم بغتة ، كقوله : {وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ ءابَاءنَا ٱلضَّرَّاء وَٱلسَّرَّاء فَأَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} ، وقوله : {وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُو} إلى قوله {أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ} .
وبيّن في موضع آخر : أن ذلك الاستدراج من كيده المتين ، وهو قوله : {سَنَسْتَدْرِجُهُم مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ} .
وبيْن في موضع آخر : أن الكفار يغترون بذلك الاستدراج فيظنون أنه من المسارعة لهم في الخيرات ، وأنهم يوم القيامة يؤتون خيرًا من ذلك الذي أوتوه في الدنيا ، كقوله تعالىٰ : {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرٰتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} ، وقوله : {أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِى كَفَرَ بِـئَايَـٰتِنَا وَقَالَ لاَوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَد} ، وقوله : {وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبّى لاجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَب} ، وقوله : {وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَىٰ رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ} ، وقوله : {وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوٰلاً وَأَوْلَـٰد} . كما تقدم ، والبأساء : الفقر والفاقة ، والضراء : المرض على قول الجمهور ، وهما مصدران مؤنثان لفظًا بألف التأنيث الممدودة .

{لَتُبْلَوُنَّ فِىۤ أَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلاٍّمُورِ * وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ * لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ * إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاّيَـٰتٍ لاٌّوْلِى ٱلاٌّلْبَـٰبِ }
، لَتُبْلَوُنَّ فِىۤ أَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلاٍّمُورِ ذكر في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين سيبتلون في أموالهم وأنفسهم ، وسيسمعون الأذى الكثير من أهل الكتاب والمشركين ، وأنهم إن صبروا على ذلك البلاء والأذى واتقوا اللَّه ، فإن صبرهم وتقاهم {مِنْ عَزْمِ ٱلاْمُورِ} ، أي : من الأمور التي ينبغي العزم والتصميم عليها لوجوبها .
وقد بيّن في موضع آخر أن من جملة هذا البلاء : الخوف والجوع وأن البلاء في الأنفس والأموال هو النقص فيها ، وأوضح فيه نتيجة الصبر المشار إليها هنا بقوله : {فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلاٍّمُورِ} ، وذلك الموضع هو قوله تعالىٰ : {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ} ، وبقوله : {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} ، ويدخل في قوله : {وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ} ، الصبر عند الصدمة الأولى ، بل فسره بخصوص ذلك بعض العلماء ، ويدل على دخوله فيه قوله قبله : {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ} .
وبيّن في موضع آخر أن خصلة الصبر لا يُعطاها إلا صاحب حظٍ عظيم وبخت كبير ، وهو قوله : {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ} ، وبيّن في موضع آخر أن جزاء الصبر لا حساب له ، وهو قوله : {إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} .