تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 75 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 75

 {لَتُبْلَوُنَّ فِىۤ أَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلاٍّمُورِ * وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ * لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ * إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاّيَـٰتٍ لاٌّوْلِى ٱلاٌّلْبَـٰبِ }
، لَتُبْلَوُنَّ فِىۤ أَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلاٍّمُورِ ذكر في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين سيبتلون في أموالهم وأنفسهم ، وسيسمعون الأذى الكثير من أهل الكتاب والمشركين ، وأنهم إن صبروا على ذلك البلاء والأذى واتقوا اللَّه ، فإن صبرهم وتقاهم {مِنْ عَزْمِ ٱلاْمُورِ} ، أي : من الأمور التي ينبغي العزم والتصميم عليها لوجوبها .
وقد بيّن في موضع آخر أن من جملة هذا البلاء : الخوف والجوع وأن البلاء في الأنفس والأموال هو النقص فيها ، وأوضح فيه نتيجة الصبر المشار إليها هنا بقوله : {فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلاٍّمُورِ} ، وذلك الموضع هو قوله تعالىٰ : {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ} ، وبقوله : {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} ، ويدخل في قوله : {وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ} ، الصبر عند الصدمة الأولى ، بل فسره بخصوص ذلك بعض العلماء ، ويدل على دخوله فيه قوله قبله : {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ} .
وبيّن في موضع آخر أن خصلة الصبر لا يُعطاها إلا صاحب حظٍ عظيم وبخت كبير ، وهو قوله : {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ} ، وبيّن في موضع آخر أن جزاء الصبر لا حساب له ، وهو قوله : {إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} .

{ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنْصَـٰرٍ * رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ أَنْ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَأامَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَـٰتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلاٌّبْرَارِ * رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ * فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَـٰتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلاٌّنْهَـٰرُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ * لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ * مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }
، وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ذكر في هذه الآية أن من جملة ما يقوله أُولوا الألباب تنزيه ربهم عن كونه خلق السمٰوات والأرض باطلاً ، لا لحكمة سبحانه تعالىٰ عن ذلك علوًّا كبيرًا .
وصرح في موضع آخر بأن الذين يظنون ذلك هم الكفار ، وهددهم على ذلك الظن السَّيِّىء بالويل من النار ، وهو قوله : {وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاء وَٱلاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَـٰطِلاً ذٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ} .