سورة آل عمران | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 75 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 75
076
074
الآية : 187
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }.
يعنـي بذلك تعالـى ذكره: واذكر أيضا من هؤلاء الـيهود وغيرهم من أهل الكتاب منهم يا مـحمد إذ أخذ الله ميثاقهم, لـيبـيننّ للناس أمرك الذي أخذ ميثاقهم علـى بـيانه للناس فـي كتابهم الذي فـي أيديهم, وهو التوراة والإنـجيـل, وأنك لله رسول مرسل بـالـحقّ, ولا يكتـمونه, {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} يقول: فتركوا أمر الله وضيعوه, ونقضوا ميثاقه الذي أخذ علـيهم بذلك, فكتـموا أمرك, وكذبوا بك, {واشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنا قَلِـيل} يقول: وابتاعوا بكتـمانهم ما أخذ علـيهم الـميثاق أن لا يكتـموه من أمر نبوّتك, عوضا منه, خسيسا قلـيلاً من عرض الدنـيا. ثم ذمّ جلّ ثناؤه شراءهم ما اشتروا به من ذلك, فقال: {فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ}.
واختلف أهل التأويـل فـيـمن عُنـي بهذه الاَية, فقال بعضهم: عنـي بها الـيهود خاصة. ذكر من قال ذلك:
6750ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة أنه حدثه, عن ابن عبـاس: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ} إلـى قوله: {عَذَابٌ ألِـيـمٌ} يعنـي: فنـحاص وأشيع وأشبـاههما من الأحبـار.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة مولـى ابن عبـاس, مثله.
6751ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَه فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهورِهِمْ» كان أمرهم أن يتبعوا النبـيّ الأميّ الذي يؤمن بـالله وكلـماته, وقال: {اتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ}. فلـما بعث الله مـحمدا صلى الله عليه وسلم قال: {أوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإيّايَ فـارْهَبُونِ} عاهدهم علـى ذلك, فقال حين بعث مـحمدا: صدّقوه, وتلقون الذي أحببتـم عندي.
6752ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ».. الاَية, قال: إن الله أخذ ميثاق الـيهود لـيبـيننه للناس مـحمدا صلى الله عليه وسلم, ولا يكتـمونه, فنبذوه وراء ظهورهم, واشتروا به ثمنا قلـيلاً.
6753ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن أبـي الـجحاف, عن مسلـم البطين, قال: سأل الـحجاج بن يوسف جلساءه عن هذه الاَية: {وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُؤتُوا الكِتابَ} فقام رجل إلـى سعيد بن جبـير فسأله, فقال: وإذ أخذ الله ميثاق أهل الكتاب يهود, «لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ» مـحمدا صلى الله عليه وسلم ولا يكتـمونه, فنبذوه.
6754ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ» قال: وكان فـيه إن الإسلام دين الله الذي افترضه علـى عبـاده, وإن مـحمدا يجدونه مكتوبـا عندهم فـي التوراة والإنـجيـل.
وقال آخرون: عنـي بذلك كلّ من أوتـي علـما بأمر الدين. ذكر من قال ذلك:
6755ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ»... الاَية, هذا ميثاق أخذ الله علـى أهل العلـم, فمن علـم شيئا فلـيعلـمه وإياكم, وكتـمان العلـم, فإن كتـمان العلـم هلكة, ولا يتكلفنّ رجل ما لا علـم له به, فـيخرج من دين الله, فـيكون من الـمتكلفـين, كان يقال: مثل علـم لا يقال به: كمثل كنز لا ينفق منه, ومثل حكمة لا تـخرج كمثل صنـم قائم لا يأكل ولا يشرب. وكان يقال: طوبى لعالـم ناطق, وطوبى لـمستـمع واع. هذا رجل علـم علـما فعلـمه وبذله ودعا إلـيه, ورجل سمع خيرا فحفظه ووعاه, وانتفع به.
6756ـ حدثنـي يحيـى بن إبراهيـم الـمسعودي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن جده, عن الأعمش, عن عمرو بن مرّة, عن أبـي عبـيدة, قال: جاء رجل إلـى قوم فـي الـمسجد وفـيه عبد الله بن مسعود فقال: إن أخاكم كعبـا يقرئكم السلام, ويبشركم أن هذه الاَية لـيس فـيكم: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ» فقال له عبد الله: وأنت فأقرئه السلام, وأخبره أنها نزلت وهو يهودي.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن الأعمش, عن عمرو بن مرة, عن أبـي عبـيدة بنـحوه, عن عبد الله وكعب.
وقال آخرون: معنى ذلك: وإذ أخذ الله ميثاق النبـيـين علـى قومهم. ذكر من قال ذلك:
6757ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيـى بن سعيد, عن سفـيان, قال: ثنـي يحيـى بن أبـي ثابت, عن سعيد بن جبـير, قال: قلت لابن عبـاس: إن أصحاب عبد الله يقرءون: «وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِيثاقَهُمْ» قال: من النبـيـين علـى قومهم.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا قبـيصة, قال: حدثنا سفـيان, عن حبـيب, عن سعيد, قال: قلت لابن عبـاس: إن أصحاب عبد الله يقرءون {وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ}: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النّبِـيّـين» قال: فقال: أخذ الله ميثاق النبـيـين علـى قومهم. وأما قوله: «لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ». فإنه كما:
6758ـ حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث, قال: ثنـي أبـي, قال: حدثنا مـحمد بن ذكوان, قال: حدثنا أبو نعامة السعدي, قال: كان الـحسن يفسر قوله: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ» لـيتكلـمن بـالـحق ولـيصدقنه بـالعمل.
واختلفت القراء فـي قراءة ذلك, فقرأه بعضهم: {لَتُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا تَكْتُـمُونَهُ} بـالتاء, وهي قراءة عُظْم قراء أهل الـمدينة والكوفة علـى وجه الـمخاطب, بـمعنى: قال لهم: لتبـيننه للناس ولا تكتـمونه وقرأ ذلك آخرون: «لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ» بـالـياء جميعا علـى وجه الـخبر عن الغائب, لأنهم فـي قوت إخبـار الله نبـيه صلى الله عليه وسلم بذلك عنهم كانوا غير موجودين, فصار الـخبر عنهم كالـخبر عن الغائب. والقول فـي ذلك عندنا: أنهما قراءتان صحيحة وجوههما, مستفـيضتان فـي قراءة الإسلام, غير مختلفتـي الـمعانـي, فبأيتهما قرأ القارىء فقد أصاب الـحق والصواب فـي ذلك. غير أن الأمر فـي ذلك وإن كان كذلك, فإن أحب القراءتـين إلـيّ أن أقرأ بها: «لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ» بـالـياء جميعا استدلالاً بقوله: {فَنَبَذُوهُ} أنه إذا كان قد خرج مخرج الـخبر عن الغائب علـى سبـيـل قوله: {فَنَبَذُوهُ} حتـى يكون متسقا كله علـى معنى واحد ومثال واحد, ولو كان الأول بـمعنى الـخطاب لكان أن يقال: فنبذتـموه وراء ظهوركم, أولـى من أن يقال: فنبذوه وراء ظهورهم.
وأما قوله: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} فإنه مثل لتضيـيعهم القـيام بـالـميثاق, وتركهم العمل به.
وقد بـينا الـمعنى الذي من أجله قبل ذلك كذلك فـيـما مضى من كتابنا هذا, فكرهنا إعادته.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
6759ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا يحيـى بن أيوب البجلـي, عن الشعبـي فـي قوله: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} قال: إنهم قد كانوا يقرءونه إنـما نبذوا العمل به.
6760ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} قال: نبذوا الـميثاق.
حدثنـي مـحمد بن سنان, قال: حدثنا عثمان بن عمر, قال: حدثنا مالك بن مغول, قال: نبئت عن الشعبـي فـي هذه الاَية: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} قال: قذفوه بـين أيديهم, وتركوا العمل به.
وأما قوله: {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنا قَلِـيل} فإن معناه ما قلنا من أخذهم ما أخذوا علـى كتـمانهم الـحق وتـحريفهم الكتاب. كما:
6761ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنا قَلِـيل} أخذوا طمعا, وكتـموا اسم مـحمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ} يقول: فبئس الشراء يشترون فـي تضيـيعهم الـميثاق وتبديـلهم الكتاب. كما:
6762ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: {فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ} قال: تبديـل الـيهود التوراة.
الآية : 188
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وّيُحِبّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنّهُمْ بِمَفَازَةٍ مّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: عُنِـيَ بذلك قوم من أهل النفـاق كانوا يقعدون خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا العدو, فإذا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إلـيه, وأحبوا أن يحمدوا بـما لـم يفعلوا. ذكر من قال ذلك:
6763ـ حدثنا مـحمد بن سهل بن عسكر وابن عبد الرحيـم البرقـي, قالا: حدثنا ابن أبـي مريـم, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر بن أبـي كثـير, قال: ثنـي زيد بن أسلـم, عن عطاء بن يسار, عن أبـي سعيد الـخدري: أن رجالاً من الـمنافقـين كانوا علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذا خرج النبـي صلى الله عليه وسلم إلـى الغزو تـخـلفوا عنه وفرحوا بـمقعدهم خلاف رسول الله, وإذا قدم النبـي صلى الله عليه وسلم من السفر اعتذروا إلـيه وأحبوا أن يحمدوا بـما لـم يفعلوا, فأنزل الله تعالـى فـيهم: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـما أتَوْ}... الاَية.
6764ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْا ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} قال: هؤلاء الـمنافقون يقولون النبـي صلى الله عليه وسلم: لو قد خرجت لـخرجنا معك, فإذا خرج النبـي صلى الله عليه وسلم تـخـلفوا وكذبوا, ويفرحون بذلك, ويرون أنها حيـلة احتالوا بها.
وقال آخرون: عُنِـي بذلك قوم من أحبـار الـيهود كانوا يفرحون بإضلالهم الناس, ونسبة الناس إياهم إلـى العلـم. ذكر من قال ذلك:
6765ـ حدثنا ابن حميد, حدثنا قال: سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة مولـى ابن عبـاس أو سعيد بن جبـير: {وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ} إلـى قوله {وَلهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ} يعنـي: فنـحاصا وأشيع وأشبـاههما من الأحبـار الذين يفرحون بـما يصيبون من الدنـيا علـى ما زينوا للناس من الضلالة {ويُحبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بـما لـم يَفْعَلُو} أن يقول لهم الناس علـماء ولـيسوا بأهل علـم, لـم يحملوهم علـى هدى ولا خير, ويحبون أن يقول لهم الناس: قد فعلوا.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أنه حدثه عن ابن عبـاس بنـحو ذلك, إلا أنه قال: ولـيسوا بأهل علـم, لـم يحملوهم علـى هدى.
وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك قوم من الـيهود فرحوا بـاجتـماع كلـمتهم علـى تكذيب مـحمد صلى الله عليه وسلم, ويحبون أن يحمدوا بأن يقال لهم أهل صلاة وصيام. ذكر من قال ذلك:
6766ـ حدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم, يقول فـي قوله: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ} فإنهم فرحوا بـاجتـماعهم علـى كفرهم بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وقالوا: قد جمع الله كلـمتنا, ولـم يخالف أحد منا أحدا أنه نبـيّ, وقالوا: نـحن أبناء الله وأحبـاؤه, ونـحن أهل الصلاة والصيام. وكذبوا, بل هم أهل كفر وشرك وافتراء علـى الله, قال الله: {يُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو}.
حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: {لاَ تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْا ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} قال: كانت الـيهود أمر بعضكم بعضا, فكتب بعضهم إلـى بعض أن مـحمدا لـيس بنبـيّ, فـاجمعوا كلـمتكم, وتـمسكوا بدينكم وكتابكم الذي معكم. ففعلوا وفرحوا بذلك, وفرحوا بـاجتـماعهم علـى الكفر بـمـحمد صلى الله عليه وسلم.
6767ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: كتـموا اسم مـحمد صلى الله عليه وسلم, ففرحوا بذلك, وفرحوا بـاجتـماعهم علـى الكفر بـمـحمد صلى الله عليه وسلم.
6768ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, قال: كتـموا اسم مـحمد صلى الله عليه وسلم, وفرحوا بذلك حين اجتـمعوا علـيه, وكانوا يزكون أنفسهم, فـيقولون: نـحن أهل الصيام وأهل الصلاة وأهل الزكاة, ونـحن علـى دين إبراهيـم صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله فـيهم: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ} من كتـمان مـحمد صلى الله عليه وسلم: {ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} أحبوا أن تـحمدهم العرب بـما يزكون به أنفسهم, ولـيسوا كذلك.
6769ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن أبـي الـجَحّاف, عن مسلـم البطين, قال: سأل الـحجاج جلساءه عن هذه الاَية: {لا تَـحْسَبنّ الّذِيَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ} قال سعيد بن جبـير: بكتـمانهم مـحمدا, {ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} قال: هو قولهم: نـحن علـى دين إبراهيـم علـيه السلام.
6770ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: {لاَ تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْا ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو}: هم أهل الكتاب أنزل علـيهم الكتاب, فحكموا بغير الـحقّ, وحرّفوا الكلـم عن مواضعه, وفرحوا بذلك, وأحبوا أن يحمدوا بـما لـم يفعلوا, فرحوا بأنهم كفروا بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وما أنزل الله, وهم يزعمون أنهم يعبدون الله, ويصومون, ويصلون, ويطيعون الله¹ فقال الله جلّ ثناؤه لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ} كفروا بـالله وكفروا بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, {ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} من الصلاة والصوم, فقال الله جلّ وعزّ لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: {فَلا تَـحْسَبَنّهُمْ بِـمَفـازَةٍ مِنَ العَذَابِ ولَهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ}.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تـحسبنّ الذين يفرحون بـما أتوا من تبديـلهم كتاب الله, ويحبون أن يحمدهم الناس علـى ذلك. ذكر من قال ذلك:
6771ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله تعالـى: {لاَ تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ} قال: يهود, فرحوا بإعجاب الناس بتبديـلهم الكتاب وحمدهم إياهم علـيه, ولا تـملك يهود ذلك.
وقال آخرون: معنى ذلك: أنهم فرحوا بـما أعطى الله تعالـى آل إبراهيـم علـيه السلام. ذكر من قال ذلك:
6772ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي الـمعلـى, عن سعيد بن جبـير أنه قال فـي هذه الاَية: {ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} قال: الـيهود يفرحون بـما آتـى الله إبراهيـم علـيه السلام.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي الـمعلـى العطار, عن سعيد بن جبـير, قال: هم الـيهود, فرحوا بـما أعطى الله تعالـى إبراهيـم علـيه السلام.
وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك قوم من الـيهود سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء, فكتـموه, ففرحوا بكتـمانهم ذلك إياه. ذكر من قال ذلك:
6773ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: أخبرنـي ابن أبـي ملـيكة أن علقمة بن أبـي وقاص أخبره: أن مروان قال لرافع: اذهب يا رافع إلـى ابن عبـاس فقل له: لئن كان كل امرىء منا فرح بـما أتـى وأحب أن يحمد بـما لـم يفعل معذبـا, لـيعذبنا الله أجمعين! فقال ابن عبـاس: ما لكم ولهذه؟ إنـما دعا النبـي صلى الله عليه وسلم يهود, فسألهم عن شيء فكتـموه إياه وأخبروه بغيره, فأروه أن قد استـجابوا لله بـما أخبروه عنه مـما سألهم, وفرحوا بـما أتوا من كتـمانهم إياه. ثم قال: {وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ}... الاَية.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: أخبرنـي عبد الله بن أبـي ملـيكة, أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن مروان بن الـحكم قال لبوابه: يا رافع اذهب إلـى ابن عبـاس, فقل له: لئن كان كل امرىء منا فرح بـما أتـى وأحبّ أن يحمد بـما لـم يفعل معذّبـا, لنعذبن جميعا فقال ابن عبـاس: ما لكم ولهذه الاَية؟ إنـما أنزلت فـي أهل الكتاب. ثم تلا ابن عبـاس: {وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ} إلـى قوله: {أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} قال ابن عبـاس: سألهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتـموه إياه, وأخبروه بغيره, فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بـما قد سألهم عنه, فـاستـحمدوا بذلك إلـيه, وفرحوا بـما أتوا من كتـمانهم إياه ما سألهم عنه.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك قوم من يهود أظهروا النفـاق للنبـيّ صلى الله عليه وسلم مـحبة منهم للـحمد, والله عالـم منهم خلاف ذلك. ذكر من قال ذلك:
6774ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ذكر لنا أن أعداء الله الـيهود يهود خيبر أتوا نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم, فزعموا أنهم راضون بـالذي جاء به, وأنهم متابعوه وهم متـمسكون بضلالتهم, وأرادوا أن يحمدهم نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم بـما لـم يفعلوا, فأنزل الله تعالـى: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْا ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو}... الاَية.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: إن أهل خيبر أتوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فقالوا: إنا علـى رأيكم وهيئتكم, وإنا لكم ردء, فأكذبهم الله, فقال: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ}... الاَيتـين.
6775ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن عمرو بن مرة, عن أبـي عبـيدة, قال: جاء رجل إلـى عبد الله, فقال: إن كعبـا يقرأ علـيك السلام, ويقول: إن هذه الاَية لـم تنزل فـيكم: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْا ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} قال: أخبروه أنها نزلت وهو يهوديّ.
وأولـى هذه الأقوال بـالصواب فـي تأويـل قوله: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرحُونَ بِـمَا أتَوْ}... الاَية, قول من قال: عنـي بذلك أهل الكتاب الذين أخبر الله جلّ وعزّ أنه أخذ ميثاقهم, لـيبـيننّ للناس أمر مـحمد صلى الله عليه وسلم, ولا يكتـمونه, لأن قوله: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ}... الاَية فـي سياق الـخبر عنهم, وهو شبـيه بقصتهم مع اتفـاق أهل التأويـل علـى أنهم الـمعنـيون بذلك, فإذ كان ذلك كذلك, فتأويـل الاَية: لا تـحسبن يا مـحمد الذين يفرحون بـما أتوا من كتـمانهم الناس أمرك, وأنك لـي رسول مرسل بـالـحقّ, وهم يجدونك مكتوبـا عندهم فـي كتبهم, وقد أخذت علـيهم الـميثاق بـالإقرار بنبوّتك, وبـيان أمرك للناس, وأن لا يكتـموهم ذلك, وهم مع نقضهم ميثاقـي الذي أخذت علـيهم بذلك, يفرحون بـمعصيتهم إياي فـي ذلك, ومخالفتهم أمري, ويحبون أن يحمدهم الناس بأنهم أهل طاعة لله وعبـادة وصلاة وصوم, واتبـاع لوحيه, وتنزيـله الذي أنزله علـى أنبـيائه, وهم من ذلك أبرياء أخـلـياء لتكذيبهم رسوله, ونقضهم ميثاقه الذي أخذ علـيهم, لـم يفعلوا شيئا مـما يحبون أن يحمدهم الناس علـيه, فلا تـحسبنهم بـمفـازة من العذاب, ولهم عذاب ألـيـم. وقوله: {فَلا تَـحْسَبَنّهُمْ بِـمَفـازَةٍ مِنَ العَذَابِ} فلا تظنهم بـمنـجاة من عذاب الله الذي أعدّه لأعدائه فـي الدنـيا من الـخسف والـمسخ والرجف والقتل, وما أشبه ذلك من عقاب الله, ولا هم ببعيد منه. كما:
6776ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {فَلا تَـحْسَبَنّهُمْ بِـمَفـازَةٍ مِنَ العَذَابِ} قال: بـمنـجاة من العذاب.
قال أبو جعفر: {وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ} يقول: ولهم عذاب فـي الاَخرة أيضا مؤلـم, مع الذي لهم فـي الدنـيا معجل.
الآية : 189
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَللّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
وهذا تكذيب من الله جلّ ثناؤه الذين قالوا: {إنّ اللّهَ فَقِـيرٌ وَنـحْنُ أغْنِـياءُ} يقول تعالـى ذكره مكذّبـا لهم: لله ملك جميع ما حوته السموات والأرض, فكيف يكون أيها الـمفترون علـى الله من كان ملك ذلك له فقـيرا! ثم أخبر جلّ ثناؤه أنه القادر علـى تعجيـل العقوبة لقائلـي ذلك ولكلّ مكذب به ومفتر علـيه وعلـى غير ذلك مـما أراد وأحبّ, ولكنه تفضل بحلـمه علـى خـلقه, فقال: {وَاللّهُ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يعنـي: من إهلاك قائل ذلك, وتعجيـل عقوبته لهم, وغير ذلك من الأمور.
الآية : 190
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ الْلّيْلِ وَالنّهَارِ لاَيَاتٍ لاُوْلِي الألْبَابِ }.
وهذا احتـجاج من الله تعالـى ذكره علـى قائل ذلك وعلـى سائر خـلقه بأنه الـمدبر الـمصرف الأشياء, والـمسخر ما أحب, وإن الإغناء والإفقار إلـيه وبـيده, فقال جل ثناؤه: تدبروا أيها الناس, واعتبروا ففـيـما أنشأته فخـلقته من السموات والأرض لـمعاشكم وأقواتكم وأرزاقكم, وفـيـما عقّبت بـينه من اللـيـل والنهار, فجعلتهما يختلفـان ويعتقبـان علـيكم, تتصرفون فـي هذا لـمعاشكم, وتسكنون فـي هذا راحة لأجسادكم, معتبرٌ ومدّكر, وآيات وعظات. فمن كان منكم ذا لب وعقل, يعلـم أن من نسبنـي إلـى أنـي فقـير وهو غنـي كاذب مفتر, فإن ذلك كله بـيدي أقلبه وأصرفه, ولو أبطلت ذلك لهلكتـم, فكيف ينسب فقر إلـى من كان كل ما به عيش ما فـي السموات والأرض بـيده وإلـيه! أم كيف يكون غنـيا من كان رزقه بـيد غيره, إذا شاء رزقه, وإذا شاء حرمه! فـاعتبروا يا أولـي الألبـاب.
الآية : 191
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّارِ }.
وقوله: {الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِـياما وَقُعُود} من نعت «أولـي الألبـاب», و«الذين» فـي موضع خفض ردّا علـى قوله: «لأولـي الألبـاب».
ومعنى الاَية: إن فـي خـلق السموات والأرض واختلاف اللـيـل والنهار لاَيات لأولـي الألبـاب, الذاكرين الله قـياما وقعودا وعلـى جنوبهم, يعنـي بذلك: قـياما فـي صلاتهم وقعودا فـي تشهدهم وفـي غير صلاتهم وعلـى جنوبهم نـياما. كما:
6777ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: {الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِـياما وَقُعُود}... الاَية, قال: هو ذكر الله فـي الصلاة وفـي غير الصلاة, وقراءة القرآن.
6778ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {الّذِينَ يَذْكُرُون الله قِـياما وَقُعُودا وَعَلـى جُنُوبِهِمْ} وهذه حالاتك كلها يا ابن آدم, فـاذكره وأنت علـى جنبك يسرا من الله وتـخفـيفـا.
فإن قال قائل: وكيف قـيـل: {وَعَلـى جُنُوبِهِمْ} فعطف بـ«علـى», وهي صفة علـى القـيام والقعود وهما اسمان؟ قـيـل: لأن قوله: {وَعَلـى جُنُوبِهِمْ} فـي معنى الاسم, ومعناه: ونـياما أو مضطجعين علـى جنوبهم¹ فحسن عطف ذلك علـى القـيام والقعود لذلك الـمعنى, كما قـيـل: {وَإذَا مَسّ الإنْسانَ الضّرّ دَعانا لِـجَنْبِهِ أوْ قاعِدا أو قائم} فعطف بقوله: {أوْ قاعِدا أوْ قائم} علـى قوله: {لِـجَنْبِهِ}, لأن معنى قوله: لـجنبه مضطجعا, فعطف بـالقاعد والقائم علـى معناه, فكذلك ذلك فـي قوله: {وَعَلـى جُنُوبِهِمْ}.
وأما قوله: {وَيَتَفَكّرُونَ فِـي خَـلْقِ السّمَواتِ والأرْضِ} فإنه يعنـي بذلك أنهم يعتبرون بصنعة صانع ذلك, فـيعلـمون أنه لا يصنع ذلك إلا من لـيس كمثله شيء, ومن هو مالك كل شيء ورازقه, وخالق كل شيء ومدبره, من هو علـى كل شيء قدير, وبـيده الإغناء والإفقار, والإعزاز والإذلال, والإحياء والإماتة, والشقاء والسعادة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنا ما خَـلَقْتَ هَذَا بـاطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذَابِ النّارِ}.
يعنـي بذلك تعالـى ذكره: ويتفكرون فـي خـلق السموات والأرض, قائلـين: {رَبّنا ما خَـلَقْتَ هَذَا بـاطِل} فترك ذكر قائلـين, إذ كان فـيـما ظهر من الكلام دلالة علـيه¹ وقوله: {ما خَـلَقْتَ هَذَا بـاطِل} يقول: لـم تـخـلق هذا الـخـلق عبثا ولا لعبـا, لـم تـخـلقه إلا لأمر عظيـم من ثواب وعقاب ومـحاسبة ومـجازاة, وإنـما قال: ما خـلقت هذا بـاطلاً, ولـم يقل: ما خـلقت هذه, ولا هؤلاء, لأنه أراد بهذا الـخـلق الذي فـي السموات والأرض, يدل علـى ذلك قوله: {سُبْحانَكَ فَقِنا عَذَابَ النّارِ} ورغبتهم إلـى ربهم فـي أن يقـيهم عذاب الـجحيـم, ولو كان الـمعنـيّ بقوله: {ما خَـلَقْتَ هَذَا بـاطِل} السموات والأرض, لـما كان لقول عقـيب ذلك: {فَقِنا عَذَابَ النّارِ} معنى مفهوم, لأن السموات والأرض أدلة علـى بـارئها, لا علـى الثواب والعقاب, وإنـما الدلـيـل علـى الثواب والعقاب: الأمر والنهي¹ وإنـما وصف جل ثناؤه أولـي الألبـاب الذين ذكرهم فـي هذه الاَية, أنهم إذا رأوا الـمأمورين الـمنهيـين, قالوا: يا ربنا لـم تـخـلق هؤلاء بـاطلاً عبثا سبحانك, يعنـي: تنزيها لك من أن تفعل شيئا عبثا, ولكنك خـلقتهم لعظيـم من الأمر, لـجنة أو نار. ثم فزعوا إلـى ربهم بـالـمسألة أن يجيرهم من عذاب النار, وأن لا يجعلهم مـمن عصاه وخالف أمره, فـيكونوا من أهل جهنـم.
الآية : 192
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنَآ إِنّكَ مَن تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }.
اختلف أهل التأويـل فـي ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: ربنا إنك من تدخـل النار من عبـادك فتـخـلده فـيها فقد أخزيته, قال: ولا يخزي مؤمن مصيره إلـى الـجنة وإن عذّب بـالنار بعض العذاب. ذكر من قال ذلك:
6779ـ حدثنـي أبو حفص الـجبـيري ومـحمد بن بشار, قال: أخبرنا الـمؤمل, أخبرنا أبو هلال, عن قتادة, عن أنس, فـي قوله: {رَبّنا إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ} قال: من تُـخـلد.
6780ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن رجل, عن ابن الـمسيب: {رَبّنا إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ} قال: هي خاصة لـمن لا يخرج منها.
6781ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو النعمان عارم, قال: حدثنا حماد بن زيد, قال: حدثنا قبـيصة بن مروان, عن الأشعث الـحملـي, قال: قلت للـحسن: يا أبـا سعيد أرأيت ما تذكر من الشفـاعة حق هو؟ قال: نعم حق. قال: قلت يا أبـا سعيد أرأيت قول الله تعالـى: {رَبّنا إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ} و{يُريدُون أنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ ومَا هُمْ بَخارِجِينَ مِنْه}؟ قال: فقال لـي: إنك والله لا تستطيع علـى شيء, إن للنار أهلاً لا يخرجون منها كما قال الله. قال: قلت يا أبـا سعيد: فـيـمن دخـلوا ثم خرجوا؟ قال: كانوا أصابوا ذنوبـا فـي الدنـيا, فأخذهم الله بها فأدخـلهم بها, ثم أخرجهم بـما يعلـم فـي قلوبهم من الإيـمان والتصديق به.
6782ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: {إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ} قال: هو من يخـلد فـيها.
وقال آخرون: معنى ذلك: ربنا إنك من تدخـل النار من مخـلد فـيها وغير مخـلد فـيها, فقد أخزي بـالعذاب. ذكر من قال ذلك:
6783ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا الـحرث بن مسلـم, عن يحيـى بن عمرو بن دينار, قال: قدم علـينا جابر بن عبد الله فـي عمرة, فـانتهيت إلـيه أنا وعطاء, فقلت: {رَبّنا إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ}؟ قال: وما إخزاؤه حين أحرقه بـالنار! وإن دون ذلك لـخزيا.
وأولـى القولـين بـالصواب عندي قول جابر: إن من أدخـل النار فقد أخزي بدخوله إياها, وإن أخرج منها. وذلك أن الـخزي إنـما هو هتك ستر الـمخزي وفضيحته, ومن عاقبه ربه فـي الاَخرة علـى ذنوبه, فقد فضحه بعقابه إياه, وذلك هو الـخزي.
وأما قوله: {وَمَا للظّالِـمِينَ مِنْ أنْصَارٍ} يقول: وما لـمن خالف أمر الله فعصاه من ذي نصرة له ينصره من الله فـيدفع عنه عقابه أو ينقذه من عذابه.
الآية : 193
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رّبّنَآ إِنّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبّكُمْ فَآمَنّا رَبّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفّرْ عَنّا سَيّئَاتِنَا وَتَوَفّنَا مَعَ الأبْرَارِ }.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل الـمنادي الذي ذكره الله تعالـى فـي هذه الاَية, فقال بعضهم: الـمنادي فـي هذا الـموضع القرآن. ذكر من قال ذلك:
6784ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا قبـيصة بن عقبة, حدثنا سفـيان, عن موسى بن عبـيدة, عن مـحمد بن كعب: {إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإيـمَانِ} قال: هو الكتاب, لـيس كلهم لقـي النبـي صلى الله عليه وسلم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا منصور بن حكيـم, عن خارجة, عن موسى بن عبـيدة, عن مـحمد بن كعب القرظي, فـي قوله: {رَبّنا إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإيـمَانِ} قال: لـيس كل الناس سمع النبـي صلى الله عليه وسلم, ولكن الـمنادي: القرآن.
وقال آخرون: بل هو مـحمد صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
6785ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: {إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإِيـمَانِ} قال: هو مـحمد صلى الله عليه وسلم.
6786ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {رَبّنا إنّنا سَمِعْنا مُناديا يُنادِي للإِيـمَانِ} قال: ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول مـحمد بن كعب, وهو أن يكون الـمنادي القرآن¹ لأن كثـيرا مـمن وصفهم الله بهذه الصفة فـي هذه الاَيات لـيسوا مـمن رأى النبـي صلى الله عليه وسلم ولا عاينه, فسمعوا دعاءه إلـى الله تبـارك وتعالـى ونداءه, ولكنه القرآن. وهو نظير قوله جلّ ثناؤه مخبرا عن الـجن إذ سمعوا كلام الله يتلـى علـيهم أنهم قالوا: {إنّا سَمِعْنا قُرْآنا عَجَبَـا يَهْدِي إلـى الرّشْدِ}. وبنـحو ذلك:
6787ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {رَبّنا إنّنَا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإِيَـمانِ} إلـى قوله: {وَتَوَفّنا مَعَ الأبْرَارِ} سمعوا دعوة من الله فأجابوها, فأحسنوا الإجابة فـيها, وصبروا علـيها, بنبئكم الله عن مؤمن الإنس كيف قال, وعن مؤمن الـجنّ كيف قال. فأما مؤمن الـجنّ, فقال: {إنّا سَمِعْنا قُرْآنا عَجَبـا يَهْدِي إلـى الرّشْدِ فَآمَنّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبّنا أحَد}¹ وأما مؤمن الإنس, فقال: {إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإِيـمَانِ أنْ آمِنُوا بِرَبّكُمْ فَآمَنّا رَبّنا فـاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَن}... الاَية.
وقـيـل: {إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإيـمَان} يعنـي: ينادي إلـى الإيـمان, كما قال تعالـى ذكره: {الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانا لِهَذَ} بـمعنى: هدانا إلـى هذا, وكما قال الراجز.
أوْحَى لها القَرَارَ فـاسْتَقَرّتِوَشَدّها بـالرّاسياتِ الثّبّتِ
بـمعنى: أوحى إلـيها, ومنه قوله: {بِأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَ}.
وقـيـل: يحتـمل أن يكون معناه: إننا سمعنا مناديا للإيـمان ينادي أن آمنوا بربكم.
فتأويـل الاَية إذا: ربنا سمعنا داعيا يدعو إلـى الإيـمان يقول إلـى التصديق بك, والإقرار بوحدانـيتك, واتبـاع رسولك وطاعته, فـيـما أمرنا به, ونهانا عنه, مـما جاء به من عندك فآمنا ربنا, يقول: فصدقنا بذلك يا ربنا, فـاغفر لنا ذنوبنا, يقول: فـاستر علـينا خطايانا, ولا تفضحنا بها فـي القـيامة علـى رءوس الأشهاد, بعقوبتك إيانا علـيها, ولكن كفرها عنا, وسيئات أعمالنا فـامـحها بفضلك ورحمتك إيانا, وتَوفنا مع الأبرار, يعنـي بذلك: واقبضنا إلـيك إذا قبضتنا إلـيك فـي عداد الأبرار, واحشرنا مـحشرهم ومعهم¹ والأبرار جمع برّ, وهم الذين بروا الله تبـارك وتعالـى بطاعتهم إياه وخدمتهم له, حتـى أرضوه فرضي عنهم.
الآية : 194
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتّنَا عَلَىَ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ }.
إن قال لنا قائل: وما وجه مسألة هؤلاء القوم ربهم أن يؤتـيهم ما وعدهم, وقد علـموا أن الله منـجز وعده, وغير جائز أن يكون منه إخلاف موعد؟ قـيـل: اختلف فـي ذلك أهل البحث, فقال بعضهم: ذلك قول خرج مخرج الـمسألة, ومعناه الـخبر, قالوا: وإنـما تأويـل الكلام: ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيـمان أن آمنوا بربكم فآمنا, ربنا فـاغفر لنا ذنوبنا, وكفر عنا سيئاتنا, وتوفنا مع الأبرار, لتؤتـينا ما وعدتنا علـى رسلك, ولا تـخزنا يوم القـيامة, قالوا: ولـيس ذلك علـى أنهم قالوا: إن توفـيتنا مع الأبرار فـانـجز لنا ما وعدتنا لأنهم قد علـموا أن الله لا يخـلف الـميعاد, وأن ما وعد علـى ألسنة رسله لـيس يعطيه بـالدعاء, ولكنه تفضل بإيتائه, ثم ينـجزه.
وقال آخرون: بل ذلك قول من قائله علـى معنى الـمسألة والدعاء لله, بأن يجعلهم مـمن آتاهم ما وعدهم من الكرامة علـى ألسن رسله, لا أنهم كانوا قد استـحقوا منزلة الكرامة عند الله فـي أنفسهم, ثم سألوه أن يؤتـيهم ما وعدهم بعد علـمهم بـاستـحقاقهم عند أنفسهم, فـيكون ذلك منهم مسألة لربهم أن لا يخـلف وعده, قالوا: ولو كان القوم إنـما سألوا ربهم أن يؤتـيهم ما وعد الأبرار, لكانوا قد زكوا أنفسهم, وشهدوا لها أنها مـمن قد استوجب كرامة الله وثوابه, قالوا: ولـيس ذلك صفة أهل الفضل من الـمؤمنـين.
وقال آخرون: بل قالوا هذا القول علـى وجه الـمسألة, والرغبة منهم إلـى الله أن يؤتـيهم ما وعدهم من النصر علـى أعدائهم من أهل الكفر, والظفر بهم, وإعلاء كلـمة الـحق علـى البـاطل, فـيعجل ذلك لهم, قالوا: ومـحال أن يكون القوم مع وصف الله إياهم بـما وصفهم به كانوا علـى غير يقـين من أن الله لا يخـلف الـميعاد, فـيرغبوا إلـى الله جل ثناؤه فـي ذلك, ولكنهم كانوا وعدوا النصر, ولـم يوقت لهم فـي تعجيـل ذلك لهم, لـما فـي تعجله من سرور الظفر وراحة الـجسد.
والذي هو أولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك عندي: أن هذه الصفة, صفة من هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من وطنه وداره, مفـارقا لأهل الشرك بـالله إلـى الله ورسوله, وغيرهم من تبـاع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رغبوا إلـى الله فـي تعجيـل نصرتهم علـى أعداء الله وأعدائهم, فقالوا: ربنا آتنا ما وعدتنا من نصرتك علـيهم عاجلاً, فإنك لا تـخـلف الـميعاد, ولكن لا صبر لنا علـى أناتك وحلـمك عنهم, فعجل حربهم, ولنا الظفر علـيهم. يدل علـى صحة ذلك آخر الاَية الأخرى, وهو قوله: {فـاسْتَـجابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أنّـي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فـالّذِينَ هاجَرُوا وأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وأُوذُوا فـي سَبِـيـلـي وَقاتَلُوا وَقُتِلُو}... الاَيات بعدها. ولـيس ذلك مـما ذهب إلـيه الذين حكيت قولهم فـي شيء, وذلك أنه غير موجود فـي كلام العرب أن يقال: افعل بنا يا رب كذا وكذا, بـمعنى: افعل بنا لكذا الذي ولو جاز ذلك, لـجاز أن يقول القائل لاَخر: أقبل إلـيّ وكلـمنـي, بـمعنى: أقبل إلـيّ لتكلـمنـي, وذلك غير موجود فـي الكلام, ولا معروف جوازه, وكذلك أيضا غير معروف فـي الكلام: آتنا ما وعدتنا, بـمعنى: اجعلنا مـمن آتـيته ذلك وإن كان كلّ من أعطى شيئا سنـيا فقد صير نظيرا لـمن كان مثله فـي الـمعنى الذي أعطيه, ولكن لـيس الظاهر من معنى الكلام ذلك, وإن كان قد يؤول معناه إلـيه.
فتأويـل الكلام إذًا: ربنا أعطنا ما وعدتنا علـى ألسن رسلك أنك تعلـى كلـمتك كلـمة الـحق, بتأيـيدنا علـى من كفر بك وحادّك وعبد غيرك, وعجّل لنا ذلك, فإنا قد علـمنا أنك لا تـخـلف ميعادك, ولا تـخزنا يوم القـيامة, فتفضحنا بذنوبنا التـي سلكت منا, ولكن كفّرها عنا واغفرها لنا. وقد:
6788ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: {رَبّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا علـى رُسُلِكَ} قال: يستنـجز موعود الله علـى رسله
076
074
الآية : 187
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }.
يعنـي بذلك تعالـى ذكره: واذكر أيضا من هؤلاء الـيهود وغيرهم من أهل الكتاب منهم يا مـحمد إذ أخذ الله ميثاقهم, لـيبـيننّ للناس أمرك الذي أخذ ميثاقهم علـى بـيانه للناس فـي كتابهم الذي فـي أيديهم, وهو التوراة والإنـجيـل, وأنك لله رسول مرسل بـالـحقّ, ولا يكتـمونه, {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} يقول: فتركوا أمر الله وضيعوه, ونقضوا ميثاقه الذي أخذ علـيهم بذلك, فكتـموا أمرك, وكذبوا بك, {واشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنا قَلِـيل} يقول: وابتاعوا بكتـمانهم ما أخذ علـيهم الـميثاق أن لا يكتـموه من أمر نبوّتك, عوضا منه, خسيسا قلـيلاً من عرض الدنـيا. ثم ذمّ جلّ ثناؤه شراءهم ما اشتروا به من ذلك, فقال: {فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ}.
واختلف أهل التأويـل فـيـمن عُنـي بهذه الاَية, فقال بعضهم: عنـي بها الـيهود خاصة. ذكر من قال ذلك:
6750ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة أنه حدثه, عن ابن عبـاس: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ} إلـى قوله: {عَذَابٌ ألِـيـمٌ} يعنـي: فنـحاص وأشيع وأشبـاههما من الأحبـار.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة مولـى ابن عبـاس, مثله.
6751ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَه فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهورِهِمْ» كان أمرهم أن يتبعوا النبـيّ الأميّ الذي يؤمن بـالله وكلـماته, وقال: {اتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ}. فلـما بعث الله مـحمدا صلى الله عليه وسلم قال: {أوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإيّايَ فـارْهَبُونِ} عاهدهم علـى ذلك, فقال حين بعث مـحمدا: صدّقوه, وتلقون الذي أحببتـم عندي.
6752ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ».. الاَية, قال: إن الله أخذ ميثاق الـيهود لـيبـيننه للناس مـحمدا صلى الله عليه وسلم, ولا يكتـمونه, فنبذوه وراء ظهورهم, واشتروا به ثمنا قلـيلاً.
6753ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن أبـي الـجحاف, عن مسلـم البطين, قال: سأل الـحجاج بن يوسف جلساءه عن هذه الاَية: {وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُؤتُوا الكِتابَ} فقام رجل إلـى سعيد بن جبـير فسأله, فقال: وإذ أخذ الله ميثاق أهل الكتاب يهود, «لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ» مـحمدا صلى الله عليه وسلم ولا يكتـمونه, فنبذوه.
6754ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ» قال: وكان فـيه إن الإسلام دين الله الذي افترضه علـى عبـاده, وإن مـحمدا يجدونه مكتوبـا عندهم فـي التوراة والإنـجيـل.
وقال آخرون: عنـي بذلك كلّ من أوتـي علـما بأمر الدين. ذكر من قال ذلك:
6755ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ»... الاَية, هذا ميثاق أخذ الله علـى أهل العلـم, فمن علـم شيئا فلـيعلـمه وإياكم, وكتـمان العلـم, فإن كتـمان العلـم هلكة, ولا يتكلفنّ رجل ما لا علـم له به, فـيخرج من دين الله, فـيكون من الـمتكلفـين, كان يقال: مثل علـم لا يقال به: كمثل كنز لا ينفق منه, ومثل حكمة لا تـخرج كمثل صنـم قائم لا يأكل ولا يشرب. وكان يقال: طوبى لعالـم ناطق, وطوبى لـمستـمع واع. هذا رجل علـم علـما فعلـمه وبذله ودعا إلـيه, ورجل سمع خيرا فحفظه ووعاه, وانتفع به.
6756ـ حدثنـي يحيـى بن إبراهيـم الـمسعودي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن جده, عن الأعمش, عن عمرو بن مرّة, عن أبـي عبـيدة, قال: جاء رجل إلـى قوم فـي الـمسجد وفـيه عبد الله بن مسعود فقال: إن أخاكم كعبـا يقرئكم السلام, ويبشركم أن هذه الاَية لـيس فـيكم: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ» فقال له عبد الله: وأنت فأقرئه السلام, وأخبره أنها نزلت وهو يهودي.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن الأعمش, عن عمرو بن مرة, عن أبـي عبـيدة بنـحوه, عن عبد الله وكعب.
وقال آخرون: معنى ذلك: وإذ أخذ الله ميثاق النبـيـين علـى قومهم. ذكر من قال ذلك:
6757ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيـى بن سعيد, عن سفـيان, قال: ثنـي يحيـى بن أبـي ثابت, عن سعيد بن جبـير, قال: قلت لابن عبـاس: إن أصحاب عبد الله يقرءون: «وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِيثاقَهُمْ» قال: من النبـيـين علـى قومهم.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا قبـيصة, قال: حدثنا سفـيان, عن حبـيب, عن سعيد, قال: قلت لابن عبـاس: إن أصحاب عبد الله يقرءون {وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ}: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النّبِـيّـين» قال: فقال: أخذ الله ميثاق النبـيـين علـى قومهم. وأما قوله: «لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ». فإنه كما:
6758ـ حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث, قال: ثنـي أبـي, قال: حدثنا مـحمد بن ذكوان, قال: حدثنا أبو نعامة السعدي, قال: كان الـحسن يفسر قوله: «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ» لـيتكلـمن بـالـحق ولـيصدقنه بـالعمل.
واختلفت القراء فـي قراءة ذلك, فقرأه بعضهم: {لَتُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا تَكْتُـمُونَهُ} بـالتاء, وهي قراءة عُظْم قراء أهل الـمدينة والكوفة علـى وجه الـمخاطب, بـمعنى: قال لهم: لتبـيننه للناس ولا تكتـمونه وقرأ ذلك آخرون: «لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ» بـالـياء جميعا علـى وجه الـخبر عن الغائب, لأنهم فـي قوت إخبـار الله نبـيه صلى الله عليه وسلم بذلك عنهم كانوا غير موجودين, فصار الـخبر عنهم كالـخبر عن الغائب. والقول فـي ذلك عندنا: أنهما قراءتان صحيحة وجوههما, مستفـيضتان فـي قراءة الإسلام, غير مختلفتـي الـمعانـي, فبأيتهما قرأ القارىء فقد أصاب الـحق والصواب فـي ذلك. غير أن الأمر فـي ذلك وإن كان كذلك, فإن أحب القراءتـين إلـيّ أن أقرأ بها: «لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُـمُونَهُ» بـالـياء جميعا استدلالاً بقوله: {فَنَبَذُوهُ} أنه إذا كان قد خرج مخرج الـخبر عن الغائب علـى سبـيـل قوله: {فَنَبَذُوهُ} حتـى يكون متسقا كله علـى معنى واحد ومثال واحد, ولو كان الأول بـمعنى الـخطاب لكان أن يقال: فنبذتـموه وراء ظهوركم, أولـى من أن يقال: فنبذوه وراء ظهورهم.
وأما قوله: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} فإنه مثل لتضيـيعهم القـيام بـالـميثاق, وتركهم العمل به.
وقد بـينا الـمعنى الذي من أجله قبل ذلك كذلك فـيـما مضى من كتابنا هذا, فكرهنا إعادته.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
6759ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا يحيـى بن أيوب البجلـي, عن الشعبـي فـي قوله: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} قال: إنهم قد كانوا يقرءونه إنـما نبذوا العمل به.
6760ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} قال: نبذوا الـميثاق.
حدثنـي مـحمد بن سنان, قال: حدثنا عثمان بن عمر, قال: حدثنا مالك بن مغول, قال: نبئت عن الشعبـي فـي هذه الاَية: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} قال: قذفوه بـين أيديهم, وتركوا العمل به.
وأما قوله: {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنا قَلِـيل} فإن معناه ما قلنا من أخذهم ما أخذوا علـى كتـمانهم الـحق وتـحريفهم الكتاب. كما:
6761ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنا قَلِـيل} أخذوا طمعا, وكتـموا اسم مـحمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ} يقول: فبئس الشراء يشترون فـي تضيـيعهم الـميثاق وتبديـلهم الكتاب. كما:
6762ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: {فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ} قال: تبديـل الـيهود التوراة.
الآية : 188
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وّيُحِبّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنّهُمْ بِمَفَازَةٍ مّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: عُنِـيَ بذلك قوم من أهل النفـاق كانوا يقعدون خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا العدو, فإذا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إلـيه, وأحبوا أن يحمدوا بـما لـم يفعلوا. ذكر من قال ذلك:
6763ـ حدثنا مـحمد بن سهل بن عسكر وابن عبد الرحيـم البرقـي, قالا: حدثنا ابن أبـي مريـم, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر بن أبـي كثـير, قال: ثنـي زيد بن أسلـم, عن عطاء بن يسار, عن أبـي سعيد الـخدري: أن رجالاً من الـمنافقـين كانوا علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذا خرج النبـي صلى الله عليه وسلم إلـى الغزو تـخـلفوا عنه وفرحوا بـمقعدهم خلاف رسول الله, وإذا قدم النبـي صلى الله عليه وسلم من السفر اعتذروا إلـيه وأحبوا أن يحمدوا بـما لـم يفعلوا, فأنزل الله تعالـى فـيهم: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـما أتَوْ}... الاَية.
6764ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْا ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} قال: هؤلاء الـمنافقون يقولون النبـي صلى الله عليه وسلم: لو قد خرجت لـخرجنا معك, فإذا خرج النبـي صلى الله عليه وسلم تـخـلفوا وكذبوا, ويفرحون بذلك, ويرون أنها حيـلة احتالوا بها.
وقال آخرون: عُنِـي بذلك قوم من أحبـار الـيهود كانوا يفرحون بإضلالهم الناس, ونسبة الناس إياهم إلـى العلـم. ذكر من قال ذلك:
6765ـ حدثنا ابن حميد, حدثنا قال: سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة مولـى ابن عبـاس أو سعيد بن جبـير: {وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ} إلـى قوله {وَلهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ} يعنـي: فنـحاصا وأشيع وأشبـاههما من الأحبـار الذين يفرحون بـما يصيبون من الدنـيا علـى ما زينوا للناس من الضلالة {ويُحبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بـما لـم يَفْعَلُو} أن يقول لهم الناس علـماء ولـيسوا بأهل علـم, لـم يحملوهم علـى هدى ولا خير, ويحبون أن يقول لهم الناس: قد فعلوا.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أنه حدثه عن ابن عبـاس بنـحو ذلك, إلا أنه قال: ولـيسوا بأهل علـم, لـم يحملوهم علـى هدى.
وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك قوم من الـيهود فرحوا بـاجتـماع كلـمتهم علـى تكذيب مـحمد صلى الله عليه وسلم, ويحبون أن يحمدوا بأن يقال لهم أهل صلاة وصيام. ذكر من قال ذلك:
6766ـ حدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم, يقول فـي قوله: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ} فإنهم فرحوا بـاجتـماعهم علـى كفرهم بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وقالوا: قد جمع الله كلـمتنا, ولـم يخالف أحد منا أحدا أنه نبـيّ, وقالوا: نـحن أبناء الله وأحبـاؤه, ونـحن أهل الصلاة والصيام. وكذبوا, بل هم أهل كفر وشرك وافتراء علـى الله, قال الله: {يُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو}.
حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: {لاَ تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْا ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} قال: كانت الـيهود أمر بعضكم بعضا, فكتب بعضهم إلـى بعض أن مـحمدا لـيس بنبـيّ, فـاجمعوا كلـمتكم, وتـمسكوا بدينكم وكتابكم الذي معكم. ففعلوا وفرحوا بذلك, وفرحوا بـاجتـماعهم علـى الكفر بـمـحمد صلى الله عليه وسلم.
6767ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: كتـموا اسم مـحمد صلى الله عليه وسلم, ففرحوا بذلك, وفرحوا بـاجتـماعهم علـى الكفر بـمـحمد صلى الله عليه وسلم.
6768ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, قال: كتـموا اسم مـحمد صلى الله عليه وسلم, وفرحوا بذلك حين اجتـمعوا علـيه, وكانوا يزكون أنفسهم, فـيقولون: نـحن أهل الصيام وأهل الصلاة وأهل الزكاة, ونـحن علـى دين إبراهيـم صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله فـيهم: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ} من كتـمان مـحمد صلى الله عليه وسلم: {ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} أحبوا أن تـحمدهم العرب بـما يزكون به أنفسهم, ولـيسوا كذلك.
6769ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن أبـي الـجَحّاف, عن مسلـم البطين, قال: سأل الـحجاج جلساءه عن هذه الاَية: {لا تَـحْسَبنّ الّذِيَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ} قال سعيد بن جبـير: بكتـمانهم مـحمدا, {ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} قال: هو قولهم: نـحن علـى دين إبراهيـم علـيه السلام.
6770ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: {لاَ تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْا ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو}: هم أهل الكتاب أنزل علـيهم الكتاب, فحكموا بغير الـحقّ, وحرّفوا الكلـم عن مواضعه, وفرحوا بذلك, وأحبوا أن يحمدوا بـما لـم يفعلوا, فرحوا بأنهم كفروا بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وما أنزل الله, وهم يزعمون أنهم يعبدون الله, ويصومون, ويصلون, ويطيعون الله¹ فقال الله جلّ ثناؤه لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ} كفروا بـالله وكفروا بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, {ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} من الصلاة والصوم, فقال الله جلّ وعزّ لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: {فَلا تَـحْسَبَنّهُمْ بِـمَفـازَةٍ مِنَ العَذَابِ ولَهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ}.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تـحسبنّ الذين يفرحون بـما أتوا من تبديـلهم كتاب الله, ويحبون أن يحمدهم الناس علـى ذلك. ذكر من قال ذلك:
6771ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله تعالـى: {لاَ تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ} قال: يهود, فرحوا بإعجاب الناس بتبديـلهم الكتاب وحمدهم إياهم علـيه, ولا تـملك يهود ذلك.
وقال آخرون: معنى ذلك: أنهم فرحوا بـما أعطى الله تعالـى آل إبراهيـم علـيه السلام. ذكر من قال ذلك:
6772ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي الـمعلـى, عن سعيد بن جبـير أنه قال فـي هذه الاَية: {ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} قال: الـيهود يفرحون بـما آتـى الله إبراهيـم علـيه السلام.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي الـمعلـى العطار, عن سعيد بن جبـير, قال: هم الـيهود, فرحوا بـما أعطى الله تعالـى إبراهيـم علـيه السلام.
وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك قوم من الـيهود سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء, فكتـموه, ففرحوا بكتـمانهم ذلك إياه. ذكر من قال ذلك:
6773ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: أخبرنـي ابن أبـي ملـيكة أن علقمة بن أبـي وقاص أخبره: أن مروان قال لرافع: اذهب يا رافع إلـى ابن عبـاس فقل له: لئن كان كل امرىء منا فرح بـما أتـى وأحب أن يحمد بـما لـم يفعل معذبـا, لـيعذبنا الله أجمعين! فقال ابن عبـاس: ما لكم ولهذه؟ إنـما دعا النبـي صلى الله عليه وسلم يهود, فسألهم عن شيء فكتـموه إياه وأخبروه بغيره, فأروه أن قد استـجابوا لله بـما أخبروه عنه مـما سألهم, وفرحوا بـما أتوا من كتـمانهم إياه. ثم قال: {وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ}... الاَية.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: أخبرنـي عبد الله بن أبـي ملـيكة, أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن مروان بن الـحكم قال لبوابه: يا رافع اذهب إلـى ابن عبـاس, فقل له: لئن كان كل امرىء منا فرح بـما أتـى وأحبّ أن يحمد بـما لـم يفعل معذّبـا, لنعذبن جميعا فقال ابن عبـاس: ما لكم ولهذه الاَية؟ إنـما أنزلت فـي أهل الكتاب. ثم تلا ابن عبـاس: {وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَـيُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ} إلـى قوله: {أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} قال ابن عبـاس: سألهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتـموه إياه, وأخبروه بغيره, فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بـما قد سألهم عنه, فـاستـحمدوا بذلك إلـيه, وفرحوا بـما أتوا من كتـمانهم إياه ما سألهم عنه.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك قوم من يهود أظهروا النفـاق للنبـيّ صلى الله عليه وسلم مـحبة منهم للـحمد, والله عالـم منهم خلاف ذلك. ذكر من قال ذلك:
6774ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ذكر لنا أن أعداء الله الـيهود يهود خيبر أتوا نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم, فزعموا أنهم راضون بـالذي جاء به, وأنهم متابعوه وهم متـمسكون بضلالتهم, وأرادوا أن يحمدهم نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم بـما لـم يفعلوا, فأنزل الله تعالـى: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْا ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو}... الاَية.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: إن أهل خيبر أتوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فقالوا: إنا علـى رأيكم وهيئتكم, وإنا لكم ردء, فأكذبهم الله, فقال: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ}... الاَيتـين.
6775ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن عمرو بن مرة, عن أبـي عبـيدة, قال: جاء رجل إلـى عبد الله, فقال: إن كعبـا يقرأ علـيك السلام, ويقول: إن هذه الاَية لـم تنزل فـيكم: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْا ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـمَا لَـمْ يَفْعَلُو} قال: أخبروه أنها نزلت وهو يهوديّ.
وأولـى هذه الأقوال بـالصواب فـي تأويـل قوله: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرحُونَ بِـمَا أتَوْ}... الاَية, قول من قال: عنـي بذلك أهل الكتاب الذين أخبر الله جلّ وعزّ أنه أخذ ميثاقهم, لـيبـيننّ للناس أمر مـحمد صلى الله عليه وسلم, ولا يكتـمونه, لأن قوله: {لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْ}... الاَية فـي سياق الـخبر عنهم, وهو شبـيه بقصتهم مع اتفـاق أهل التأويـل علـى أنهم الـمعنـيون بذلك, فإذ كان ذلك كذلك, فتأويـل الاَية: لا تـحسبن يا مـحمد الذين يفرحون بـما أتوا من كتـمانهم الناس أمرك, وأنك لـي رسول مرسل بـالـحقّ, وهم يجدونك مكتوبـا عندهم فـي كتبهم, وقد أخذت علـيهم الـميثاق بـالإقرار بنبوّتك, وبـيان أمرك للناس, وأن لا يكتـموهم ذلك, وهم مع نقضهم ميثاقـي الذي أخذت علـيهم بذلك, يفرحون بـمعصيتهم إياي فـي ذلك, ومخالفتهم أمري, ويحبون أن يحمدهم الناس بأنهم أهل طاعة لله وعبـادة وصلاة وصوم, واتبـاع لوحيه, وتنزيـله الذي أنزله علـى أنبـيائه, وهم من ذلك أبرياء أخـلـياء لتكذيبهم رسوله, ونقضهم ميثاقه الذي أخذ علـيهم, لـم يفعلوا شيئا مـما يحبون أن يحمدهم الناس علـيه, فلا تـحسبنهم بـمفـازة من العذاب, ولهم عذاب ألـيـم. وقوله: {فَلا تَـحْسَبَنّهُمْ بِـمَفـازَةٍ مِنَ العَذَابِ} فلا تظنهم بـمنـجاة من عذاب الله الذي أعدّه لأعدائه فـي الدنـيا من الـخسف والـمسخ والرجف والقتل, وما أشبه ذلك من عقاب الله, ولا هم ببعيد منه. كما:
6776ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {فَلا تَـحْسَبَنّهُمْ بِـمَفـازَةٍ مِنَ العَذَابِ} قال: بـمنـجاة من العذاب.
قال أبو جعفر: {وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ} يقول: ولهم عذاب فـي الاَخرة أيضا مؤلـم, مع الذي لهم فـي الدنـيا معجل.
الآية : 189
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَللّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
وهذا تكذيب من الله جلّ ثناؤه الذين قالوا: {إنّ اللّهَ فَقِـيرٌ وَنـحْنُ أغْنِـياءُ} يقول تعالـى ذكره مكذّبـا لهم: لله ملك جميع ما حوته السموات والأرض, فكيف يكون أيها الـمفترون علـى الله من كان ملك ذلك له فقـيرا! ثم أخبر جلّ ثناؤه أنه القادر علـى تعجيـل العقوبة لقائلـي ذلك ولكلّ مكذب به ومفتر علـيه وعلـى غير ذلك مـما أراد وأحبّ, ولكنه تفضل بحلـمه علـى خـلقه, فقال: {وَاللّهُ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يعنـي: من إهلاك قائل ذلك, وتعجيـل عقوبته لهم, وغير ذلك من الأمور.
الآية : 190
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ الْلّيْلِ وَالنّهَارِ لاَيَاتٍ لاُوْلِي الألْبَابِ }.
وهذا احتـجاج من الله تعالـى ذكره علـى قائل ذلك وعلـى سائر خـلقه بأنه الـمدبر الـمصرف الأشياء, والـمسخر ما أحب, وإن الإغناء والإفقار إلـيه وبـيده, فقال جل ثناؤه: تدبروا أيها الناس, واعتبروا ففـيـما أنشأته فخـلقته من السموات والأرض لـمعاشكم وأقواتكم وأرزاقكم, وفـيـما عقّبت بـينه من اللـيـل والنهار, فجعلتهما يختلفـان ويعتقبـان علـيكم, تتصرفون فـي هذا لـمعاشكم, وتسكنون فـي هذا راحة لأجسادكم, معتبرٌ ومدّكر, وآيات وعظات. فمن كان منكم ذا لب وعقل, يعلـم أن من نسبنـي إلـى أنـي فقـير وهو غنـي كاذب مفتر, فإن ذلك كله بـيدي أقلبه وأصرفه, ولو أبطلت ذلك لهلكتـم, فكيف ينسب فقر إلـى من كان كل ما به عيش ما فـي السموات والأرض بـيده وإلـيه! أم كيف يكون غنـيا من كان رزقه بـيد غيره, إذا شاء رزقه, وإذا شاء حرمه! فـاعتبروا يا أولـي الألبـاب.
الآية : 191
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّارِ }.
وقوله: {الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِـياما وَقُعُود} من نعت «أولـي الألبـاب», و«الذين» فـي موضع خفض ردّا علـى قوله: «لأولـي الألبـاب».
ومعنى الاَية: إن فـي خـلق السموات والأرض واختلاف اللـيـل والنهار لاَيات لأولـي الألبـاب, الذاكرين الله قـياما وقعودا وعلـى جنوبهم, يعنـي بذلك: قـياما فـي صلاتهم وقعودا فـي تشهدهم وفـي غير صلاتهم وعلـى جنوبهم نـياما. كما:
6777ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: {الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِـياما وَقُعُود}... الاَية, قال: هو ذكر الله فـي الصلاة وفـي غير الصلاة, وقراءة القرآن.
6778ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {الّذِينَ يَذْكُرُون الله قِـياما وَقُعُودا وَعَلـى جُنُوبِهِمْ} وهذه حالاتك كلها يا ابن آدم, فـاذكره وأنت علـى جنبك يسرا من الله وتـخفـيفـا.
فإن قال قائل: وكيف قـيـل: {وَعَلـى جُنُوبِهِمْ} فعطف بـ«علـى», وهي صفة علـى القـيام والقعود وهما اسمان؟ قـيـل: لأن قوله: {وَعَلـى جُنُوبِهِمْ} فـي معنى الاسم, ومعناه: ونـياما أو مضطجعين علـى جنوبهم¹ فحسن عطف ذلك علـى القـيام والقعود لذلك الـمعنى, كما قـيـل: {وَإذَا مَسّ الإنْسانَ الضّرّ دَعانا لِـجَنْبِهِ أوْ قاعِدا أو قائم} فعطف بقوله: {أوْ قاعِدا أوْ قائم} علـى قوله: {لِـجَنْبِهِ}, لأن معنى قوله: لـجنبه مضطجعا, فعطف بـالقاعد والقائم علـى معناه, فكذلك ذلك فـي قوله: {وَعَلـى جُنُوبِهِمْ}.
وأما قوله: {وَيَتَفَكّرُونَ فِـي خَـلْقِ السّمَواتِ والأرْضِ} فإنه يعنـي بذلك أنهم يعتبرون بصنعة صانع ذلك, فـيعلـمون أنه لا يصنع ذلك إلا من لـيس كمثله شيء, ومن هو مالك كل شيء ورازقه, وخالق كل شيء ومدبره, من هو علـى كل شيء قدير, وبـيده الإغناء والإفقار, والإعزاز والإذلال, والإحياء والإماتة, والشقاء والسعادة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنا ما خَـلَقْتَ هَذَا بـاطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذَابِ النّارِ}.
يعنـي بذلك تعالـى ذكره: ويتفكرون فـي خـلق السموات والأرض, قائلـين: {رَبّنا ما خَـلَقْتَ هَذَا بـاطِل} فترك ذكر قائلـين, إذ كان فـيـما ظهر من الكلام دلالة علـيه¹ وقوله: {ما خَـلَقْتَ هَذَا بـاطِل} يقول: لـم تـخـلق هذا الـخـلق عبثا ولا لعبـا, لـم تـخـلقه إلا لأمر عظيـم من ثواب وعقاب ومـحاسبة ومـجازاة, وإنـما قال: ما خـلقت هذا بـاطلاً, ولـم يقل: ما خـلقت هذه, ولا هؤلاء, لأنه أراد بهذا الـخـلق الذي فـي السموات والأرض, يدل علـى ذلك قوله: {سُبْحانَكَ فَقِنا عَذَابَ النّارِ} ورغبتهم إلـى ربهم فـي أن يقـيهم عذاب الـجحيـم, ولو كان الـمعنـيّ بقوله: {ما خَـلَقْتَ هَذَا بـاطِل} السموات والأرض, لـما كان لقول عقـيب ذلك: {فَقِنا عَذَابَ النّارِ} معنى مفهوم, لأن السموات والأرض أدلة علـى بـارئها, لا علـى الثواب والعقاب, وإنـما الدلـيـل علـى الثواب والعقاب: الأمر والنهي¹ وإنـما وصف جل ثناؤه أولـي الألبـاب الذين ذكرهم فـي هذه الاَية, أنهم إذا رأوا الـمأمورين الـمنهيـين, قالوا: يا ربنا لـم تـخـلق هؤلاء بـاطلاً عبثا سبحانك, يعنـي: تنزيها لك من أن تفعل شيئا عبثا, ولكنك خـلقتهم لعظيـم من الأمر, لـجنة أو نار. ثم فزعوا إلـى ربهم بـالـمسألة أن يجيرهم من عذاب النار, وأن لا يجعلهم مـمن عصاه وخالف أمره, فـيكونوا من أهل جهنـم.
الآية : 192
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنَآ إِنّكَ مَن تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }.
اختلف أهل التأويـل فـي ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: ربنا إنك من تدخـل النار من عبـادك فتـخـلده فـيها فقد أخزيته, قال: ولا يخزي مؤمن مصيره إلـى الـجنة وإن عذّب بـالنار بعض العذاب. ذكر من قال ذلك:
6779ـ حدثنـي أبو حفص الـجبـيري ومـحمد بن بشار, قال: أخبرنا الـمؤمل, أخبرنا أبو هلال, عن قتادة, عن أنس, فـي قوله: {رَبّنا إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ} قال: من تُـخـلد.
6780ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن رجل, عن ابن الـمسيب: {رَبّنا إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ} قال: هي خاصة لـمن لا يخرج منها.
6781ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو النعمان عارم, قال: حدثنا حماد بن زيد, قال: حدثنا قبـيصة بن مروان, عن الأشعث الـحملـي, قال: قلت للـحسن: يا أبـا سعيد أرأيت ما تذكر من الشفـاعة حق هو؟ قال: نعم حق. قال: قلت يا أبـا سعيد أرأيت قول الله تعالـى: {رَبّنا إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ} و{يُريدُون أنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ ومَا هُمْ بَخارِجِينَ مِنْه}؟ قال: فقال لـي: إنك والله لا تستطيع علـى شيء, إن للنار أهلاً لا يخرجون منها كما قال الله. قال: قلت يا أبـا سعيد: فـيـمن دخـلوا ثم خرجوا؟ قال: كانوا أصابوا ذنوبـا فـي الدنـيا, فأخذهم الله بها فأدخـلهم بها, ثم أخرجهم بـما يعلـم فـي قلوبهم من الإيـمان والتصديق به.
6782ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: {إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ} قال: هو من يخـلد فـيها.
وقال آخرون: معنى ذلك: ربنا إنك من تدخـل النار من مخـلد فـيها وغير مخـلد فـيها, فقد أخزي بـالعذاب. ذكر من قال ذلك:
6783ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا الـحرث بن مسلـم, عن يحيـى بن عمرو بن دينار, قال: قدم علـينا جابر بن عبد الله فـي عمرة, فـانتهيت إلـيه أنا وعطاء, فقلت: {رَبّنا إنّكَ مَنْ تُدْخِـلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ}؟ قال: وما إخزاؤه حين أحرقه بـالنار! وإن دون ذلك لـخزيا.
وأولـى القولـين بـالصواب عندي قول جابر: إن من أدخـل النار فقد أخزي بدخوله إياها, وإن أخرج منها. وذلك أن الـخزي إنـما هو هتك ستر الـمخزي وفضيحته, ومن عاقبه ربه فـي الاَخرة علـى ذنوبه, فقد فضحه بعقابه إياه, وذلك هو الـخزي.
وأما قوله: {وَمَا للظّالِـمِينَ مِنْ أنْصَارٍ} يقول: وما لـمن خالف أمر الله فعصاه من ذي نصرة له ينصره من الله فـيدفع عنه عقابه أو ينقذه من عذابه.
الآية : 193
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رّبّنَآ إِنّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبّكُمْ فَآمَنّا رَبّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفّرْ عَنّا سَيّئَاتِنَا وَتَوَفّنَا مَعَ الأبْرَارِ }.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل الـمنادي الذي ذكره الله تعالـى فـي هذه الاَية, فقال بعضهم: الـمنادي فـي هذا الـموضع القرآن. ذكر من قال ذلك:
6784ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا قبـيصة بن عقبة, حدثنا سفـيان, عن موسى بن عبـيدة, عن مـحمد بن كعب: {إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإيـمَانِ} قال: هو الكتاب, لـيس كلهم لقـي النبـي صلى الله عليه وسلم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا منصور بن حكيـم, عن خارجة, عن موسى بن عبـيدة, عن مـحمد بن كعب القرظي, فـي قوله: {رَبّنا إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإيـمَانِ} قال: لـيس كل الناس سمع النبـي صلى الله عليه وسلم, ولكن الـمنادي: القرآن.
وقال آخرون: بل هو مـحمد صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
6785ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: {إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإِيـمَانِ} قال: هو مـحمد صلى الله عليه وسلم.
6786ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {رَبّنا إنّنا سَمِعْنا مُناديا يُنادِي للإِيـمَانِ} قال: ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول مـحمد بن كعب, وهو أن يكون الـمنادي القرآن¹ لأن كثـيرا مـمن وصفهم الله بهذه الصفة فـي هذه الاَيات لـيسوا مـمن رأى النبـي صلى الله عليه وسلم ولا عاينه, فسمعوا دعاءه إلـى الله تبـارك وتعالـى ونداءه, ولكنه القرآن. وهو نظير قوله جلّ ثناؤه مخبرا عن الـجن إذ سمعوا كلام الله يتلـى علـيهم أنهم قالوا: {إنّا سَمِعْنا قُرْآنا عَجَبَـا يَهْدِي إلـى الرّشْدِ}. وبنـحو ذلك:
6787ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {رَبّنا إنّنَا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإِيَـمانِ} إلـى قوله: {وَتَوَفّنا مَعَ الأبْرَارِ} سمعوا دعوة من الله فأجابوها, فأحسنوا الإجابة فـيها, وصبروا علـيها, بنبئكم الله عن مؤمن الإنس كيف قال, وعن مؤمن الـجنّ كيف قال. فأما مؤمن الـجنّ, فقال: {إنّا سَمِعْنا قُرْآنا عَجَبـا يَهْدِي إلـى الرّشْدِ فَآمَنّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبّنا أحَد}¹ وأما مؤمن الإنس, فقال: {إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإِيـمَانِ أنْ آمِنُوا بِرَبّكُمْ فَآمَنّا رَبّنا فـاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَن}... الاَية.
وقـيـل: {إنّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي للإيـمَان} يعنـي: ينادي إلـى الإيـمان, كما قال تعالـى ذكره: {الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانا لِهَذَ} بـمعنى: هدانا إلـى هذا, وكما قال الراجز.
أوْحَى لها القَرَارَ فـاسْتَقَرّتِوَشَدّها بـالرّاسياتِ الثّبّتِ
بـمعنى: أوحى إلـيها, ومنه قوله: {بِأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَ}.
وقـيـل: يحتـمل أن يكون معناه: إننا سمعنا مناديا للإيـمان ينادي أن آمنوا بربكم.
فتأويـل الاَية إذا: ربنا سمعنا داعيا يدعو إلـى الإيـمان يقول إلـى التصديق بك, والإقرار بوحدانـيتك, واتبـاع رسولك وطاعته, فـيـما أمرنا به, ونهانا عنه, مـما جاء به من عندك فآمنا ربنا, يقول: فصدقنا بذلك يا ربنا, فـاغفر لنا ذنوبنا, يقول: فـاستر علـينا خطايانا, ولا تفضحنا بها فـي القـيامة علـى رءوس الأشهاد, بعقوبتك إيانا علـيها, ولكن كفرها عنا, وسيئات أعمالنا فـامـحها بفضلك ورحمتك إيانا, وتَوفنا مع الأبرار, يعنـي بذلك: واقبضنا إلـيك إذا قبضتنا إلـيك فـي عداد الأبرار, واحشرنا مـحشرهم ومعهم¹ والأبرار جمع برّ, وهم الذين بروا الله تبـارك وتعالـى بطاعتهم إياه وخدمتهم له, حتـى أرضوه فرضي عنهم.
الآية : 194
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتّنَا عَلَىَ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ }.
إن قال لنا قائل: وما وجه مسألة هؤلاء القوم ربهم أن يؤتـيهم ما وعدهم, وقد علـموا أن الله منـجز وعده, وغير جائز أن يكون منه إخلاف موعد؟ قـيـل: اختلف فـي ذلك أهل البحث, فقال بعضهم: ذلك قول خرج مخرج الـمسألة, ومعناه الـخبر, قالوا: وإنـما تأويـل الكلام: ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيـمان أن آمنوا بربكم فآمنا, ربنا فـاغفر لنا ذنوبنا, وكفر عنا سيئاتنا, وتوفنا مع الأبرار, لتؤتـينا ما وعدتنا علـى رسلك, ولا تـخزنا يوم القـيامة, قالوا: ولـيس ذلك علـى أنهم قالوا: إن توفـيتنا مع الأبرار فـانـجز لنا ما وعدتنا لأنهم قد علـموا أن الله لا يخـلف الـميعاد, وأن ما وعد علـى ألسنة رسله لـيس يعطيه بـالدعاء, ولكنه تفضل بإيتائه, ثم ينـجزه.
وقال آخرون: بل ذلك قول من قائله علـى معنى الـمسألة والدعاء لله, بأن يجعلهم مـمن آتاهم ما وعدهم من الكرامة علـى ألسن رسله, لا أنهم كانوا قد استـحقوا منزلة الكرامة عند الله فـي أنفسهم, ثم سألوه أن يؤتـيهم ما وعدهم بعد علـمهم بـاستـحقاقهم عند أنفسهم, فـيكون ذلك منهم مسألة لربهم أن لا يخـلف وعده, قالوا: ولو كان القوم إنـما سألوا ربهم أن يؤتـيهم ما وعد الأبرار, لكانوا قد زكوا أنفسهم, وشهدوا لها أنها مـمن قد استوجب كرامة الله وثوابه, قالوا: ولـيس ذلك صفة أهل الفضل من الـمؤمنـين.
وقال آخرون: بل قالوا هذا القول علـى وجه الـمسألة, والرغبة منهم إلـى الله أن يؤتـيهم ما وعدهم من النصر علـى أعدائهم من أهل الكفر, والظفر بهم, وإعلاء كلـمة الـحق علـى البـاطل, فـيعجل ذلك لهم, قالوا: ومـحال أن يكون القوم مع وصف الله إياهم بـما وصفهم به كانوا علـى غير يقـين من أن الله لا يخـلف الـميعاد, فـيرغبوا إلـى الله جل ثناؤه فـي ذلك, ولكنهم كانوا وعدوا النصر, ولـم يوقت لهم فـي تعجيـل ذلك لهم, لـما فـي تعجله من سرور الظفر وراحة الـجسد.
والذي هو أولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك عندي: أن هذه الصفة, صفة من هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من وطنه وداره, مفـارقا لأهل الشرك بـالله إلـى الله ورسوله, وغيرهم من تبـاع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رغبوا إلـى الله فـي تعجيـل نصرتهم علـى أعداء الله وأعدائهم, فقالوا: ربنا آتنا ما وعدتنا من نصرتك علـيهم عاجلاً, فإنك لا تـخـلف الـميعاد, ولكن لا صبر لنا علـى أناتك وحلـمك عنهم, فعجل حربهم, ولنا الظفر علـيهم. يدل علـى صحة ذلك آخر الاَية الأخرى, وهو قوله: {فـاسْتَـجابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أنّـي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فـالّذِينَ هاجَرُوا وأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وأُوذُوا فـي سَبِـيـلـي وَقاتَلُوا وَقُتِلُو}... الاَيات بعدها. ولـيس ذلك مـما ذهب إلـيه الذين حكيت قولهم فـي شيء, وذلك أنه غير موجود فـي كلام العرب أن يقال: افعل بنا يا رب كذا وكذا, بـمعنى: افعل بنا لكذا الذي ولو جاز ذلك, لـجاز أن يقول القائل لاَخر: أقبل إلـيّ وكلـمنـي, بـمعنى: أقبل إلـيّ لتكلـمنـي, وذلك غير موجود فـي الكلام, ولا معروف جوازه, وكذلك أيضا غير معروف فـي الكلام: آتنا ما وعدتنا, بـمعنى: اجعلنا مـمن آتـيته ذلك وإن كان كلّ من أعطى شيئا سنـيا فقد صير نظيرا لـمن كان مثله فـي الـمعنى الذي أعطيه, ولكن لـيس الظاهر من معنى الكلام ذلك, وإن كان قد يؤول معناه إلـيه.
فتأويـل الكلام إذًا: ربنا أعطنا ما وعدتنا علـى ألسن رسلك أنك تعلـى كلـمتك كلـمة الـحق, بتأيـيدنا علـى من كفر بك وحادّك وعبد غيرك, وعجّل لنا ذلك, فإنا قد علـمنا أنك لا تـخـلف ميعادك, ولا تـخزنا يوم القـيامة, فتفضحنا بذنوبنا التـي سلكت منا, ولكن كفّرها عنا واغفرها لنا. وقد:
6788ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: {رَبّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا علـى رُسُلِكَ} قال: يستنـجز موعود الله علـى رسله
الصفحة رقم 75 من المصحف تحميل و استماع mp3