تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 159 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 159

158

وكذلك سبق تفسير 68- "أبلغكم رسالات ربي" وتقدم معنى الناصح، والأمين المعروف بالأمانة.
وسبق أيضاً تفسير 69- "أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم" في قصة نوح التي قبل هذه القصة. قوله: "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح" أذكرهم نعمة من نعم الله عليهم، وهي أنه جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح: أي جعلهم سكان الأرض التي كانوا فيها، أو جعلهم ملوكاً، وإذ منصوب بأذكر وجعل الذكر للوقت. والمراد ما كان فيه من الاستخلاف على الأرض لقصد المبالغة، لأن الشيء إذا كان وقته مستحقاً للذكر، فهو مستحق له بالأولى "وزادكم في الخلق بسطة" أي طولاً في الخلق وعظم جسم زيادة على ما كان عليه آباؤهم في الأبدان. وقد ورد عن السلف حكايات عن عظم أجرام قوم عاد. قوله: "فاذكروا آلاء الله" الآلاء: جمع إلى ومن جملتها نعمة الاستخلاف في الأرض، والبسطة في الخلق وغير ذلك مما أنعم به عليهم، وكرر التذكير لزيادة التقرير، والآلاء النعم "لعلكم تفلحون" إن تذكرتم ذلك لأن الذكر للنعمة سبب باعث على شكرها، ومن شكر فقد أفلح.
قوله: 70- "قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده" هذا استنكار منهم لدعائه إلى عبادة الله وحده دون معبوداتهم التي جعلوها شركاء لله، وإنما كان هذا مستنكراً عندهم لأنهم وجدوا آباءهم على خلاف ما دعاهم إليه "ونذر ما كان يعبد آباؤنا" أي نترك الذي كانوا يعبدونه، وهذا داخل في جملة ما استنكروه. قوله: "فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين" هذا استعجال منهم للعذاب الذي كان هود يعدهم به، لشدة تمردهم على الله ونكوصهم عن طريق الحق وبعدهم عن اتباع الصواب.
فأجابهم بقوله: 71- "قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب" جعل ما هو متوقع كالواقع تنبيهاً على تحقق وقوعه، كما ذكره أئمة المعاني والبيان، وقيل معنى وقع وجب: والرجس العذاب، وقيل: هو هنا الرين على القلب بزيادة الكفر، ثم استنكر عليهم ما وقع منهم من المجادلة، فقال: "أتجادلونني في أسماء" يعني أسماء الأصنام التي كانوا يعبدونها جعلها أسماء، لأن مسمياتها لا حقيقة لها بل تسميتها بالآلهة باطلة فكأنها معدومة لم توجد بل الموجود أسماؤها فقط "سميتموها أنتم وآباؤكم" أي سميتم بها معبوداتكم من جهة أنفسكم أنتم وآباؤكم ولا حقيقة لذلك "ما نزل الله بها من سلطان" أي من حجة تحتجون بها على ما تدعونه لها من الدعاوى الباطلة ثم توعدهم بأشد وعيد فقال: "فانتظروا إني معكم من المنتظرين" أي فانتظروا ما طلبتموه من العذاب فإني معكم من المنتظرين له، وهو واقع بكم لا محالة ونازل عليكم بلا شك.
ثم أخبر الله سبحانه أنه نجى هوداً ومن معه من المؤمنين به من العذاب النازل بمن كفر به ولم يقبل رسالته، وأنه قطع دابر القوم المكذبين: أي استأصلهم جميعاً. وقد تقدم تحقيق معناه، وجملة 72- "وما كانوا مؤمنين" معطوفة على كذبوا: أي استأصلنا هؤلاء القوم الجامعين بين التكذيب بآياتنا وعدم الإيمان. وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "وإلى عاد أخاهم هوداً" قال: ليس بأخيهم في الدين ولكنه أخوهم في النسب لأنه منهم فلذلك جعل أخاهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن خيثم قال: كانت عاد ما بين اليمن إلى الشام مثل الذر. وأخرج ابن عساكر عن وهب قال: كان الرجل من عاد ستين ذراعاً بذراعهم، وكان هامة الرجل مثل القبة العظيمة، وكان عين الرجل لتفرخ فيها السباع، وكذلك مناخرهم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر ذراعاً طولاً. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس قال: كان الرجل منهم ثمانون ذراعاً، وكانت البرة فيهم ككلية البقرة، والرمانة الواحدة يقعد في قشرها عشرة نفر. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه "وزادكم في الخلق بسطة" قال: شدة. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراع من الحجارة لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يقلوه، وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "آلاء الله" قال: نعم الله، وفي قوله: "رجس" قال: سخط. وأخرج ابن عساكر قال: لما أرسل الله الريح على عاد اعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلين عليه الجلود وتلتذ به الأنفس، وإنها لتمر بالعادي فتحمله بين السماء والأرض وتدمغه بالحجارة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: "وقطعنا دابر الذين كذبوا" قال: استأصلناهم. وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن عساكر عن علي بن أبي طالب قال: قبر هود بحضرموت في كثيب أحمر عند رأسه سدرة. وأخرج ابن عساكر عن عثمان بن أبي العاتكة قال: قبلة مسجد دمشق قبر هود. وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال: كان عمر هود أربعمائة سنة واثنتين وسبعين سنة.
قوله: 73- "وإلى ثمود أخاهم صالحاً" معطوف على ما تقدم: أي وأرسلنا إلى ثمود أخاهم، وثمود قبيلة سموا باسم أبيهم، وهو ثمود بن عاد بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وصالح عطف بيان، وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود، وامتناع ثمود من الصرف لأنه جعل اسماً للقبيلة. وقال أبو حاتم: لم ينصرف لأنه أعجمي. قال النحاس: وهو غلط لأنه من الثمد، وهو الماء القليل، وقد قرأ القراء " ألا إن ثمود كفروا ربهم " على أنه اسم للحي، وكانت مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى. قوله: "قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره" قد تقدم تفسيره في قصة نوح "قد جاءتكم بينة من ربكم" أي معجزة ظاهرة، وهي إخراج الناقة من الحجر الصلد، وجملة "هذه ناقة الله لكم آية" مشتملة على بيان البينة المذكورة وانتصاب آية على الحال، والعامل فيها معنى الإشارة، وفي إضافة الناقة إلى الله تشريف لها وتكريم. قوله: "فذروها تأكل في أرض الله" أي دعوها تأكل في أرض الله، فهي ناقة الله، والأرض أرضه فلا تمنعوها مما ليس لكم ولا تملكونه "ولا تمسوها" بشيء من السوء: أي لا تتعرضوا لها بوجه من الوجوه التي تسوءها. قوله: "فيأخذكم عذاب أليم" هو جواب النهي: أي إذا لم تتركوا مسها بشيء من السوء أخذكم عذاب أليم: أي شديد الألم.