تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 247 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 247

246

97- "قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين" طلبوا منه أن يستغفر لهم، واعترفوا بالذنب، وفي الكلام حذف، والتقدير: ولما رجعوا من مصر ووصلوا إلى أبيهم قالوا هذا القول، فوعدهم بما طلبوه منه.
98- "قال سوف أستغفر لكم ربي" قال الزجاج: أراد يعقوب أن يستغفر لهم في وقت السحر، لأنه أخلق بإجابة الدعاء، لا أنه بخل عليهم بالاستغفار، وقيل أخره إلى ليلة الجمعة، وقيل أخره إلى أن يستحل لهم من يوسف، ولم يعلم أنه قد عفا عنهم، وجملة "إنه هو الغفور الرحيم" تعليل لما قبله. وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله: "لا تثريب" قال: لا تعيير. وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال "لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة التفت إلى الناس فقال: ماذا تقولون وماذا تظنون؟ فقالوا ابن عم كريم ، فقال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم" وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعاً نحوه. وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء الخرساني قال: طلب الحوائج إلى الشباب أسل منها عند الشيوخ: ألم تر إلى قول يوسف لا تثريب عليكم اليوم؟. وقال يعقوب: "سوف أستغفر لكم ربي". أقول: وفي هذا الكلام نظر فإنهم طلبوا من يوسف أن يعفو عنهم بقولهم: لقد آثرك الله علينا، فقال: لا تثريب عليكم اليوم، لأن مقصودهم صدور العفو منه عنهم، وطلبوا من أبيهم يعقوب أن يستغفر الله لهم وهو لا يكون إلا بطلب ذلك منه إلى الله عز وجل، وبين المقامين فرق، فلم يكن وعد يعقوب لهم بخلاً عليهم بسؤال الله لهم، ولا سيما إذا صح ما تقدم من أنه أخر ذلك إلى وقت الإجابة، فإنه لو طلبه لهم في الحال لم يحصل له علم بالقبول. وأخرج الحكيم الترمذي وأبو الشيخ عن وهب بن منبه قال: لما كان من أمر إخوة يوسف ما كان، كتب يعقوب إلى يوسف وهو لا يعلم أنه يوسف: بسم الله الرحمن الرحيم، من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم إلى عزيز آل فرعون، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإنا أهل بيت مولع بنا أسباب البلاء. كان جدي إبراهيم خليل الله ألقي في النار في طاعة ربه، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً، وأمر الله جدي أن يذبح له أبي ففداه الله بما فداه، وكان لي ابن وكان من أحب الناس إلي ففقدته، فأذهب حزني عليه نور بصري، وكان له أخ من أمه كنت إذا ذكرته ضممته إلى صدري فأذهب عني بعض وجدي، وهو المحبوس عندك في السرقة، وإني أخبرك أني إسرق، ولم ألد سارقاً، فلما قرأ يوسف الكتاب بكى وصاح وقال: " اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا "، وأخرج أبو الشيخ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله:" اذهبوا بقميصي هذا " أن نمرود لما ألقى إبراهيم في النار نزل إليه جبريل بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة. فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة. وقعد معه يتحدث. فأوحى الله إلى النار "كوني برداً وسلاماً". ولولا أنه قال وسلاماً لأذاه البرد. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس مرفوعاً إن الله كسا إبراهيم ثوباً من الجنة، فكساه إبراهيم إسحاق، وكساه إسحاق يعقوب، فأخذه يعقوب فجعله في قصبة من حديد وعلقه في عنق يوسف، ولو علم إخوته إذ ألقوه في الجب لأخذوه، فلما أراد الله أن يرد يوسف على يعقوب. كان بين رؤياه وتعبيره أربعون سنة أمر البشير أن يبشره من ثمان مراحل، فوجد يعقوب ريحه فقال:"إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون". فلما ألقاه على وجهه ارتد بصيراً، وليس يقع شيء من الجنة على عاهة من عاهات الدنيا إلا أبرأها بإذن الله. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "ولما فصلت العير" قال: لما خرجت العير هاجت الريح، فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال: "إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون" تسفهون. فوجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال:وجد ريحه من مسيرة عشرة أيام. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عنه قال: وجده من مسيرة ثمانين فرسخاً. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضاً: "لولا أن تفندون" قال تجهلون. وأخرج ابن جرير عنه أيضا: قال تكذبون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: تهرمون، يقولون قد ذهب عقلك. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع قال: " لولا أن تفندون ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "إنك لفي ضلالك القديم" يقول: خطئك القديم. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير قال: جنونك القديم. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: حبك القديم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: البشير البريد. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الضحاك مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سفيان قال: البشير هو يهوذا بن يعقوب. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: لما أن جاء البشير إلى يعقوب فألقى عليه القميص قال: على أي دين خلفت يوسف؟ قال: على الإسلام. قال، الآن تمت النعمة. وأخرج ابو عبيد وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله: "سوف أستغفر لكم ربي" قال: إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: أخرهم إلى السحر. وكان يصلي بالسحر. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عنه قال: أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجاب. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضاً قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة: "هو قول أخي يعقوب لبنيه: سوف أستغفر لكم ربي، يقول حتى تأتي ليلة الجمعة".
قوله: 99- "فلما دخلوا على يوسف" لعل في الكلام محذوفاً مقدراً، وهو فرحل يعقوب وأولاده وأهله إلى مصر فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه: أي ضمهما وأنزلهما عنده. قال المفسرون: المراد بالأبوين هنا يعقوب وزوجته خالة يوسف، لأن أمه قد كانت ماتت في ولادتها لأخيه بنيامين كما تقدم، وقيل أحيا الله له أمه تحقيقاً للرؤيا حتى سجدت له "وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" مما تكرهون، وقد كانوا فيما مضى يخافون ملوك مصر، ولا يدخلونها إلا بجواز منهم. قيل والتقييد بالمشيئة عائد إلى الأمن، ولا مانع من عوده إلى الجميع، لأن دخولهم لا يكون إلا بمشيئة الله سبحانه، كما أنهم لا يكونون آمنين إلا بمشيئته، وقيل إن التقييد بالمشيئة راجع إلى قوله: "سوف أستغفر لكم ربي" وهو بعيد. وظاهر النظم القرآني: أن يوسف قال لهم هذه المقالة: أي ادخلوا مصر قبل دخولهم، وقد قيل في توجيه ذلك أنه تلقاهم إلى خارج مصر، فوقف منتظراً لهم في مكان أو خيمة، فدخلوا عليه ف" آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر " فلما دخلوا مصر ودخلوا عليه دخولاً أخر في المكان الذي له بمصر.
100- "رفع أبويه على العرش" أي أجلسهما معه على السرير الذي يجلس عليه كما هو عادة الملوك "وخروا له سجداً" أي الأبوان والأخوة، والمعنى: أنهم خروا ليوسف سجداً، وكان ذلك جائزاً في شريعتهم منزلاً منزلة التحية، وقيل لمن يكن ذلك سجوداً بل هو مجرد إيماء، وكانت تلك تحيتهم، وهو يخالف معنى: وخروا له سجداً، فإن الخرور في اللغة المقيد بالسجود لا يكون إلا بوضع الوجه على الأرض، وقيل الضمير في قوله له راجع إلى الله سبحانه أي وخروا لله سجداً، وهو بعيد جداً، وقيل إن الضمير ليوسف، واللام للتعليل: أي وخروا لأجله، وفيه أيضاً بعد وقال يوسف "يا أبت هذا تأويل رؤياي" يعني التي تقدم ذكرها "من قبل"أي من قبل هذا الوقت "قد جعلها ربي حقاً" بوقوع تأويلها على ما دلت عليه "وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن"الأصل أن يتعدى فعل الإحسان بإلى، وقد يتعدى بالباء كما في قوله تعالى: "وبالوالدين إحساناً" وقيل إنه ضمن أحسن معنى لطف بي محسناً، ولم يذكر إخراجه من الجب، لأن في ذكره نوع تثريب للإخوة، وقد قال: لا تثريب عليكم، وقد تقدم سبب سجنه ومدة بقائه فيه، وقد قيل إن وجه عدم ذكر إخراجه من الجب أن المنة كانت في إخراجه من السجن أكبر من المنة في إخراجه من الجب، وفيه نظر "وجاء بكم من البدو" أي البادية، وهي أرض كنعان بالشام، وكانوا أهل مواش وبرية، وقيل إن الله لم يبعث نبياً من البادية، وأن المكان الذي كان فيه يعقوب يقال له بداً، وإياه عنى جميل بقوله: وأنت الذي حببت شعباً إلى بدا إلي وأوطاني بلاد سواهما وفيه نظر " من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي " أي أفسد بيننا وحمل بعضنا على بعض، يقال نزغه إذا نخسه، فأصله من نخس الدابة ليقوى مشيها، وأحال يوسف ذنب إخوته على الشيطان تكرماً منه وتأدباً "إن ربي لطيف لما يشاء" اللطيف الرفيق، قال الأزهري: اللطيف من أسماء الله تعالى معناه الرفيق بعباده، يقال لطف فلان بفلان يلطف: إذا رفق به، وقال عمرو بن أبي عمرو: اللطيف الذي يوصل إليك أربك في لطف. قال الخطابي اللطيف هو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون وقيل اللطيف العالم بدقائق الأمور، ومعنى لما يشاء:لأجل ما يشاء حتى يجيء على وجه الصواب " إنه هو العليم الحكيم " أي العليم بالأمور الحكيم في أفعاله. ولما أتم الله نعمته على يوسف عليه السلام بما خلصه منه من المحن العظيمة وبما خوله من الملك وعلمه من العلم، تاقت نفسه إلى الخير الأخروي الدائم الذي لا ينقطع.
فقال:101- "رب قد آتيتني من الملك" من للتبعيض: أي بعض الملك، لأنه لم يؤت كل الملك، إنما أوتي ملكاً خاصاً، وهو ملك مصر في زمن خاص "وعلمتني من تأويل الأحاديث" أي بعضها، لأنه لم يؤت جميع علم التأويل سواء أريد به مطلق العلم والفهم، أو مجرد تأويل الرؤيا، وقيل من للجنس كما في قوله: "فاجتنبوا الرجس من الأوثان" وقيل زائدة: أي آتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث "فاطر السماوات والأرض" منتصب على أنه صفة لرب، لكونه منادى مضافاً، ويجوز أن يكون انتصابه على أنه منادى بحرف مقدر: أي يا فاطر، والفاطر الخالق والمنشيء والمخترع والمبدع "أنت وليي" أي ناصري ومتولي أموري " في الدنيا والآخرة " تتوالاني فيهما "توفني مسلماً وألحقني بالصالحين" أي توفني على الإسلام لا يفارقني حتى أموت، وألحق بالصالحين من النبيين من آبائي وغيرهم فأظفر بثوابهم منك ودرجاتهم عندك. قيل إنه لما دعا بهذا الدعاء توفاه الله عز وجل، قيل كان عمره عند أن ألقي في الجب سبع عشرة سنة، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة إلى قدوم إبيه يعقوب عليه، ثم عاش بعد اجتماع شملهم حتى كمل عمره المقدار الذي سيأتي وتوفاه الله. قيل لم يتمن الموت أحد غير يوسف لا نبي ولا غيره. وذهب الجمهور إلى أنه لم يتمن الموت بهذا الدعاء، وإنما دعا ربه أن يتوفاه على الإسلام ويلحقه بالصالحن من عباده عند حضور أجله. وقد أخرج أبو الشيخ عن أبي هريره قال: دخل يعقوب مصر في ملك يوسف وهو ابن ماءة وثلاثين سنة، وعاش في ملكه ثلاثين سنة، ومات يوسف وهو ابن مائة وعشرين. قال أبو هريرة: وبلغني أنه كان عمر إبراهيم خليل الله مائة وخمسة وتسعين سنة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله:" آوى إليه أبويه " قال: أبوه وأمه ضمهما. وأخرجا عن وهب قال وخالته، وكانت توفيت أم يوسف في نفاس أخيه بنيامين وأخرج أبو الشيخ نحوه عن سفيان بن عيينة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ورفع أبويه على العرش" قال: السرير، وأخرج ابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم في قوله: "وخروا له سجداً" قال: كانت تحية من كان قبلكم فأعطاكم الله السلام مكانها. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد قال: ذلك سجود تشرفة كما سجدت الملائكة تشرفة لأدم، وليس سجود عبادة. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله: "إن ربي لطيف لما يشاء" قال: لطيف ليوسف وصنع له حين أخرجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع من قلبه نزغ الشيطان وتحريشه على إخوته. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ما سأل نبي الوفاة غير يوسف. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عنه قال: اشتاق إلى لقاء الله وأحب أن يلحق به وبأبائه. فدعا الله أن يتوفاه، وأن يلحقه بهم وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله "وألحقني بالصالحين" قال: يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: يعني أهل الجنة.
الخطاب بقوله:102- "ذلك" لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ خبره "من أنباء الغيب"، و"نوحيه إليك" خبر ثان. قال الزجاج: ويجوز أن يكون ذلك بمعنى الذي ونوحيه إليك خبره: أي الذي من أنباء الغيب نوحيه إليك. والمعنى: الإخبار من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن هذا الذي قصه عليه من أمر يوسف وإخوته من الأخبار التي كانت غائبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوحاه الله إليه وأعلمه به ولم يكن عنده قبل الوحي شيء من ذلك، وفيه تعريض بكفار قريش، لأنهم كانوا مكذبين له صلى الله عليه وسلم بما جاء به جحوداً وعناداً وحسداً مع كونهم يعلمون حقيقة الحال "وما كنت لديهم" أي لدى إخوة يوسف "إذ أجمعوا أمرهم" إجماع الأمر: العزم عليه: أي وما كنت لدى إخوة يوسف إذ عزموا جميعاً على إلقائه في الجب "وهم" في تلك الحالة "يمكرون" به: أي بيوسف في هذا الفعل الذي فعلوه به ويبغونه الغوائل- وقيل الضمير ليعقوب:أي يمكرون بيعقوب حين جاءوا بقميص يوسف ملطخاً بالدم وقالوا أكله الذئب.وإذا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لديهم عند أن فعلوا ذلك، انتفى علمه بذلك مشاهدة، ولم يكن بين قوم لهم علم بأحوال الأمم السالفة ولا خالطهم ولا خالطوه، فانتفى علمه بذلك بطريق الرواية عن الغير، فلم يبق لعلمه بذلك طريق إلا مجرد الوحي من الله سبحانه، فهذا يستلزم الإيمان بما جاء به، فلما لم يؤمن بذلك من عاصره من الكفار.
قال الله سبحانه ذاكراً لهذا103- "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" أي وما أكثر الناس المعاصرين لك يا محمد، أو ما أكثر الناس على العموم ولو حرصت على هدايتهم وبالغت في ذلك بمؤمنين بالله لتصميمهم على الكفر الذي هو دين آبائهم، يقال حرص يحرص مثل ضرب يضرب، وفي لغة ضعيفة حرص يحرص مثل حمد يحمد، والحرص طلب الشيء باجتهاد. قال الزجاج ومعناه وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت على أن تهديهم، لأنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء. قال ابن الأنباري: إن قريشاً واليهود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف وإخوته فشرحهما شرحاً شافياً، وهو يؤمل أن يكون ذلك سبباً لإسلامهم، فخالفوا ظنه، وحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك فعزاه الله بقوله: "وما أكثر الناس".