تفسير الطبري تفسير الصفحة 247 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 247
248
246
 الآية : 96
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّآ أَن جَآءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىَ وَجْهِهِ فَارْتَدّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لّكُمْ إِنّيَ أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما أن جاء يعقوبَ البشيرُ من عند ابنه يوسف, وهو الـمبشر برسالة يوسف, وذلك بريد فـيـما ذكر كان يوسف يردّه إلـيه, وكان البريد فـيـما ذكر والبشير يهوذا بن يعقوب أخا يوسف لأبـيه. ذكر من قال ذلك:
15180ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ ألْقاهُ علـى وَجْهِهِ يقول: البشير: البريد.
15181ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر عن الضحاك: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: البريد.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا مـحمد بن يزيد الواسطي, عن جويبر, عن الضحاك: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: البريد.
15182ـ قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: يهوذا بن يعقوب.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: البَشِيرُ قال: يهوذا بن يعقوب.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: يهوذا بن يعقوب.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: هو يهوذا بن يعقوب.
15183ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: يهوذا بن يعقوب كان البشير.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبـير, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن مـجاهد: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: هو يهوذا بن يعقوب.
قال سفـيان: وكان ابن مسعود يقرأ: وجاء البشير من بـين يدي العير.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: البريد هو يهوذا بن يعقوب.
15184ـ قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: قال يوسف: اذْهَبُوا بقَمِيصِي هَذَا فألْقُوهُ علـى وَجْهِ أبـي يَأْتِ بَصِيرا وأْتُونِـي بأهْلِكُمْ أجمَعِينَ قال يهوذا: أنا ذهبت بـالقميص ملطخا بـالدم إلـى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب, وأنا أذهب الـيوم بـالقميص وأخبره أنه حيّ فأفرّحه كما أحزنته. فهو كان البشير.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: البريد.
وكان بعض أهل العربـية من أهل الكوفة يقول: «أن» فـي قوله: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ وسقوطها بـمعنى واحد, وكان يقول هذا فـي «لـما» و «حتـى» خاصة, ويذكر أن العرب تدخـلها فـيهما أحيانا وتسقطها أحيانا, كما قال جلّ ثناؤه: ولَـمّا أنْ جاءَتْ رُسُلُنا, وقال فـي موضع آخر: ولَـمّا جاءَتْ رُسُلُنا وقال: هي صلة لا موضع لها فـي هذين الـموضعين, يقال: حتـى كان كذا وكذا, وحتـى أن كان كذا وكذا.
وقوله: ألْقاهُ علـى وَجْههِ يقول: ألقـى البشير قميص يوسف علـى وجه يعقوب. كما:
15185ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ ألقـى القميص علـى وجهه.
وقوله: فـارْدَتدّ بَصِيرا يقول: رجع وعاد مبصرا بعينـيه بعد ما قد عمي. قالَ أَلـمْ أقُلْ لَكُمْ إنّـي أعْلَـمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعْلَـمُونَ يقول عزّ وجلّ: قال يعقوب لـمن كان بحضرته حينئذٍ من ولده: ألـم أقل لكم يا بنـيّ إنى أعلـم من الله أنه سيردّ علـيّ يوسف, ويجمع بـينـي وبـينه, وكنتـم لا تعلـمون أنتـم من ذلك ما كنت أعلـمه, لأن رؤيا يوسف كانت صادقة, وكان الله قد قضى أن أخِرّ أنا وأنتـم له سجودا, فكنت موقنا بقضائه.
الآية : 97-98
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ يَأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنّا كُنّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّيَ إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ }.
يقول تعالـى ذكره: قال ولد يعقوب الذين كانوا فرّقوا بـينه وبـين يوسف: يا أبـانا سل لنا ربك يعف عنا ويستر علـينا ذنوبنا التـي أذنبناها فـيك وفـي يوسف فلا يعاقبنا بها فـي القـيامة إنّا كُنّا خاطِئِينَ فـيـما فعلنا به, فقد اعترفنا بذنوبنا. قال: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي يقول جل ثناؤه: قال يعقوب: سوف أسأل ربـي أن يعفو عنكم ذنوبكم التـي أذنبتـموها فـيّ وفـى يوسف.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الوقت الذي أخر الدعاء إلـيه يعقوب لولده بـالاستغفـار لهم من ذنبهم, فقال بعضهم: أخر ذلك إلـى السحر. ذكر من قال ذلك:
15186ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت عبد الرحمن بن إسحاق, يذكر, عن مـحارب ابن دثار, قال: كان عمّ لـي يأتـي الـمسجد, فسمع إنسانا يقول: اللهمّ دعوتنـي فأجبت وأمرتنـي فأطعت, وهذا سَحَرٌ, فـاغفر لـي قال: فـاستـمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود, فسأل عبد الله عن ذلك, فقال: إن يعقوب أخّر بنـيه إلـى السحر بقوله: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي.
15187ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن عبد الرحمن بن إسحاق, عن مـحارب بن دثار, عن عبد الله بن مسعود: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي قال: أخرهم إلـى السحر.
15188ـ قال: حدثنا أبو سفـيان الـحميريّ, عن العوام, عن إبراهيـم التـيـميّ فـي قول يعقوب لبنـيه: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي قال: أخرهم إلـى السّحر.
15189ـ قال: حدثنا عمرو, عن خلاد الصّفّـار, عن عمرو بن قـيس: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي قال: فـي صلاة اللـيـل.
15190ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي قال: أخرّ ذلك إلـى السّحرَ.
وقال آخرون: أخّر ذلك إلـى لـيـلة الـجمعة. ذكر من قال ذلك:
15191ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سلـيـمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقـي, قال: حدثنا الولـيد, قال: أخبرنا ابن جُريج, عن عطاء وعكرمة, عن ابن عبـاس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي يقول: «حَتّـى تَأُتِـيَ لَـيْـلَةُ الـجُمُعَةِ. وهو قَوْلُ أخي يَعْقُوبَ لبَنِـيهِ».
حدثنا أحمد بن الـحسن الترمذي, قال: حدثنا سلـيـمان بن عبد الرحمن الدمشقـيّ, قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم, قال: أخبرنا ابن جريج, عن عطاء وعكرمة مولـى ابن عبـاس, عن ابن عبـاس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَدْ قالَ أخِي يَعْقُوبُ سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي, يَقُولُ: حتـى تَأْتـيَ لَـيْـلَةُ الـجُمُعَة».
وقوله: إنّهُ هُوَ الغَفُورُ الرّحِيـمُ يقول: إن ربّـي هو الساتر علـى ذنوب التائبـين إلـيه من ذنوبهم الرحيـم بهم أن يعذّبهم بعد توبتهم منها.
الآية : 99-100
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا دَخَلُواْ عَلَىَ يُوسُفَ آوَىَ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرّواْ لَهُ سُجّدَاً وَقَالَ يَأَبَتِ هَـَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيَ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نّزغَ الشّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيَ إِنّ رَبّي لَطِيفٌ لّمَا يَشَآءُ إِنّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }.
يقول جلّ ثناؤه: فلـما دخـل يعقوبُ وولده وأهلوهم علـى يوسف آوَى إلَـيْهِ أبَوَيْهِ يقول: ضمّ إلـيه أبويه, فقال لهم: ادْخُـلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللّهُ آمِنِـينَ.
فإن قال قائل: وكيف قال لهم يوسف: ادْخُـلُوا مِصْر إنْ شاءَ اللّهُ آمِنِـينَ بعد ما دخـلوها, وقد أخبر الله عزّ وجلّ عنهم أنهم لـما دخولها علـى يوسف وضمّ إلـيه أبويه قال لهم هذا القول؟ قـيـل: قد اختلف أهل التأويـل فـي ذلك فقال بعضهم: إن يعقوب إنـما دخـل علـى يوسف هو وولده, وآوى يوسف أبويه إلـيه قبل دخول مصر, قالوا: وذلك أن يوسف تلقـى أبـاه تكرمة له قبل أن يدخـل مصر, فآواه إلـيه, ثم قال له ولـمن معه: ادْخُـلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللّهُ آمِنِـينَ بها قبل الدخول. ذكر من قال ذلك:
15192ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: فحملوا إلـيه أهلهم وعيالهم, فلـما بلغوا مصر كلـم يوسف الـملك الذي فوقه, فخرج هو والـملوك يتلقونهم, فلـما بلغوا مصر قال ادْخُـلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللّهُ آمِنِـينَ فَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أبَوَيْهِ.
15193ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان, عن فرقد السبخيّ, قال: لـما ألقـي القميص علـى وجهه ارتدّ بصيرا, وقال: ائتونـي بأهلكم أجميعن فحُمل يعقوب وإخوة يوسف فلـما دنا أُخبر يوسف أنه قد دنا منه, فخرج يتلقاه. قال: وركب معه أهل مصر, وكانوا يعظمونه فلـما دنا أحدهما من صاحبه, وكان يعقوب يـمشي وهو يتوكأ علـى رَجل من ولده يقال له يهوذا, قال: فنظر يعقوب إلـى الـخيـل والناس, فقال: يا يهوذا هذا فرعون مصر؟ قال: لا, هذا ابنك. قال: فلـما دنا كل واحد منهما من صاحبه, فذهب يوسف يبدؤه بـالسلام, فمنع من ذلك, وكان يعقوب أحقّ بذلك منه وأفضل, فقال: السلام علـيك يا ذاهب الأحزان عنـي, هكذا قال: «يا ذاهب الأحزان عنـي».
15194ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: قال حجاج: بلغنـي أن يوسف والـملك خرجا فـي أربعة آلاف يستقبلون يعقوب وبنـيه.
قال: وحدثنـي من سمع جعفر بن سلـيـمان يحكي, عن فرقد السبخيّ, قال: خرج يوسف يتلقـى يعقوب وركب أهل مصر مع يوسف, ثم ذكر بقـية الـحديث, نـحو حديث الـحارث, عن عبد العزيز.
وقال آخرون: بل قوله: إنْ شاءَ اللّهُ استثناء من قول يعقوب لبنـيه أسْتَغفِرُ لَكُمْ رَبّـي قال: وهو من الـمؤخر الذي معناه التقديـم, قالوا: وإنـما معنى الكلام: قال: أستغفر لكم ربـي إن شاء الله إنه هو الغفور الرحيـم. فَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أبَوَيْهِ وقالَ ادْخـلوا مصْر ورفع أبويه. ذكر من قال ذلك:
15195ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: قالَ سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي إن شاء الله آمنـين. وبـين ذلك ما بـينه من تقديـم القرآن.
يعنـي ابن جريج: «وبـين ذلك ما بـينه من تقديـم القرآن» أنه قد دخـل بـين قوله: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي وبـين قوله: إنْ شاءَ اللّهُ من الكلام ما قد دخـل, وموضعه عنده أن يكون عقـيب قوله: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما قاله السّديّ, وهو أن يوسف قال ذلك لأبويه ومن معهما من أولادهما وأهالـيهم قبل دخولهم مصر حين تلقاهم, لأن ذلك فـي ظاهر التنزيـل كذلك, فلا دلالة تدلّ علـى صحة ما قال ابن جريج, ولا وجه لتقديـم شيء من كتاب الله عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلا بحجة واضحة.
وقـيـل: عُنِـي بقوله: آوَى إلَـيْهِ أبَوَيْهِ: أبوه وخالته. وقال الذين قالوا هذا القول: كانت أمّ يوسف قد ماتت قبلُ. وإنـما كانت عند يعقوب يومئذٍ خالته أخت أمه, كان نكحها بعد أمه. ذكر من قال ذلك:
15196ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: فَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أبَوَيْهِ قال: أبوه وخالته.
وقال آخرون: بل كان أبـاه وأمه. ذكر من قال ذلك:
15197ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: فَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أبَوَيْهِ قال: أبـاه وأمه.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب ما قاله ابن إسحاق لأن ذلك هو الأغلب فـي استعمال الناس والـمتعارف بـينهم فـي «أبوين», إلا أن يصحّ ما يقال من أن أم يوسف كانت قد ماتت قبل ذلك بحجة يجب التسلـيـم لها, فـيسلّـم حينئذٍ لها.
وقوله: وَقالَ ادْخُـلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللّهُ آمِنِـينَ مـما كنتـم فـيه فـي بـاديتكم من الـجدب والقحط.
وقوله: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ يعنـي: علـى السرير. كما:
15198ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ قال: السرير.
15199ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا مـحمد بن يزيد الواسطيّ, عن جويبر, عن الضحاك, قال: العرش: السرير.
15200ـ قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ قال: السرير.
حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد, وحدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
15201ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ قال: سريره.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: عَلـى العَرْشِ قال: علـى السرير.
15202ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ يقول: رفع أبويه علـى السرير.
15203ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: قال سفـيان: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ قال: علـى السرير.
15204ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ قال: مـجلسه.
15205ـ حدثنـي ابن عبد الرحيـم البرقـيّ, قال: حدثنا عمرو بن أبـي سلـمة, قال: سألت زيد بن أسلـم, عن قول الله تعالـى: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ فقلت: أبلغك أنها خالته, قال: قال ذلك بعض أهل العلـم, يقولون: إن أمه ماتت قبل ذلك وإن هذه خالته.
وقوله: وخَرّوا لَهُ سُجّدا يقول: وخرّ يعقوبُ وولده وأمه لـيوسف سجدا.
15206ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وخَرّوا لَهُ سُجّدا يقول: رفع أبويه علـى السرير, وسجدا له, وسجد له إخوته.
15207ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: تَـحَمّلَ يعنـي يعقوب بأهله حتـى قدموا علـى يوسف فلـما اجتـمع إلـى يعقوب بنوه دخـلوا علـى يوسف فلـما رأوه وقعوا له سجودا, وكانت تلك تـحية الـملوك فـي ذلك الزمان أبوه وأمه وإخوته.
15208ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَخَرّوا لَهُ سُجّدا وكانت تـحية من قبلكم, كان بها يحيـيّ بعضهم بعضا, فأعطى الله هذه الأمة السلام, تـحية أهل الـجنة, كرامة من الله تبـارك وتعالـى عَجّلَها لهم ونعمة منه.
15209ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَخَرّوا لَهُ سُجّدا قال: وكانت تـحية الناس يومئذٍ أن يسجد بعضهم لبعض.
15210ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو إسحاق, قال: قال سفـيان: وَخَرّوا لَهُ سُجّدا قال: كانت تـحية فـيهم.
15211ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: وَخَرّوا لَهُ سُجّدا أبواه وإخوته, كانت تلك تـحيتهم كما تصنع ناس الـيوم.
15212ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـيّ, عن جويبر, عن الضحاك: وَخَرّوا لَهُ سُجّدا قال: تـحية بـينهم.
15213ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَخَرّوا لَهُ سُجّدا قال: قال ذلك السجود تشرفه, كما سجدت الـملائكة لاَدم تشرفة لـيس بسجود عبـادة.
وإنـما عنى من ذكر بقوله: إن السجود كان تـحية بـينهم, أن ذلك كان منهم علـى الـخُـلُق لا علـى وجه العبـادة من بعضهم لبعض. ومـما يدلّ علـى أن ذلك لـم يزل من أخلاق الناس قديـما علـى غير وجه العبـادة من بعضهم لبعض, قول أعشى بنـي ثعلبة:
فَلَـمّا أتانا بُعَيْدَ الكَرَىسَجَدْنا لَهُ وَرَفَعْنا العَمَارَا
وقوله: يا أبَتِ هَذَا تَأْوِيـلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبّـي حَقّا يقول جلّ ثناؤه: قال يوسف لأبـيه: يا أبت هذا السجود الذي سجدت أنت وأمي وإخوتـي لـي تَأْوِيـلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ يقول: ما آلت إلـيه رؤياي التـي كنت رأيتها. وهي رؤياه التـي كان رآها قبل صنـيع إخوته ما صنعوا, أن أحد عشر كوكبـا والشمس والقمر له ساجدون. قَدْ جَعَلَها رَبّـي حَقّا يقول: قد حققها ربـي لـمـجيء تأويـلها علـى الصحة.
وقد اختلف أهل العلـم فـي قدر الـمدّة التـي كانت بـين رؤيا يوسف وبـين تأويـلها فقال بعضهم: كانت مدة ذلك أربعين سنة. ذكر من قال ذلك:
15214ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, عن أبـيه, قال: حدثنا أبو عثمان, عن سلـمان الفـارسيّ, قال: كان بـين رؤيا يوسف إلـى أن رأى تأويـلها أربعون سنة.
15215ـ حدثنـي يعقوب بن برهان ويعقوب بن إبراهيـم, قالا: حدثنا ابن عُلـيَة, قال: حدثنا سلـيـمان التـيـميّ, عن أبـي عثمان النهديّ, قال: قال عثمان: كانت بـين رؤيا يوسف وبـين أن رأى تأويـله, قال: فذكر أربعين سنة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن التـيـميّ, عن أبـي عثمان, عن سلـمان, قال: كان بـين رؤيا يوسف وتأويـلها أربعون سنة.
15216ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي سنان, عن عبد الله بن شدّاد, قال: رأى تأويـل رؤياه بعد أربعين عاما.
قال: حدثنا سفـيان, عن سلـيـمان التـيـمي, عن أبـي عثمان, عن سلـمان, مثله.
15217ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن ضرار, عن عبد الله بن شداد أنه سمع قوما يتنازعون فـي رؤيا رآها بعضهم وهو يصلـي, فلـما انصرف سألهم عنها, فكتـموه فقال: أما إنه جاء تأويـل رؤيا يوسف بعد أربعين عاما.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن ضرار بن مرّة أبـي سنان, عن عبد الله بن شدّاد, قال: كان بـين رؤيا يوسف وتأويـلها أربعون سنة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل وجرير, عن أبـي سنان, قال: سمعت عبد الله بن شدّاد قوما يتنازعون فـي رؤيا, فذكر نـحو حديث أبـي السائب, عن ابن فُضَيـل.
حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن سلـيـمان التـيـمي, عن أبـي عثمان, عن سلـمان, قال: رأى تأويـل رؤياه بعد أربعين عاما.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن أبـي سنان, عن عبد الله بن شداد, قال: وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة, وإلـيها تنتهي أقصى الرؤيا.
قال: حدثنا معاذ بن معاذ, قال: حدثنا سلـيـمان التـيـميّ, عن أبـي عثمان, عن سلـمان, قال: كان بـين رؤيا يوسف وبـين أن رأى تأويـلها أربعون سنة.
قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, عن سلـيـمان التـيـميّ, عن أبـي عثمان, عن سلـمان, قال: كان بـين رؤيا يوسف وبـين عبـارتها أربعون سنة.
قال: حدثنا سعيد بن سلـيـمان, قال: حدثنا هشيـم, عن سلـيـمان التـيـميّ, عن أبـي عثمان, عن سلـمان, قال: كان بـين رؤيا يوسف وبـين أن رأى تأويـلها أربعون سنة.
قال: حدثنا عمرو بن مـحمد العنقزيّ, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي سنان, عن عبد الله بن شدّاد, قال: كان بـين رؤيا يوسف وبـين تعبـيرها أربعون سنة.
وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمانـين سنة. ذكر من قال ذلك:
15218ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عبد الوهاب الثقـفـي, قال: حدثنا هشام, عن الـحسن, قال: كان منذ فـارق يوسف يعقوب إلـى أن التقـيا ثمانون سنة لـم يفـارق الـحزن قلبه, ودموعه تـجري علـى خدّيه, وما علـى وجه الأرض يومئذٍ عبد أحبّ إلـى الله من يعقوب.
15219ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن أبـي جعفر جسر بن فَرْقَد, قال: كان بـين أن فقد يعقوب يوسف إلـى يومَ رُدّ علـيه ثمانون سنة.
15220ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حسن بن علـيّ, عن فضيـل بن عياض, قال: سمعت أنه كان بـين فراق يوسف حجر يعقوب إلـى أن التقـيا ثمانون سنة.
15221ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا داود بن مهران, قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد, عن يونس, عن الـحسن, قال: أُلقـي يوسف فـي الـجبّ وهو ابن سبع عشرة سنة, وكان بـين ذلك وبـين لقائه يعقوب ثمانون سنة, وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة, ومات وهو ابن عشرين ومئة سنة.
قال: حدثنا سعيد بن سلـيـمان, قال: حدثنا هشيـم, عن يونس, عن الـحسن, نـحوه, غير أنه قال: ثلاث وثمانون سنة.
قال: حدثنا داود بن مهران, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن يونس, عن الـحسن, قال: ألقـي يوسف فـي الـجبّ وهو ابن سبع عشرة سنة, وكان فـي العبودية وفـي السجن وفـي الـملك ثمانـين سنة, ثم جمع الله عزّ وجلّ شمله وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا مبـارك بن فضالة, عن الـحسن, قال: أُلقـي يوسف فـي الـجبّ وهو ابن سبع عشرة, فغاب عن أبـيه ثمانـين سنة, ثم عاش بعدما جمع الله له شمله, ورأى تأويـل رؤياه ثلاثا وعشرين سنة, فمات وهو ابن عشرين ومئة سنة.
حدثنا مـجاهد, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا هشيـم, عن الـحسن, قال: غاب يوسف عن أبـيه فـي الـجبّ وفـي السجن حتـى التقـيا ثمانـين عاما, فما جفت عينا يعقوب, وما علـى الأرض أحد أكرم علـى الله من يعقوب.
وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمان عشرة سنة. ذكر من قال ذلك:
15222ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ذُكر لـي والله أعلـم أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثمان عشرة سنة, قال: وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نـحوها, وأن يعقوب بقـي مع يوسف بعد أن قدم علـيه مصر سبع عشرة سنة, ثم قبضه الله إلـيه.
وقوله: وَقَدْ أحْسَنَ بِـي إذْ أخْرَجَنِـي مِنَ السّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ البَدْوِ يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن قـيـل يوسف: وقد أحسن الله بـي فـي إخراجه إياي من السجن الذي كنت فـيه مـحبوسا, وفـي مـجيئه بكم من البدو. وذلك أن مسكن يعقوب وولده فـيـما ذُكر كان ببـادية فِلَسْطين كذلك.
15223ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: كان منزل يعقوب وولده فـيـما ذَكر لـي بعض أهل العلـم بـالعَرَبـات من أرض فلسطين ثغور الشام, وبعض يقول بـالأولاج من ناحية الشعب, وكان صاحبَ بـادية له إبل وشاء.
15224ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, قال: أخبرنا شيخ لنا أن يعقوب كان ببـادية فلسطين.
15225ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَقَدْ أحْسَنَ بِـي إذْ أخْرَجَنِـي مِنَ السّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ البَدْوِ وكان يعقوب وبنوه أرض كنعان أهل مواش وبرية.
15226ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: وَجاء بِكُمْ مِنَ البَدوِ وقال: كانوا أهل بـادية وماشية.
والبدو مصدر من قول القائل: بدا فلان: إذا صار بـالبـادية يبدو بدوا. وذُكر أن يعقوب دخـل مصر هو ومن معه من أولاده وأهالـيهم وأبنائهم يوم دخـلوها وهم أقلّ من مئة, وخرجوا منها يوم خرجوا منها وهم زيادة علـى ستّ مئة ألف. ذكر الرواية بذلك:
15227ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا زيد بن الـحبـاب وعمرو بن مـحمد, عن موسى بن عبـيدة, عن مـحمد بن كعب القرظي, عن عبد الله بن شدّاد, قال: اجتـمع آل يعقوب إلـى يوسف بـمصر وهم ستة وثمانون إنسانا, صغيرهم وكبـيرهم وذكرهم وأنثاهم, وخرجوا من مصر يوم أخرجهم فرعون وهم ستّ مئة ألف ونـيف.
15228ـ قال: حدثنا عمرو, عن إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن أبـي عبـيدة, عن عبد الله, قال: خرج أهل يوسف من مصر وهم ستّ مئة ألف وسبعون ألفـا, فقال فرعون: إن هؤلاء لشرذمة قلـيـلون.
15229ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن إسرائيـل والـمسعودي, عن أبـي إسحاق, عن أبـي عبـيدة, عن ابن مسعود, قال: دخـل بنو إسرائيـل مصر وهم ثلاث وستون إنسانا, وخرجوا منها وهم ستّ مئة ألف. قال إسرائيـل فـي حديثه. ستّ مئة ألف وسبعون ألفـا.
15230ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن مسروق, قال: دخـل أهل يوسف مصر وهم ثلاث مئة وتسعون من بـين رجل وامرأة.
وقوله: مِنْ بَعْدِ أنْ نَزَغَ الشّيْطانُ بَـيْنِـي وبـينَ إخْوَتـي يعنـي: من بعد أن أفسد ما بـينـي وبـينهم وجهل بعضنا علـى بعض, يقال منه: نَزَغَ الشيطان بـين فلان وفلان, يَنْزَغُ نَزْغا ونُزُوغا.
وقوله: إنّ رَبّـي لَطِيفٌ لَـما يَشاءُ يقول: إن ربـي ذو لطف وصنع لـما يشاء, ومن لطفه وصنعه أنه أخرجنـي من السجن وجاء بأهلـي من البدو بعد الذي كان بـينـي وبـينهم من بُعد الدار وبعد ما كنت فـيه من العبودة والرقّ والإسار. كالذي:
15231ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّ رَبّـي لَطِيفٌ لِـمَا يَشاءُ لطف بـيوسف وصنع له حتـى أخرجه من السجن, وجاء بأهله من البدو, ونزع من قلبه نزغ الشيطان وتـحريشه علـى إخوته.
وقوله: إنّهُ هُوَ العَلِـيـمُ بـمصالـح خـلقه, وغير ذلك لا يخفـى علـيه مبـادي الأمور وعواقبها. الـحَكيـمُ فـي تدبـيره.
الآية : 101
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنتَ وَلِيّي فِي الدّنُيَا وَالاَخِرَةِ تَوَفّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال يوسف بعد ما جمع الله له أبويه وإخوته, وبسط علـيه من الدنـيا ما بسط من الكرامة, ومكنه فـي الأرض, متشوّقا إلـى لقاء آبـائه الصالـحين: رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ يعنـي: من ملك مصر, وَعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ يعنـي من عبـارة الرؤيا, تعديدا لنعم الله وشكرا له علـيها. فـاطِرَ السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول: يا فـاطر السموات والأرض, يا خالقها وبـارئها, أنْتَ وَلِـيّـي فـي الدّنْـيَا والاَخِرَةِ يقول: أنت ولـيـي فـي دنـياي علـى من عادانـي وأرادنـي بسوء بنصرك, وتغذونـي فـيها بنعمتك, وتلـينـي فـي الاَخرة بفضلك ورحمتك. تَوَفّنِـي مُسْلِـما يقول: اقبضنـي إلـيك مسلـما. وألْـحِقْنِـي بـالصّالْـحِينَ يقول: وألـحقنـي بصالـح آبـائي إبراهيـم وإسحاق ومن قبلهم من أنبـيائك ورسلك.
وقـيـل: إنه لـم يتـمنّ أحد من الأنبـياء الـموت قبل يوسف. ذكر من قال ذلك:
15232ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْك وعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ... الآية, كان ابن عبـاس: يقول: أوّل نبـيّ سأل الله الـموت يوسف.
15233ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس, قوله: ربّ قَد آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ... الآية, قال: اشتاق إلـى لقاء ربه, وأحبّ أن يـلـحق به وبآبـائه, فدعا الله أن يتوفـاه ويـلـحقه بهم, ولـم يسأل نبـيّ قط الـموت غير يوسف, فقال: رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ وَعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأوِيـلِ الأحادِيث... الآية. قال ابن جريج: فـي بعض القرآن من الأنبـياء من قال: توفنـي.
15234ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: تَوَفّنِـي مُسْلِـما وألـحقِنْـي بـالصالِـحِينَ لـما جمع شمله, وأقرّ عينه, وهو يومئذٍ مغموس فـي نعيـم الدنـيا وملكها وغضارتها, فـاشتاق إلـى الصالـحين قبله. وكان ابن عبـاس يقول: ما تـمنى نبـيّ قط الـموت قبل يوسف.
حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا إسحاق, قال: أخبرنا عبد الله بن الزبـير, عن سفـيان, عن ابن أبـي عروبة, عن قتادة, قال: لـما جمع لـيوسف شمله, وتكاملت علـيه النعم سأل لقاء ربه فقال: رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ وَعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ فـاطِرَ السّمَوَاتِ والأرْضِ أنْتَ وَلِـيّـي فِـي الدّنْـيا وَالاَخِرَةِ تَوَفّنِـي مُسْلِـما وألْـحِقْنِـي بـالصّالِـحِينَ قال قتادة: ولـم يتـمنّ الـموت أحد قط نبـيّ ولا غيره إلا يوسف.
15235ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا هشام, قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم, قال: ثنـي غير واحد, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: أن يوسف النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـما جمع بـينه وبـين أبـيه وإخوته, وهو يومئذٍ ملك مصر, اشتاق إلـى الله وإلـى آبـائه الصالـحين إبراهيـم وإسحاق, قال: رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ وَعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ فـاطِرَ السّمَوَاتِ والأرْضِ أنْتَ وَلِـيّـي فِـي الدّنـيْا والاَخِرَةِ تَوَفّنِـي مُسْلِـما وألْـحِقْنِـي بـالصّالِـحِينَ.
15236ـ حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا إسحاق, قال: حدثنا هشام, عن مسلـم بن خالد, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: وَعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ قال: العبـارة.
15237ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: تَوَفّنِـي مُسْلِـما وألْـحِقْنِـي بـالصّالِـحِينَ يقول: توفنـي علـى طاعتك, واغفر لـي إذا توفـيتنـي.
15238ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله علـيه وعلـى أهل بـيته حين جمع الله له شمله, وردّه علـى والده, وجمع بـينه وبـينه فـيـما هو فـيه من الـملك والبهجة: يا أبَتِ هَذَا تَأوِيـلُ رُؤْياىَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبّـي حَقّا... إلـى قوله: إنّهُ هُوَ العَلِـيـمُ الـحَكِيـمُ. ثم ارعوى يوسف, وذكر أن ما هو فـيه من الدنـيا بـائد وذاهب, فقال: رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ وعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ فـاطِرَ السّمَوَاتِ والأرْضِ أنْتَ وَلِـيّـي فـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ تَوَفّنِـي مُسْلِـما وألْـحِقْنِـي بـالصّالِـحِينَ.
وذكر أن بنـي يعقوب الذين فعلوا بـيوسف ما فعلوا, استغفر لهم أبوهم, فتاب الله علـيهم وعفـا عنهم وغفر لهم ذنبهم. ذكر من قال ذلك:
15239ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن صالـح الـمري, عن يزيد الرقاشي, عن أنس بن مالك, قال: إن الله تبـارك وتعالـى بـما جمع لـيعقوب شمله, وأقرّ عينه, خلا وُلدُه نـجيّا, فقال بعضهم لبعض: ألستـم قد علـمتـم ما صنعتـم وما لقـي منكم الشيخ وما لقـي منكم يوسف؟ قالوا: بلـى. قال: فـيغركم عفوهما عنكم, فكيف لكم بربكم؟ فـاستقام أمرهم علـى أن أتوا الشيخ فجلسوا بـين يديه, ويوسف إلـى جنب أبـيه قاعد, قالوا: يا أبـانا أتـيناك فـي أمر لـم نأتك فـي أمر مثله قط ونزل بنا أمر لـم ينزل بنا مثله حتـى حركوه, والأنبـياء أرحم البرية, فقال: مالكم يا بنـيّ؟ قالوا: ألست قد علـمت ما كان منا إلـيك وما كان منا إلـى أخينا يوسف؟ قال: بلـى. قالوا: أفلستـما قد عفوتـما؟ قالا: بلـى. قالوا: فإن عفوكما لا يغنـي عنا شيئا إن كان الله لـم يعف عنا. قال: فما تريدون يا بنـيّ؟ قالوا: نريد أن تدعو الله لنا, فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفـا عما صنعنا قرّت أعيننا واطمأنت قلوبنا, وإلا فلا قرّة عين فـي الدنـيا لنا أبدا. قال: فقام الشيخ واستقبل القبلة, وقام يوسف خـلف أبـيه, وقاموا خـلفهما أذلة خاشيعن. قال: فدعا وأمن يوسف, فلـم يجب فـيهم عشرين سنة قال صالـح الـمري: يخيفهم قال: حتـى إذا كان رأس العشرين, نزل جبرئيـل صلى الله عليه وسلم علـى يعقوب علـيه السلام, فقال: إن الله تبـارك وتعالـى بعثنـي إلـيك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك فـي ولدك, وأنه قد عفـا عما صنعوا, وأنه قد اعتقد مواثـيقهم من بعدك علـى النبوّة.
15240ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان, عن أبـي عمران الـجَونـيّ, قال: والله لو كان قتل يوسف مضى لأدخـلهم الله النار كلهم, ولكن الله جلّ ثناؤه أمسك نفس يوسف لـيبلغ فـيه أمره ورحمة لهم. ثم يقول: والله ما قصّ الله نبأهم يعيرهم بذلك إنهم لأنبـياء من أهل الـجنة, ولكنّ الله قصّ علـينا نبأهم لئلا يقنط عبده.
وذُكر أن يعقوب توفـي قبل يوسف, وأوصى إلـى يوسف وأمره أن يدفنه عند قبر أبـيه إسحاق. ذكر من قال ذلك:
15241ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما حضر الـموت يعقوب, أوصى إلـى يوسف أن يدفنه عند إبراهيـم وإسحاق, فلـما مات نفخ فـيه الـمر وحمله إلـى الشام, قال: فلـما بلغوا إلـى ذلك الـمكان أقبل عيص أخو يعقوب, فقال: غلبنـي علـى الدعوة, فوالله لا يغلبنـي علـى القبر فأبى أن يتركهم أن يدفنوه. فلـما احتبسوا قال هشام بن دان بن يعقوب وكان هشام أصمّ لبعض إخوته: ما لـجدّي لا يدفن؟ قالوا: هذا عمك يـمنعه. قال: أرونـيه أين هو فلـما رآه, رفع هشام يده فوجأ بها رأس العيص وجأة سقطت عيناه علـى فخذ يعقوب, فدفنا فـي قبر واحد.
الآية : 102
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوَاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: هذا الـخبر الذي أخبرتك به من خبر يوسف ووالده يعقوب وإخوته وسائر ما فـي هذه السورة مِنْ أنْبـاءِ الغَيْبِ يقول: من أخبـار الغيب الذي لـم تشاهده, ولـم تعاينه, ولكنا نُوحِيهِ إلَـيْكَ ونعرّفكه, لنثبت به فؤادك, ونشجع به قلبك, وتصبر علـى ما نالك من الأذى من قومك فـي ذات الله, وتعلـم أن من قبلك من رسل الله إذ صبروا علـى ما نالهم فـيه, وأخذوا بـالعفو, وأمروا بـالعرف, وأعرضوا عن الـجاهلـين, فـازوا بـالظفر, وأيدوا بـالنصر, ومكنوا فـي البلاد, وغلبوا من قصدوا من أعدائهم وأعداء دين الله. يقول الله تبـارك وتعالـى لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: فـيهم يا مـحمد فتأسّ, وآثارهم فقصّ. وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ أجمَعُوا أمْرَهُمْ وَهُمْ يَـمْكُرُونَ يقول: وما كنت حاضرا عند إخوة يوسف, إذ أجمعوا واتفقت آراؤهم وصحّت عزائمهم علـى أن يُـلقوا يوسف فـي غيابة الـجبّ, وذلك كان مكرهم الذي قال الله عزّ وجلّ وهم يـمكرون. كما:
15242ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعي, عن قتادة, قوله: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ يعنـي مـحمدا صلى الله عليه وسلم, يقول: ما كنت لديهم وهم يـلقونه فـي غيابة الـجبّ وهم يـمكرون: أبـي بـيوسف.
15243ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الـخراسانـيّ, عن ابن عبـاس: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ أجمَعُوا أمْرَهُمْ وَهُمْ يَـمْكُرُونَ... الآية, قال: هم بنو يعقوب.
الآية : 103
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }.
يقول جلّ ثناؤه: وما أكثر مشركي قومك يا مـحمد, ولو حرصت علـى أن يؤمنوا بك فـيصدّقوك, ويتبعوا ما جئتهم به من عند ربك بـمصدّقـيك ولا متبعيك